Friday 19 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
ماري لومي تطوير سياسة المناخ في بلدان الخليج  
تموز-آب /يوليو-أغسطس 2014 / عدد 196-197
 من المتفق عليه عالمياً أن ارتفاع درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين هو الحد الذي يؤدي تجاوزه إلى تغير مناخي خطير، وعلينا أن نكافح جماعياً للبقاء دونه. وقد أكد التقرير الأخير للهيئة الحكومية لتغير المناخ (IPCC) أن ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة مستمر على رغم الجهود العالمية لكبحها، وأن حرق الوقود الأحفوري هو المحرك الرئيسي لهذا الارتفاع. وخلص التقرير إلى أن البقاء دون درجتين مئويتين يتطلب تغييرات جوهرية في التكنولوجيا والمؤسسات وأنماط الاستثمار، وكلما تأخر العمل أصبحت هذه التغييرات أصعب وأكثر كلفة.
المقلق أنه إذا كان على الدول أن تفي بتعهداتها الحالية المتعلقة بتخفيض الانبعاثات، فسوف نواجه احتراراً عالمياً يزيد على ثلاث درجات مئوية. ويتفاءل البعض بالتوصل في مؤتمر باريس أواخر سنة 2015 إلى اتفاقية مناخية جديدة تتضمن التزامات إضافية من الدول المتقدمة والنامية. ولكن يشك كثيرون في أن يلبي ذلك ما يدعو إليه العلم. وعلى الجانب الإيجابي، يتزايد العمل لتخفيض الانبعاثات على المستوى الوطني في أنحاء العالم، وهذا يجلب الأمل بمزيد من التخفيضات الطموحة في المستقبل.
ومع ذلك، فإن المفاوضات الدولية، بموجب الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، ما زالت تؤدي دوراً أساسياً في لفت الانتباه الى الطبيعة الجماعية للمشكلة، ما يساعد في بناء الثقة بين الدول ويبقي التركيز على الهدف العالمي. وللأسف، فإن غالبية الدول، بما فيها دول كثيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تجادل في هذه المنتديات حول ما يجب أن يفعله الآخرون بدلاً من أن تبحث في ما يمكنها هي أن تفعل.
لكن، في الوقت ذاته، حصل تحول ملحوظ في نمط التفكير في مجلس التعاون الخليجي. فغالبية دول المنطقة تستكشف الآن، بفعالية، الفرص والفوائد التي توفرها الطاقة المنخفضة الكربون وكفاءة الطاقة ومرونة التكيف مع تغير المناخ لدعم أهدافها التنموية الأوسع. وفي دراسة لي نُشرت حديثاً، قلتُ إن الوقت حان لإجراء تفحص منهجي لهذه الفرص ولأوجه التعاون في مجلس التعاون الخليجي.
 
إمكانات تخفيض الانبعاثات
كما في أي دولة، الدافع الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي لكي تنخرط بجدية في التحول إلى تخفيض الانبعاثات يتعلق بما يدعوه العلماء الآن «ميزانية الكربون العالمية»، أي كمية انبعاثات غازات الدفيئة التي سبق أن أطلقناها وما زال بامكاننا إطلاقها بأمان. ووفق بعض التقديرات، فان ميزانيتنا الكربونية المتبقية تعادل أقل من نصف احتياطات الوقود الأحفوري المثبتة القابلة للاستخلاص اقتصادياً، ويمكن أن تخدم بالمعدلات الحالية فترة لا تتعدى ثلاثة عقود.
وفي حين أن البقاء ضمن ميزانية الكربون يقتضي تغييرات بنيوية جوهرية في جميع بلدان العالم تقريباً، فإن هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر بالنسبة الى دول مجلس التعاون الخليجي. فنظراً لاعتمادها الكبير على عائدات صادرات النفط، فان المستقبل القريب لهذه الدول مرهون بقدرة حكوماتها على سن سياسات واتخاذ إجراءات صارمة تضمن المرونة الاقتصادية والازدهار وسط هذا التحول البنيوي العالمي الكبير.
لكل دولة ظروف وطنية مختلفة، وهذه يجب أن توفر الأساس لتحديد أنواع ومستويات العمل الأكثر ملاءمة لتخفيض الانبعاثات، وإمكانات التعاون في سياق الظروف وأولويات التنمية لكل دولة. وتشمل المتغيرات الثروة والبنية الاقتصادية وأولويات التنمية والموارد الطبيعية والأحوال المناخية. ويجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضاً قدرات الدول على العمل وتأثرها بتغير المناخ وبالإجراءات الدولية بشأن المناخ، لأن هذه تلقي الضوء على أوجه القوة والضعف الوطنية، بما في ذلك نطاق تعزيز التجارب والتكنولوجيات القائمة والحاجة إلى مزيد من الدعم الخارجي.
وعلى رغم الاختلافات الواضحة، كما في الدخل الفردي أو ثروة الغاز الطبيعي، تتشابه دول مجلس التعاون الخليجي في كثير من الظروف الوطنية وأوجه القوة والضعف في ما يتعلق بالتخفيف من آثار تغير المناخ. وفي هذا السياق، فإن التنوع الاقتصادي والحفاظ على الرفاه هما الأولويتان التنمويتان الرئيسيتان للجميع. وبالنظر الى تشابه مستويات انبعاثات غازات الدفيئة في الدول الست الأعضاء في المجلس، وهي السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعُمان، فإن المجالات والإجراءات التي تتيح تحقيق إجراء تخفيضي سريع هي متشابهة أيضاً.
يبقى نطاق كبير لتخفيض «الانبعاثات الهاربة» في معظم الدول، ومن شأن التحول الى الغاز الطبيعي في قطاع الكهرباء أن يحقق تخفيضات مهمة، حيث ما زال النفط يحرق لهذا الغرض. كما أن التحسينات في الكفاءة وإدارة الطلب يمكن أن تؤدي دوراً مهماً، غالباً بكلفة «سلبية». وفي حين تسفر إصلاحات تسعير الكهرباء والمياه عن تخفيضات كبرى، يجب أن تترافق مع رفع مستوى الوعي. وتحمل تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه إمكانية تمديد خدمة الوقود الأحفوري بعد حل المسائل المتعلقة بالكلفة. عموماً، وبناء على حسابات كثافة الكربون في دول المجلس (التي تأخذ في الاعتبار المحتوى الكربوني في مزيج الطاقة وكثافة استهلاك الطاقة في الاقتصاد)، هناك حيز مهم للتحسين عبر الاقتصادات الستة. وتشير دراسات نمذجة الانبعاثات الحالية إلى إمكانية كبرى، إذ قدرت دراسة عن أبوظبي إمكانية الانحراف عن الخط القاعدي بنحو 40 في المئة من مجمل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في قطاع الكهرباء والمياه سنة 2030.
كانت الإمارات وقطر والسعودية من الدول الأكثر استباقية في المنطقة. ويظهر تحليل لنشاطاتها أنه، على رغم غياب إجراءات تخفيض الانبعاثات على المستوى الاقتصادي الشامل، فهناك مجموعة متنوعة ومتنامية من نشاطات المشاريع القطاعية والخطط المتوسطة المدى التي تسعى إما الى التصدي للانبعاثات بشكل مباشر وإما إلى تخفيض الانبعاثات كفائدة مشتركة. وانطلاقاً من هيمنة إمدادات الكهرباء على محفظة الانبعاثات في دول مجلس التعاون، يتم اتخاذ إجراءات متعددة في هذا القطاع، بما في ذلك برامج كفاءة الطاقة ومبادرات الطاقة الشمسية. وفي الوقت ذاته، بدأ الاهتمام يتجه إلى الأبنية وقطاعات الاستعمال النهائي الأخرى، متجسداً في قوانين البناء الأخضر وتوسيع شبكات النقل العام وتنفيذ خطط مستدامة لتنظيم المدن.
ويعتبر بروز وتوسع السياسات والإجراءات في الدول الخليجية الثلاث تطوراً مرحباً به، لكن انعدام التنسيق بين المشاريع التي تنفذها جهات ومنظمات مختلفة ما زال أحياناً كثيرة يعيق تعزيز الجهود. إلى ذلك، لم تتغير بعض الأدوات التي تعتبر غير جذابة سياسياً، بما في ذلك ضرائب الانبعاثات والطاقة، ورخص الانبعاثات، وأهداف تخفيض الانبعاثات للنافثين الرئيسيين مثل المرافق الصناعية الكبرى. وما زالت الأنظمة المحلية لتسعير الطاقة تميل بقوة لصالح المسارات الكثيفة الاستهلاك للطاقة والمعتمدة على الوقود الأحفوري. وبشكل عام، يبقى اعتماد خطط وأهداف محددة تحدياً صعباً، وما زال التعاون الإقليمي ضعيفاً.
الأمر السار هو أن الأهداف الرئيسية لسياسة المناخ، أي تخفيض الانبعاثات والتكيف مع الآثار المترتبة على تغير المناخ، تتماشى في الواقع مع المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية، والرؤى والاستراتيجيات التنموية، والكثير من الأهداف التنموية الأخرى في دول مجلس التعاون، بما في ذلك التنوع الاقتصادي، واستدامة الموارد الطبيعية، وبناء الاقتصاد القائم على المعرفة، والسعي إلى نمو أخضر. والواقع أن مجالات التعاون في سياسة المناخ، حيث تتضح الفوائد المشتركة لسياسات وأهداف أخرى، تشمل الطاقة المستدامة، وإمدادات المياه والغذاء، والوظائف الخضراء والتنوع الاقتصادي، ونوعية البيئة وصحتها، والكفاءة في قطاع إمداد الطاقة، وازدياد التنافسية الاقتصادية من خلال استعمال أكثر كفاءة للطاقة والموارد الطبيعية.
لكن لكي تكون سياسات التخفيض فعالة وواسعة التأثير، لا يكفي أن تكون منسجمة فقط مع المحركات الاقتصادية الاجتماعية الرئيسية والأولويات التنموية، بل يجب إدخالها في جميع الخطط التنموية وتنفيذها من خلال أهداف وسياسات وأنظمة وبرامج ومشاريع. إن استراتيجية تنموية منخفضة الانبعاثات ومرنة في التكيف مناخياً هي أداة ممكنة للتعبير بوضوح عن «الرؤى» الوطنية للتخفيض. ويستلزم إتقانها عملية متعددة الخطوات، تشتمل على تخطيط تتولاه جهات معنية متعددة، وتقييم للأوضاع، وتحليل للخيارات الاستراتيجية، وتحديد أولويات العمل، وأخيراً إعداد خريطة طريق لتنفيذ الاستراتيجية ومراقبة مسارها. ولا داعي لتضمين استراتيجية التحول الى انبعاثات منخفضة في وثيقة واحدة، لكن عملية مماثلة جيدة التصميم وتتولاها جهات معنية متعددة من شأنها أن تساعد صنّاع السياسة في مجلس التعاون على إدراك النطاق الواسع للفرص السانحة وتعزيز الاتجاه نحو العمل المناخي.
 
أين خطط دول مجلس التعاون؟
تحضيراً لاتفاقية دولية جديدة بشأن المناخ، طُلب من جميع الدول أن تقدم مساهماتها الوطنية بحلول آذار (مارس) 2015. وإضافة إلى ذلك، يتوقع المجتمع الدولي من دول مجلس التعاون الخليجي، كما من جميع الدول الأخرى، روحاً تفاوضية بناءة توفق بين المواقف المتباعدة وتركز على مصلحة الجميع بدلاً من توجيه اللوم إلى الآخرين. وبالنسبة الى المساهمات الوطنية في تخفيض الانبعاثات، سبق لدول المجلس أن أشـارت الى رغبتها في رسم خططها وإجراءاتهـا بما يتماشى مع التنوع الاقتصادي. لكن حتى الآن لم تصدر أي بلاغات من هذا النوع، ولم يُعرف بعد ما إذا كانت هذه الدول راغبة في المساهمة بإجراءات تخفيضية جديدة وطموحة في اتفاقية مناخية لما بعد سنة 2020.
ونظراً إلى الكمية القليلة نسبياً لانبعاثات غازات الدفيئة الإجمالية في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن العبء الرئيسي لتخفيضات الانبعاثات المطلقة لن يقع على أكتافها. ومع ذلك، فإن المصلحة الوطنية، والحاجة الى البقاء والازدهار في عالم يتخلى على الكربون، سبب قوي آخر لاتخاذ إجراء تخفيضي وتكيفي عاجل. والمشاركة في هذه الاجراءات والخطط على المستوى الدولي سوف توفر إشارات هامة للاستثمارات الأجنبية والوطنية، ويمكن أن تسهل الحصول على التمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات دعماً للتنفيذ.
الدافع الاقتصادي الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي نحو انتهاج مسار اقتصادي منخفض الانبعاثات هو واضح جداً. فنظراً لإلزامية بقاء الارتفاع في معدل الحرارة العالمية ضمن حدود درجتين مئويتين، فان العالم يتغير، وعلى مصدري النفط أن يتغيروا معه، وسيكون التنفيذ الكامل للخطط والمشاريع الوطنية القائمة لتخفيض الانبعاثات بداية جيدة. وهناك إشارة واعدة، هي المشاركة الفعالة بشكل متزايد للدول الثلاث ـ السعودية والإمارات وقطر ـ في الآليات الدولية ومبادرات التعاون وبناء القدرات، والاستثمارات الأجنبية في مشاريع الطاقة النظيفة، والاستثمار في أبحاث وتطوير تكنولوجيات الطاقة المستدامة.
والأمل أن تكون الخطط والمشاريع الحالية نقطة انطلاق لإجراءات وتعهدات أكثر طموحاً في المستقبل.
الدكتورة ماري لومي باحثة في معهد أبحاث الطاقة في جامعة أكسفورد البريطانية. وهي كتبت هذا المقال لمجلة «البيئة والتنمية» استناداً إلى دراسة حديثة أجرتها حول الاتجاهات الحالية لسياسات المناخ في بلدان مجلس التعاون الخليجي. ويمكن الاطلاع على الدراسة في موقع المعهد على الإنترنتwww.oxfordenergy.org
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.