للرجال والنساء حاجات وطموحات مختلفة ووصول مختلف الى الموارد. وهم يؤدون أدواراً مختلفة، وكثيراً ما يواجهون فرصاً وقيوداً مختلفة في حياتهم وسبل عيشهم. لكن، على الأقل في ديموقراطية عصرية، من غير المقبول أن تمنع ظروف اجتماعية أو ثقافية شخصاً، أياً يكن جنسه، من بلوغ قدراته الكاملة والتمتع بحياة سعيدة ومثمرة. والهدف من تسليط الضوء على بعد جنس المرء (gender) هو ببساطة تحديد المجالات التي يتأثر فيها الرجال أو النساء ـ وعادةً النساء ـ من جراء ممارسات أو سلوكيات سائدة، واستنباط وسائل لإصلاحها.
القواعد التي يضعها مجتمع لرجاله ونسائه، والأدوار التي يؤدونها في الحياة اليومية، تختلف باختلاف المكان والزمان والثقافة. وقد تتغير، بل هي تتغير فعلاً، ولو ببطء شديد أحياناً. هذه القواعد توزع المسؤوليات بين الرجال والنساء في كل أنواع النشاطات الاجتماعية والاقتصادية، وفي الوصول الى الموارد الطبيعية والمالية، وفي عمليات صنع القرار داخل العائلة والمجتمع. الإنصاف بين الجنسين والمساواة في الفرص ليسا مجرد مسألة حقوق بشرية أساسية وعدالة اجتماعية بحيث يعتبران هدفين في ذاتهما، بل هما أيضاً شرط مسبق أساسي للتنمية المستدامة والأمن البشري.
ان تقسيم العمل والملكية والوصول الى الطاقة، المبني عموماً على فوارق ملموسة وسارية بين الجنسين، يجعل النساء والرجال ـ حتى من الطبقة الاجتماعية ذاتها ـ يختبرون محيطهم بطرق مختلفة. وهذا يعني أنهم يعيشون بمعرفة وفهم مختلفين للبيئة. على سبيل المثال، وفيما يؤثر التدهور البيئي على حياة الجميع، فإن النساء هن أكثر من يتفاعل مباشرة مع الطبيعة في حياتهن اليومية من أجل تأمين الماء والغذاء والوقود والألياف وعلف الحيوانات لأسرهن، وهن أكثر من يعاني عندما تتدهور البيئة وتدمر.
الاختلاف بين حياة النساء وحياة الرجال مشروط بالأنماط الاجتماعية التي يتنباها كل مجتمع، في الأسرة والمدرسة ومكان العبارة ومن خلال وسائل الإعلام وعبر التفاعل مع الأنداد ومع المجتمع ككل. وفي كثير من المجتمعات، خصوصاً تلك التي هي في تماس يومي مع الطبيعة، تتحمل النساء مسؤوليات كبرى في إدارة المزروعات والحيوانات، والعمل في الغابات والأراضي الرطبة والزراعة، وتلبية حاجات الأسرة مثل جلب الماء وإعداد الطعام، وتأمين الدخل، وصون موارد الأراضي والمياه المحلية. ومن خلال قيامهن بهذه المهمات، يساهمن بالوقت والطاقة والمهارات والرؤى الشخصية لتطوير الأسرة والمجتمع. وخبرتهن الواسعة، المكتسبة خلال قرون والمتناقلة عبر الأجيال، تجعلهن مصدراً لا يقدر بثمن للمعرفة والخبرة في إدارة البيئة واتخاذ التدابير الملائمة.
ولكن على رغم خبرتهن ومعرفتهن الواسعة بالتفاعلات بين البشر والبيئة، ما زالت النساء مستبعدات من الانضمام الى صانعي القرار في معظم المجتمعات. وهذا لا يعني فقط عدم الاستفادة من اهتماماتهن وهمومهن في عمليات تطوير المجتمع، بل إن وصولهن الى الموارد وإدارتها يتقلص الى حد كبير.
لتقويم هذا الوضع، يجب بذل قصارى الجهد لتمكين النساء من الدخول مباشرة في جميع الجوانب الرئيسية للحياة وأسباب العيش. ويجب أن يكن قادرات على الاضطلاع بدور رئيسي ومتكامل في عمليات صنع القرار على جميع المستويات وفي جميع النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولا تكفي النمذجة من خلال مبادرات مثل الحماية والمرافق الخاصة، فهذه تنقل النساء مسافة قصيرة إلى الأمام. أما في المدى الطويل، فنحتاج الى التزام كلي ببناء المؤسسات التي تحتجنها للتعلم وبناء المهارات والمشاركة. وهذا لا يعني فقط التزاماً كلياً بعمليات التعلم مدى الحياة، وإنما أيضاً نبذ الكثير من الممارسات الاجتماعية والثقافية التي تعود لآلاف السنين ولم تعد مقبولة بأية حال.
أشوك خوسلا رئيس منظمة «بدائل التنمية» AlternativesDevelopment في الهند. وكان رئيس الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة ورئيس نادي روما. وقد نال تقديرات عالمية، بينها جائزة ساساكاوا البيئية وجائزة زايد الدولية للبيئة. وهـو يكتب سلسلة مقالات خاصـة بـمجلة «البيئة والتنمية».
|