أكد المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) إمكانية سد الفجوة في إنتاج الغذاء في المنطقة العربية، التي تصل قيمتها إلى 36 بليون دولار سنوياً، عن طريق تعزيز إنتاجية الأراضي وكفاءة الري والتعاون الإقليمي. وفي حين شدد على أهمية الاستقرار السياسي والأمني لتعزيز الإنتاج الغذائي، أشار إلى الدور الذي يلعبه تحقيق الأمن الغذائي في خلق فرص العمل ودعم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي
تمحورت جلسات المؤتمر حول المسائل التي تناولها تقرير «أفد» عن الأمن الغذائي، إضافة إلى مبادرات وبرامج ومشاريع في هذا الإطار تنفذ في المنطقة العربية. تضمنت كل جلسة عروضاً وتعقيبات من متخصصين وصانعي قرار، واختتمت بنقاش مع الحضور. هنا عرض لجلسات المؤتمر
وضع الأمن الغذائي في البلدان العربية
في الجلسة الأولى، عرض الدكتور عبدالكريم صادق، المحرر المشارك لتقرير «أفد» وكبير الاقتصاديين في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وضع الأمن الغذائي العربي كما جاء في تقرير «أفد». فعلى رغم المساعي لتحسين الإنتاج المحلي، تبقى البلدان العربية مستوردة صافية للغذاء. وقد شكلت الحبوب الأساسية نحو 63 في المئة من كمية الواردات الغذائية الرئيسية للدول العربية عام 2011، بقيمة 56 بليون دولار. وإذا لم تتحسن نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي، فيتوقع أن تقفز كلفة واردات الغذاء (بأسعار 2011) الى 150 بليون دولار سنة 2050.
ولفت صادق إلى أن الإنتاجية في البلدان العربية متدنية إجمالاً. وباستثناء مصر، حيث بلغ متوسط غلال الحبوب 7269 كيلوغراماً للهكتار، بلغت الإنتاجية في البلدان الرئيسية الأخرى المنتجة للحبوب، أي العراق والجزائر والمغرب والسودان وسورية، 1133 كيلوغراماً للهكتار، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 3619 كيلوغراماً للهكتار عام 2012. ولو تمكنت هذه البلدان من رفع غلالها إلى المتوسط العالمي، فيمكن لإنتاجها المشترك أن يرتفع من 21 مليون طن حالياً الى 68 مليون طن.
ويتم استخدام 85 في المئة من المياه لأغراض الزراعة. لكن كفاءة الري في 19 بلداً عربياً لا تتجاوز 46 في المئة، بالمقارنة مع معدل عالمي يصل إلى 70 في المئة. وإذا وصلت البلدان العربية إلى المعدل العالمي، فيمكنها توفير 50 بليون متر مكعب من المياه، أي ما يكفي لإنتاج 30 مليون طن من الحبوب، وهذا يوازي نصف كميات الحبوب المستوردة.
وأكد صادق على أهمية رفع إنتاجية المحاصيل والمياه، واستخدام مياه الصرف المعالجة في الري، والحد من خسائر ما بعد الحصاد التي تبلغ 4 بلايين دولار سنوياً، خصوصاً بسبب مشاكل النقل والتخزين، ومواجهة تأثيرات تغير المناخ، وتعزيز التعاون العربي في إنتاج الغذاء.
أدار الجلسة نجيب صعب الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية. وشارك في النقاش الدكتور عبدالسلام ولد أحمد المدير العام المساعد والممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، ولوكاس سيمونز المدير التنفيذي لمؤسسة نيوفورسايت الاستشارية لاستراتيجيات التنمية الزراعية في هولندا.
دور العلم والتكنولوجيا
أدار الجلسة الثانية وزير البيئة اللبناني محمد المشنوق. وفيها عرض الدكتور محمود الصلح، المحرر المشارك لتقرير «أفد» والمدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، دور العلم والتكنولوجيا في تعزيز الأمن الغذائي والمائي. فأشار إلى إمكانية الحصول على مكاسب كبيرة من مجموعة تقنيات أثبتت قدرتها على تعزيز إنتاجية المياه، واستراتيجيات التكامل بين المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية التي ثبتت قدرتها على تعزيز المرونة والمداخيل للمزارعين.
ومن الابتكارات الواعدة للبلدان العربية أصناف محسنة من القمح القاسي تعطي غلة أكبر بنحو 130 في المئة، وأصناف من القمح تتحمل الحرارة. وأتاح تطوير زراعة المساكب المرتفعة توفير 24 في المئة من مياه الري، وزاد الغلال بنحو 34 في المئة. أما تقنيات الزراعة من دون تربة فيمكن أن تزيد إنتاجية المياه والغلال بنسبة 50 في المئة.
ودعا الصلح إلى استثمار أكبر في العلم والتكنولوجيا والبحوث الزراعية، والاهتمام بتحسين إنتاجية القمح الذي يؤدي دوراً أساسياً في الأمن الغذائي، وتعزيز الإرشاد الزراعي وآليات نقل التكنولوجيا، وتنمية القدرات والدعم المؤسسي والشراكات بين القطاعين العام والخاص.
شارك في النقاش الدكتور علي الطخيس عضو لجنة الأشغال في مجلس الشورى السعودي، والدكتورة نهلة حولا عميدة كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتور رضا الحسن رئيس لجنة البيئة في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
تغير المناخ والنزاعات والحروب
«الأمن الغذائي ضحية تغير المناخ والنزاعات» عنوان جلسة أدارها خالد الإيراني، وزير البيئة والطاقة السابق في الأردن ورئيس الجمعية الملكية لحماية الطبيعة.
عرض الدكتور أيمن أبو حديد، وزير الزراعة ومدير الأبحاث الزراعية السابق في مصر، أثر تغير المناخ الذي سيكون إحدى القوى الرئيسية الدافعة إلى انخفاض مستويات الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب تدني الإنتاجية الزراعية وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض المتساقطات وازدياد موجات الجفاف. ونبه إلى أن نتائج نمذجة المحاصيل تشير إلى تراجع الغلال بفعل تغير المناخ بنسبة تصل إلى 30 في المئة للرز و47 في المئة للذرة و20 في المئة للقمح بحلول سنة 2050. ولكن في وسع العالم العربي أن يطور مجموعة من الاستجابات تشمل إدخال اعتبارات التأثر بتغير المناخ وإجراءات التكيف معه في الاستراتيجيات الزراعية، والتكامل بين تدابير التكيف في مجالات الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الطاقوي، وتقديم حوافز للتحول من محاصيل شديدة الاستهلاك للمياه إلى محاصيل ذات بصمة مائية متدنية.
وقدم كليمنس بريسنجر، من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في واشنطن (IFPRI)، دراسة المعهد الحديثة عن بناء القدرة لمواجهة أثر الحروب على إمدادات الغذاء في المنطقة العربية. وهي تبين أن انعدام الأمن الغذائي ليس مجرد نتيجة للنزاع، بل يمكن أن يكون أيضاً سبباً للنزاع. لذلك فإن نجاح السياسات والبرامج المتعلقة بالأمن الغذائي في بناء مرونة إزاء النزاع لا يعتمد فقط على توجهها لمساعدة البلدان والشعوب في التكيّف مع النزاع والنهوض منه، بل أيضاً على مساهمتها في الحؤول دون نشوب النزاعات ودعمها للتنمية الاقتصادية على نطاق أوسع، أي بمساعدة البلدان والشعوب على أن تصبح أفضل حالاً.
وعرض عبدالسلام ولد أحمد، المدير المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، دراسة المنظمة حول أثر النزاعات والحروب على الإنتاج الزراعي والتجارة والأمن الغذائي. فقال إن عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا تضاعف منذ الفترة 1990 ـ 1992 فبلغ 33 مليون نسمة. واعتبر أن النزاعات وعدم الاستقرار هي العامل المحرك لتدهور وضع الأمن الغذائي في المنطقة. وكانت للنزاع في سورية نتائج دراماتيكية عليها وعلى المنطقة بأسرها، قد تتفاقم إلى أزمة ممتدة حيث يتفشى انعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال والفقر. وأكد على الضرورة الملحة للعمل الإقليمي في حل النزاع لبناء مؤسسات فعالة، مشيراً إلى أن تعزيز «أجندة الأمن الغذائي والتغذية» وتقوية مرونة القطاع الزراعي هما عاملان رئيسيان للانتعاش الاقتصادي وبناء السلام.
شارك في النقاش محمود زياد أبوغنيمة نقيب المهندسين الزراعيين في الأردن، والدكتور ابراهيم عبدالجليل أستاذ البيئة والطاقة في جامعة الخليج العربي في البحرين.
من المزارعين الصغار إلى الشركات الزراعية
تعزيز الأمن الغذائي كان محور جلسة أدارها الدكتور نديم خوري نائب الأمين التنفيذي للإسكوا. فتحدث الدكتور كامل شديد، مساعد المدير العام لإيكاردا، عن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والزراعة البعلية (المطريّة) التي تشكل أكثر من 75 في المئة من الأراضي المزروعة في المنطقة العربية. وقد بينت تجارب حقلية أن الغلال قابلة للزيادة بمعدل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف باستخدام مياه المطر المجمعة والمخزنة. ويمكن لمضاعفة غلة الحبوب البعلية بهذه الطريقة من مستواها الحالي البالغ 800 كيلوغرام للهكتار أن تضيف ما بين 15 و30 مليون طن إلى الإنتاج السنوي الحالي البالغ نحو 51 مليون طن في المنطقة العربية. وأكد على أهمية تعزيز غلة الحبوب بدعم البحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا والاستثمار في الزراعة البعلية، مع ترشيد استخدام الأسمدة والمبيدات ورفع قدرات المزارعين في حصاد المياه وكفاءة الري.
وتناول الدكتور شادي حمادة، رئيس دائرة العلوم الزراعية والحيوانية والبيطرية في الجامعة الأميركية في بيروت، وضع الثروة الحيوانية ودورها في الأمن الغذائي. فأشار إلى أن البلدان العربية شديدة الاستهلاك للمنتجات الحيوانية، التي استوردت منها منطقة الخليج بقيمة 8.6 بليون دولار عام 2011، مقارنة بنحو 7.8 بليون دولار في بقية الدول العربية مجتمعة. ويواجه قطاع الثروة الحيوانية اعتماداً ثقيلاً على واردات الأعلاف، التي يمكن تخفيضها بموارد بديلة أرخص ثمناً مثل المنتجات الجانبية للصناعات الغذائية. ويبقى الإنتاج الحيواني الرعوي والبعلي هو الأكثر مرونة في وجه الجفاف الشديد، مع سياسات داعمة لحركة المواشي ووصولها الى المراعي. وشدد حمادة على أهمية التعاون البيئي العربي لتحسين استخدام الموارد وسد الثغرات في حاجات كل بلد.
شارك في النقاش الدكتور سعيد صغير زروالي رئيس برنامج الفلاحة والتنمية الريفية في لجنة التخطيط العليا في المغرب، والدكتور خالد الرويس منسق كرسي الملك عبداللـه للأمن الغذائي في جامعة الملك سعود في الرياض، والدكتور حمو العمراني خبير الموارد المائية والمناخية في جامعة الدول العربية.
نقص الإمدادات وتقلب الأسعار
عقدت جلسة حول انعكاسات الإمدادات وتقلب الأسعار على الأمن الغذائي العربي، أدارها الدكتور عبدالكريم صادق المحرر المشارك لتقرير «أفد». فتحدث الدكتور نديم خوري نائب الأمين التنفيذي للإسكوا عن سلاسل القيمة الغذائية، مشيراً إلى أن تطوير سوق إقليمية للغذاء من شأنه حفز تنافسية القطاع الزراعي وتحسين شروط التجارة الزراعية في المنطقة. وتقدر قيمة صادرات البلدان العربية بأكثر من 50 بليون دولار سنوياً، ما يمثل تدفقاً محتملاً للعائدات على البلدان العربية لو طورت سلاسل الزراعة ومعالجة الغذاء وتصنيعه بشكل أكمل داخل المنطقة. ويمكن لهذه القيمة أن تتضاعف مرتين أو ثلاث مرات لو أن الأسواق أكثر تطوراً وتكاملاً، وهذا يتطلب تدخلات مناسبة على صعيد السياسات، مثل تحرير التجارة الإقليمية، وتنويع فرص التمويل والتأمين، والحد من هدر الغذاء وضياعه في حلقات السلسلة، بما في ذلك مراحل الإنتاج والمعالجة والتصنيع والتوزيع والبيع بالتجزئة.
وتناول الدكتور حافظ غانم، من مؤسسة بروكينغز للأبحاث والسياسات المبتكرة في واشنطن، مسألة تقلب الأسعار ونقص الإمدادات. فأشار إلى أن الفترة منذ العام 2006 شهدت أحد أعلى تقلبات أسعار الغذاء، مع توقع استمرار اتجاه الأسعار إلى الارتفاع والتقلب. وتتأثر البلدان العربية خصوصاً بهذا التقلب لأنها مستوردة رئيسية للغذاء وتعتمد بشكل كبير على الأسواق العالمية من أجل أمنها الغذائي. واقترح ثلاثة إجراءات لتخفيض أثر تقلب الأسعار على الأمن الغذائي العربي: زيادة الاحتياطات الغذائية والاستفادة المثلى من الأسواق المالية لتقليل مخاطر الأسعار، وزيادة الإنتاج الغذائي المحلي بدعم صغار المزارعين والزراعات العائلية، وزيادة الاستثمار الدولي في الزراعة. ولفت إلى ضرورة عمل الحكومات على ترشيد الاستهلاك وتخفيض الهدر وتحسين التغذية، خصوصاً لمكافحة الاستهلاك المفرط للسكر والدهون والزيوت الذي يؤدي إلى رفع نسبة البدانة والأمراض القلبية والسكري.
شارك في النقاش لوكاس سيمونز المدير التنفيذي لمؤسسة نيو فورسايت الاستشارية في هولندا، والدكتور صلاح العوض رئيس قسم الاقتصاد الزراعي في جامعة الخرطوم.
خيارات الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي
أدارت رلى مجدلاني، مديرة قسم التنمية المستدامة والإنتاج في الإسكوا، جلسة حول الأمن الغذائي في دول الخليج العربية. فتحدث روب بايلي، مدير الدراسات لبحوث الطاقة والبيئة والموارد في تشاتهام هاوس في لندن، لافتاً إلى أن دول المجلس تعتمد على الواردات الغذائية لتأمين ما بين 80 و90 في المئة من حاجاتها. واعتبر أن التهديد الأكبر للأمن الغذائي في بلدان المجلس لا يتعلق بأسعار الغذاء، وإنما بتوافر الغذاء، إذ إنها محاطة بـ«نقاط اختناق» بحرية تمر عبرها جميع واردات الغذاء تقريباً، وتحديداً قناة السويس ومضيق هرمز، وهي قد تتعرض للتعطيل أو الإغلاق. وقال إن الاستعداد لمثل هذا الوضع الطارئ قد يفسر قرارات حكومية بتأمين احتياطات حبوب استراتيجية لسنة أو أكثر. ومن الحلول التي طرحها بايلي استثمار مشترك للحكومات في شبكة إقليمية من الموانئ على سواحل البحر الأحمر وبحر العرب تربط بينها سكة حديد إقليمية وأهراءات تقام في مواقع استراتيجية. ورأى أن الهدف الأكثر تضليلاً في الأمن الغذائي لدول المنطقة هو الاكتفاء الذاتي الذي أظهر التاريخ أنه بعيد المنال.
ودعا الدكتور خالد الرويس، منسق كرسي الملك عبداللـه للأمن الغذائي في جامعة الملك سعود في الرياض، إلى وضع استراتيجية موحدة لتحقيق الأمن الغذائي في دول المجلس بمشاركة الجهات الحكومية والأهلية ذات الصلة، وتفعيل البرنامج المشترك للإنتاج الزراعي الغذائي المتفق عليه في مجلس التعاون مع وضع مواصفات قياسية للمنتجات النباتية والحيوانية والسمكية. وأشار إلى أهمية وضع خطة طوارئ مشتركة لمواجهة احتمال نقص الغذاء في أوقات الطوارئ والظروف المناخية والبيئية غير المؤاتية لدول المجلس، من خلال بناء وإدارة مخزونات استراتيجية احتياطية. ومن البنود التي يجب أن تتضمنها آلية تحقيق الأمن الغذائي دراسة أنماط الاستهلاك الحالية والمتوقعة، والعلاقات بين الأمن الغذائي والأمن المائي والتنمية الريفية، وتأثير السياسات الزراعية السعرية والتسويقية والتمويلية وسياسات الدعم والإعانة الحالية، والتأثير المتوقع للتغيرات المناخية على الإنتاجية الزراعية، والتعاون بين دول المجلس والمنظمات والمراكز الدولية المتخصصة مثل الفاو وإيفاد وإيكاردا وأكساد والمنظمة العربية للتنمية الزراعية.
أما إيكارت وورتز، الباحث في مركز برشلونة للشؤون الدولية ومؤلف كتاب «النفط مقابل الغذاء: أزمة الغذاء العالمية والشرق الأوسط» الصادر حديثاً عن مطبعة جامعة أكسفورد، فرأى أن الاكتفاء الغذائي والأمن الغذائي أمران مختلفان: بإمكانك أن تكون آمناً غذائياً من دون أن تنتج غذاءك، ما دام لديك المال لدفع ثمن الواردات الغذائية وما دامت الأسواق العالمية مفتوحة. لكن شح المياه أفقد البلدان العربية القدرة على استكمال اكتفائها الغذائي منذ سبعينات القرن العشرين. والتحدي الرئيسي الذي تواجهه اليوم ليس نقص الوحدات الحرارية التي يحصل عليها الفرد من طعامه، فكثير من العرب بدناء، وإنما التحدي هو انعدام المغذيات الدقيقة مثل الفيتامينات والحديد، الذي يؤثر في الأطفال بشكل خاص. ورأى أن الوصول الى غذاء متوازن يعتمد على النمو الشامل وتلاشي اللامساواة.
وتحدث الدكتور وليد الزباري، منسق برنامج إدارة المياه في جامعة الخليج العربي، عن تجارة المياه الافتراضية كأداة للسياسات تساهم في معالجة التحديات المتعلقة بالعلاقة التلازمية بين المياه والغذاء. وعلى رغم التحفظات على مفهوم المياه الافتراضية، الذي يتضمن استيراد سلع يحتاج إنتاجها إلى كميات كبيرة من المياه، رأى أنها يمكن أن تكون أداة مهمة للتعاون في الأمن الغذائي بين المناطق وفق قربها الجغرافي والميزة النسبية في الموارد الزراعية. فيمكن مثلاً التعاون بين بلدان الخليج والبلدان الأفريقية، حيث يتم تعويض محدودية الأراضي وندرة المياه في بلدان الخليج بالاستفادة من الميزات النسبية للبلدان الأفريقية على صعيد الموارد الطبيعية والزراعية. وأكد على وجوب أن تكون استراتيجية المياه الافتراضية جزءاً متمماً ضمن الإدارة المتكاملة لموارد المياه، لافتاً إلى أن استيراد المحاصيل الكثيفة الاستهلاك للمياه لا يوفر المياه فحسب، وإنما يوفر أيضاً الطاقة اللازمة لاستخراج مياه الري أو تحليتها، خصوصاً في البلدان الخليجية.
مبادرات عربية
تعزيز الأمن الغذائي العربي من خلال مبادرات وطنية وإقليمية كان موضوع جلسة أدارها الدكتور محمود الصلح المدير العام لإيكاردا.
عرض الدكتور محمد المدفعي، المدير التنفيذي للتخطيط والسياسات البيئية في هيئة البيئة ـ أبوظبي، الاستراتيجية المائية والزراعية في أبوظبي التي تتضمن دمج إدارة الموارد المائية الثلاثة أي الجوفية والمحلاة والمعالجة. وهي تتبنى حلولاً إبداعية لإنتاج المياه وتوفيرها في ضوء خطط الطاقة وتقليل خسائر الشبكات وتشجيع كفاءة استخدام المياه. كما تنصّ على تحسين كفاءة الري، وتطوير زراعات أقل طلباً على المياه، وتقليص أثر التخلص من النفايات على المياه الجوفية، والاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة والمناسبة.
وتحدث نصرالدين حاج الأمين، المسؤول الأعلى للسياسات في منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، عن الخطة الإقليمية للأمن الغذائي التي أطلقتها الفاو عام 2014 لمساعدة بلدان الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في بناء مرونة للمواجهة والتعافي وسط تكرار الصدمات والضغوط التي تواجه الأمن الغذائي ومستوى التغذية. وتساعد المبادرة هذه البلدان في التخطيط لاستراتيجيات وسياسات أكثر فعالية، ورصد التهديدات والتحذير منها وتقييمها وتخفيف تأثيراتها السلبية على الأسواق والموارد الطبيعية واللحمة الاجتماعية، والاستجابة لحاجات الفئات التي تتأثر سبل عيشها بالأزمات.
وقدم كليمنس بريسنجر من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) في واشنطن مبادرة «الحيّز العربي» (Arab Spatial) الهادفة إلى توفير معلومات أفضل لحياة أفضل في المنطقة. ويتضمن الحيز العربي أطلساً تفاعلياً ومدونة (blog) للأمن الغذائي والتغذوي. ويتيح الأطلس للمستخدمين إعداد خرائط ورسوم بيانية وتحاليل لتوافر الغذاء والوضع الغذائي الناجم لدى الأفراد. وتقدم المدونة آراء الخبراء وتوفر منبراً لتبادل المعلومات المثبتة.
وتكلم الدكتور حبيب هليلة، مدير مشروع إيكاردا لتعزيز الأمن الغذائي في البلدان العربية، عن المشروع الذي يركز بالدرجة الأولى على تحسين إنتاج القمح والغلال ويشمل ثلاثة أنشطة رئيسية هي: نشر التقنيات المحسنة والمثبتة، والأبحاث التطبيقية، وبناء قدرة البرامج الوطنية بما في ذلك تدريب الباحثين الزراعيين الشباب. وتم التنفيذ في 14 موقعاً تجريبياً في تسعة بلدان عربية هي سورية والأردن والعراق ومصر وتونس والجزائر والمغرب والسودان واليمن. وأظهرت النتائج ارتفاعاً في الغلال بمعدل 27 في المئة.
وحدد الدكتور عودة المسحان، مدير برنامج بحوث البادية في المركز الوطني للبحوث والتطوير في الأردن، سبل تعزيز إنتاجية الأراضي الهامشية في البادية الأردنية. ومن أهمها ترويج ممارسات الاستخدام الكفوء للموارد الطبيعية، وتوفير الخدمات للمزارعين وتشجيعهم على الإنتاج العضوي المطلوب في السوق، وتطوير دور النساء الريفيات، وتحسين تسويق المنتجات، ووضع خطة لاستخدامات الأراضي وقاعدة بيانات لجميع المناطق في البادية.
دليل كفاءة المياه من «أفد» و«أكواباور»
قدم المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) خلال مؤتمره السنوي السابع في عمّان دليلاً حول كفاءة المياه، تم انتاجه بالتعاون مع شركة «أكواباور»، العضو الإقليمي في «أفد» عن قطاع الأعمال. والدليل، الذي صدر في طبعتين عربية وانكليزية، يتضمن خطوات ارشادية لتحقيق الكفاءة في استخدام المياه في المرافق الصناعية والأبنية السكنية والزراعة. وقد تحدث في المناسبة مايكل نايتس، مدير الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في شركة «أكواباور»، حول التعاون مع «أفد» في تعميم ارشادات الدليل من خلال دورات تدريبية للقطاعين العام والخاص. وجدير بالذكر أن «أكواباور» هي أكبر مطور ومالك ومشغل اقليمي لمحطات المياه والطاقة المستقلة. يمكن تنزيل نسخة الكترونية من الدليل من موقع «أفد» www.afedonline.org
مبادرات المجتمع المدني في الأمن الغذائي
قدمت أربع منظمات أهلية مبادراتها في مجال الأمن الغذائي، خلال جلسة أدارها خالد يحيى المدير العام للجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن.
تحدثت رزان زعيتر، المديرة العامة لمنظمة «العربية لحماية الطبيعة»، عن حملة المليون شجرة التي تقوم بها المنظمة. وهي تعمل على إعادة زراعة الأشجار المثمرة في فلسطين بدلاً من الأشجار التي اقتلعها الاحتلال الإسرائيلي، كمواجهة لأضرار بناء المستوطنات والطرق الالتفافيـة والجـدار العـازل. وقـد تمكنت خـلال الـفترة 2000 ـ 2014 من زراعة أكثر من مليوني شجرة لدعم صمود المزارعين الفلسطينيين في أرضهم. وتسعى المنظمة الى تعزيز قدرات الشعوب العربية على تحقيق استدامة مواردها الطبيعية وتكريس سيادتها عليها، خصوصاً في المناطق التي تعاني من الحروب والاحتلالات، وصياغة سياسات عالمية لضمان حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في الحصول على الغذاء، ولردع المخالفات البيئية في ظل الصراعات.
وعرضت إرين أديسون مشروع الحفاظ على المحاصيل التقليدية الذي تتولاه منظمة «الحمى» في الأردن، للتشجيع على زراعة محاصيل أساسية بطرق مستدامة في الحيازات الصغيرة، والجمع بين الزراعة التقليدية للأراضي الجافة والزراعة الحافظة، مع الحفاظ على أصناف البذور المتأقلمة محلياً لتعزيز التنوع الحيوي. وهو يُحيي المعارف التقليدية حول بناء الأتربة، وتجميع المياه، وحماية التنوع الحيوي، ومكافحة الأمراض المزمنة التي يمكن تجنبها، وتشجيع الأنظمة الغذائية التقليدية، مع تأمين دخل للعائلات في المناطق الفقيرة.المحاصيل التي تزرع حالياً هي القمح القاسي والشعير ذو الصفين والعدس الأحمر والحمص. وتقدم منظمة «الحمى» البذور المعتمدة وجميع نفقات الماكينات لتشجيع المزارعين على مواصلة زرع حقولهم، بشرط أن يمتنعوا عن الري أو استعمال المدخلات الكيميائية، ويحصدوا حقولهم بأنفسهم. وتضمن الحمى شراء كامل المحصول.
وجدان العقاب، الأمينة العامة للجمعية الكويتية لحماية البيئة، أفسحت المجال للطالب يوسف الرامزي، العضو في فريق أصدقاء البيئة في الجمعية، ليقدم تجربة واقعية في ترشيد استهلاك المياه. فتحدث عن تطبيق تعليمات ترشيد استهلاك المياه في منزله بمساعدة والديه، إذ قاموا بتركيب أجهزة مقتصدة بالمياه وتغيير بعض العادات والسلوكيات اليومية. فنجحت العائلة في توفير 57 في المئة من استهلاكها المائي. وكان هدفه في البداية إجراء تجربة في منزله فقط تقلل من فاتورة المياه التي يدفعها والداه. لكنه قرر أن يوصل التوعية إلى رفاقه وأهاليهم. وحصل على دعم من الجمعية لتوثيق تجربته في كتيّب. وشارك في ندوات وبرامج للتوعية. وختم قائلاً: «إذا استطعت أن أقوم بذلك وأنا في الرابعة عشرة من عمري، فمن المؤكد أن الجميع يستطيع أيضاً».
وتحدثت سوسن أبو فخرالدين، المديرة العامة لجمعية الثروة الحرجية والتنمية في لبنان، عن أهمية الغابات في المجتمع المحلي، لا سيما المناطق الريفية، إذ تعتبر مصدراً للموارد الأساسية التي يعتمد عليها المحليون في معيشتهم، مثل المنتجات الحطبية والنباتات العطرية والطبية، فضلاً عن دورها في التخفيف من آثار تغير المناخ. كما أن تدهورها وانحسارها يؤثران بشكل كبير على الأمن الغذائي في هذه المجتمعات. ومع ذلك، لم يتم استثمار هذا القطاع . لذلك تعمل الجمعية على تطوير فكرة الاستخدام المستدام لموارد الغابات، باعتبارها الوسيلة الأساسية لحمايتها، وذلك من خلال برامج مكافحة حرائق الغابات وإعادة التحريج والتنمية الريفية والتربية والتوعية البيئية.
الإسكوا: القمح ومسارات الأمن الغذائي
قدمت «الإسكوا» مسودة دراسة أعدتها بعنوان «مسارات الأمن الغذائي في المنطقة العربية: تقييم مستوى توافر القمح». وتمت مناقشتها خلال جلسة خاصة في مؤتمر «أفد».
وللقمح علاقة وطيدة بالأمن الغذائي في المنطقة العربية، تتمثل في الطلب المتنامي عليه ومساهمته ـ في المتوسط ـ بثلث السعرات الحرارية والبروتينات التي يحصل عليها المواطن العربي يومياً. وتهدف دراسة الإسكوا إلى تقييم مستوى تأمين الحصول على القمح من خلال دراسة آفاق توفر مستويات أعلى منه على الصعيد الوطني. وتقترح تحقيق ذلك من خلال تطوير منهجية للتقييم تأخذ في الاعتبار تعظيم الإنتاج، أي زيادة الإنتاجية والتوسع الأفقي بما يتناسب مع وفرة الأراضي والمياه، وتعزيز القوة الشرائية التي تمكن البلدان من التعامل مع متطلبات واردات القمح المتنامية. وبهدف الاستفادة من الدروس الماضية، تطرقت الدراسة إلى عرض بعض المبادرات الوطنية والإقليمية المتعلقة بالقمح.
في حين تظهر نتائج الدراسة أنه لا تزال هناك إمكانية لزيادة إنتاج القمح من خلال رفع الإنتاجية والتوسع الأفقي في زراعته، إلا أن المنطقة العربية بحاجة إلى رؤية عربية موحدة للتعامل مع القمح. وتقترح الدراسة تضمين عدد من الاجراءات لهذه الرؤية، منها تنسيق الأطر الوطنية القانونية والمؤسسية، وتأطير التخزين الاستراتيجي، والحد من خسائر ما بعد الحصاد، والاستثمار في البحث والتطوير، والاستثمار في عمليات تجارة القمح، والتنسيق بين قطاعات المياه والزراعة، وتنويع النظام الغذائي، والأهم من ذلك الإرادة السياسية للتعاون والتكامل الإقليميين.