Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
فاروق الباز ممر التعميرفي الصحراء الغربية  
تموز - آب2011 / عدد 160-161
 

يُعتبر النقل من أساسيات التقدم والازدهار على مر العصور. ونحن نعلم أن قيام الدولة المصرية القديمة قبل أكثر من خمسة آلاف عام اعتمد على نهر النيل كطريق يربط شمالها بجنوبها، ينتقل عبره الناس والأخبار والغذاء والمنتجات والبضائع ورجال الأمن وجامعو الضرائب وكل ما يمثل كيان الدولة وسر بقائها. كذلك اعتمد الإغريق والرومان والعرب على تسهيل النقل وتأمينه في جميع أرجاء حضاراتهم. وفي العصر الحالي نَمَت أوروبا الحديثة بعد إنشاء شبكات الطرق السريعة فيها. وكذلك تفوقت أميركا على بقية العالم الغربي باستخدام ثرواتها الطبيعية أحسن استخدام، مما استدعى إنشاء شبكة متميزة من السكك الحديد والطرق في جميع أرجائها.

وبالنسبة إلينا في مصر، لا يصحّ إنشاء شبكة طرق جديدة في وادي النيل والدلتا، لأن في ذلك اعتداء على الأرض الزراعية، المُعتدى عليها أصلاً نتيجة النمو الكبير للكتل السكانية العشوائية وغير المُرخَّص لها في غالب الأحيان. هذه الأراضي الخصبة رسَّبها نهر النيل العظيم على مدى ملايين السنين. ولقد تكدس سكان مصر في مساحة محدودة منها نتيجة الزيادة المستمرة في عدد السكان، ولا يعقل أن نستمر في العيش على 5 في المئة من مساحة أرضنا مع الاستمرار في البناء فوق التربة الزراعية. لذلك لابد من فتح آفاق جديدة للتوسع العمراني والزراعي والتجاري خارج نطاق وادي النيل الضيق.

يؤهل المقترح الحالي، إضافة إلى تسهيل النقل بين أطراف الدولة، الحد من التوسع العمراني في وادي النيل والدلتا، بفتح آفاق جديدة للنمو بالقرب من التجمعات السكانية الكبرى، ومجالات لا حصر لها في استصلاح أراضٍ صحراوية وإنشاء مشاريع جديدة للتنمية في مجالات الصناعة والتجارة والسياحة. كما يُعطي أملاً جديداً لأجيال المستقبل باستخدام أحد عناصر الثروة الطبيعية وأقربها إلى التجمعات السكانية الحالية، وهو الشريط المتاخم لوادي النيل في الصحراء الغربية.

لقد اختير هذا الجزء من الصحراء الغربية بناءً على خبرة في تضاريس مصر وإمكاناتها التنموية. ويتكون الشريط المتاخم لوادي النيل من هضبة مستوية بمَيْل بسيط من الجنوب إلى الشمال في موازاة النيل. ولا تقطع المنطقة أودية تهددها السيول كما هي الحال في شرق النيل. كذلك تتوافر مساحات شاسعة من الأراضي التي يسهُل استصلاحها لإنتاج الغذاء، إضافة إلى احتمالات وجود المياه الجوفية. هذا الشريط بالذات تقل فيه الرمال ولا تتقاطع معه خطوط الكثبان الرملية. وكما هي الحال في بقية الصحراء الغربية، تشتد أشعة الشمس والرياح مما يسمح باستخدام هذه المصادر للطاقة المتجددة في المستقبل.

بناءً على ما تقدم يتضمن مقترح «ممر التعمير» إنشاء ما يأتي:

ـ  طريق رئيسي للسير السريع بالمواصفات العالمية، يبدأ من غرب الإسكندرية ويستمر حتى حدود مصر الجنوبية بطول 1200 كيلومتر تقريباً.

ـ  12 فرعاً من الطرق العرضية التي تربط الطريق الرئيسي بمراكز التجمع السكاني على طول مساره بامتداد كلي يبلغ نحو 800 كيلومتر.

ـ شريط سكة حديد للنقل السريع في موازاة الطريق الرئيسي.

ـ أنبوب ماء من بحيرة ناصر جنوباً حتى نهاية الطريق على ساحل البحر المتوسط.

ـ خط كهرباء يؤمن توفير الطاقة في مراحل المشروع الأولية.

 

الطريق الرئيسي

يمثل الطريق الدولي من الشمال إلى الجنوب العنصر الأساسي لممر التعمير. وهو يبدأ على ساحل البحر المتوسط في موقع يتم اختياره بين الإسكندرية والعلمين، ويؤهل إنشاء ميناء دولي جديد يضاهي الموانئ الدولية الكبرى في المستقبل. تؤخذ في الاعتبار الحاجة إلى توفير استخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة في التعامل السهل السريع مع الصادرات والواردات والبضائع الموقتة. ويُعيد مثل هذا الموقع المكانة المرموقة للإسكندرية بين الموانئ العالمية.

يتكون الطريق الرئيسي من ثمانية ممرات على الأقل، اثنين لسيارات النقل واثنين للسيارات الخاصة ذهاباً وإياباً. كما يلزم تمهيده وفق المواصفات العالمية التي تسمح بالسير الآمن السريع من دون توقف، إلا في حالات الطوارئ ومحطات الاستراحة والوقود ومراكز تحصيل رسوم السير. وربما يستدعي تأمين صلاحية الطريق إنشاء مؤسسة خاصة تقوم بتحصيل الرسوم اللازمة لهذا الغرض على مشارف الطرق العرضية.

 

الطرق العرضية

يشتمل المقترح على 12 طريقاً عرضياً يربط كل منها الطريق الرئيسي بموقع من مواقع التكدس السكاني في الدلتا وبموازاة وادي النيل. تسمح هذه الطرق بالامتداد العمراني غرباً في هذه المواقع رويداً رويداً، وتضيف بُعداً جغرافياً لعدد من المحافظات التي تعاني من الاختناق في الوقت الحالي. ويجب ألا يُسمح إطلاقاً بالنمو العشوائي في تلك المناطق، بل أن يسبق التخطيط والتنظيم والخدمات نموّها الحضري. وتسمح هذه الطرق العرضية بالتنقل بين المحافظات بسرعة ويُسر، كما تؤمن النقل السريع بينها وبين العالم الخارجي.

 

الطرق العرضية المقترحة هي الآتية:

فرع الإسكندرية: يمتد هذا الفرع من الطريق الرئيسي غرباً ليصل إلى مدينة الإسكندرية ومينائها ومطارها الدولي، ويمكن أن يستمر شرقاً حتى طريق الدلتا الساحلي إلى رشيد ثم دمياط. وبذلك يربط الطريق الرئيسي للممر بشمال الدلتا بأكملها.

فرع الدلتا: يربط الطريق الرئيسي بمنتصف منطقة الدلتا، ربما في مدينة طنطا. وهو يتطلب المحافظة على الأراضي الزراعية في مساره، وربما يتطلب جسوراً (كباري) جديدة على فرع رشيد وقنوات الري والصرف. الجزء الغربي من هذا الطريق يُرصف على صحراء قاحلة وقابلة للاستصلاح وتمثل بعداً جغرافياً جديداً لمحافظة الغربية، أكثر محافظات الدلتا اختناقاً على الإطلاق.

فرع القاهرة: يؤهل هذا الفرع ربط الطريق الرئيسي بطريق مصر ـ الإسكندرية الصحراوي، ثم بأكبر تجمع سكاني في قارة أفريقيا ألا وهي محافظة القاهرة. ويمكن أن يستمر شرقاً إلى المعادي ومنها إلى طريق السويس، كي يربط الميناء الجديد بميناء السويس. ويؤهل ذلك نقل البضائع براً من البحر المتوسط غرب الإسكندرية إلى البحر الأحمر عبر خليج السويس، كمجال إضافي للنقل البحري عبر قناة السويس.

فرع الفيوم: يؤهل هذا الطريق تنمية الصحراء في شمال وغرب منخفض الفيوم. ومنطقة غرب الفيوم بالذات يمكن تنميتها صناعياً لإبعاد الصناعات ـ مثل صناعة الأسمنت ـ عن المواقع السكنية لتحسين بيئتها.

فرع البحرية: يؤهل هذا الفرع وصل الطريق الرئيسي بالواحات البحرية في اتجاه جنوب غرب الجيزة، وبذلك يؤهل الوصل بين واحات الوادي الجديد الشمالية والطريق الرئيسي. وهو يسمح بتوسع السياحة في منخفض البحرية، وكذلك استخدام ثرواتها المعدنية وخاصة رواسب الحديد.

فرع المنيا: يفتح هذا الطريق آفاقاً جديدة للنماء غرب وادي النيل في منطقة تكتظ بالسكان وتحتاج إلى التوسع في العمران، لا سيما نظراً الى وجود جامعة فيها. وهناك حاجة إلى عدد من المدارس ومعاهد التدريب.

فرع أسيوط: يساهم هذا الفرع بكل ما ذُكر عن فرع المنيا، إضافة إلى أنه يؤهل السير على طريق واحات الخارجة وبقية واحات محافظة الوادي الجديد.

فرع قنا: يوصل هذا الطريق إلى منطقة واسعة يمكن استصلاح أراضيها، تقع جنوب مسار نهر النيل بين مدينتي قنا ونجع حمادي. تكونت التربة في هذه المنطقة نتيجة ترسيب الأودية القديمة، مما يعني أيضاً احتمال وجود مياه جوفية يمكن استخدامها في مشاريع الاستصلاح.

فرع الأقصر: يؤهل هذا الطريق امتداداً غير محدود للمشاريع السياحية المتميزة فوق الهضبة وغرب وادي النيل بالقرب من أكبر تجمع للآثار المصرية القديمة في الأقصر. إضافة إلى ذلك، يمكن استثمار الطبيعة الفريدة في منخفض الخارجة بالإضافة إلى الواحات العديدة والكثبان الرملية الباهرة.

فرع كوم أمبو وأسوان: يعبر هذا الفرع سهلاً واسعاً يمثل مجرى قديماً للنيل، ولذلك تغطيه تربة خصبة صالحة للزراعة. ولأسباب جيولوجية بدأ مجرى النيل الهجرة شرقاً حتى وصل إلى موقعه الحالي. لذلك يمكن استخدام المياه الجوفية المُختَزنة منذ قديم الزمن في استصلاح هذا السهل الخصيب. امتداد الفرع في اتجاه الجنوب الشرقي يربطه بالطريق الرئيسي ومدينة أسوان، مما يسهل نقل المنتجات المحلية إلى المحافظات الشمالية، علاوة على التنمية السياحية عبر تيسير زيارة المواقع السياحية في منطقة أسوان. إضافة إلى ذلك، يؤهل الطريق تنمية مطار أسوان للتجارة العالمية.

فرع توشكي: يهبط الطريق الرئيسي من الهضبة حيث يتم وصله بعدة أماكن حول منخفض توشكي. لقد تم حفر قناة لإيصال ماء النيل من بحيرة ناصر إلى منخفض توشكي، بغرض استصلاح الأراضي المحيطة بالبرك التي تكونت في المنخفض. هذا المشروع يستدعي عدة سبل للنقل السريع إلى المحافظات الشمالية ومنافذ التصدير معاً. كما يؤهل هذا الفرع وصل المنطقة بالطريق الرئيسي، ويُساهم في نجاح مشاريع التنمية في منطقة توشكي.

فرع بحيرة ناصر: تمثل بحيرة ناصر موقعاً متميزاً لتنمية الثروة السمكية وصيد الأسماك، خصوصاً إذا تم تسهيل نقلها إلى مواقع التكدس السكاني في المحافظات الشمالية، ويمكن أن يتم ذلك في موقع يتم اختياره شمال معبد أبو سنبل.

 

سكة حديد وماء وكهرباء

يشتمل ممر التعمير المقترح على شريط سكة حديد للنقل السريع في موازاة الطريق الرئيسي. تؤهل هذه الوسيلة نقل الناس والبضائع والمنتجات من جنوب مصر حتى ساحل البحر المتوسط، خصوصاً أن السكة الحديد الحالية تُعاني من الكهولة، كما لا يصحّ إنشاء سكة جديدة داخل وادي النيل لأن في ذلك تعدياً على الأراضي الزراعية.

تؤهل السكة الحديد للنقل السريع شحن الأسماك من بحيرة ناصر الزاخرة بالثروة السمكية إلى مواقع التكدس السكاني في شمال وادي النيل. لذلك تتيح الاستخدام الأمثل في الصناعات العديدة كصناعة الألومنيوم في نجع حمادي. فوجود السكة الجديدة سوف يجعل النقل من الميناء إلى المصنع ثم نقل المُنتَج من المصنع إلى السوق يتم في سهولة ويسر وبكلفة أقل، هذا بالإضافة إلى الحد من الازدحام الناتج عن حركة الشاحنات على الطريق الزراعي الحالي.

ينبغي توفير الماء الصالح للشرب على طول الممر المقترح فوق هضبة الصحراء الغربية. ويُفضل نقل الماء من بحيرة ناصر أو قناة توشكي داخل أنبوب لمنع التبخر أو تسرب الماء في الصخور. ويشمل التخطيط لمشاريع التنمية المختلفة على طول الممر استخدام المياه الجوفية في الزراعة والصناعة، لكن الحاجة إلى الماء للاستخدامات البشرية خلال المراحل الأولى للمشروع تتطلب توفير الأنبوب المذكور.

ربما يحتاج المشروع خلال تلك المرحلة الى أنبوب قطره متر واحد أو 1,5 متر. وهذا ليس بكثير، لأن ليبيا أقامت «النهر الصناعي العظيم» لنقل الماء العذب من آبار صحرائها في الجنوب إلى مدنها على ساحل البحر المتوسط في أنبوب قطره أربعة أمتار وبطول 2000 كيلومتر. وكما هي الحال في ليبيا، بعد ضخ الماء إلى مستوى الهضبة يتم نقله من الجنوب إلى الشمال بالمَيْـل الطبيعي لسطح شمال أفريقيا.

يلزم للمقترح إنشاء خط كهرباء للإنارة والتبريد على طول الطريق الرئيسي، خصوصاً أن مسار الطريق يمر في منطقة صحراوية لا تتوافر فيها متطلبات التنمية الأساسية، وذلك خلال المراحل الأولى للمشروع. في الوقت نفسه يجب تشجيع مشاريع التنمية العمرانية والزراعية والصناعية والسياحية المنظمة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

 

مزايا المشروع

يتوجب لمقترح أي مشروع تنموي دراسة آثاره الجانبية، خصوصاً من الناحية البيئية. ولأن المشروع المقترح يقلل من تدهور البيئة في وادي النيل، فهذا يعتبر من مزاياه العديدة. الجانب الأساسي الذي يجب دراسته هو الجدوى الاقتصادية للمشروع، أي مدى نجاحه المؤكد من ناحية الاستثمار، وهذا يتم من خلال دراسة جدوى يجريها اختصاصيون بناءً على بيانات حقيقية ومنطقية. أما المزايا والمنافع المنتظرة للمشروع فعديدة، نوجز منها ما يأتي:

ـ الحد من الاعتداء على الأراضي الزراعية داخل وادي النيل من قِبَل القطاع الخاص والقطاع الحكومي معاً.

ـ فتح مجالات جديدة للعمران بالقرب من أماكن التكدس السكاني.

ـ إعداد عدة مناطق لاستصلاح الأراضي غرب الدلتا ووادي النيل.

ـ توفير مئات آلاف فرص العمل في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والإعمار.

ـ تنمية مواقع جديدة للسياحة والاستجمام في الصحراء الغربية في الشريط المتاخم للنيل.

ـ الإقلال من ازدحام وسائل النقل وتوسيع شبكة الطرق الحالية.

ـ تأهيل حياة هادئة ومريحة في بيئة نظيفة تسمح للبعض بالابداع في العمل.

ـ ربط منطقة توشكي وشرق العوينات وواحات الوادي الجديد ببقية مناطق الدولة.

ـ خلق فرص جديدة لصغار المستثمرين للكسب من مشاريع في حقول مختلفة.

ـ مشاركة شريحة واسعة من الشعب في مشاريع التنمية، مما ينمي الشعور بالولاء والانتماء.

ـ فتح آفاق جديدة للعمل والتمتع بثمار الانجاز في مشروع وطني من الطراز الأول.

ـ خلق الأمل لدى شباب مصر بتأمين مستقبل أفضل.

 

وسيلة الانجاز

مع أن تنفيذ المقترح الحالي نُوقِش قبل 25 عاماً مع الحكومة المصرية، فإنه يُعرض الآن كمشروع للقطاع الخاص لأسباب كثيرة. في بداية الاقتراح، قدر المختصون كلفة المشروع بنحو ستة بلايين دولار، أما الآن فربما تبلغ كلفة البنية التحتية اللازمة أربعة أضعاف هذا الرقم. وهذه القيمة ليست بالكثير في الوقت الحالي، خصوصاً أنها تؤمن مستقبل شعب بكامله وتنقذ مصر من الوضع الاقتصادي المُتردي حالياً. وربما تمكن المستثمرون من تأمين المبلغ المطلوب لتنفيذ المشروع عبر بيع الأراضي الصالحة للإعمار على جانبي الطرق العرضية في بداية المشروع، ونحن نعلم أن أسعار أراضي البناء تزداد بسرعة خيالية حالياً.

يتطلب المقترح دراسة مستفيضة بواسطة أهل الخبرة في المهن المختلفة. وحبذا لو يقوم بالدراسات المطلوبة، بدعم من القطاع الخاص المعني، خبراء في مراكز الأبحاث والجامعات. في الوقت نفسه يجب مناقشة هذا المشروع الحيوي في البرلمان، لكي يمكن سن القوانين واتخاذ الاجراءات التي تحمي الناس من الروتين الحكومي أو استغلال بعض العاملين في القطاع الخاص.

وليت التفكير يبدأ منذ لحظة الانطلاق بمشاركة أوسع شريحة ممكنة من الناس. في وسع كل محافظة مثلاً إعداد قائمة بمشاريع التنمية وأولوياتها، بناءً على احتياجاتها الحقيقية وفي ضوء مواردها من العمالة الفنية اللازمة وقدراتها الأخرى. ويجب عدم السماح باستقطاب عمالة أجنبية للعمل في المشروع مهما تكن الأسباب، إذ يمكن تدريب المصري و المصرية للقيام بأي عمل وبأعلى مستويات الأداء العالمية.

وكذلك يمكن تشجيع طلاب الجامعات من خلال مسابقات لاختيار مشاريع تنمية تُقام في محافظاتهم. حتى تلاميذ المدارس يمكنهم المشاركة في مسابقات لاختيار أسماء الطرق العرضية والمدن والقرى التي سوف تنشأ على جوانبها. ان مشاركة الشباب مهمة جداً، للغاية لأن الهدف من المشروع تأمين مستقبلهم عبر إتاحة فرص عمل لا نهائية أمامهم.

معنى ذلك أن الباب مفتوح على مصراعيه لمشاركة من يود أن يدلي بدلوه، شرط أن تكون الأفكار المقدمة لا تتوخى الكسب الشخصي الضيق والمحدود، بل تصب أولاً وأخيراً في المصلحة العامة. وهكذا تتقدم الدولة، ويعمل الناس بعزم ونشاط وولاء وانتماء، وتزدهر الحياة مرة أخرى في وادي النيل الخالد.

 

الغد في عين طفلة

عادت حفيدتي ياسمين (10 سنوات) من مدرستها في واشنطن لتخبر أمها أن المُدرِّسة ذكرت اسم مصر في أول درس من دروس التاريخ، وقالت إن التاريخ يعيد نفسه. وسألت أمها هل هذا صحيح؟ وعندما ردت الأم بالإيجاب سألتها ياسمين بحماسة شديدة: هل هذا يعني أن مصر يمكن أن تعود عظيمة مرة أخرى؟

الإجابة عن سؤال هذه الصغيرة، التي تعيش بعيداً ولكنها تحتفظ بذكرى مصر في قلبها وعقلها، يستدعي التفكير الثاقب والعمل الدؤوب في سبيل رفعة هذا البلد الذي يستحق موقعاً متقدماً بين الأمم. فمصر كانت على مدى العصور منبعاً للحضارة والفكر والعلم والثقافة والفن والبناء وحسن الأداء. ولكن بين آونة وأخرى تخبو فيها شعلة الحضارة وينطوي شعب مصر على نفسه كأنه في غيبوبة لا يعي ما يدور حوله في العالم. ولكن سرعان ما يفيق هذا الشعب العظيم من الغثيان وينتفض بحيوية ونشاط لكي تتوهج شعلة الحضارة مرة أخرى في أرض مصر.

ويمكنني القول إن العرب في كل مكان ينتظرون رفعة مصر، لأن في ذلك رفعتهم جميعاً. ولم يكن للعرب مكانة في أي وقت من الزمان إلا بوجود مصر القوية كالعمود الفقري الذي تلتف حوله البلدان العربية جميعاً.

لقد أثبت تاريخ الأمم أنه منذ خلق الله الانسان على سطح الأرض ازدهرت الحضارة في أي مجموعة من الناس حتى توافرت في مجتمعهم ثلاثة مقومات أساسية هي:

إنتاج فائض من الغذاء يجعل الناس ينمون بأجساد قوية ومخيلات صحيحة.

تقسيم العمل بين أفراد المجتمع تقسيماً مناسباً، ما يستدعي ترقية أهل الخبرة والمعرفة وحسن الإدارة (وليس أهل الثقة فقط) على جميع المستويات.

تأهيل الحياه الكريمة في المدن، بحيث لا ينشغل الناس فقط بالبحث عن قوتهم ويعيشون في بيئة صالحة لكي يتمكن بعضهم من الابداع والابتكار في عملهم.

إذاً لن تعود مصر دولة عظيمة إلا إذا تحسنت أوضاعنا بالنسبة إلى المقومات الثلاثة السابقة. وبناءً على مزايا المشروع ومنافع المقترح، فإن «ممر التعمير» في موازاة الدلتا ووادي النيل على الشريط المتاخم للصحراء الغربية يمكنه أن يؤهل للوصول إلى الغرض المنشود خلال عقد أو عقدين من الزمان على الأكثر. كما أن من شأنه أن يُخرِج مصر من الوضع الحالي بمآسيه المختلفة. لذلك فإنني مقتنع تماماً أن المشروع المقترح يمكن أن يعيد الحيوية والانتاجية لشعب مصر، ويتيح لهذا البلد الطيب المعطاء الوصول مرة أخرى إلى موقع متميز بين أعظم بلدان العالم.

 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.