تجتاح مياه المحيط الهادئ شواطئ فيجي. وقد باشرت الحكومة نقل السكان من بعض جزر الأرخبيل والمناطق الساحلية المنخفضة الى البر الرئيسي.
وكان سكان قرية فونيدوغولو الساحلية أول مجموعة تم نقلها، بعدما خربت المياه المالحة التربة الزراعية في المنطقة. وقد بنت لهم الحكومة 30 بيتاً وبركاً لتربية الأسماك، وقدمت لهم أرضاً للزراعة، بكلفة نحو مليون دولار. وتنفذ الحكومة تدابير أخرى للتكيف، إذ تبني محطات لتحلية مياه البحر وخزانات للمياه في الجزر الشمالية الأكثر تأثراً، فيما توضع خطط لنقل مزيد من السكان إلى أماكن أكثر أماناً.
وتدرك سلطات فيجي أن محنتها ليست سيئة بقدر ما هي في بلدان جزيرية أخرى في المحيط الهادئ، مثل كيريباتي وتوفالو، اللتين يتوقع علماء اختفاءهما بحلول سنة 2100. وقد أعلن رئيس فيجي راتو إبيلي نيلاتيكو أنه سيرحب بالنازحين منهما، ولو شكل ذلك ضغطاً إضافياً على أراضي بلاده ومواردها المتضائلة.
الجزر الصغيرة والأراضي المنخفضة والشواطئ هي المناطق الأكثر هشاشة أمام مياه البحار والمحيطات التي يرتفع مستواها مع الاحترار العالمي وتغير المناخ. وإذ تتقهقر الأراضي أمام هجمة المياه، تواجه الحكومات وطأة تكاليف إضافية لبناء سدود بحرية وتدبير مساكن بديلة، بل ربما أوطان بديلة، لسكان هذه المناطق.
هذه السنة، في 5 حزيران (يونيو)، يُحتفل بيوم البيئة العالمي تحت شعار «ارفعوا أصواتكم لا مستوى البحار». وهو يحمل رسالة دعم للدول الجزيرية الصغيرة، خصوصاً في مواجهة مخاطر تغير المناخ.
التحديات التي تواجهها هذه الجزر كثيرة، من تغير المناخ إلى إدارة النفايات واستنزاف الموارد وتدهور البيئة والكوارث الطبيعية. لكنها أيضاً تقدم للعالم دروساً في التكيف والإبداع في اعتماد حلول بيئية. على سبيل المثال، بدأت جزيرة توكيلو قرب نيوزيلندا مؤخراً إنتاج 100 في المئة من طاقتها من مصادر شمسية. وفي فيجي، المفتقرة إلى الموارد لإنشاء نظم تصريف وجدران بحرية واقية، يعمل السكان المحليون على إحياء غابات المنغروف والشعاب المرجانية لصد الفيضانات ومنع انجراف التربة.
اقتصاد الجزر
تربط الدول الجزيرية الصغيرة النامية علاقة حميمة بالمحيطات. فعلى سبيل المثال، تستفيد سنغافورة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي داخل النظام التجاري العالمي، فيما تعتمد بلدان أخرى مثل جزر مارشال وتوفالو على مواردها البحرية. وتساهم مصايد أسماك التونة بأكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للجزر الصغيرة في المحيط الهادئ، وتشكل أكثر من 50 في المئة من صادرات بعضها.
وتوفر الشعاب المرجانية نحو 375 بليون دولار سنوياً على شكل سلع وخدمات للعالم، وهي ملاذ مصايد الأسماك البحرية التي تمثل مصدر البروتين الرئيسي لكثير من سكان الجزر.
وفي ساموا وفيجي، تمثل أشجار جوز الهند ومنتجاتها 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتمد معظم صغار المزارعين على جـوز الهند في معيشتهم.
وتعتبر السياحة مصدراً حيوياً لاقتصادات معظم الدول الجزيرية الصغيرة النامية، حيث تمثل عائداتها أكثر من 30 في المئة من إجمالي الصادرات في حين يبلغ المتوسط العالمي نحو 5 في المئة. وتستقبل منطقة البحر الكاريبي أكثر من 21 مليون زائر سنوياً. ولو كانت هذه المنطقة بلداً واحداً، لاعتبرت ثالث أكبر بلد مستقبل للزوار في الأميركتين، بعد الولايات المتحدة والمكسيك، وفي المرتبة الرابعة عشرة على نطاق العالم.
الجزر موطن لنظم إيكولوجية عديدة، من الغابات الجبلية إلى الأراضي الرطبة التي توفر الغذاء والمياه العذبة والأخشاب والألياف والأدوية والوقود والأدوات ومواد هامة أخرى تدعم سبل المعيشة في الجزر واقتصاداتها وثقافاتها. وفي جنوب المحيط الهادئ، تغطي المنطقة الاقتصادية الخالصة لجزر كوك ـ أي المياه الإقليمية المحيطة بها ـ قرابة مليوني كيلومتر مربع، ما يعادل مساحة الهند. وهي أكبر محمية في العالم لأسماك القرش والحيتان.
وتعتبر الجزر الصغيرة بمثابة أوصياء على 30 في المئة من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة exclusiveeconomiczones في العالم، أي على 15 من أصل 50 منطقة كبرى. وتحتل كيريباتي، وهي أكبر الدول الجزيرية الصغيرة النامية من حيث الرقعة المحيطية، المرتبة الثالثة عشرة بين أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة على وجه الأرض. (المنطقة الاقتصادية الخالصة هي منطقة بحرية تمارس فيها دولة ما حقوقاً في استغلال الموارد، وهي تمتد إلى مسافة 200 ميل بحري من المياه الإقليمية).
نقاط بيئية ساخنة
الجزر الصغيرة غنية بالتنوع البيولوجي، وهي موائل لكثير من الأنواع المتوطنة التي لا توجد في أي مكان آخر على الأرض، مثل عنكبوت نيفيلا الذي ينسج خيوطاً ذهبية في سيشيل، والليمور الأبيض في مدغشقر. وتضم سيشيل وجزر القمر وجزر ماسكارين في المحيط الهندي عدداً كبيراً من أنواع الطيور المهددة بالانقراض. وتعيش في سيشيل أيضاً السلالة المتوطنة الوحيدة من البرمائيات وتدعى سوغلوسيدا، والسلحفاة العملاقة في جزيرة ألدابرا المرجانية.
وتضم كيريباتي جزر فينيكس المحمية في المحيط الهادئ، وفيها مناطق تعشيش هامة لطيور بحرية مهددة ومعرضة للانقراض، وسرطان جوز الهند، ونباتات متوطنة، وسواحل تعشيش السلاحف البحرية. وهي آخر النظم الإيكولوجية المتماسكة للأرخبيلات المرجانية، وعلى الراغبين في زيارة جزر فينيكس التقدم بطلب خاص.
كثيراً ما تساهم الجزر في التنوع البيولوجي العالمي بنسبة تفوق حجم أراضيها. وبهذا المعنى، يمكن اعتبارها مجتمعة «نقاطاً ساخنة» للتنوع البيولوجي تحوي بعضاً من أغنى مستودعات النباتات والحيوانات على وجه الأرض.
غير أن كثيراً من الأنواع الحية الجزيرية دُفعت بصورة مأسوية إلى الانقراض. ومن بين 724 حالة انقراض حيواني تم تسجيلها خلال الأربعمئة سنة الماضية، كان نصفها تقريباً يعيش على الجزر، كما أن 90 في المئة على الأقل من أنواع الطيور المنقرضة خلال هذه الفترة كانت من قاطني الجزر.
الجزر مخزونات للمعلومات الوراثية، ويمثل تنوعها البيولوجي الحالي سجلاً عمره ملايين السنين. ولهذا التنوع البيولوجي قيمة بالغة، ليس فقط لسكان هذه الجزر، وإنما للبشرية جمعاء.
تغير المناخ
لا تساهم الجزر الصغيرة كثيراً في تغير المناخ، لأن انبعاثاتها الكربونية تشكل نسبة ضئيلة من الانبعاثات العالمية، إلا أنها تتأثر كثيراً بالتغيرات في الأنماط المناخية. ويمكن أن يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في اختفاء الأراضي على امتداد الخطوط الساحلية للجزر المنخفضة، مما يؤدي إلى نزوح السكان واضطراب الاقتصادات وسبل المعيشة. على سبيل المثال، سيؤدي ارتفاع بمقدار 50 سنتيمتراً في مستوى سطح البحر إلى فقدان جزيرة غرينادا 60 في المئة من شواطئها، في حين أن ارتفاعاً بمقدار متر واحد سيؤدي إلى غمر جزر مالديف.
ويسبب تغير المناخ ابيضاض المرجان الذي أصبح حدثاً سنوياً يؤدي إلى خسائر بيئية واقتصادية. وقد أعلنت دومينيكا مثلاً أن نصف شعابها المرجانية ابيضَّت، كما ابيضّ 66 في المئة من الشعاب المرجانية الصلبة في توباغو عام 2005 وحده. وتعمل عدة بلدان جزيرية صغيرة، بينها مالديف وتوفالو وكثير من جزر البحر الكاريبي، من أجل تحقيق «الحياد المناخي» باستخدام الطاقة المتجددة ونُهج أخرى.
التنمية الاجتماعية
أحرزت الدول الجزيرية الصغيرة النامية تقدماً ملحوظاً نحو تحقيق أهداف اجتماعية معينة، في مجالات الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين وتوفير المياه والصرف الصحي وغيرها. غير أن القضاء المنهجي على الفقر ما زال يمثل تحدياً بالنسبة إلى معظمها.
وقد تحقق تقدم كبير في تخفيض وفيات الأطفال في بلدان مثل مالديف وهايتي وجزر القمر، لكن المعدل لا يزال مرتفعاً. وبدأت نسبة السكان الذين يعانون من نقص التغذية في الانخفاض بشكل عام، ولكن التغذية الكافية لا تزال مشكلة، لأن التحضر زاد وتيرة الاستهلاك والاعتماد على الأغذية المصنعة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البدانة وأمراض القلب والسكري.
وعلى رغم ارتفاع معدلات محو الأمية في الدول الجزيرية الصغيرة النامية، إلا أنها لا تشملها جميعاً، وهي الأكثر تدنياً في هايتي وباباوا نيوغينيا وبيليز. وهناك تحدٍ آخر للتنمية الاجتماعية يتمثل في محدودية القدرات البشرية، بسبب ارتفاع مستويات الهجرة بين السكان الأكثر تعلماً.
الثقافة والتراث
من التقاليد المدرجة في قائمة التراث العالمي صيد اللؤلؤ، الذي كان عماد اقتصاد البحرين لآلاف السنين. وتستحوذ الدول الجزيرية الصغيرة النامية على 28 ملكية من ممتلكات التراث العالمي (worldheritageproperties)، منها 19 ملكية ثقافية و8 ملكيات طبيعية وملكية واحدة مختلطة.
وتبين مواقع أخرى للتراث العالمي آثار الماضي الاستعماري في بلدان مثل بربادوس وفيجي. وثمة مواقع أخرى، مثل لو مورن في موريشيوس، تعد شاهداً على مقاومة الاستعباد، حيث استخدم الجبل كحصن لإيواء العبيد الهاربين.
على رغم ضآلة مساحـة البلدان الجزيرية الصغيرة، إلا أن لديها تنوعاً كبيراً في الحضارات واللغات مع تراث أصلي، فضلاً عن التأثيرات الأوروبية والأفريقيـة والعربية والآسيوية. وهي أعطت العالم مقطوعات موسيقية رائعة ومتنوعة، مثل ريغا وزوك ومامبو ودانسون وبويون وكاليبسو وسوكا وريغاتون وبونتا. كما قدمت موسيقيين مشهورين، من بينهم بوب مارلي (جامايكا)، وفرقة كومباي سيغوندو (كوبا)، وأومارا بورتوندو (كوبا)، وسيليا كروز (كوبا)، وسيلفيو رودريغيز (كوبا)، وهاري بيلافونتي (جامايكا)، وتيتو بوينتي (بورتوريكو)، وريهانا (بربادوس)، ونيكي ميناج (ترينيداد وتوباغو).
وتنظم بلدان الكاريبي عشرات المهرجانات كل عام، حيث تُعرض الفنون الشعبية والموسيقى والتقاليد. وتُنظَّم مهرجانات كاريبية أيضاً في مدن حول العالم، من أشهرها استعراض نوتينغ هيل في لندن، واستعراض جزر الهند الغربية في نيويورك.
لقد أعلنت الأمم المتحـدة 2014 سنة عالميـة للدول الجزيرية الصغيرة النامية، وقال الأمين العام بان كي مون في المناسبة: «كوكب الأرض جزيرتنا المشتركة، فلنوحد قوانا لحمايتها». ويتم حالياً التحضير لمؤتمر الأمم المتحدة حول هذه الدول الذي سيعقد في أيلول (سبتمبر) المقبل في ساموا، ويركـز على دعمهـا ومساعدتها في التصدي لتحديات تغير المناخ والتدهور البيئي والتهميش الاقتصادي.
«للدول الجزيرية الصغيرة النامية 2014 في وقت تكافح غالبية الجزر الآثار المدمرة لتغير المناخ، وبعضها، مثل جزر مالديف، تغرق فعلاً نتيجة له»
جون آش، الرئيس الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة
كادر
لؤلؤ البحرين
كان صيد اللؤلؤ عماد اقتصاد البحرين لآلاف السنين، والغـوص لاستـخراج محـار اللـؤلـؤ هو من التقاليد المدرجة في قائمة التراث العالمي
حيوانات منقرضة
من بين 724 حـالة انقـراض للحيوانات تم تسجيلها خلال الأربعمئـة سنـة الماضية، كان نصفها تقريباً يعيش على الجزر
غرق غرينادا
سيؤدي ارتفاع 50 سنتيمتراً في مستوى سطح البحر إلى فقدان جـزيرة غرينادا 60 في المئة من شواطئها، في حين أن ارتفاعاً بمقدار متر واحد سيغمر جزر مالديف
ساموا في الإعصار
في جزيرة ساموا، تسبب الإعصار إيفان عام 2012 بأضرار بلغت قيمتها نحو 400 مليون دولار، أي ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد