أصبحت الجزائر رسمياً أول دولة في شمال أفريقيا تشرع في عمليات التنقيب والحفر لاستكشاف الغاز الصخري، وذلك بعد أن وافق مجلس الوزراء في أيار (مايو) 2014 على الشروع في تطبيق قانون المحروقات الجديد الذي يسمح باستكشاف واستغلال الغاز والزيت الصخريين. ووافق على حفر عدة آبار خلال الأعوام الاثني عشر المقبلة، كمرحلة تمهيدية لمعرفة القدرات التجارية للجزائر في هذا المجال في آفاق سنة 2026.
قرار يقول عنه المختصون إنه يجعل الجزائر تقفز برجلين مربوطتين نحو المجهول، إذ لم تستعد كما ينبغي لما ينتظرها من مسؤولية ثقيلة في التحكم بتكنولوجيا استغلال الغاز الصخري والزيت الصخري. ويشكك كثيرون في نجاعة القوانين والتشريعات التنظيمية الخاصة بحماية مصادر المياه وسلامة البيئة وتحديد المسؤوليات في حالة حدوث كارثة أو خطأ.
وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة الطاقة الأميركية إلى أن الجزائر تأتي في المرتبة الثالثة عالمياً بعد الصين والأرجنتين باحتياط يقدر بنحو 20 ألف بليون متر مكعب (بين 25 و140 ألف بليون متر مكعب بحسب «سوناطراك»، الشركة الوطنية لاستغلال الموارد البترولية).
يقول البروفسور عبدالحكيم بن تليس، الباحث المتخصص في مجال الحفر والتنقيب عن الغاز والنفط، إن المرحلة الأولى في عملية الكشف عن كمية الغاز الصخري الموجودة تمتد ما بين 6 و7 سنوات، وتتميز بكثافة المعطيات التي يتم جمعها عند تكسير الصخرة الأم. وهي تتطلب اتباع سلسلة من التدابير الصارمة يتم تحديدها وفق المعطيات السابقة، كتلك المتعلقة بمعرفة ما إذا كان هناك تشققات أو تصدعات قريبة من مكان استخراج الغاز الصخري لتفاديه، إضافة إلى الاستخدام المستمر لعملية تسجيل الأبعاد الفيزيائية أثناء تكسير الصخرة الأم. وتكشف هذه التسجيلات عن درجة الإشعاع الذي يوجد عادة بشكل طبيعي داخل طبقات الأرض، ودرجة النفاذية بين الصخور، وكثافة المسامات، والحركة الميكانيكية للطبقات الجيولوجية، ومعطيات تقنية أخرى.
بعد عملية الحفر، المتبوعة بعملية صارمة لتبطين البئر الرئيسية تدريجياً بالإسمنت الخاص عند كل عمق لتفادي التسربات، تأتي مرحلة تجريبية تستغرق ما بين 3 و4 سنوات لاختبار وملاحظة مسار عملية استخراج الغاز الصخري. وأخيراً تحين مرحلة نقل الغاز بواسطة الأنابيب بغية استغلاله.
يؤكد بن تليس على ضرورة الإصغاء إلى رأي الباحثين وأهل الميدان، وعدم توظيف المعلومات العلمية في غير محلها، خصوصاً بعض التجارب السابقة التي يعود الإخفاق فيها إلى طبيعة التضاريس وإلى عمر التجربة آنذاك. ويضيف: «تستند هذه التدابير على مبدأ التقليل قدر الإمكان من عمليات التكسير واعتماد طريقة رشيدة في إنجازها. كما يعتبر حسن اختيار مناطق التكسير شرطاً أساسياً قبل بدء أي عمل، ويُراعى في ذلك بُعد المسافة قدر الإمكان عن المناطق الهشة المحتمل وقوع تصدعات فيها.
مناطق الإنتاج
تتجه الأنظار حالياً إلى حوض بركين في عين أمناس الواقعة في ولاية ورقلة، وولايات الوادي وبسكرة وإيليزي في الجنوب الشرقي، ومنطقة الجنوب الغربي كحوض أهنات في ولاية أدرار حيث حفرت أول بئر أواخر 2012 وهي تشهد حالياً حفر البئر الثانية، فضلاً عن أحواض رقان في عين صالح ومنطقة تندوف. أما منطقة الهضاب العليا الفاصلة بين الشمال والجنوب، فيرى خبراء ضرورة الابتعاد كلياً عنها لكونها هشة.
يقدر البروفسور بن تليس الكلفة الإجمالية لحفر بئر واحدة بنحو 18 مليون دولار، وقد تزيد عن ذلك وفق صعوبة أماكن الحفر. ويحتاج حفر بئر إلى 15 ألف متر مكعب من المياه، وهي الكمية نفسها المستعملة لحفر بئر عادية لاستغلال الغاز الطبيعي، تُضاف إليها الكمية ذاتها تحت ضغط 600 بار لتكسير الصخرة الأم. هذه المياه التي يكثر الجدل حولها يمكن استعمالها في تكسير بئر أخرى إذ تعود عبر الأنبوب نفسه الذي تم ضخها عبره، بعد أن يزول تأثير الضغط المسلط عليها لتخرج تلقائياً، وهي خليط من الماء وبعض الرمل (الذي يُبقي على التشققات مفتوحة لمرور الغاز) وكذلك الغاز الصخري.
ويقترح أن تؤخذ هذه المياه من الطبقة الجوفية التي تقع على عمق 250 إلى 1200 متر. وهذا ممكن في حالة الجزائر إذا علمنا أنها تتربع على مائدة مياه جوفية هائلة تحتوي على ما بين 40 و50 ألف بليون متر مكعب، منها 100 ألف متر مكعب تحول يومياً من ولاية عين صالح إلى تمنراست لتزويد المنطقة بماء الشرب. ويتضح أن الكمية المستغلة للحفر وللتكسير لن تؤثر بشكل يذكر على كمية هذه المياه الجوفية، وإن تكن غير قابلة للتجدد. وإذا كان البعض، في الجزائر، يتحدث عن إمكانية استغلال مياه الطبقة الجوفية المالحة الموجودة بالقرب من الصخرة الأم، غير أن ملوحتها المرتفعة جداً قد تطرح مشكلة غلق البئر في ما بعد.
تعّول الجزائر في تجربتها الجديدة في مجال الغاز الصخري على خبرتها الواسعة في مجال الحفر والتنقيب عن المحروقات واستغلالها، نظراً إلى عدد الآبار التي تم حفرها منذ الاستكشاف الأول عام 1956 إذ بلغت نحو 5000 بئر على كامل المنطقة الصحراوية. لكن ذلك لا يضعها بمعزل عن الأخطاء والكوارث التي يمكن تفاديها لو تم احترام الشروط المذكورة. وفي هذا الصدد، يُخشى خروج كميات معتبرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون مع الغاز الصخري في الجهة الغربية من الصحراء الجزائرية.
أما المواد الكيميائية المستخدمة في تهيئة الصخور قبل الشروع في تكسيرها، والتي تصل إلى 700 مادة كيميائية، فلا بد من تخزينها داخل براميل عازلة في انتظار تحويلها إلى مسحوق يمكن نقله والتخلص منه بشكل آمن.
الدعوة موجهة إلى الباحثين الجزائريين للبحث في سبل تلافي هذه المخاطر المختلفة، لكي تأتي خطوة الجزائر برجلين غير مربوطتين.