Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
ليلى داغر الاقتصاد النووي: لا مقاس واحد يناسب الجميع  
كانون الثاني-شباط/ يناير-فبراير 2014 / عدد 190-191
 ليلى داغر
تكشف الدراسات المتعلقة بالطاقة النووية عن غياب واضح للإجماع حول جدواها الاقتصادية. فالادعاءات متضاربة، من القول إن "الطاقة النووية توفر كهرباء رخيصة جداً لا يمرّكها العداد" إلى القول إن "الطاقة النووية هي أغلى مصدر للكهرباء". من الواضح أن هذه التباينات ناشئة عن افتراضات وتناقضات متباينة للتكاليف التي يتم اعتبارها أو إهمالها.
يبقى التخلص النهائي من النفايات النووية مسألة محيرة. فالولايات المتحدة، البلد الأول الذي أنتج كهرباء قائمة على الطاقة النووية والذي أنتج أكبر كمية من الطاقة النووية، هي مثال مناسب جداً. بعد 20 سنة من الأبحاث وكلفة بلغت 10 بلايين دولار، قررت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلغاء مشروع يوكا ماونتن الذي كان يفترض أن يشكل مخزناً نهائياً لكل الوقود النووي المستنفد. ولا بد من أخذ التكاليف الإضافية في الاعتبار. وتقدر لجنة "بلو ريبون" أن دافعي الضرائب سددوا، اعتباراً من العام 2012، نحو بليوني دولار إلى المرافق النووية لتعويضها عن تكاليف تخزين الوقود المستنفد، ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 20 بليون دولار بحلول سنة 2020. وتقدر لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب الأميركي أن كل سنة تأخير بعد هذا التاريخ ستكلف 500 مليون دولار. ويجب تحليل عوامل هذه التكاليف في أي تقديرات لكلفة الكهرباء النووية في الولايات المتحدة.
تختلف الصورة في مناطق أخرى من العالم. فعلى رغم أن لا مخازن جيولوجية للنفايات النووية التي تدوم طويلاً، ولا يتوقع أن تكون هناك مخازن قيد التشغيل في المدى القريب، فإن فنلندا وفرنسا والسويد حققت بعض التقدم في هذا الاتجاه. فبعد عقود من الأبحاث وإنفاق بلايين الدولارات وتأخر المواعيد، من المتوقع افتتاح أول مخزن دائم في فنلندا بحلول سنة 2025. وبالتالي، من المبكر جداً مناقشة نجاح هذه المشاريع. ومثلما يتم تحديد تكاليف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري، كذلك يجب دمج تكاليف التخلص الدائم من النفايات النووية في تقديرات تكاليف الكهرباء النووية. أما التكاليف الأخرى ذات الصلة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار فهي كلفة منع انتشار الأسلحة النووية والإرهاب النووي، وكلفة الدعم الحكومي، والتكاليف الصحية التي يمكن أن تنتج من حادث نووي.
بالنسبة الى تقديرات التكاليف الصحية، نجد هنا أيضاً اختلافاً كبيراً. على سبيل المثال، تظهر تقديرات أعداد الوفيات الناتجة من حادث تشيرنوبيل (والأقيام المالية المرتبطة بها) تبايناً مقلقاً، يتراوح بين أقل من 50 وفاة ونحو 1,79 مليون وفاة. ووفق "منتدى تشيرنوبيل" (تقرير منظمة الصحة العالمية سنة 2006)، حتى منتصف العام 2005 توفي 50 عاملاً نتيجة متلازمة الإشعاع الحاد، و9 أطفال نتيجة سرطان الغدة الدرقية، ويُتوقع وفاة 3940 شخصاً نتيجة السرطان واللوكيميا الناشئين عن الاشعاع.
يرى بعض المدافعين عن الطاقة النووية أن أقل من 50 وفاة فقط يمكن اعتبارها ناجمة مباشرة عن الحادث، مدعين أنه لا يوجد دليل علمي على أن وفيات السرطان ناجمة عن التعرض للاشعاع. وفي الجهة المقابلة، يتراوح عدد الوفيات بين 899,300 وفاة و1,786,657 وفاة، بحسب تقديرات الدكتور روزالي برتيل وهو عالم أوبئة بارز. وتوصل فريق بقيادة يابلوكوف إلى نتيجة مماثلة، في دراسة نشرتها أكاديمية العلوم في نيويورك، حيث قدروا عدد الوفيات الناجمة عن الحادث النووي في تشيرنوبيل بنحو 985,000 وفاة بين 1986 و2004.
ولا تقتصر التكاليف الصحية على الوفيات. فالسرطان غير القاتل والمشاكل الصحية الأخرى تتطلب عناية صحية طويلة الأجل تلقي عبئاً إضافياً على المجتمع. في حالة تشيرنوبيل مثلاً، تم تشخيص عدد كبير من مرضى سرطان الغدة الدرقية في مرحلة مبكرة، وكان العلاج فعالاً إلى حد بعيد، كما جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2006. لكن هؤلاء المرضى يجب أن يبقوا خاضعين للعلاج طوال بقية حياتهم. وهناك تكاليف صحية أخرى تُنسب الى كارثة تشيرنوبيل يجب أن تؤخذ أيضاً في الاعتبار، منها العلاج النفسي والفحوص الروتينية للكشف عن الاشعاع والسرطان. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يستمر ازدياد حالات سرطان الغدة الدرقية لسنوات كثيرة، ولذلك فإن الوقت وحده يمكن أن يكشف الآثار الصحية الحقيقية والتكاليف الناجمة عنها.
بالنسبة الى البلدان التي تعتزم الانضمام الى "النهضة النووية" كما دعيت، هناك درس مهم يجب تعلمه. لقد كانت الكهرباء النووية وستبقى موضوعاً خلافياً جداً تميزه إحصاءات متضاربة بشكل كبير. وتبقى قضايا متعددة مثار نقاش حاد، لأن الأرقام متباينة بشكل دراماتيكي في الدراسات. فعند إجراء أي تحليل اقتصادي للطاقة النووية، من الضروري لصانعي القرار والعلماء وخبراء الطاقة النووية أن يبقوا عيونهم مفتوحة واسعاً، وألا يمروا ببساطة على النتائج المنشورة من دون التشكيك في الافتراضات والنماذج والمناهج المستعملة. فحين يتعلق الأمر بالطاقة النووية، ليس هناك مقاس واحد يناسب الجميع، وأي تحليل اقتصادي يجب إعداده خصيصاً للبلد والموقع المحددين الخاضعين للدراسة.
الدكتورة ليلى داغر أستاذة مساعدة في علم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، وباحثة زائرة في معهد التحليل الاستراتيجي للطاقة / المختبر الوطني للطاقة المتجددة في واشنطن، وتتركز أبحاثها على اقتصاد الطاقة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.