سوي سي - شنورك ترو، كمبوديا
تتحرك البيوت والمدارس والدكاكين وعيادات الأطباء ومجتمعات كاملة مع ارتفاع المياه وهبوطها في بحيرة تونلي ساب مع تغير الفصول. هذه البحيرة الشاسعة في كمبوديا، التي يغذيها نهر ميكونغ الجبار، هي موطن مئات آلاف الناس الذين يكدون لتأمين معيشة بسيطة لكنها سعيدة لكثيرين.
«الحياة في القرية العائمة أفضل كثيراً»، قال صياد الأسماك سوك بونليم (62 عاماً) الذي ولد وترعرع في قرية شنورك ترو على البحيرة، حيث تنتشر البيوت «العائمة» وأساطيل القوارب الخشبية والزوارق الآلية.
لقد عاش مجتمع الصيادين فوق مياه البحيرة منذ زمن أجداد أجدادهم، وكثير من المسنين لا يستطيعون تصور أي حياة أخرى. قال بونليم وهو يصلح شباكه الممزقة: «إذا انتقلنا الى البر، فلن أعرف كيف أزرع الرز. لن أعرف كيف أحرث الأرض. الأمر صعب جداً».
الحياة العصرية لم تجانب سكان البحيرة كلياً، فكثيرون الآن يملكون أجهزة ستيريو وتلفزيون وقوارب آلية صغيرة. لكن الغالبية ما زالت تعتمد على صيد الأسماك، أو تجوب القرى بالقوارب الخشبية لنقل الناس من مكان إلى آخر أو لبيع المواد الغذائية كسباً للرزق.
تونلي ساب، أي البحيرة الكبرى، أكبر بحيرة عذبة في جنوب شرق آسيا. وهي مصدر رزق لأكثر من مليون نسمة يعيشون عليها أو حولها، وتؤوي نحو 150 نوعاً من الأسماك، وفق مفوضية نهر ميكونغ. وقد صنفتها منظمة اليونسكو عام 1997 منطقة إيكولوجية ساخنة، وأعلنتها الحكومة الكمبودية محمية محيط حيوي عام 2001.
وتتحول البحيرة بتعاقب الفصول الجافة والرطبة، فتزداد مساحتها المغمورة من 3500 كيلومتر مربع كحد أدنى الى 14500 كيلومتر مربع في ذروة الفيضانات. ويتراوح عمقها الأدنى من نصف متر في نيسان (أبريل) الى تسعة أمتار في أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر). لذلك ينبغي على الناس الذين يعيشون على البحيرة التكيف مع الفيضان بجعل بيوتهم تطفو.
لكن مخزونات الأسماك بدأت تتلاشى، وكذلك حال المقيمين في القرى. يقول الصياد يورنغ ساراث (25 عاماً) وهو أب لطفلين: «لا أستطيع اصطياد ما يكفي من الأسماك. إذا كانت الريح هادئة أصطاد نحو خمسة كيلوغرامات في اليوم، وإذا كانت الريح قوية أصطاد نحو كيلوغرام فقط، ولا يمكنني كسب مال كاف لمصروف العائلة اليومي»، مضيفاً أنه يدخر المال لينتقل إلى البر ويجد عملاً هناك.
الحياة على البحيرة تتبدل مع تقلبات الزمن، لكن كثيراً من وسائل الترف العصرية لا تصل إليها، وباتت حياة البر تغري الشباب. يقول زعيم قرية شنورك ترو سامريث بينغ إن نحو 400 أسرة، أي خمس سكان القرية، غادرتها خلال السنتين الماضيتين بحثاً عن حياة أفضل على البر. وأضاف: «في الماضي كانت هناك وفرة من الأسماك، فرغب الناس بالعيش هنا، أما الآن وقد تناقص مخزون الأسماك فهم لا يستطيعون الاعتماد على الصيد. الأجيال الشابة مثل أولادي وأحفادي لم تعد تريد العيش في القرى العائمة».
يشير إحصاء تقديري لمفوضية نهر ميكونغ عام 2006 إلى أن البحيرة كانت تغل نحو 200 ألف طن من الأسماك سنوياً، أي قرابة نصف مجمل الكمية التي يتم اصطيادها سنوياً على البر الكمبودي. ولا تتوافر أرقام حديثة موثوقة لمدى هبوط مخزونات الأسماك.
ويحذر أنصار حماية الطبيعة من أن النمو السكاني وتدمير الموائل وبناء السدود في أعالي النهر تهدد مصايد الأسماك والحياة الفطرية في البحيرة. وفي محاولة لتفادي المزيد من استنزاف المخزونات، حظرت الحكومة عام 2012 الصيد التجاري الواسع النطاق في البحيرة، ما شكل نصراً للمجتمعات المحلية. يقول ناو ثورك، رئيس إدارة المصايد الكمبودية: «نحن نعمل جاهدين لتحسين مخزونات الأسماك»، وقدر أن نحو 1.5 مليون شخص يصطادون على البحيرة. لكن الصيد غير القانوني، بالصعق الكهربائي مثلاً، يبقى سبباً رئيسياً للقلق. وتحبط المخالفات الكثيرة الأمل بزيادة المخزون السمكي.
لا يعرف بالتحديد عدد سكان البيوت العائمة على البحيرة، ويؤكد المسؤولون أن عشرات آلاف العائلات تعتبر القرى المتحركة صعوداً وهبوطاً موطنها. لكن في ما عدا صيد الأسماك أو البيع في متجر، تبقى فرص العمل نادرة. ومع ازدياد الطلب على تعليم جيد وفرص عمل أفضل، قد يصبح نمط الحياة التقليدي هذا شيئاً من الماضي.
يقول الصياد بونليم: «لا أستطيع التكهن بما يحمله المستقبل لمجتمعنا العائم».