عزة عبدالمجيد (عمان)
تتوزع عبر ثنايا تلك الأرض مواقع تطوي في أعماقها تراثاً ﺇنسانياً تمتد جذوره في أزمان سحيقة. وتتنوع الطبيعة بألوانها وخصائصها وتترامى عبر جبال وبحار وصحارى لتشكل بيئة ثرية فريدة المعالم.
سكن اﻹنسان الأردن منذ آلاف السنين، وذلك ما تنبئ به بقاع واسعة تتوزع في أرجائه وتتميز ﺒما أنجزته حضارات سابقة. ويتواصل ذلك في جهود مستديمة لدعم سبل الحياة الحديثة، بتنمية للأرض وتعزيز لبيئتها ومجتمعاتها المحلية.
يعتبر الأردن، بما يتميز به من آثار تاريخية ودينية وموقع استراتيجي وتنوع في طبيعته، مركز جذب كبير للزائرين من جميع أنحاء العالم. ففي شماله تطل الأعمدة الحجرية شامخة بوقار في أكبر مدينة أثرية رومانية في العالم شـرق روما. وفي جنوبه يمتد ما يعرف بالمثلث الذهبي الذي يتضمن مدينة العقبة وصحراء وادي رم ومدينة البتراء إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة، حيث ازدهرت حضارة العرب الأنباط قبل أكثر من ألفي عام. وما بين الشمال والجنوب، تترامى أودية خصبـة وجبال تغطيها الغابات وبحار زاخرة بالثروات الطبيعية وقلاع وقصور ومساجد وكنائس وتراث إنساني يحفظ ذكريات تاريخ نابض وإنجازات مجتمعات أزمنة متعاقبة.
نحو سياحة مستدامة
تتجه السياسات التنموية في بعض جوانبها لدعم التوازن البيئي وحاجات المجتمع للنمو، مما يعزز عناصر السياحة المستدامة التي باتت تشكل محركاً حقيقياً للنهوض الاقتصادي. وتعمل وزارة السياحة والآثار في الأردن على مواصلة تطوير «مسارات سياحية» لمختلف المناطق، تربط مواقع تاريخية وسياحية وبيئية وثقافية وفقاً لتصنيف يحدد معالمها وينظم سبل التعرف عليها. وذلك ضمن استراتيجية تهدف إلى تشكيل منظومة متكاملة لخريطة سياحية للبلاد، يجري من خلالها تعزيز المنتج السياحي ومشاركة المجتمعات المحلية في النهوض باقتصادها.
قد لا تبدو المسارات اتجاهاً حديثاً، فقد عرفت أمم كثيرة ومن بينها الأردن المسار الديني، إذ تنتشر عبر البلاد المساجد والكنائس البيزنطية والمقامات والأضرحة وما يحيط بها من آثار ومعالم دينية.
تقول ماجدة النمري، رئيسة قسم الترويج والتسويق في وزارة السياحة والآثار، إن استحداث مسارات جديدة بالتعاون مع جمعية وكلاء السياحة والسفر وهيئة تنشيط السياحة وضمن برنامج حملة «لأردن أحلى»، يهدف إلى خلق تنوع في المنتج السياحي وخدمة السائحين. وتضيف أن البرنامج، الذي تعمل منسقة له، كان مقرراً أن يستمر شهرين، لكن نجاحه أدى إلى جعله يتواصل بصورة دورية كل عام. ويتمثل أحد أهدافه الرئيسية في تعزيز فرص السياحة الدينية والبيئية والشتوية بالإضافة إلى سياحة المتاحف.
وتعتبر منطقة البحر الميت والمثلث الذهبي الجنوبي وجرش وأم قيس مسارات تقليدية وقبلة للسياح العرب والأجانب. فمن العقبة، يتجه الزائر إلى وادي رم الفريد بصحرائه ورماله، وإلى البتراء الوردية. وقد يأخذه الترحال إلى معان بقلاعها الشامخة، والطفيلة بطبيعتها وآثارها، والكرك بقلعتها العظيمة، ومادبا الثرية بمعالمها الدينية والتاريخية وخصائصها البيئية. وتعتبر مسارات الشمال، ومنها جرش الحاضنة للآثار والثقافة وعجلون بقلعتها وآثارها الإسلامية والبيزنطية وغاباتها الكثيفة ومحميتها الطبيعية، بالإضافة إلى مسار مدينة السلط التاريخية العريقة المعروفة بجمال عمرانها، جزءاً بارزاً من النشاط السياحي.
مسارات غير تقليدية
يرى شاهر حمدان، رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر، أن المسارات التقليدية ما زالت الأكثر استقطاباً للسياح والزائرين، وإن تكن بحاجة لزيادة زخمها. ويضيف أن المسارات البيئية، الحالية والتي يجري تطويرها، تأتي في المرتبة الثانية. فمسار راسون في منطقة عجلون يتميز بخصائصه البيئية وما يتم تصنيعه من حرف يدوية تعتمد على المنتجات المحلية كزيت الزيتون.
بدأ العمل قبل أربع سنوات لاستحداث مسارات غير تقليدية، تعمل الجمعية على استكشافها والتعاون مع وزارة السياحة لتأهيلها. ويتحدث حمدان في هذا الصدد عن مسارات في البادية الشمالية حيث تقع منطقة أم الجمال الأثرية، وهي مسار ديني مسيحي بارز وتشتهر ببواباتها الحجرية الرائعة، ثم البادية الجنوبية وفيها منطقة تعرف باسم بير مدكور يحتضنها مجتمع بدوي أصيل في تقاليده وعاداته.
لا يتوقف الحديث عند تلك البقاع النابضة، فبرنامج المسارات السياحية يستهدف جميع محافظات البلاد. ومن ذلك مسار منطقة عفرا شمال مدينة الطفيلة، التي تشتهر بحماماتها المعدنية حيث تنطلق المياه الحارة من أكثر من خمسة عشر مصدراً أو ينبوعاً، بالإضافة إلى حمامات البربيطة. يستطيع الزائر أيضاً أن يواصل سيره لزيارة المقامات الإسلامية في المنطقة، ثم التوجه إلى محمية ضانا ذات التنوع البيئي والنباتي والحيواني النادر عالمياً.
وتعتبر محافظة مادبا أيضاً من أهم المحافظات في الخريطة السياحية الأردنية، فقد أصبحت مساراً ومقصداً سياحياً هاماً يحتضن المدينة التي تحمل اسمها وجبل نيبو وكنيسة القديس جاورجيوس حيث خريطة الفسيفساء الشهيرة وقرية أم الرصاص التاريخية وقرية مكاور بقلعتها الأثرية، بالإضافة إلى حمامات ماعين المعدنية. ويشير حمدان إلى أن مسار مغطس السيد المسيح في نهر الأردن أصبح مؤهلاً كمزار من الدرجة الأولى، لكنه يحتاج إلى مزيد من جهود التسويق السياحي.
تعاون مع المجتمعات المحلية
يستند العمل في تطوير المسارات والمزارات السياحية على إنشاء أو تأهيل البنية التحتية وربطها بالخدمات من قبل وزارة السياحة بالتعاون مع المجتمع المحلي. ويقتضي ذلك إجراء مسح ميداني للموقع المستهدف في المرحلة الأولية، ثم توعية أفراد المجتمع بمقومات المنطقة وتوفير التدريب لهم في بعض المجالات بما يتوافق مع حاجاتهم ويوفر لهم سبل العمل وفرص تحسين الدخل.
ويؤكد حمدان أن الجمعية تتوخى بعد استكشاف المسارات تسليمها إلى وزارة السياحة لتأهيلها، بحيث يستخدمها وكلاء السياحة لترويجها. ويتم التركيز على تغيير نمطية المجتمع المحلي في التعامل مع المنتج السياحي، وذلك ضمن شراكة وتواصل مع أفراده ليتمكنوا من تحقيق الفائدة المرجوة منه. ويتضمن ذلك في بعض جوانبه توفير استضافة أسر محلية للزوار والسائحين، وتقديم الأطعمة المحلية التقليدية لهم وتعريفهم على الطبيعة والحياة في المنطقة. ■