آلاف المواقع الأثرية والمدن البائدة غير المعروفة سابقاً كشفتها مؤخراً صور فضائية التقطتها أقمار تجسس أميركية قبل عشرات السنين. وقد تم حفظها في «أطلس كورونا للشرق الأوسط»، وهو قاعدة بيانات لصور من «الحرب الباردة» كشف النقاب عنها رسمياً في نيسان (أبريل) 2014 خلال المؤتمر السنوي لجمعية الآثار الأميركية في أوستن بولاية تكساس.
الصور بالأسود والأبيض، تظهر مناطق تمتد من مصر إلى إيران. وقد التقطها الجيل الأول من أقمار التجسس الأميركية «كورونا» خلال الفترة من 1960 الى 1972. وهي ضاعفت ثلاث مرات عدد المواقع الأثرية المعروفة في الشرق الأوسط، كاشفة آلاف المدن والطرق والأسوار والقلاع والقنوات القديمة.
صورت أقمار «كورونا» الأرض في رقع بطول 193 كيلومتراً وعرض 16 كيلومتراً. وتم نقل أشرطة الأفلام من الفضاء داخل دلاء مجهزة بمظلات هبوط (باراشوت).
وقال عالم الآثار جيسي كاسانا، المدير المساعد للمشروع: «أروع ما في تلك الصورة الأكبر التي نحصل عليها من ترسيم المنطقة. ففي منطقة دراستنا في شمال الهلال الخصيب، وثّقنا 15 ألف موقع، ثلثها فقط سبق توثيقه ولو بشكل أولي، وتم التنقيب في عدد قليل منها».
ولعل أبرز ما في الأطلس صورة تظهر منطقة تل رفعت في سورية، مع المحيط الدائري الباهت لمدينة قديمة محصنة تتوسطها رابية ما زالت موجودة حتى الآن، لكن التحصينات الدائرية لم تعد مرئية. ويقدر كاسانا أنها من العصر البرونزي.
قام كاسانا وفريقه في مركز التكنولوجيات الفضائية المتقدمة في جامعة أركنسا الأميركية بدراسة الصور الخام ومقارنتها مع الإشارات والأدلة المتوافرة عن مستوطنات مندثرة. ومع أن الأقمار الاصطناعية توفر حالياً مشاهد أكثر وضوحاً ودقة وبالألوان للمناطق ذاتها، فان صور «كورونا» تأتي من زمن كانت فيه المواقع القديمة في الشرق الأوسط أقل تشوهاً قبل أن تجتاحها التنمية الحديثة. ويقول كاسانا إنها تحفظ مشاهد طبيعية لم يعد لها وجود في حالات كثيرة.
كثير من المواقع المكتشفة يمكن رؤيتها من مسافة أقرب، لكن «أطلس كورونا» يظهر أيضاً كيف كانت المستوطنات القديمة موزعة على نطاق واسع، حتى في أماكن لا يتسنى لعلماء الآثار الوصول إليها.
وأوضح كاسانا أن صور «كورونا» التقطت قبل توسع المدن العصرية، مثل الموصل في العراق وعمان في الأردن، واجتياحها المواقع الأثرية الكثيرة القريبة منها. وقد أغرقت مياه السدود أودية الأنهار، فغطت كثيراً من المواقع الأثرية. ومع توسع المدن، نمت الزراعة الصناعية ومشاريع الري التي تدعمها، مما حجب الطرق والمعالم التي يمكن رؤيتها بوضوح في صور أقمار التجسس.
|