بحضور أكثر من 100 رئيس دولة وحكومة، ونحو 800 من قيادات القطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والبحثية، من الصعب جداً من الناحية السياسية ألا تصر الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون على اعتبار قمة تغير المناخ ناجحة. لكن القمة التي أعلنت عن وعود تمويلية بمئات بلايين الدولارات من قبل دول ومؤسسات مانحة، وأطلقت عدة مبادرات طوعية إقليمية ودولية لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وتحسين قدرة المرونة لمواجهة آثار تغير المناخ، لم تحقق خطوات عملية ملموسة نحو الوصول إلى اتفاقية جديدة لتغير المناخ من المفترض الموافقة عليها في باريس سنة 2015 وتنفيذها اعتباراً من 2020
حسب ما أعلنه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، كان هدف قمة تغير المناخ التي عقدت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في 23 أيلول (سبتمبر) الماضي، قبل يوم من بدء أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، «زيادة الزخم السياسي للوصول إلى اتفاق عالمي ذي معنى حول تغير المناخ في باريس سنة 2015، وتحريك مبادرات تحويلية في الدول كافة نحو تخفيض الانبعاثات وبناء المرونة في مواجهة التأثيرات السلبية لتغير المناخ».
ما أصبح معتاداً في مفاوضات تغير المناخ، وخاصة في مؤتمرات الأطراف، أن القضايا تبقى مستعصية حتى اليوم الأخير من المفاوضات. فحينئذ يحدث تدخل سياسي للقوى المؤثرة، لا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين ودول مجموعة الـ 77 والدول ذات النظرة المشتركة، يساهم في الوصول إلى نصوص قد لا تحل جميع القضايا ولكنها تترك المجال مفتوحاً لمفاوضات أخرى. ما كان مؤملاً من قمة تغير المناخ هذه أن يأتي قادة الدول والمجموعات المؤثرة ببعض التعهدات السياسية العلنية التي قد تساعد مفاوضيهم في خوض مؤتمري ليما 2014 وباريس 2015 بمزاج أفضل وعلى قاعدة متينة من التفاهمات. ولكن هذا لم يحدث.
أعرب قادة الدول عن بعض المبادئ المشتركة التي يجب أن تحكم اتفاقية 2015، ولكن من دون الخوض في التفاصيل. المبادئ الأساسية التي أعلنوها وطالبوا بأن تتضمنها الاتفاقية المناخية الجديدة كانت متشعبة، وأهمها اتخاذ اجراءات على المستوى الوطني تتفق مع تقليل الانبعاثات بحيث لا يتجاوز ارتفاع معدل الحرارة العالمية درجتين مئويتين، وتنفيذ نشاطات وبرامج مكافحـة تغير المناخ ضمن سياق محاربة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. وأكدوا على ضرورة الوصول إلى أول مسودة للاتفاقية الجديدة حول تغير المناخ في ليما عاصمة البيرو في كانون الأول (ديسمبر) 2014، والتوصل إلى النص النهائي لاتفاقية عالمية ملزمة وذات معنى في باريس سنة 2015، تكون عادلة من حيث التوازن بين التخفيف من الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، وتكون مؤثرة ومستدامة وشاملة.
وتعهد الكثير من الدول بتقديم المساهمات الوطنية المحددة (INDCs) في إجراءات تغير المناخ خلال الربع الأول من 2015. وركز قادة الدول النامية على مبدأ «المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة» في الاتفاقية الجديدة، بينما ركز قادة الدول الصناعية على مبدأ جديد هو «الحقائق والظروف الراهنة» التي تتعلق بالدول النامية ذات النمو الاقتصادي السريع. وقد تعهدت دول الاتحاد الأوروبي بتقليص انبعاثاتها من غازات الدفيئة بنسبة 30 في المئة عن مستويات 1990 بحلول سنة 2030.
تشير هذه «المبادئ» التي أعلنها قادة الدول في خطاباتهم إلى أنه، حتى في حال كان هنالك اتفاق على العناوين العريضة لضرورة التوصل إلى اتفاقية جديدة وعلى أهمية تغير المناخ في الأجندة السياسية والاقتصادية للدول، فإن التفاصيل الكثيرة التي تتضمنها المفاوضات تجعل من الصعب على أي رئيس دولة أن يعلن موقفاً واضحاً الآن في هذا الوقت المبكر، بانتظار ماراثون من المفاوضات المنهكة في السنة المقبلة.
تعهدات معلنة
بعيداً عن الالتزامات السياسية، كانت القمة ناجحة كمنبر لإطلاق عدد من التعهدات المعلنة في مجالات عديدة، وخاصة التمويل. وفي هذا السياق يمكن عرض أهم هذه التعهدات التي سوف تشكل قاعدة للعمل المناخي الدولي في السنوات المقبلة حتى في حال عدم التوصل إلى اتفاقية ملزمة.
التمويل: في واحد من أهم ملفات تغير المناخ حساسية، تميزت القمة بمنظومة من الوعود والتعهدات الدولية للتمويل سواء من القطاع العام أو الخاص. وصل حجم تعهدات التمويل التي تم الإعلان عنها إلى 200 بليون دولار، معظمها لصندوق المناخ الأخضر الذي تم إطلاقه مؤخراً ليمثل نافذة تمويلية موحدة لصناديق ومبادرات التمويل المرتبطة باتفاقية تغير المناخ.
فقد التزم فريق من المستثمرين الدوليين بإزالة الكربون مما قيمته 100 بليون دولار من الاستثمارات المؤسسية بحلول مؤتمر الأطراف في باريس في كانون الأول (ديسمبر) 2015، إضافة إلى تحديد البصمة الكربونية لما قيمته 500 بليون دولار من الاستثمارات القائمة حالياً. من جهة أخرى، ستقوم مجموعة من البنوك الدولية باستثمار نحو 30 بليون دولار على شكل «سندات خضراء» لتمويل صناديق المناخ العالمية. كما أعلنت بنوك التنمية الإقليمية والدولية التابعة لنادي التمويل العالمي أنها ستزيد استثماراتها الخضراء المتعلقة بالمناخ إلى نحو 100 بليون سنوياً بحلول نهاية 2015. أما صناعة التأمين العالمية فأعلنت عن زيادة استثماراتها في مجال المناخ إلى نحو 84 بليون دولار في نهاية 2015. في المقابل، تم الإعلان عن تمويل جاهز من دول متقدمة إلى دول نامية خلال السنة المالية 2014-2015 بقيمة بليوني دولار، خاصة في مجالات التكيف مع تأثيرات تغير المناخ. أخيراً، أكدت 70 دولة ونحو 1000 شركة على أهمية الوصول إلى تسعير للكربون لدعم أسواق الكربون العالمية في السنوات المقبلة.
حماية الغابات: أقر أكثر من 150 جهة شريكة، منها 28 حكومة و35 شركة و18 مجموعة محلية و45 منظمة غير حكومية، إعلان نيويورك حول الغابات الذي يدعو إلى تقليص قطعها إلى النصف بحلول سنة 2020 والتوقف عنه تماماً سنة 2030.
المدن: تساهم المدن حالياً بنحو 70 في المئة من مجمل انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، وهي من أهم المحاور التي يجب تفعيلها لحل المشكلة. وقد أعلنت قمة المناخ عن توقيع اتفاق بين رؤساء بلديات وعمدات مدن كبرى في العالم لإحداث تقارب بين أهداف هذه المدن في تقليل الانبعاثات والتنسيق بين السياسات المختلفة لتنفيذها. كما أعلنت 228 مدينة عن أهداف طوعية لخفض الانبعاثات تصل في المجموع إلى 2.1 جيغاطن سنوياً.
الزراعة: تم الإعلان عن مبادرات لدعم الزراعة المتوافقة مناخياً بهدف مساعدة نحو 500 مليون من المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة وزيادة مرونتهم للتكيف مع آثار تغير المناخ. أحد أهم الإعلانات في المؤتمر كان حول إنشاء تحالف عالمي للزراعة المتوافقة مناخياً، مدعوماً بأكثر من 40 دولة ومنظمة وشركة. وتضم الدول المشاركة في هذا التحالف نحو ربع منتجي الحبوب في العالم، وفيها 43 مليون شخص يعاني من سوء التغذية، وتساهم في إنتاج 16 في المئة من مجموع غازات الدفيئة المنبعثة من قطاع الزراعة.
الصناعة: أطلقت خمس مبادرات مهمة لتقليل الانبعاثات من قطاع الصناعة عن طريق عدة شركاء من مؤسسات الأعمال، مع التركيز على الملوثات المناخية القصيرة العمر ومنها الميثان والكربون الأسود والهيدروكلوروفلوروكربونات. هذه المبادرات يمكن أن تقدم تأثيراً فورياً وتقلل من ارتفاع درجات الحرارة في السنوات الـ 35 المقبلة بمعدل 0.6 درجة مئوية، بالإضافة إلى تحقيق الفائدة لصحة البشر ونوعية الطعام.
الطاقة المتجددة: تم إطلاق مبادرتين لتوفير الطاقة المتجددة والنظيفة في البلدان النامية، وخاصة في شرق وجنوب أفريقيا والدول الجزرية الصغيرة النامية، بدعم من الدول الصناعية وصناديق المناخ التمويلية. وتم الاتفاق على ألا يقل حجم الاستثمار في الدول الجزرية عن 500 مليون دولار، وإنتاج ما لا يقل عن 100 ميغاواط من الخلايا الضوئية وطاقة الرياح.
كفاءة الطاقة: اتفق قادة 40 دولة و30 مدينة وعشرات الشركات على إعلان تعهدات لتقليل الانبعاثات عن طريق تحسين كفاءة الطاقة في العمليات الإنتاجية، وخاصة في مجالات كفاءة وقود المركبات وكفاءة الإضاءة والتطبيقات والأجهزة الكهربائية والأبنية.
النقل: أطلقت أربع مبادرات وتحالفات عالمية لتعظيم استخدام التكنولوجيا المنخفضة الكربون في قطاع الطاقة، وخاصة مبادرات زيادة عدد المركبات الكهربائية على الطرق وزيادة كفاءة النقل في القطارات والجو وتزويد المدن والمستوطنات البشرية المختلفة بمنظومات النقل العام المستدامة. وكان أهم هذه التعهدات ما صدر عن 110 منظومة نقل عام في 39 دولة، بينها لبنان، لتقليص الانبعاثات من خلال مجموعة إجراءات، منها زيادة عدد الباصات الجديدة وخطوط المترو ونظم مشاركة استخدام السيارات في المدن.
العرب في القمة: مزيد من التردد
في حالة استثنائية من التنظيم والكلمة الموحدة، قدمت الدول العربية موقفاً واحداً في قمة المناخ عبر عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمته التي ألقاها ممثلاً جميع الدول العربية. لم يخرج الموقف العربي عما هو متوقع، وركز على مدى هشاشة العالم العربي أمام تأثيرات تغير المناخ والحاجة إلى الالتزام بمبدأ «المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة» ودعوة الدول الصناعية إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية. كما دعا إلى الاستثمار الدولي في مشاريع الطاقة المتجددة ومكافحة التصحر في المنطقة العربية.
خارج هذا الإطار، الذي كانت جامعة الدول العربية أكدت عليه في مذكرة أرسلتها إلى جميع الدول العربية قبل شهرين من قمة المناخ، لم تقدم الدول العربية أو تشارك في أي مبادرة عالمية من تلك التي تم الإعلان عنها في المؤتمر، وهي كانت من أكثر التجمعات الإقليمية سلبية في القمة.
تلك المذكرة التي أرسلتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية «تأمل ألا تتضمن البيانات والكلمات المقدمة من رؤساء وفود الدول العربية المشاركة الإشارة إلى أية التزامات أو مساهمات سواء طوعية أو غير طوعية، أو الإعلان عن تعهدات وإجراءات للتعامل مع تغير المناخ قد تؤثر سلباً على الموقف العربي من مفاوضات تغير المناخ وخاصة الرؤية العربية في الاتفاقية الجديدة».
يبدو واضحاً أن الدول العربية فضلت التردد وانتظار نتائج مفاوضات السنة المقبلة من دون أن تلزم نفسها بأي تعهدات. لكنها في الوقت نفسه تكرر مرة أخرى خيار ترك المقاعد الأمامية للدول النامية الأكثر جسارة، التي شاركت في مبادرات نيويورك وستتمكن من قطف ثمار هذه الجرأة، في حين تبقى الدول العربية في الصفوف الخلفية.
كادر
تعاني دولنا من أزمات متفاقمة في الطاقة، في وقت تستهدف تحقيق معدلات مرتفعة للنمو. وهو ما يتطلب التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة ضمن أولوياتها لتوفير الطاقة، مع التحول إلى نمط اقتصادي أكثر حفاظاً على البيئة. من هذا المنطلق أدعو الدول المتقدمة والمؤسسات المالية والقطاع الخاص للاستثمار في هذه المشروعات.
عبدالفتاح السيسي
الرئيس المصري
ممثلاً جامعة الدول العربية
تغير المناخ ليس موجة هستيريا، إنه واقع.
ليوناردو دي كابريو
ممثل أميركي، مبعوث الأمم المتحدة للسلام وتغير المناخ
كادر
هدف جديد لانبعاثات أوروبا
في 24/10/2014، بعد شهر على انعقاد قمة نيويورك، اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة على خفض انبعاثات الكربون بحلول سنة 2030 بما لا يقل عن 40 في المئة من مستويات العام 1990. وتركز الأهداف الحالية على خفض الانبعاثات بنسبة 20 في المئة بحلول سنة 2020.