أكثر من 80 في المئة من الموارد الوراثية للمحاصيل الزراعية، المخزونة في بنك المصادر الوراثية التابع للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة «إيكاردا» في مدينة حلب السورية، تم نقل نسخة منها بأمان إلى قبو البذور العالمي في سفالبارد بالنروج. ومع وصول شحنة البذور السابعة الى هذا المخزن القطبي في آذار (مارس) 2014، يكون قبو البذور العالمي تسلم من المركز ما مجموعه 116.484 مادة وراثية نباتية. وقد قام فريق «إيكاردا» بإرسال الشحنتين الأخيرتين في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 وشباط (فبراير) 2014 على رغم الأحداث الدائرة والظروف الصعبة في سورية.
وأوضح مدير عام «إيكاردا» الدكتور محمود الصلح أن حماية هذه المواد الوراثية مهمة حيوية للمركز، وقال: «نحن مؤتمنون على الثروة الوراثية من 128 بلداً، وهذا مورد لا نتحمل خسارته لأنه يضمن معيشة الناس على المدى البعيد». وكان بنك المصادر الوراثية في حلب وما زال مقراً لمجموعة ذات أهمية عالمية من السلالات المحلية للحبوب والبقول، كثير منها نادر، تم جمعها في بعثات خاصة على مدى العقود الأربعة الماضية.
وأكد الصلح لـ«البيئة والتنمية» أن «نسخة من كل مجموعات الموارد الوراثية تقريباً هي محفوظة الآن خارج سورية»، مشيراً إلى أن حفظ نسخ عن المصادر الوراثية النباتية الموجودة في أي بنك وراثي، في بنوك وراثية موثوقة، ماهو إلا اجراء روتيني تتبعه جميع البنوك الوراثية العالمية للحفاظ على مقتنياتها عند حدوث كوارث طبيعية أو نزاعات محلية أو إقليمية. وقد بدأ بنك المصادر الوراثية في «ايكاردا» عملية حفظ نسخة من مقتنياته في قبو البذور العالمي في سفالبارد قبل نشوء النزاع في سورية، الا أن استكمال هذه العملية تمت في الفترة الاخيرة رغم الصعوبات الحالية.
سلالات قوية من أقدم الحضارات
يخزن بنك «إيكاردا» للمصادر الوراثية أكبر مجموعة عالمية من محاصيل الشعير والفول والعدس، إضافة إلى أنواع أصلية من القمح القاسي والقمح الطري. وهو يحوي ما يقارب 150 ألف عينة، 65 في المئة منها سلالات محلية فريدة وبرية من الحبوب والبقول والأعلاف، تم جمعها من مناطق عرفت أقدم ممارسات تدجين المحاصيل في الحضارات البشرية، مثل الهلال الخصيب في غرب آسيا، والمرتفعات الحبشية في إثيوبيا، ووادي النيل، ومراكز تنوع اخرى في شمال أفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز. وقد اكتسبت المحاصيل في هذه المناطق منذ آلاف السنين مورثات متأقلمة طبيعياً مع الإجهادات البيئية.
أوضح الدكتور أحمد عمري، اختصاصي المحاصيل الذي يرأس وحدة الموارد الوراثية في «إيكاردا»، أن بنك المصادر الوراثية في حلب يحوي كنزاً حقيقياً من بذور المحاصيل المستوطنة في المناطق الجافة حول العالم، مضيفاً: «هذا مورد ثمين وفريد للعلماء الزراعيين الذين يبحثون عن مورثات يمكن استعمالها في برامج التهجين الدولية والوطنية، لتطوير سلالات من المحاصيل تتحمل التحديات المتعلقة بالتغير المناخي والأمراض والآفات والظروف المناخية القاسية».
ونوهت ماري هاغا، المديرة التنفيذية للصندوق العالمي لتنوع المحاصيل، بالعمل الذي تقوم به «إيكاردا»، قائلة: «إن فقدان مجموعات البذور في النزاعات خسارة جسيمة. ونحن نحيّي فريق بنك المصادر الوراثية في «إيكاردا»، الذي بذل جهوداً تتعدى واجباته لضمان الحفاظ على هذا الإرث العالمي. نحن بحاجة إلى حماية هذا التنوع، لأن أياً من هذه السلالات قد يحمل السمة التي نحتاج إلى تكييفها مع التحديات المستقبلية المعروفة وغير المعروفة».
تحسباً لدمار كارثي
كان العمل شاقاً خلال العامين الماضيين بالنسبة الى فريق بنك «إيكاردا» للمصادر الوراثية الموجود في حلب منذ العام 1983، الذي يضم 12 عضواً، أسندت إليهم مهمة إكثار البذور وتوثيقها وتوضيبها وشحنها إلى جهات تحتاجها حول العالم.ويشرح الدكتور علي شحادة، المشرف على أعمال التوزيع، أن المهمة الصعبة في ظروف العمل الاستثنائية كانت تحضير البذور بدقة وتوثيقها ووضع ملصقات على مستوعباتها تبين محتوياتها. فالفهرسة الصحيحة إلزامية لضمان تخزين البذور في الأماكن الصحيحة في قبو البذور العالمي في سفالبارد، بين نحو 20 مليون بذرة من أنحاء العالم. لكن الجهود الحثيثة لفريق العمل ضمنت، وإن ببطء، إكثار ونقل نسخة من معظم الموارد الوراثية النباتية لدى «إيكاردا» إلى قبو البذور العالمي.
تقول أولا فستنين، منسقة القبو في سفالبارد: «الوضع الحالي لبنك ايكاردا للمصادر الوراثية في سورية، ذي الأهمية العالمية، يوضح جيداً الهدف من قبو البذور العالمي، وهو أن يكون شبكة أمان لمجموعات البذور القيمة». ويخزن في سفالبارد حالياً نحو ثلث سلالات المحاصيل الغذائية المهمة في العالم. ويتولى إدارة القبو الصندوق العالمي لتنوع المحاصيل والمركز الشمالي للموارد الجينية وحكومة النروج. وهو بمثابة «تأمين» لدول العالم تحسباً لأي دمار كارثي للمحاصيل.
يؤكد الدكتور الصلح أن «جمع المصادر الوراثية للحفاظ على التنوع الحيوي للمحاصيل وضمان الإمدادات الغذائية في المستقبل بات مهماً بشكل خاص لأن تغير المناخ يشكل تهديداً خطيراً للمحاصيل والأمن الغذائي في العالم النامي». وتعمل «إيكاردا» على تحسين الأمن الغذائي في المناطق الجافة من خلال مبادراتها الخاصة بالأبحاث الزراعية من أجل التنمية.
هناك حالياً نسخة من 98 في المئة من بذور السلالات الموجودة لدى «إيكاردا» في بنوك موثوقة أخرى للمصادر الوراثية خارج سورية. أما الاثنان في المئة المتبقية فان نسخة منها مخزنة في مواقع بديلة للمركز في لبنان والمغرب وتونس وتركيا. ويواصل بنك المصادر الوراثية في حلب أعماله على رغم محدودية نشاطاته حالياً بسبب الأحداث، مؤدياً مهمات أساسية مثل الحفاظ على مجموعات البذور وإرسال عينات منها إلى الباحثين والشركاء المنتشرين حول العالم.
كادر
مركز «إيكاردا» في حلب
المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) واحد من خمسة عشر مركزاً دولياً ضمن المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، ومقره تل حديا قرب مدينة حلب في سورية، وقد باشر نشاطاته عام 1977. وهو يهتم بدعم البحوث الزراعية ودراسة العوامل البيئية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات الزراعية النامية، وتنمية الزراعة المستدامة وتطويرها للحد من وطأة الفقر والجوع، وتحقيق الأمن الغذائي في البلدان النامية.