رفع إنتاجية المحاصيل والمياه • الحد من خسائر ما بعد الحصاد • مواجهة تأثيرات تغير المناخ • إعادة استخدام المياه واستيراد المياه الافتراضية • تعزيز التعاون العربي
على رغم المساعي لتحسين وضع الأمن الغذائي من خلال الإنتاج المحلي للغذاء، تبقى البلدان العربية على المستوى الوطني والمستوى تحت الإقليمي والمستوى الإقليمي مستوردة صافية للغذاء، خصوصاً الحبوب، وهي السلعة الغذائية الرئيسية في المنطقة. ويكشف الاعتماد الكبير للبلدان العربية على الواردات الغذائية عن هشاشة سلاسل الإمدادات وتقلب أسعار الغذاء، كما تبين من الأحداث والتداعيات التي رافقت الأزمة الغذائية العالمية في 2007 – 2008.
ويحد الرابط الوثيق بين الغذاء والماء من إمكانات الإنتاج الغذائي المحلي في البلدان العربية، التي تعاني نقص المياه. لكن احتمالات تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي، كجانب من جوانب حلول ندرة الغذاء، تعتمد على عكس اتجاه تدهور الموارد الزراعية المتوافرة واستخدامها بشكل فاعل ومنتج. وفي هذا الإطار، تتضمن أولويات التخطيط والعمل خيارات مثل تحسين إنتاجية المحاصيل وإنتاجية المياه وفاعلية الري، وتقليص الخسائر التالية لمرحلة الحصاد، وتعزيز إعادة استخدام المياه في الزراعة على المستوى الوطني.
ومن شأن تمتين التعاون العربي في مواجهة مخاوف ندرة الغذاء، وفق الميزة النسبية في الموارد الزراعية ورأس المال القابل للاستثمار، بالترافق مع المواءمة بين السياسات الزراعية والاستراتيجيات التنموية، أن يمهد الطريق أمام تقليص اعتماد المنطقة العربية على الواردات. ولخلق سلسلة متكاملة للقيَم الغذائية أهمية كبرى في تحقيق الجوانب الكاملة للأمن الغذائي، المتمثلة في التوافر وسهولة المنال والاستقرار والاستخدام.
يتضمن هذا المقال أبرز ما جاء في الفصل الخاص بوضع الأمن الغذائي في البلدان العربية، ضمن تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) لسنة 2014. وقد كتب هذا الفصل الدكتور عبدالكريم صادق، المستشار الاقتصادي في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والمحرر المشارك لتقرير «أفد»
تسعى البلدان العربية منذ زمن بعيد إلى تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي الغذائي، معترفة بالأهمية الاستراتيجية لضمان الغذاء بعيداً من حساسيات المصادر الخارجية. لكن التقدم المحرز لم يواكب النمو السكاني، ولم يكفِ لتقليص الاعتماد على الواردات الغذائية.
وأطلقت الأزمة الغذائية المفاجئة في 2007 - 2008، التي ترافقت مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأغذية وحظر تصدير محاصيل غذائية رئيسية من بعض البلدان المصدرة، اهتماماً إضافياً لدى كبرى البلدان المستوردة للأغذية، مثل البلدان العربية، لمضاعفة جهودها من أجل تحسين أمنها الغذائي من خلال تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي.
ويأتي الالتزام المتجدد للبلدان العربية بتحسين الاكتفاء الذاتي الغذائي على خلفية عوامل مقيدة، تشمل القحل المناخي، ومحدودية الأراضي القابلة للزراعة، وشح الموارد المائية. يُضاف إلى ذلك إفقار الموارد الزراعية، إذ أضعفها الاستخدام غير الكفوء، والإنتاجية المتدنية، وتدهور الأراضي، وتآكل التربة، واستنفاد طبقات المياه الجوفية، وتلوث الموارد المائية. هذه التداعيات الناجمة إلى حد كبير عن سياسات ضعيفة وممارسات زراعية سيئة، بالترافق مع التأثير المتوقع للتغير المناخي المستقبلي والنمو السكاني وازدياد الطلب على الغذاء، تفرض تحديات كبيرة للأمن الغذائي في البلدان العربية. لكن على رغم محدودية الموارد الزراعية وتدهورها، ثمة إمكانات جيدة لتعزيز وضع الأمن الغذائي العربي من خلال الإنتاج المحلي.
تحصل البلدان العربية على إمداداتها الغذائية من خلال مزيج من الإنتاج المحلي والواردات من بلدان أخرى. وعلى رغم مسعاها في العقود الماضية إلى تقليص اعتمادها على المصادر الخارجية، فهي لا تزال أكبر البلدان استيراداً للحبوب، التي تشكّل الغذاء الأساسي في المنطقة العربية. وعلى الصعيد الإقليمي، فالبلدان العربية شبه مكتفية ذاتياً من الفواكه والخضار والأسماك، لكنها حققت نسبة اكتفاء ذاتي بلغت 45.55 في المئة من الحبوب، و54.35 في المئة من الزيوت والدهون، و36.85 في المئة من السكر عام 2011.
إنتاج الحبوب
للحبوب أهمية خاصة للأمن الغذائي في البلدان العربية، لأنها الغذاء الأساسي للناس والعلف الرئيسي للثروة الحيوانية. وقد خصصت هذه البلدان جزءاً مهماً من مواردها الزراعية لإنتاج الحبوب، بالتوافق مع أهميتها للأمن الغذائي في ما يتعلق بالإمدادات المحلية وكلفة الواردات. وخلال العقود الماضية، احتلت المساحة المخصصة لإنتاج الحبوب جزءاً كبيراً نسبياً من الأراضي الزراعية الإجمالية في العالم، وكذلك الأمر في البلدان العربية.
تأخرت غلال الحبوب في المنطقة العربية عن نظيرتها العالمية خلال العقود الماضية. فمستواها الذي بلغ نحو 796 كيلوغراماً للهكتار عام 1961 لم يمثّل سوى 59 في المئة من المتوسط العالمي الذي سجل 1353 كيلوغراماً للهكتار، وبقي أدنى من نصف المتوسط العالمي عام 2012. وتحققت الزيادة في الإنتاج العالمي أساساً بتحسن غلال الحبوب وليس بمساحة الأراضي المزروعة بها التي ازدادت بنحو 8.5 في المئة فقط بين 1961 و2012. وفي المقابل، ازداد إنتاج الحبوب في البلدان العربية بفضل توسيع المساحة بنحو 39 في المئة خلال الفترة بين 1961 و2012.
يأتي معظم إنتاج الحبوب في المنطقة العربية من ستة بلدان، هي الجزائر ومصر والعراق والمغرب والسودان وسورية، بحصة تبلغ نحو 88 في المئة من الإنتاج الإجمالي للحبوب في المنطقة عام 2012، مع فوارق صارخة لجهة المساحة والإنتاجية. فالسودان، بحصة 22 في المئة من إجمالي المساحة المخصصة لإنتاج الحبوب في المنطقة، ساهم بمجرد 5.2 في المئة من إجمالي إنتاج الحبوب. هذه النسب المئوية غير المتناسبة إلى حد كبير بين المساحة والإنتاج هي نتيجة للفجوة الكبيرة في الإنتاجية، الناشئة في شكل رئيسي عن مزيج وكمية مدخلات الإنتاج الزراعي (الري والبذور والأسمدة والمبيدات والمكننة)، إلى جانب الممارسات والتقنية الزراعية.
الواردات الغذائية
استندت تلبية الطلب على الغذاء في البلدان العربية، على المستويات الوطنية وتحت الإقليمية والإقليمية، إلى حد كبير على الواردات. وأدت أزمة الغذاء العالمية في 2007 – 2008، التي ترافقت مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأغذية، إلى زيادة فاتورة الواردات الغذائية للبلدان العربية بأكثر من الضعف. وهكذا ازداد متوسط كلفة الواردات الغذائية من نحو 288 دولاراً للطن عام 2005 إلى نحو 525 دولاراً عام 2011، فيما ارتفع متوسط كلفة واردات الحبوب من 183 دولاراً للطن عام 2005 إلى 375 دولاراً عام 2011. ولو استمر هذا الاتجاه في واردات الغذاء في غياب تحسين نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي، لقفزت الكلفة المتوقعة لواردات الغذاء في البلدان العربية وفق الأسعار الثابتة للعام 2011، من نحو 56 بليون دولار عام 2011 إلى نحو 150 بليون دولار سنة 2050، شاملة نحو 60 بليون دولار كلفة واردات الحبوب.
مع ارتفاع كلفة واردات الغذاء، وتقلبات الأسعار، والغموض الذي يكتنف مستقبل إمدادات الغذاء في أسواق العالم، لأسباب منها تخصيص أراضٍ زراعية لإنتاج الوقود الحيوي وتداعيات التغير المناخي على القدرة الإنتاجية للأراضي وموارد المياه، تتجه البلدان العربيـة وغيرها من البلدان المستوردة للغذاء إلى البحث عن خيارات لتعزيز أمنها الغذائي، خصوصاً من خلال الاعتماد على الإنتاج المحلي للغذاء. وفي هذا المجال، ثمة مسألة تستدعي معالجة، وتتعلق باحتمالات تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي، خصوصاً بالحبوب، على ضوء إعطاء البلدان العربية أولوية قصوى لإنتاج الحبوب الأساسية التي شكّلت نحو 63 في المئة من الكمية ونحو 45 في المئة من قيمة إجمالي الواردات الغذائية الرئيسية عام 2011.
وفي هذا الإطار، تعتمد احتمالات تعزيز الاكتفاء الذاتي من الحبوب في البلدان العربية كثيراً على وضع الأراضي الزراعية والموارد المائية، وقدرتها الحيوية على إعادة توليد خدماتها، والاستدامة الزراعية بشكل عام.
وضع الموارد الزراعية
خضعت الزراعة في البلدان العربية خلال العقود الماضية لسياسات مشوِّهة وممارسات خاطئة، أفضت إلى زعزعة استدامتها البعيدة المدى. وقُيِّدت في شكل حاد قدرة الأراضي والمياه على إعادة توليد خدماتها نتيجة إهمال صحتها وحماية أنظمتها الإيكولوجية. وينعكس ذلك غالباً في ظواهر مثل تآكل التربة، وتدهور الأراضي، والتملح، واستنفاد طبقات المياه الجوفية، وتلوث المياه، وهي أمور كانت لها بصمة ثقيلة على الأراضي والموارد المائية.
وتعتبر المنطقة العربية الأفقر في العالم بالموارد المائية، على المستوى المطلق وعلى صعيد حصة الفرد، ويعود السبب الرئيسي إلى المناخ القاحل والنمو السكاني الكبير نسبياً. ويختلف توافر المياه العذبة للفـرد في شكل كبير بين البلدان العربية، فيتراوح من نحو سبعة أمتار مكعبة سنوياً في الكويت إلى 3147 متراً مكعباً في موريتانيا، فيما بلغ المتوسط الإقليمي 813 متراً مكعباً عام 2011. وقد تدنت حصة الفـرد من الموارد المائية المتجددة عن مستوى الشح المطلق البالغ 500 متر مكعب سنوياً في 13 بلداً. ويرتبط توافر المياه للفرد في شكل وثيق بالنمو السكاني المتوقع، الذي سيفرض ضغوطاً أكبر على الموارد المائية، فينخفض المتوسط الإقليمي لحصة الفرد إلى نحو 497 متراً مكعباً، ويرتفـع عدد البلدان العربية التي تواجه الشح المطلق إلى 15 بلداً سنة 2050. وقد استُخدم الجزء الرئيسي من سحوبات المياه في المنطقة العربية لدعم المناطق الزراعية المروية، التي تستهلك في المتوسط 85 في المئة من إجمالي السحوبات المائية، بكفاءة ري يبلغ معدلها 51 في المئة.
وجدير بالذكر أن سحب المياه العذبة لأغراض زراعية في سبعة بلدان عربية يتجاوز مواردها المائية السنوية المتجددة الى حد كبير، متراوحاً بين 103 في المئة في مصر و2460 في المئة في الكويت. وتشير هذه النسب المئوية المرتفعة إلى الاعتماد الكبير على المياه الجوفية الأحفورية، والاستنفاد السريع للموارد المائية المتجددة وغير المتجددة. وفي البلدان الشديدة الإجهاد المائي، مثل بلدان مجلس التعاون الخليجي وليبيا واليمن، لا تتوافر احتمالات لزيادة المساحات المروية أو حتى الحفاظ على الري في المساحات الحالية.
وفق منظمة الأغذية والزراعة، تكون البلدان في وضع مائي حرج إن استخدمت أكثر من 40 في المئة من مواردها المائية المتجددة في الزراعة، ويمكن تعريفها بأنها مجهدة مائياً إذا سحبت أكثر من 20 في المئة من هذه الموارد. وعلى أساس هذا التعريف، فإن معظم البلدان العربية هي إما في وضع مائي حرج أو مجهدة مائياً. ويعود السبب إلى أن السحب من مواردها المائية المتجددة للزراعة يفوق كثيراً الحدود المحددة.
احتمالات تحسين الأمن الغذائي
ترتبط المياه وإنتاج الغذاء بشكل لا فكاك له. ويمثّل شـح مصادر المياه العذبة، والاستخدام المكثف للمياه في الزراعة، وتنافس القطاعات المنزلية والصناعية على الموارد المائية المتوافـرة، ونمـو الطلب على المياه بدفع من النمو السكاني، إلى جانب ازدياد المداخيل، تحديات طاغية للاكتفاء الذاتي الغذائي في البلدان العربية.
لكن هذه البلدان لا تزال قادرة على تعزيز أمنها الغذائي من خلال تطبيق عدد من الخيارات، يدعمها تبني السياسات والممارسات الصائبة والتقنيات المناسبة، وبشكل خاص التدابير الآتية:
تحسين كفاءة الري: يمثّل تحسين كفاءة الري لإنتاج مزيد من المحاصيل بمياه أقل، خياراً ذا أهمية كبيرة لتحسين الأمن الغذائي في البلدان التي تعاني شحاً في المياه. وقد يكون تحسين كفاءة استخدام المياه مهمة معقدة لتحديد العوامل الرئيسية الكامنة التي تؤثر في كفاءة مكونات نظام تسليم المياه، بما فيها نقلها واستخدامها في الحقول.
وباستثناء مصر والجزائر وتونس، تقل كفاءة الري في البلدان العربية الأخـرى كلها عن 70 في المئة، وتبلغ كفاءة الري فيها نحو 46 في المئة. ويمكن لرفع كفاءة الري في هذه البلدان إلى 70 في المئـة أن يوفّر نحو 50 بليون متر مكعب من المياه، تكفي لإنتـاج 30 مليون طن من الحبوب، أو ما يعادل 45 في المئة من واردات الحبوب، التي تبلغ كلفتها نحو 11.25 بليون دولار وفـق أسـعار الاستـيراد عام 2011.
تعزيز إنتاجية المحاصيل: باستثناء مصر، حيث بلغ متوسط غلال الحبوب 7269 كيلوغراماً للهكتار، تُعتبَر إنتاجية المحاصيل في المنطقة العربية متدنية عموماً، خصوصاً الحبوب الأساسية التي تراجعت إنتاجيتها عن المتوسط العالمي خلال العقود الخمسة الماضية، لتصل إلى نحو 2044 كيلوغراماً للهكتار، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 3619 كيلوغراماً للهكتار عام 2012.
ولو أن خمسة بلدان رئيسية منتجة للحبوب غير مصر (العراق والجزائر والمغرب والسودان وسورية) حيث بلغ متوسط الغلال 1133 كيلوغراماً للهكتار عام 2012، تمكنت لوحدها من رفع غلال الحبوب إلى المتوسط العالمي، فيمكن لإنتاجها المشترك أن يرتفع من المستوى الحالي البالغ نحو 21 مليون طن إلى نحو 68 مليون طن في المستقبل، أي بزيادة نحو 47 مليون طن عن الإنتاج الحالي.
وتبيّن بحوث يجريها المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، يدعمها تمويل من مؤسسات تنموية وطنية وإقليمية عربية، هي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والإجتماعي، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق الأوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، نتائج مشجعة في شأن إنتاج القمح في بعض البلدان العربية. وقد حقق الموسم الأول المكتمل (2011 ـ 2012) زيادة مهمة في الحقول التجريبية مقارنة بحقول المزارعين في كل من نظم زراعة القمح القائمة على الري ونظيراتها المعتمدة على مياه المطر.
وتقدّم هذه النتائج دليلاً قوياً على أهمية البحوث الزراعية المتعلقة بالاكتفاء الذاتي الغذائي في البلدان العربية. ولو عُمِّمت نتائج «إيكاردا»حول غلال القمح على المزارعين على نطاق واسع، مع تطبيق ممارسات زراعية كتلك المطبقة في الحقول التجريبية، لكانت احتمالات زيادة الإنتاج في البلدان العربية المنتجة للقمح واعدة جداً. وتحد الموارد المائية الشحيحة في المنطقة من توسع أنظمة الري وتتطلب تنمية إضافية للنظم المطرية.
تحسين إنتاجية المحاصيل المطرية: لا تزال الزراعة المطرية، أي التي تسقى بمياه الأمطار، تقدّم نحو 60 في المئة من غذاء العالم، ويمكن لتحسين إنتاجيتها أن يترك أثراً مهماً في الإنتاج الغذائي العالمي. وتُمارَس الزراعة المطرية في المنطقة العربية في نحو 75 في المئة من المساحة المزروعة. وتكون إنتاجية محاصيل مثل الحبوب متدنية جداً في الأراضي المطرية مقارنة بالأراضي المروية. ولتحسين غلال الحبوب المطرية أهمية كبرى في تحسين الاكتفاء الذاتي.
وتشير الفاو إلى أن إمكانية تحسين الغلال تعتمد بشكل كبير على أنماط هطول المطر، لكن في المناطق الجافة يمكن لحصاد مياه المطر أن يقلص الأخطار ويزيد الغلال. وتلفت إلى أنواع مختلفة من حصاد مياه المطر، بما فيها الحفاظ على المياه في الموقع الأصلي، والري بمياه الفيض، والتخزين بغرض الري التكميلي. وأظهر العمل في بعض البلدان النامية، بما فيها السودان، أن الغلال يمكن أن تُزَاد إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف من خلال حصاد مياه المطر، مقارنة بالزراعة الجافة التقليدية.
تحسين إنتاجية المياه: يشكّل رفع إنتاجية المياه المستخدمة في إنتاج الغذاء إلى حدها الأقصى، خصوصاً البلدان التي تعاني شحاً، خياراً ذا أهمية كبرى لتحسين الأمن الغذائي. وإنتاجية المياه هي مقياس تحويلها إما إلى كمية المحصول المنتج بمتر مكعب من المياه (كيلوغرام للمتر المكعب) أو إلى القيمة النقدية للمحصول المنتج بمتر مكعب من المياه (دولار للمتر المكعب). وهكذا تُقاس إنتاجية المياه بقيم مادية أو اقتصادية.
تأخذ إنتاجية المياه الاقتصادية في الاعتبار تحويل المياه إلى محاصيل أكبر قيمة، فيما تهمل إنتاجية المياه المادية قيمة المحصول لتركز على «مزيد من المحصول لكل قطرة». ويتفاوت الاختيار بين هذين المؤشرين بحسب البلدان، ويعتمد على الأهمية التي يوليها البلد لكمية المحصول أو قيمته من ضمن الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأوسع للأمن الغذائي.
ويُعتبَر تحسين غلال المحاصيل خياراً رئيسياً لتحسين الاكتفاء الذاتي في أغذية أساسية مثل الحبوب. لكن من المهم الإشارة إلى أن رفع إنتاجية المياه المستخدمة في زراعة المحاصيل إلى حدها الأقصى يتطلب مجموعة من العوامل المكملة، مثل تبني أنظمة ري كفوءة وحديثة، بالترافق مع ممارسات زراعية فضلى ومدخلات محسنة تفضي إلى استدامة زراعية.
تقليص خسائر ما بعد الحصاد: يُقدَّر أن خسائر الحبوب السنويـة في البلدان العربية تمثّل نحو 13 في المئة من إجمالي الإنتـاج الإقليمي للحبوب. وتعزى الأسباب الرئيسية لهذه الخسائـر إلى أساليب غير مناسبـة في حصـاد المحاصيل ومعالجتها ونقلها وتخزينها، إلى جانب لوجستيات غير كفوءة تتعلق بسلسلة الإمدادات المستوردة. ونظراً إلى أهمية الحبوب للأمن الغذائي في المنطقة العربية، لا بد من اتخاذ تدابير حازمة لتقليص خسائرها على امتداد سلسلة الإمدادات الغذائية. فهذه الخسائر لا تمثّل مجرد هدر في الغذاء والموارد الطبيعية، بما فيها الأراضي والمياه والطاقة والأسمدة والمبيدات والعمالة، بل هي أيضاً تسبب ضرراً للبيئة بسبب انبعاثات غازات الدفيئة.
إعادة استخدام المياه: تستخدم مياه الصرف في الزراعـة بشكل متزايد. والبلدان المجهدة مائيـاً، كالبلدان العربية، يمكنها تقليص ندرة المياه وتوسيع المساحات المروية لإنتاج الغذاء. لكن ما لم تُعالَج مياه الصرف إلى مستويات مناسبة، فإن استخدامها لأغراض زراعية يفرض أخطاراً جدية على الصحة العامة والبيئة.
يمكن أن تعزى محدودية إعادة استخدام مياه الصرف في الزراعة، خصوصاً في المنطقة العربية، إلى مسائل اقتصادية وصحية ومؤسسية وبيئية. فتعزيزها يتطلب التمسك بخطوط توجيهية وتبني استراتيجيات تفضي إلى إعادة استخدام مياه الصرف بطريقة مستدامة ومأمونة، تدعمها مقاربة إدارية تزيد الوعي العام وتؤسس للثقة، ومواقف جديدة من إعادة استخدام المياه. ويُذكَر أن في بعض البلدان التي حققت تقدماً مهماً في إعادة استخـدام المياه، مثل تونس والأردن ودول الخليج، حظيت الأنظمة المحلية أو الحكومية ذات العلاقة بدعم من خطوط توجيهية وطنية وفرض شروط أساسية لمعالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها في شكل سليم.
المياه الافتراضية: المياه الافتراضية هي تلك المضمَّنة في المنتجات الزراعية. وهي تُطرح كخيار للبلدان التي تعاني شحاً في المياه، لمواجهة مسائل الأمن الغذائي باستيراد المنتجات الغذائية التي تتطلب مياهاً بكثافة عالية، واستخدام الموارد المائية المحلية المحدودة في إنتاج سلع ذات قيم عالية تتطلب مياهاً بكثافة أقل. وهي أساساً نظرية اقتصادية لا تقارب الجوانب السياسية والاجتماعية والبيئية الأوسع للأمن الغذائي.
في هذا الصدد، فان مبدأ المياه الافتراضية، كأداة في سياسة مقاربة العلاقة التلازمية بين المياه والغذاء، يتغاضى عن واقع أن السوق العالميـة ليست ملعبـاً متساوقـاً. فهو يغفل قيود السياسات التجارية الدولية المتعلقة بالمنتجات الزراعية، وتأثيرها على التنمية الزراعية ومعيشة المجتمعات الزراعية في البلدان المستوردة للأغذية. لكن على رغم هذه التحفظات، يبقى مبدأ المياه الافتراضية مفيداً في سياق الوضع المائي لبلد ما والدور الإجمالي للزراعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
التكيف مع التغير المناخي: يُتوقَّع لتداعيات تغير المناخ على الأمن الغذائي، في المنطقة العربية خصوصاً، أن تظهر أساساً من خلال تأثيره في الأراضي والموارد المائية. فالبلدان العربية التي تعاني أصلاً إجهاداً مائياً ستواجه على الأرجح تراجعات إضافية في الغلال الزراعية، بما يؤثر سلباً في المداخيل الريفية والأمن الغذائي.
لا بد من الإقرار بالتلازم بين تغير المناخ والأمن الغذائي واتخاذ التدابير المناسبة. فالزراعـة مهددة جدياً بفعل المناخ المتغير. وواضح أن على البلدان العربية تطبيق سياسات للتخفيف من تأثيرات تغير المناخ تقوم على بيانات مناخية مثبتة لكل بلد وعلى نماذج للاحتمالات المستقبلية.
التعاون داخل الإقليم: يطرح تفاوت موارد الأرض والمياه في البلدان العربية المختلفة بديلاً مهماً لتعزيز الأمن الغذائي، استناداً إلى استغلال الميزات النسبية في إنتاج الغذاء. وقد عبّرت البلدان العربية خلال العقود الماضية عن استعدادها لتعزيز التعاون العربي من أجل تحسين الأمن الغذائي الإقليمي.
لكي يكون التعاون في الأمن الغذائي فاعلاً داخل الإقليم، يتطلب مقاربة تقوم على المواءمة بين الاستراتيجيات والسياسات الزراعية المحلية، وتطبيق ممارسات وأنظمة وتدابير وحوافز زراعية تفضي إلى استخدام كفوء للموارد، مع اهتمام خاص بتحسين إدارة الموارد المائية الإقليمية المشتركة.
ويُعَد الحفاظ على القدرة الحيوية المنتجة للأراضي والموارد المائية شرطاً مسبقاً للاستدامة الزراعية، التي تشكل حجر الزاوية لإنتاج الغذاء على المستويات الوطنية وتحت الإقليمية والإقليمية.
وفي حين يُعتبَر توافر الغذاء واحداً من أسس الأمن الغذائي، فان الوصول إلى الغذاء يعتمد على تسهيل التجارة الزراعية داخل الإقليم من خلال تقليص الحواجز التجارية أو إزالتها، وعلى تحسين المعلومات التسويقية، وتأمين البنية التحتية للاتصالات والنقل.
التعاون بين الأقاليم: المنطقتان العربية والأفريقية من المناطق الأكثف استيراداً للغذاء، خصوصاً الحبوب الرئيسية، لذا تملكان أسساً مشتركة لتعـاون فاعل في تعزيز الأمن الغذائي. وتكمن احتمالات تقليص الفجوة في أمنهما الغذائي في تقاربهما الجغرافي وميزاتهمـا النسبية التي يكمّل بعضها بعضاً. وتتمتـع المنطقـة الأفريقيـة بأراضٍ وموارد مائيـة وفيرة نسبيـاً لا تـزال غير مستغلـة إلى حد كبير.
من جهة أخرى، يقتصر التوسع في الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقـة العربيـة على أقل من ثلاثة ملايين هكتار، وتعاني الموارد المائية الطبيعية الشحيحة أصلاً إجهاداً مفرطاً بسبب الري الذي يستهلك 66 في المئة منها. وقد أدركت بعض البلدان العربية التي تملك رأس مال قابلاً للاستثمار محدودية مواردها الزراعيـة وتعرض أمنها الغذائي لهشاشة الإمدادات الغذائية وأسعار الغذاء العالمية في المستقبل، فعمدت إلى الإنتاج الزراعي في الخارج، في بلـدان تتمتع بأراضٍ وموارد مائيـة وافـرة، بما فيها بلدان أفريقية. ■
كادر
رفع إنتاجية الحبوب مفتاح تحسين الاكتفاء
شكّلت الحبوب الأساسية نحو 63 في المئة من كمية إجمالي الواردات الغذائية الرئيسية للدول العربية عام 2011، بقيمة 56 بليون دولار.
3 ملايين طن من القمح المستورد الى البلدان العربية تصاب بالتلف والضياع قبل وصولها الى المستهلكين. الخسارة في الحبوب والقمح أثناء النقل والتخزين تصل إلى 4 بلايين دولار سنوياً.
باستثناء مصر، حيث بلغ متوسط غلال الحبوب 7269 كيلوغراماً للهكتار، بلغت إنتاجية المحاصيل في البلدان الرئيسية الأخرى المنتجة للحبوب، أي العراق والجزائر والمغرب والسودان وسورية، 1133 كيلوغراماً للهكتار، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 3619 كيلوغراماً للهكتار عام 2012. ولو تمكنت هذه البلدان من رفع غلالها إلى المتوسط العالمي، فيمكن لإنتاجها المشترك أن يرتفع من 21 مليون طن حالياً إلى نحو 68 مليون طن.
كادر
محاصيل أكثر بمياه أقل
سحب المياه العذبة لأغراض زراعية في سبعة بلدان عربية يتجاوز مواردها المائية السنوية المتجددة الى حد كبير، متراوحاً بين 103 في المئة في مصر و2460 في المئة في الكويت.
باستثناء مصر والجزائر وتونس، تقل كفاءة الري في البلدان العربية كلها عن 70 في المئة وتبلغ نحو 46 في المئة. ويمكن لرفع كفـاءة الري في هذه البلـدان إلى 70 في المئـة أن يوفـّر نحو 50 بليون متر مكعب من الميـاه، تكفي لإنتـاج 30 مليون طن من الحبوب، أو ما يعادل 45 في المئة من واردات الحبوب.
يمكن زيادةالغلال إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف من خلال حصاد مياه المطر، مقارنة بالزراعة الجافة التقليدية.
كادر
توصيات لتعزيز الأمن الغذائي العربي
تواجه البلدان العربية تحديات جدية بسبب محدودية الأراضي الصالحة والموارد المائية الشحيحة، المرهقة ببصمة ثقيلة أضعفت قدرتها الحيوية على تجديد خدماتها. ولكن ثمة إمكانات مهمة لتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي، من خلال عدد من الخيارات ضمن مقاربة شاملة تفضي إلى استدامة زراعية. هنا مجموعة من التوصيات في السعي الى ضمان الأمن الغذائي:
● اعتماد سياسات وممارسات زراعية، وتكنولوجيات مكيفة، في إطار من القوانين والقواعد والأنظمة التي تؤدي إلى الاستخدام الفاعل والمستدام للأراضي وموارد المياه لضمان تجديد خدماتها الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
● اعتماد نهج شامل ومتكامل للعلاقة التلازمية بين الماء والغذاء والطاقة، لجني أقصى المنافع من روابطها المتشابكة.
● الاقتصاد بالمياه من خلال زيادة كفاءة الري، عبر إعادة تأهيل نظم نقل المياه وصيانتها، واستخدام الطرق الحديثة للري الزراعي.
● زيادة إنتاجية المحاصيل في النظم المروية والمطرية، خصوصاً الحبوب. وهذا يستدعي تأمين التمويل الكافي للمؤسسات والمنظمات المتخصصة بالبحوث الزراعية لتكثيف بحوثها من أجل تطوير أصناف من المحاصيل عالية الغلال، ومقاومة للملوحة، ومتحملة للجفاف.
● تحسين إنتاجية المياه، من خلال إنتاج كمية أكبر من المحاصيل بكمية أقل من المياه. وهذا يتطلب ممارسات زراعية قائمة على المعرفة، والتزام المزارعين بأساليب وحوافز للاقتصاد بالمياه الزراعية، بما في ذلك التسعير الملائم لمياه الري.
● تشجيع الاستخدام الآمن لمياه الصرف عن طريق معالجتها في شكل مناسب لأغراض الري، بدعم إداري وخطوط توجيهية وطنية لرفع الوعي العام وبناء الثقة وتشكيل مواقف جديدة تتقبل إعادة استخدام المياه وتدرك منافعها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
● إعطاء اهتمام أكبر للحد من خسائر المحاصيل بعد الحصاد على امتداد سلسلة الإمدادات الغذائية، فضلاً عن الخسائر الناجمة عن عدم كفاءة سلسلة التوريد ولوجستيات الاستيراد. وثمة حاجة إلى بنية تحتية مناسبة، ومرافق لوجستية كفوءة ومناسبة للحفاظ على نوعية المنتجات الغذائية وجودتها.
● الحد من تأثير تغير المناخ على إمدادات الغذاء يستدعي تنفيذ سياسات وتدابير تخفيف وتكيف، مبنية عن بيانات مناخية صحيحة ونماذج للتأثيرات المتوقعة.
● يتطلب الحصول على الغذاء من خلال «المياه الافتراضية» تقييماً شاملاً للتداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، خصوصاً تأثيرها في الزراعة المحلية والدور الذي تلعبه في تنمية الاقتصاد الوطني.
● تعزيز التعاون العربي الإقليمي في مجال الأمن الغذائي يتطلب المواءمة والتنسيق بين الاستراتيجيات والسياسات الزراعية الوطنية، مع اهتمام خاص بإدارة موارد الأراضي والمياه وكفاءة استخدامها.
● يقتضي تعزيز إمكانات الوصول إلى الغذاء على المستوى الإقليمي تسهيل التجارة بالمنتجات الزراعية بين الدول العربية، من خلال تقليص الحواجز التجارية أو إلغائها، وتحسين المعلومات التسويقية، وتأمين البنية التحتية للاتصال والنقل.
● تعزيز التعاون في مجال الأمن الغذائي بين بلدان الجنوب، مثل التعاون بين البلدان العربية والأفريقية، هو خيار يستحق اعتباراً عالياً، نظراً إلى القرب الجغرافي بين المنطقتين العربية والأفريقية، والمزايا التكاملية في الموارد الزراعية ورؤوس الأموال القابلة للاستثمار.