تشهد المنطقة العربية تغيرات بيئية أكثر من معظم مناطق العالم، نتيجة الوتيرة المتسارعة للنمو الاقتصادي والاجتماعي. وقد كشف «أطلس المنطقة العربية لبيئتنا المتغيرة» التغيرات التي طرأت على أكثر من ثمانين موقعاً في المنطقة. وذلك من خلال مجموعة من الصور الفوتوغرافية وصور الأقمار الاصطناعية وروايات تستند إلى أدلة علمية موثقة.
من أهم ميزات هذا الأطلس، الذي صدر في كانون الأول (ديسمبر) 2003 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) ومبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية بدعم من هيئة البيئة ـ أبوظبي، استخدام الصور المزدوجة الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية لإظهار التغيرات التي طرأت على المواقع عبر الزمن. وتظهر هذه الدراسات، التي تتناول حالة المواقع «قبل وبعد»، وتيرة النمو في المنطقة العربية بالاعتماد على عدد من الأمثلة والنماذج حول التغيرات البيئية على نطاق واسع، بما في ذلك استخدام الأراضي، والنمو الحضري، وتدهور المناطق البحرية والساحلية، والتغير الهيدرولوجي وتقلص مساحة المياه وكميتها، وخسارة الموائل، وتأثير تغير المناخ على الحياة بشكل عام.
على سبيل المثال، تغيّر ساحل دبي بشكل لافت خلال عشر سنين، بين 1999 و2009، خصوصاً بعد بناء أرخبيلات من الجزر الاصطناعية. وكان لذلك تأثير كبير على الشعاب المرجانية في المنطقة.
وفي المغرب، كان فيضان نهر ورغة يهدد منطقة واسعة في منطقة فاس. لكن بناء سد الوحدة عام 1996، وهو ثاني أكبر سدود أفريقيا بعد السد العالي في مصر، خفف الفيضان بنسبة 90 في المئة، وزاد قدرات الري، وأتاح توليد الكهرباء. وتؤمن الطاقة الكهرمائية نحو ثلث كهرباء المغرب، ما يخفض بصمتها الكربونية.
أما بحيرة الرزازة في العراق فتستمد مياهها من نهر الفرات. وهي منطقة رطبة ذات اهمية عالمية وملاذ للطيور المهاجرة. لكنها خسرت جزءاً كبيراً من مساحتها وحجمها نتيجة بناء السدود في أعلى النهر.
وتعد مدينة رشيد من أقدم الموانئ المصرية، وتقع على مصب الفرع الغربي للنيل في البحر المتوسط. لكنها خسرت نحو 16 كيلومتراً مربعاً من مساحتها منذ العام 1968، نتيجة بناء السد العالي وارتفاع مستوى البحر.
يظهر الأطلس للعيان قصصاً حول التغيير البيئي في التربة والمياه والجو، ويغطي بعض القضايا العابرة للحدود كالأنهار والمحميات والملوثات، كما يوضح كيف ساهم الانسان في تغيير محيطه تاركاً آثاراً إيجابية وسلبية، وما زال مستمراً في إحداث تغييرات ملموسة في المنطقة العربية وبيئتها. وهو أيضاً يبحث في الفرص التي يمكن أن تقدمها التحديات والاستجابات المبتكرة، كما يُبرز القضايا البيئية الفريدة التي تواجهها كل من الدول على حدة ويتعقب التقدم الذي أحرزته لتحقيق التنمية المستدامة كجزء من الأهداف الألفية للتنمية التي وضعتها الأمم المتحدة.
تم تحديد أبرز القضايا الملحة التي تواجهها كل دولة من دول المنطقة العربية، ومنها ندرة المياه، التصحر وتدهور الأراضي، التهديدات التي تتعرض لها النظم الايكولوجية البحرية والساحلية، التلوث، الضغط السكاني على الأراضي، إزالة الغابات، فقدان التنوع البيولوجي. وقد طرحت قضية ندرة المياه كقضية ملحة في 19 دولة من بين 22 دولة عربية، في حين طرحت قضية التصحر وتدهور الأراضي في 17 دولة، وقضية التلوث البيئي في 13 دولة.
تظهر نحو 140 صورة من الأقمار الاصطناعية التغيرات البيئية عبر الزمن في كل من البلدان العربية، ويقدم الأطلس أدلة بصرية لبعض التغيرات الجذرية التي تحدث أحياناً خلال فترة قصيرة نسبياً. ويمكن ملاحظة التغيرات الحاصلة في المساحات الخضراء التي تتضمن: تخضير الصحراء وزيادة الزراعة المروية، التوسع في حقول النفط، إزالة الغابات وفقدان الغطاء النباتي، انتشار الآفات أو قطع الأشجار، التحضر غير المنضبط، تطوير المناطق الساحلية، الآثار الناجمة عن الظواهر المناخية الشديدة.
ومن التغيرات التي تظهرها الصور ما يأتي:
● نمو متسارع للمدن الكبيرة، وهذه الصور هي الأكثر تأثيراً في مجموعة صور الأطلس، ومن تلك المدن: القاهرة، الجزائر، بيروت، الدار البيضاء، عمان، صنعاء، الرياض.
● نمو على طول السواحل، كمدينة مسيعيد الصناعية في قطر، وعدن في اليمن، وجزيرتي قطيف وتاروت في السعودية، بحيث تغيرت البيئة البحرية والساحلية ما أدى أحياناً إلى نتائج مدمرة، ومنها التلوث النفطي، ودمار الشعاب المرجانية والنظم الحيوية للأعشاب البحرية والمنغروف.
● تظهر الصور بشكل خاص تخضير الصحراء في مدينة العين في إمارة أبوظبي، وعلى الحدود الفاصلة بين الكويت والعراق، في مساع لتحسين الظروف البيئية وحماية مصادر المياه.
● وسّعت مزارع الوفرة في الكويت طاقتها الإنتاجية الغذائية لتشمل تربية الأحياء المائية من أسماك البلطي النيلي من أجل رفد الصناعة السمكية، وأقامت البيوت البلاستيكية لزيادة إنتاج المحاصيل. وقد تم نشر زراعة البيوت البلاستيكية على نطاق واسع في سورية، وازدهرت بسبب موجات الجفاف المتكررة، فساهمت في تحسين الكفاءة الزراعية وتلبية الطلبات المتزايدة على الغذاء، مع وجود بعض الآثار البيئية.
● مشروع تبرورة في صفاقس، تونس، هو نموذج لمشاريع إحياء المناطق الحضرية وإعادة إدماج سواحلها.
● لعل القصة الأبرز للتغير البيئي تنشيط أهوار العراق التي عانت من الخسائر المأسوية في الأراضي الرطبة منذ العام 1950 وحتى 1990، لكن مواصلة التطور الإيجابي تشكل تحدياً.
● تظهر في الصور أيضاً محطة توليد الكهرباء في الجية، لبنان، التي تعرضت للقصف خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006 وتسرب النفط الناتج عن هذا القصف، وحرائق النفط في الكويت خلال الغزو العراقي عام 1990، كمثلين على التأثيرات البيئية للحروب والنزاعات. ■
Arab Region Atlas of Our Changing Environment
UNEP, 2013. 304 pages. ISBN: 978-92-807-3158-3
لتصفّح أطلس بيئتنا المتغيرة:
http://na.unep.net/atlas/viewAtlasBookWithID.php?atlasID=2447
لمشاهدة الفيديو الذي يظهر نماذج من التغيرات في البيئة العربية:
http://m.youtube.com/watch?v=g4frRsNihwI