اجتذبت تكنولوجيا الشبكة الذكية مؤخّراً اهتمام الحكومات والمرافق العامة على حدٍّ سواء، ويرجع ذلك إلى العديد من التحديات التي تواجه الاقتصادات العالمية. يتصدّر قطاع توليد الطاقة الكهربائية جميع القطاعات كأكبر مساهم في انبعاثات غازات الدفيئة، يليه قطاع النقل. ومن طرق خفض الانبعاثات الناجمة عن توليد الطاقة الكهربائية إدخال مصادر الطاقة المتجدّدة الموزّعة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إلى مزيج الطاقة. وباستخدام التقدّم الذي طرأ على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يمكن رفع «ذكاء» الشبكة وخفض الانقطاعات التي قد تطرأ.
في الوقت نفسه، شرع العديد من المجتمعات بإدخال المركبات الكهربائية إلى أنظمة النقل فيها لتحسين نوعية الهواء بخفض الانبعاثات. ووفقاً لدراسة أعدها معهد بحوث الطاقة الكهربائية ومجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية في الولايات المتحدة، فإن المركبات الكهربائية، مقارنة بتلك التي تستخدم محرّك الاحتراق الداخلي، تستطيع خفض غازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 34 في المئة إذا استُمدّت الكهرباء من محطة توليد تعمل بالفحم، وبنسبة 60 في المئة إذا كانت المحطة تعمل بالغاز الطبيعي.
تبدو هذه الخيارات جذّابة لبلدان مجلس التعاون الخليجي التي يعدّ نصيب الفرد فيها من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من بين الأعلى في العالم. فقد أدى النموّ السكاني والصناعي في هذه البلدان، بالإضافة إلى الطقس الحار الرطب الذي يدفع إلى الإفراط في استخدام أنظمة تكييف الهواء غير المركزية، إلى زيادة حادّة في الطلب على الكهرباء، ومن ثم إلى ارتفاع حادّ في توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري، ما أدى بدوره إلى ارتفاع انبعاثات الكربون. كما أن ازدياد عدد السكان أثر تأثيراً كبيراً على قطاع النقل، بزيادة عدد السيارات التي تملأ الطرقات وتصدر مزيداً من غازات الدفيئة. ويقدّر أن تتضاعف الانبعاثات الناجمة عن قطاع النقل في بلدان الشرق الأوسط، بما فيها بلدان مجلس التعاون الخليجي، بحلول سنة 2030.
لنأخذ المثال الآتي لإعطاء صورة أوضح عن كيفية إنتاج السيارات التقليدية انبعاثات الكربون: إذا كانت كمية ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن إحراق ليتر واحد من الوقود 2,3 كيلوغرام لكل ليتر، وإذا كانت السيارة تجتاز 20 ألف كيلومتر في السنة بالمتوسط، فإن متوسط كمية الوقود المستخدم في السنة يبلغ 1428 ليتراً تقريباً. لذلك يقدّر إجمالي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنحو 3284 كيلوغراماً لكل سيارة. وإذا تم تحويل 10 آلاف سيارة عادية إلى كهربائية، فيمكن استبعاد ما مقداره 33 ألف طن في السنة من ثاني أوكسيد الكربون. جدير بالذكر أن هذه الانبعاثات تشيع تسميتها بانبعاثات أنبوب العادم، أو «من الخزان إلى العجلة»، أي الانبعاثات الناجمة عن الاحتراق الداخلي في المحركات. ليس للسيارات الكهربائية انبعاثات عادم، لأنها تندفع بقدرة محركات كهربائية تستمد الطاقة من البطاريات. غير أن للسيارات الكهربائية «أنبوب عادم طويل»، مجازياً، يمتد كل المسافة إلى محطة الطاقة التي تولد الكهرباء اللازمة لشحن البطاريات. وترتبط عملية توليد هذه الكهرباء بانبعاث ثاني أوكسيد الكربون التي تشيع تسميتها بالانبعاثات «من البئر إلى الخزان». ولتقليل هذه الانبعاثات، لا بد من استخدام مصادر الطاقة الخضراء النظيفة لتوليد الكهرباء اللازمة لشحن البطاريات.
تجدر الإشارة إلى أن استخدام الطاقة المتجدّدة لشحن السيارات الكهربائية يلغي إجمالي الانبعاثات، أي من البئر إلى العجلة. وهذه في الواقع فرصة كبيرة لمنطقة مجلس التعاون الخليجي، بسبب وفرة الطاقة الشمسية المتاحة التي لم تستغلّ على نطاق واسع حتى الآن.
تمتلك منطقة مجلس التعاون التعاون الخليجي فرصة ذهبية لتحسين صورتها الخضراء عن طريق استخدام السيارات الكهربائية على نطاق واسع. كما أنها تستطيع تحقيق بيئة أكثر نظافة وهدوءاً ، نظراً إلى أن هذه المركبات لا تصدر ضوضاء، وهي متحرّرة من خصائص المحرّك، فلا تتطلب تغيير الزيت والتخلّص منه. ومع التكرّر الملحوظ لذروة الطلب صيفاً في منطقة الخليج، يمكن استخدام السيارات الكهربائية بمثابة مصدر للطاقة يساعد في الموازنة بين العرض والطلب خلال ساعات حمل الذروة، عن طريق ما يسمى إمدادات الطاقة من السيارة إلى الشبكة (V2G).
ثمة إمكانات كبيرة أمام منطقة مجلس التعاون الخليجي لتحقيق الاستدامة من خلال اعتماد تكنولوجيا الشبكة الذكية ودمج السيارات الكهربائية في نظام النقل. ومن شأن استغلال الطاقة الشمسية لشحن السيارات الكهربائية في تخفيض الانبعاثات الكربونية بشكل كبير، والمساعدة في دعم الاقتصاد المنخفض الكربون. غير أن استخدام السيارات الكهربائية على نطاق واسع يتطلب رؤية واضحة، وسياسة للحوافز، ووعياً عاماً، وتعزيزاً للشبكة، وبنية تحتية للشحن، وحلاً ذكياً لإدارة أنشطة الشحن.
الدكتور وجدي أحمد مدير قسم الحلول التقنية في جنرال إلكتريك ـ الطاقة الرقمية. والدكتورة لانا الشعار مديرة خط إنتاج في جنرال إلكتريك، خدمات توليد الطاقة. جنرال إلكتريك عضو في المنتدى العربي للبيئة والتنمية.
|