هانفورد، الولايات المتحدة
هناك «مزرعة خزانات» في هانفورد بولاية واشنطن الأميركية بنيت خلال أربعينات القرن العشرين، تضم خزاناتها الأحادية الجدران وحولاً مشعة ناتجة من معالجة البلوتونيوم. وقد سربت بعض هذه الخزانات كميات من الوحول المشعة لوثت المياه الجوفية.
كان موقع هانفورد جزءاً من مشروع القنبلة الذرية الأميركية، حيث تمت معالجة البلوتونيوم لصنع أول قنبلتين نوويتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان عام 1945. وعندما بدأت الحرب الباردة، ازداد الإنتاج في الموقع، الذي زود البلوتونيوم لمعظم الترسانة النووية الأميركية التي تضم نحو 60 ألف سلاح. وعلى رغم إخراج الموقع من الخدمة، ما زال يحوي ثلثي حجم النفايات العالية الإشعاع في الولايات المتحدة، أي نحو 200 مليون ليتر من النفايات السائلة، و700 ألف متر مكعب من النفايات الصلبة، ومساحة 520 كيلومتراً مربعاً من طبقة المياه الجوفية الملوثة تحت المنطقة، ما يجعله الموقع الأكثر تلوثاً في الولايات المتحدة. ويتم حالياً ضخ الوحول المشعة من الخزانات الأحادية الجدران إلى خزانات مزدوجة الجدران.
الدمار البيئي لهذه المنطقة يوضح بجلاء أن التهديد الإشعاعي قد لا يأتي نتيجة هجوم صاروخي، بل قد يكون كامناً في قلب البلد.
البحر المتوسط
تشيع منذ سنوات مزاعم بأن المافيا الإيطالية ألقت نفايات سامة في البحار، بما في ذلك نفايات مشعة، محققة أرباحاً كبيرة لقاء هذه «الخدمات». وتدعي منظمة Legambiente البيئية الإيطالية غير الحكومية أن نحو 40 سفينة محملة بنفايات سامة ومشعة اختفت في مياه البحر المتوسط منذ العام 1994. وإذا صحت هذه المزاعم، فهي ترسم صورة مخيفة لكمية غير معروفة من النفايات النووية في البحر المتوسط، لن يتضح خطرها الحقيقي إلا عندما تتفكك مئات البراميل أو تنفتح لسبب ما.
إن جمال البحر المتوسط قد يخفي كارثة بيئية قيد النشوء.
الساحل الصومالي
يقال إن المافيا الإيطالية لم تحصر نشاطها الرهيب في منطقتها الجغرافية. فثمة مزاعم أيضاً أن المياه والتربة في الصومال استُخدمت لإغراق وطمر 600 برميل من النفايات السامة والنووية، فضلاً عن نفايات طبية مشعة. ويعتقد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) أن براميل النفايات الصدئة التي جرفتها الأمواج إلى الساحل الصومالي نتيجة تسونامي 2004 تم إلقاؤها في تسعينات القرن العشرين.
إن تأثيرات هذه النفايات على السكان الفقراء، في بلد تبتليه الفوضى، قد تكون أسوأ مما يعانون فعلاً.
المجمّع الكيميائي، سيبيريا
في أيار (مايو) 2006، ولد عجل برأسين يعاني من تسمم إشعاعي في قرية نومكوفو قرب المجمع الكيميائي في سيبيريا. وقد اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هذا الدليل في مصلحة القرويين الذين يقاضون المجمّع. ويحوي هذا المجمع نفايات نووية أنتجت على امتداد أربعة عقود. وقد خزنت النفايات السائلة في برك مكشوفة، فيما تحوي مستوعبات سيئة الصيانة أكثر من 125 ألف طن من النفايات الصلبة، فضلاً عن نفايات مخزنة تحت الأرض يمكن أن تتسرب ملوثاتها الى المياه الجوفية. وقد حملت الرياح والأمطار التلوث الى الحياة البرية والمنطقة المجاورة. وأدت حوادث صغيرة الى فقدان البلوتونيوم وإلى انفجارات نشرت الإشعاع. وعلى رغم مظهر النقاء في تلك الأراضي المكسوة بالثلوج، فإن مستوى التلوث فيها مخيف حقاً.
مايلو سو، قرغيزستان
اعتبرت منطقة مايلو سو من المواقع العشرة الأكثر تلوثاً على الأرض في تقرير معهد بلاكسميث الأميركي لأبحاث التلوث عام 2006. هنا لا يأتي الإشعاع من قنابل نووية أو محطات لتوليد الطاقة، بل من التنقيب عن المواد اللازمة التي تتطلبها. كانت المنطقة تضم مرفقاً للتنقيب عن اليورانيوم ومعالجته، وهي تضم الآن 36 مكباً تحوي نحو مليوني متر مكعب من نفايات اليورانيوم. والمنطقة معرضة لنشاط زلزالي، وأي خلل في هذه المكامن قد يكشف المواد أو يجعل بعض النفايات تسقط في النهر القريب، ما يلوث المياه التي يستخدمها مئات آلاف الأشخاص. هؤلاء الناس لم يواجهوا هجوماً نووياً، ولكن لديهم سبب وجيه للعيش في خوف من نشاط إشعاعي كلما اهتزت الأرض.
مجمع ماياك الصناعي، روسيا
يضم مجمع ماياك الصناعي في شمال شرق روسيا محطة نووية عملت طوال عقود، وفي العام 1957 شهد أحد أسوأ الحوادث النووية في العالم. فقد تسرب نحو 100 طن من النفايات المشعة نتيجة انفجار، ما لوث مساحة واسعة. وبقي الانفجار قيد الكتمان حتى ثمانينات القرن العشرين.
منذ الخمسينات، كانت نفايات المحطة تلقى في الأراضي المجاورة وفي بحيرة كاراتشاي، ما أدى الى تلويث إمدادات المياه التي يعتمد عليها آلاف السكان يومياً. ويعتقد خبراء أن البحيرة قد تكون المكان الأكثر إشعاعاً في العالم، وأن أكثر من 400 ألف شخص تعرضوا للإشعاع من المحطة نتيجة عدة حوادث خطيرة، بما فيها الحرائق والعواصف الغبارية القاتلة. إن بحيرة كاراتشاي الجميلة تخفي ملوثات قاتلة، ويقال إن مستويات الاشعاع المتدفقة من النفايات المشعة إلى مياهها كافية لتزويد أي شخص جرعة قاتلة خلال ساعة.
سيلافيلد، بريطانيا
تُعرف بريطانيا بحقولها الخضراء ومناظرها الطبيعية المترامية، ولكن يكمن في قلب هذا البلد الصناعي موقع سام معرض للحوادث، يطلق نفايات خطرة في محيطات العالم.
يقع مصنع سيلافيلد على الشاطئ الغربي لبريطانيا، وكان في الأصل ينتج البلوتونيوم للقنابل النووية، ولكن تم تحويل الموقع إلى أرض تجارية. ومنذ بداية تشغيل المصنع في خمسينات القرن العشرين، وقعت فيه مئات الحوادث، ويصنف ثلثا مبانيه الآن كنفايات نووية. ويطلق المصنع نحو ثمانية ملايين ليتر من النفايات الملوثة في البحر يومياً، ما يجعل البحر الإيرلندي البحر الأكثر إشعاعاً في العالم.
بوليغون، كازاخستان
كانت هذه المنطقة في الماضي موقعاً لاختبار الأسلحة النووية التي أنتجها الاتحاد السوفياتي، فباتت الآن جزءاً من كازاخستان الحديثة. وقد تم اختيارها لمشروع القنبلة الذرية السوفياتية بسبب وضعها «غير المأهول»، على رغم أن 700 ألف نسمة كانوا يعيشون في المنطقة. ومجمّع بوليغون هو المكان الذي فجَّر فيه الاتحاد السوفياتي قنبلته النووية الأولى، ويحمل الرقم القياسي باعتباره المكان الذي يحوي أكبر تركيز للانفجارات النووية في العالم، حيث شهد 456 اختباراً خلال 40 سنة من 1949 الى 1989. وقد بقيت الاختبارات التي أجريت فيه، وتأثيرها الإشعاعي، طي الكتمان حتى إغلاقه عام 1991. ويقدر علماء أن صحة 200 ألف شخص تأثرت مباشرة بالإشعاع، فيما يحوّم شبح التلوث النووي فوق رؤوس الملايين.
تشيرنوبيل، أوكرانيا
شهدت تشيرنوبيل ما يعتبر أسوأ الحوادث النووية، وما زالت ملوثة بشكل كبير، ويُسمح لقلة من الناس بالعودة إليها لمدة زمنية محدودة. الانفجار المشؤوم في المفاعل النووي عام 1986 عرض أكثر من ستة ملايين شخص للإشعاع، وتتفاوت تقديرات الوفيات الإجمالية التي ستنجم عنه إلى حد بعيد، بين 4000 و930 ألفاً. وقد أطلق الحادث إشعاعاً أكثر 100 مرة من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وأطلق سحابة إشعاعية فوق أوروبا. وتلقت روسيا البيضاء (بيلاروسيا) 70 في المئة من الإشعاع، ويعاني مواطنوها من حالات سرطانية متزايدة. وحتى اليوم تستعيد كلمة «تشيرنوبيل» صوراً مخيفة لمعاناة بشرية.
تغطي «المنطقة المحظورة» مساحة 2600 كيلومتر مربع في أوكرانيا، وتحيط مباشرة بمحطة الطاقة النووية في تشيرنوبيل، حيث التلوث الإشعاعي من الغبار النووي المتساقط هو الأعلى.
فوكوشيما، اليابان
شكل زلزال وتسونامي 2011 كارثة مأسوية في اليابان دمرت المنازل وأزهقت الأرواح. لكن تأثيرات الدمار في محطة الطاقة النووية في فوكوشيما قد تكون الخطر الأطول أمداً. ففي أسوأ حادث نووي منذ تشيرنوبيل، أدى التسونامي المدمر الى ذوبان ثلاثة مفاعلات من ستة بسبب ارتفاع الحرارة الداخلية إلى حد أقصى، فتسرب الإشعاع الى المنطقة المجاورة وإلى البحر. وقد تم اكتشاف مواد مشعة على بعد 320 كيلومتراً من المحطة. وما زالت مضاعفات الحادث تتجلى يوماً بعد يوم، ولم يعرف بعد الحجم الحقيقي لأثره البيئي. وقد يبقى العالم معرضاً لتأثيرات هذه الكارثة طوال أجيال قادمة.