Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
مجيد جعفر دور القطاع الخاص في تطوير الغاز الطبيعي العربي  
تشرين الثاني / نوفمبر 2013 / عدد 188
 بقلم مجيد جعفر
مجيد جعفر هو الرئيس التنفيذي لشركة نفط الهلال، والعضو المنتدب لشركة دانة غاز، وعضو مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد).
تمثل مصادر الغاز الطبيعي إحدى الفرص السانحة أمام العالم العربي لوضع سياسات للطاقة المستدامة، من خلال الحد من تكاليف الطاقة والانبعاثات الكربونية، مع دفع عجلة الاقتصاد في المنطقة وتوفير المزيد من فرص العمل. بيد أن تحقيق هذا الهدف يتطلب من حكومات المنطقة وضع السياسات الملائمة وتطبيقها، ولا سيما تعزيز دور القطاع الخاص من خلال تحسين أطر الاستثمار وشروطه بالنسبة لعمليات الاستكشاف والإنتاج، فضلاً عن معالجة مسألة الدعم الذي يعد أحد أهم المعوقات.
بدأ العالم العربي مؤخراً تطوير موارده من الغاز الطبيعي، حيث تضم المنطقة ما نسبته 40 في المئة من الاحتياط المؤكد من الغاز على مستوى العالم. في واقع الأمر، تم اكتشاف معظم هذه الموارد خلال العقود الماضية بمحض المصادفة أثناء التنقيب عن النفط، ولم تبدأ العمليات المخصصة للتنقيب عن الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة إلا مؤخراً، وما زالت إمكانية إيجاد كميات أكبر من الغاز الطبيعي قائمة. على سبيل المثال، لم يتم تطوير حقل الشمال في قطر، الذي يعرف الآن بأنه أكبر حقل للغاز على مستوى العالم، إلا بعد 20 عاماً من اكتشافه.
أما اليوم فهناك اتجاه عالمي يرى أنه في حين كان الفحم هو مصدر الوقود الرئيسي للقرن التاسع عشر والنفط هو مصدر الوقود الرئيسي للقرن العشرين، فإن الغاز الطبيعي هو مصدر الوقود المفضل في القرن الحادي والعشرين، خاصة بالنسبة لتوليد الطاقة الكهربائية والصناعة. وينطبق ذلك بصفة خاصة على العالم العربي، حيث الاقتصادات النامية والزيادة السريعة لعدد السكان والطلب المتزايد على الطاقة.
علينا هنا الاعتراف بحقيقة أن الغاز الطبيعي هو وقود نظيف، يصدر ثلث انبعاثات الكربون التي يصدرها الفحم ولا يحتوي على الملوثات الخطرة مثل أوكسيدات النيتروجين والكبريت. ويمتاز الغاز الطبيعي أيضاً بأنه وقود أقل كلفة ويساعد على تحقيق وفورات في موازنة الوقود. كما يمكن أن يلعب دوراً هاماً كوقود ملائم لمرحلة الانتقال من استخدام الوقود الصلب والسائل إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة ومزيج طاقوي أكثر استدامة، حيث يتوقع أن تستغرق عملية الانتقال عادة عدة عقود.
من الأهمية بمكان إجراء مطابقة بين تجربة الولايات المتحدة وتجربة أوروبا عند دراسة الاقتصادات النامية. ففي الولايات المتحدة، بفضل ثورة الغاز الصخري (shale gas)، ارتفع احتياطي الغاز وإنتاجه وانخفض سعره المحلي، الأمر الذي أدى إلى تخفيض انبعاثات الكربون إلى أدنى حد لها منذ ما يزيد على عشرين عاماً، حتى تجاوزت أهداف بروتوكول كيوتو الذي رفضت الولايات المتحدة الالتزام به سابقاً. وفي غضون ذلك، أدى انخفاض كلفة الطاقة إلى تعزيز اقتصاد الولايات المتحدة ورفعه إلى مستوى تنافسي، حيث أصبحت الصناعات الثقيلة مثل صناعة البتروكيماويات تمثل منافساً قوياً لدول مجلس التعاون الخليجي. ليس ذلك فحسب، بل يمكن للولايات المتحدة ان تصبح قريباً أحد مصدري الغاز، ويعود ذلك الى القطاع الخاص الذي يضم العديد من الشركات الصغيرة العاملة في مجال استكشاف هذا القطاع الهام وتطويره عبر استخدام أحدث التكنولوجيات.
من ناحية أخرى، تتبع أوروبا سياسة دعم الطاقة المتجددة، وهي تعتبر مكلفة وغير كافية لتلبية الطلب على الطاقة، الأمر الذي انتهى بها إلى عدم إجراء التطوير اللازم لقطاع الغاز الطبيعي، فباتت مضطرة إلى استيراد الفحم من الولايات المتحدة من أجل توليد الطاقة الكهربائية. وقد أدى اتباع هذه السياسة غير المنطقية إلى ارتفاع كلفة الطاقة وزيادة الانبعاثات الكربونية بدلاً من الحد منها، لا سيما في الدول ذات الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا. لذا، ينبغي على العالم العربي الاستفادة من تجارب المناطق الأخرى حول العالم من أجل وضع أفضل السياسات لتطوير مصادر الطاقة الضخمة لديه وتحقيق الاستخدام الأمثل لها.
إن مناهج التنمية القديمة التي تتبعها الدول العربية، اعتماداً على القطاع الحكومي في استكشاف الغاز الطبيعي وإنتاجه، أدت إلى توفر احتياطي ضخم من الغاز ولكن مع إنتاج متدنّ نسبياً، حيث يمتلك العالم العربي ما يزيد على 40 في المئة من الاحتياطي العالمي المؤكد للغاز في حين ينتج 20 في المئة من الإنتاج العالمي. وبالتالي نجد أن العالم العربي يتمتع باحتياطي الغاز الأطول عمراً على مستوى العالم، مما يمكّنه من إنتاج الغاز بالمستويات الحالية لمدة لا تقل عن 130 سنة، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 64 سنة.
يحتاج تحقيق هذا التحول في مجال الطاقة إلى مواجهة تحديات استثمارية ضخمة. ووفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة، سوف تحتاج المنطقة إلى استثمار مبالغ تجاوز 2,2 تريليون دولار خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة من أجل الاحتفاظ بالبنية التحتية للنفط والغاز والطاقة الكهربائية على مستويات ملائمة. ويعد وضع سياسات للطاقة تسهل عمليات الاستثمار من أهم العوامل التي تضع المنطقة في أفضل مركز لتحقيق الاستفادة الطويلة الأمد من المزايا التنافسية عبر تطبيق سياسات الطاقة المستدامة.
إن طبيعة صناعة الغاز الطبيعي تجعل القطاع الخاص قادراً على أداء دور هام في تنمية هذه الصناعة الأساسية والهامة بالنسبة للعالم العربي: الاستثمارات الضخمة اللازمة لقطاعي المعالجة والتخزين، النقل والتسويق لمنتجات مثل الأنابيب ومعدات المعالجة، عمليات إدارة المشاريع المعقدة، كلها تتطلب مهارات تجارية وفنية عالية نظراً لاتصالها بالصناعات الثقيلة وصناعة البتروكيماويات، الأمر الذي يستلزم تعزيز دور القطاع الخاص، ولا سيما الشركات الإقليمية.
بيد أن تحقيق ذلك يحتم على حكومات المنطقة تنفيذ خطوات عاجلة من أجل اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن وضع السياسات لتعزيز دور القطاع الخاص واستثماراته في هذه الصناعة الهامة، وإلا ستظل إمكانات المنطقة غير محققة، الأمر الذي سيعرض استدامة التنمية الاقتصادية للمخاطر. وقد رأينا بالفعل بوادر هذه المخاطر، حيث تعاني جميع الدول العربية اليوم، باستثناء قطر، من نقص الغاز. لنأخذ ثلاثة أمثلة هامة من دول المنطقة: أخذ إنتاج الغاز في مصر في التراجع خلال الأعوام الأربعة الماضية، في حين ارتفع الطلب بمعدل 10 في المئة سنوياً نتيجة للدعم الحكومي، ويشير ذلك إلى أن صادرات مصر من الغاز قد تتلاشى في وقت قريب، بل قد تحتاج أيضاً إلى استيراد الغاز بأسعار باهظة. وتعد المملكة العربية السعودية من الأمثلة الأخرى الهامة، حيث تقوم بحرق النفط الخام في محطات توليد الطاقة الكهربائية بكلفة تزيد على 100 دولار للبرميل، وهذا يؤدي إلى التلوث وإتلاف التوربينات، في حين يتم بيع الغاز الطبيعي بسعر مكافئ لأربعة دولارات للبرميل. وفي العراق، يتم إحراق ما يزيد على بليون قدم مكعب من الغاز يومياً، بينما لا تتوفر الطاقة الكهربائية في معظم أنحاء البلاد إلا لبضع ساعات يومياً، مما يضطر السكان إلى استهلاك الوقود السائل الباهظ الثمن من أجل تشغيل المولدات الكهربائية.
في هذا السياق، هناك عدة متطلبات رئيسية، من بينها تعزيز الأطر التنظيمية للاستثمار في قطاع الاستكشاف والإنتاج من أجل إيجاد الحوافز الملائمة للتنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه. وعلى هذه أن تأخذ في الاعتبار الحجم الضخم للاستثمارات الرأسمالية التي يتطلبها قطاع الغاز، والبنى التحتية التي يحتاجها في مجال المعالجة والأنابيب، والفترة الأطول المطلوبة لاسترداد الاستثمار. ولا بد أن استقطاب استثمارات أكبر يتطلب حوافز تربط أسعار الغاز بالقيمة السوقية، لتكون كافية لتبرير الاستثمارات المطلوبة في المدى البعيد. وهذا بدوره يستدعي أيضاً معالجة موضوع دعم أسعار الطاقة بما يؤدي إلى تسعير متجانس مع أوضاع السوق في القطاعات التي تستخدم الغاز، مثل إنتاج الكهرباء والصناعة.
المطلوب إذاً أخذ السلسلة الكاملة لقيمة الغاز في الاعتبار، وتطبيق الحوافز والأنظمة الصحيحة في كل مرحلة، للنجاح في اجتذاب القطاع الخاص كي يستثمر في جميع سلاسل إنتاج الغاز ومعالجته وتوزيعه. هكذا، تضمن الدول العربية الحصول على إمدادات وقود بكلفة معتدلة ولفترات طويلة من أجل توليد الطاقة وتغذية الصناعات، مع تحقيق تنمية اقتصادية سريعة وإيجاد فرص عمل جديدة. إضافة إلى ذلك، سيتم الحد من الانبعاثات الكربونية وتسهيل عملية الانتقال إلى تطبيق مناهج بيئية سليمة. كل هذا يساهم في تطوير سياسات طاقة أكثر استدامة، يكون القطاع الخاص أحد أعمدتها في مجال تنمية صناعة الغاز في المنطقة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.