أنظمة الطاقة في المنطقة العربية، التي تهيمن عليها أنواع الوقود الأحفوري كما في معظم مناطق العالم، هي أنظمة غير مُستدامة سواء من الناحية الاقتصادية أم البيئية أم الاجتماعية. وعلى رغم أن مستويات كثافة استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون للفرد هي من بين الأعلى عالميّاً، فإن نحو 35 مليون عربي لا يحصلون على خدمات طاقة حديثة، وبشكل خاص الكهرباء. غير أن المنطقة العربية، بخلاف الكثير من مناطق العالم، تنعم بوفرة مصادر الطاقة النظيفة المتجدّدة، وعلى رأسها الشمس والرياح. ومن شأن هذه المصادر المتجدّدة، بالتوازي مع اعتماد التقنيات الأنظف وتحسين كفاءة الطاقة، أن تساهم في تنويع الطاقة وتعزيز استدامتها في المستقبل.
وفق التقرير السنوي 2013 للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) حول الطاقة المستدامة في البلدان العربية، إذا التزمت الدول العربية بسياسات واستثمارات ملائمة فيمكنها أن تكون عضواً فاعلاً في مجتمع الطاقة النظيفة العالمي، وبهذا تخلق المزيد من فرص العمل المجزية وتصدّر الطاقة المتجددة، إضافة إلى النفط والغاز. في ما يأتي أبرز ما أورده التقرير من معلومات وأرقام
استهلاك استنزافي للنفط والغاز
يؤدي قطاع الطاقة في البلدان العربية دوراً حيويّاً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة. فإيرادات النفط والغاز هي مصدر الدخل الأساسي في معظم الدول العربية، خصوصاً في منطقة الخليج، إذ تشير أرقام صندوق النقد العربي إلى أن قطاع النفط والغاز يشكّل ما يصل إلى 36 في المئة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العربي. وتتراوح نسبة إيرادات المواد الهيدروكربونية من مداخيل صادرات معظم الدول العربية المنتِجة بين 33 في المئة في اقتصاد الإمارات العربية المتحدة المتنوّع نسبيّاً، و88 في المئة في الاقتصادات المعتمدة بشكل عام على التصدير مثل السعودية وقطر، وتتجاوز 97 في المئة في كل من الجزائر والعراق. وقد شهدت بلدان مجلس التعاون الخليجي، وهي الدول العربية الرئيسية المصدّرة للنفط، على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، تحوّلات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة. وتمّت الاستفادة من مداخيل النفط في تحديث البنية التحتية وزيادة فرص العمل وتحسين مؤشرات التنمية البشرية.
لكنّ عائدات النفط، من ناحية أخرى، لم تؤدِّ إلى خلق التنويع الاقتصادي بالقدر الذي طمحت إليه دول عربية عديدة منتِجة للنفط، ممّا جعل معظمها معتمداً، بشكل استثنائي، على إيرادات النفط التي أثبتت أنها متقلّبة إلى حدّ كبير. كما إن الاضطرابات السياسية التي أطاحت بعدّة أنظمة عربية كشفت عن مدى تأثّر إمدادات النفط الإقليمية بالقلاقل السياسية في ظل الأزمة التي تعصف بالمنطقة. بيد أن النفط لا يزال أهم الموارد الطبيعية في العالم العربي، وتشير كل الاحتمالات إلى استمرار هذا الوضع في المدى المنظور. وعلى رغم اكتشاف احتياطات نفطية ضخمة مؤخراً خارج العالم العربي (منها مثلاً الزيت الصخري في الولايات المتحدة، والرمال الزيتية في كندا، وغاز طبقات الفحم في أوستراليا، ونفط المناطق البحرية العميقة في البرازيل)، من المتوقّع أن يحتفظ العالم العربي بمكانته في أسواق النفط العالمية، وذلك باستمرار سيطرته على تجارة النفط الخام الدولية وامتلاكه معظم القدرة الاحتياطية في العالم.
يُضاف إلى ذلك أن المخاوف المتعلّقة بتغيّر المناخ والتخفيضات المتوقّعة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الصعيد العالمي يمكن أن تؤدي إلى تحوّلات في السياسات العامة لأسواق الطاقة العالمية نحو مصادر طاقة نظيفة أكثر كفاءة وأقلّ احتواءً للكربون. وفي حين أن المفاوضات الجارية حاليّاً في إطار الأمم المتحدة بشأن المناخ لم تتوصّل بعد إلى اتفاق حول نظام مناخي طويل الأجل لما بعد سنة 2020، فإن التحوّلات بدأت فعلاً في سياسات المناخ الوطنية لبعض كبار مستهلكي الطاقة، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، وذلك بالتوجّه نحو تحسين تقنيات تخفيض الكربون، ممّا سينعكس تطوّراتٍ استثنائية في سوق النفط العالمية. ووفقاً لتقديرات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الواردة في تقرير توقعات النفط في العالم عام 2011، يُنتظر أن تكون الزيادة في الطلب على أنواع الوقود السائل أسرع في قطاع النقل من أي قطاع استخدام نهائي آخر، ومن المتوقَّع أن تكون معظم الزيادة من الدول النامية، وعلى رأسها الصين والهند. غير أن زيادة انتشار تقنيات النقل المتطورة وأنواع الوقود البديل في السوق ستؤدي إلى تخفيض الطلب العالمي على النفط بنحو سبعة ملايين برميل يوميّاً سنة 2035، بالمقارنة مع سيناريو استمرار السياسات الراهنة.
ضياع الإيرادات
تعتمد الاقتصادات العربية على النفط والغاز لتلبية أكثر من 97 في المئة من الطلب المحلي على الطاقة، أما الطاقة المتجدّدة فتساهم في توفير النسبة المتبقية، أي 3 في المئة. لكن سوق الطاقة المتجدّدة في البلدان العربية آخذة في التوسّع بسرعة، إذ كشفت مجموعة متنوّعة من البلدان عن مشاريع وسياسات لتوجيه وفرة موارد الطاقة المتجددة في المنطقة نحو التنمية الاقتصادية وتحسين أمن الطاقة. كما أن استمرار اعتماد العالم العربي على المواد الهيدروكربونية للوفاء بحاجاته المحلية من الطاقة يطرح تحديات من نوع آخر: الارتفاع الحادّ في الطلب المحلي على الطاقة يعني زيادة في استنزاف النفط المنتَج في المنطقة، وتحويل جزء متزايد منه إلى السوق المحلية بدل التصدير. وتقدّر بعض الدراسات أن الدول العربية المنتجة للنفط يمكن أن تخسر ما يصل إلى 90 دولاراً في كل برميل نفط يُستهلك محليّاً بدلاً من تصديره.
تأتي هذه الزيادة في الطلب على الطاقة استجابة لما حقّقته المنطقة من نموّ اقتصادي وحركة تصنيع وتغيّر في نمط العيش. غير أن هذا الارتفاع في الطلب لا يؤدي بالضرورة إلى ازدياد تلوث الهواء، بما في ذلك زيادة انبعاثات الكربون. لقد تأخّر البدء بإدارة الطلب والتحوّل الجذري إلى رفع درجة كفاءة استخدام الطاقة، أي حجم الناتج مقابل خفض كمية الوقود. وآن الأوان كي تنتقل المنطقة إلى اعتماد الطاقة المتجدّدة بشكل واسع، وهذه النقلة الكبرى سوف تخلق فرصاً اقتصادية منخفضة الكربون وتضمن أمن الطاقة وتوفّر بيئة أنظف.
لا يمكن تحمّل ضياع الإيرادات في حال استمرار الأمور على حالها، في ظل هذا الاقتصاد غير المتنوّع بشكل عام، ممّا يدعو إلى التساؤل: ما هو الدور الذي يُفترض أن يؤديه النفط في الاقتصادات العربية في المدى البعيد؟ هذا يعني أنّ على العديد من الدول العربية المنتجة للنفط أن تزيد استثمارات رؤوس الأموال وتضاعف الجهود من أجل إيجاد حوافز للقطاع الخاص للدخول في أنشطة لا تقتصر على صناعة النفط والصناعات الأخرى الشديدة الاستهلاك للطاقة. كما يُفترض أن تساهم مداخيل النفط الحالية، بشكل أكثر فاعلية، في تحسين قدرات المنطقة في أبحاث الطاقة المتجددة وتطوير تقنياتها. وقد بدأ هذا التوجّه فعلاً في بعض الدول الرئيسية المنتجة للنفط، مثل الإمارات والسعودية.
هدر الطاقة والمياه
من الجدير ذكره أيضاً أن قطاع الطاقة يلعب دوراً أساسيّاً في تأمين احتياجات الماء والغذاء في البلدان العربية، حيث يشيع استخدام محطات التوليد المزدوج للحرارة والكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري لتحلية مياه البحر في هذه المنطقة التي تضم نحو 50 في المئة من قدرات التحلية العالمية. كما أن الطاقة الكهربائية المدعومة الأسعار والمولّدة في محطات تعمل بالوقود الأحفوري هي من أكثر مصادر الطاقة الأولية المعتمدة لاستخراج المياه الجوفية وتوزيعها. لكن على رغم كل ذلك، فإن معدّل استهلاك الفرد للماء العذب في بعض البلدان العربية القاحلة هو من أعلى المعدلات في العالم، في حين أن كفاءة الري هي في المستويات الدنيا عالميّاً إذ لا تزيد على 40 في المئة. وهكذا فإن إنتاج الغذاء في المنطقة لا يزال معتمداً على موارد طاقة غير متجدّدة باهظة الكلفة تُستخدم بشكل قليل الفعاليّة والكفاءة. لذا فإن الانتقال إلى ممارسات أكثر كفاءة وإلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن يوفّر خيارات ملائمة لضمان إمدادات مستدامة من موارد المياه وإنتاج الغذاء في العقود المقبلة.
مع أن البلدان العربية تنعم بثروة ضخمة نسبيّاً من موارد الغاز الطبيعي، لم تتمّ حتى الآن الاستفادة الكاملة من الامكانات التي يوفّرها هذا الوقود لمساعدة المنطقة في توفير احتياجاتها من الطاقة، وفي الوقت عينه إدارة بصمتها الكربونية العالمية. ويعود ذلك إلى جملة عوامل أساسية، أوّلها سياسات تسعير الغاز في الأكثرية الساحقة من البلدان العربية. فإبقاء أسعار المستخدمين النهائيين في مستويات منخفضة بشكل مصطنع لم يساهم فقط في سرعة تزايد الطلب على الغاز في المنطقة، بل كان حائلاً دون تطوير مصادر جديدة لإمدادات الغاز. يُضاف إلى ذلك أنّه نظراً لسياسات تسعير الغاز العربي بالدرجة الأولى، والطاقة عموماً، كان من العسير جداً جذب الاستثمارات اللازمة للتوصل إلى مزيج الطاقة الذي تحتاج إليه المنطقة. ومع تزايد عوامل جذب شركات النفط العالمية إلى حقول الغاز الناضجة والناشئة في أجزاء أخرى من العالم، أصبحت الحاجة إلى إصلاح ظروف الاستثمار في الدول العربية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
تُعتبر المنطقة العربية من بين مناطق العالم الأقلّ تكامُلاً اقتصاديّاً، ما يعيق قيام سوق إقليمية قوية للغاز الطبيعي. هذا النقص في تجارة الغاز الإقليمية، حيث إن ما يُصدَّر ضمن المنطقة لا يتجاوز 11 في المئة من مجمل الغاز العربي المنقول بالأنابيب، إنما يعني أن كميات الغاز الفائضة في المنطقة العربية قد بيعت باستمرار في الأسواق البعيدة، ما حرم البلدان العربية المفتقرة إلى الغاز الحصول من البلدان المجاورة على أي إمدادات بأسعار تنافسية.
كفاءة الاستهلاك
الاتجاهات الحالية لأنماط استهلاك الطاقة تضع الاقتصادات العربية في مصافّ الاقتصادات الأقلّ كفاءة على الصعيد العالمي. فعلى مدى العقد المنصرم لم يحدث في المنطقة العربية أي فك للارتباط بين النمو الاقتصادي والطلب على الطاقة. وكان نموّ استهلاك الطاقة أسرع من النموّ الاقتصادي، إذ بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي حوالى 4 في المئة سنويّاً، في حين بلغت زيادة الطلب على الطاقة الأولية والكهرباء نحو 8 في المئة.
جدير بالذكر أن دعم الوقود الأحفوري هو من العوامل الرئيسية المؤدية إلى عدم الكفاءة في استخدام الطاقة. فأسواق المستهلكين في القطاع السكني في البلدان العربية، مثلاً، هي الأكثر تلقياً للدعم، حيث يصل الدعم الضمني المقدّم في بعض البلدان العربية إلى 95 في المئة. ومن العوامل الأخرى أن البنية التحتية للكهرباء في غالبية بلدان المنطقة تفتقر بمعظمها إلى الكفاءة، فمتوسط مقادير فَقْد الطاقة الكهربائية في التوليد والنقل والتوزيع في الدول العربية، البالغ 19,4 في المئة، يفوق ضعفي المعدّل العالمي البالغ 8,3 في المئة.
وإدراكاً من جامعة الدول العربية لأهمية المكاسب التي يُمكن أن تُجنى من كفاءة الطاقة، عمدت في العام 2010 إلى إقرار المبادئ التوجيهية العربية لكفاءة الطاقة، لتعزيز التحسينات المجدية اقتصاديّاً في الاستخدام النهائي للكهـرباء في الـدول الأعضاء عن طريق أهداف توجيهية وآليات وحوافز وأُطُر مؤسساتية. لكن على رغم كثرة بيانات القادة العرب ووعودهم بزيادة تنمية الطاقة المستدامة، لا نجد في المنطقة اليوم سوى عدد قليل من الدول التي أعلنت عن استراتيجيات لكفاءة الطاقة ذات أهداف محدّدة كمّيّاً وتدابير سياسات داعمة. فالعديد من العوائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا تزال قائمة بوجه كفاءة الطاقة في المنطقة، وهذه ينبغي تجاوزها. كما أن بالإمكان تعزيز كفاءة الطاقة عن طريق التأثير في تصرّفات المستهلكين بواسطة الحوافز، للتمكّن من التغلّب على عوائق السوق، سواء أكانت متعلّقة بالأسعار أم بسواها.
ويُشار إلى أن تطبيق نظام وضع ملصقات لكفاءة الطاقة يؤدي الى الجمع بين توفير المعلومات والتوعية والحوافز، التي تدفع المستهلكين إلى اعتماد تقنيات كفاءة الطاقة وتدفع المنتجين إلى الاستثمار في الابتكارات التكنولوجية واستيفاء معايير أداء الطاقة.
الطاقة المتجددة
تتمتع البلدان العربية بإمكانات هائلة من موارد الطاقة المتجددة، بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى الطاقة المائيّة والطاقة الحرارية الجوفية في بعض المواقع، وهذه جميعاً لم تُستغلّ كما يجب حتى الآن. ولقد تطوّرت سوق الطاقة المتجددة في المنطقة العربية بسرعة خلال السنوات الأخيرة .
كشفت عدة بلدان عن مشاريع وسياسات في هذا المجال. وهذا التوسع الحديث في سوق الطاقة المتجددة في المنطقة، بالإضافة إلى تنوّع الدول المشاركة فيه، ناجم عن الحاجة إلى تعزيز أمن الطاقة وتلبية الزيادة الكبرى في الطلب ومعالجة مشكلة ندرة المياه. فاعتباراً من أوائل سنة 2013، يجري العمل على 64 مشروعاً جديداً للطاقة المتجدّدة بقدرة إجمالية تبلغ نحو 6 جيغاواط، وفي ذلك زيادة تصل إلى أربعة أضعاف القدرة الحالية.
وبلغ مجموع الاستثمارات الجديدة في الطاقة المتجدّدة خلال العام 2012 نحو 1,9 بليون دولار، أي ما يوازي ستة أضعاف مجموع الاستثمارات في العام 2004. وللمقارنة، فإن مجموع الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجدّدة في العام نفسه وصل إلى 244 بليون دولار، وهو ثاني أضخم رقم يسجل في سنة واحدة. أما مجموع استثمارات الطاقة المتجدّدة منذ العام 2006 فبلغ نحو 1,3 تريليون دولار.
تحتل الطاقة الكهرمائية المركز الأول بين مصادر الطاقة المتجدّدة المستخدمة لتوليد الكهرباء في المنطقة، تليها طاقة الرياح.
في نهاية العام 2012، كانت لدى سبع دول عربية على الأقل، في مقدمتها مصر، قدرات للتوليد بطاقة الرياح. كما يُنتظر أن تزيد محطات الطاقة الشمسية المركّزة مساهمة الطاقة الشمسية في قدرات التوليد في المنطقة، علماً أن أكثر من 30 في المئة من البلدان التي تشغّل محطات طاقة شمسية مركّزة في العالم هي بلدان عربية، وبالتحديد الجزائر ومصر والإمارات والمغرب. وفي آذار (مارس) 2013، أصبحت الإمارات ذات دور فاعل في سوق الطاقة الشمسية المركّزة، حين بدأت تشغيل محطة «شمس 1» التي اعتبرت أكبر محطة طاقة شمسية مركّزة في العالم بقدرة مركّبة تصل إلى 100 ميغاواط. من ناحية أخرى، وضعت السعودية هدفاً طموحاً لتلبية 33 في المئة من احتياجاتها الطاقوية المحلية من مصادر متجددة بحلول سنة 2032.
تساعد السياسات الصحيحة على النجاح في زيادة حصص مصادر الطاقة المتجدّدة في مزيج الطاقة، وهذا يعطي ثماره على صعيدي الاقتصاد والبيئة. ولقد أصبح لدى 20 من الدول العربية سياسات ذات أهداف واضحة، فيما أقرّت 16 دولة منها مستوى معيناً من السياسات الملائمة للطاقة المتجدّدة مثل التعرفة التفضيلية والحوافز الضريبيّة والتمويل العام. على كل حال، كما أشار تقرير حالة الطاقة المتجددة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «يبقى أن نرى إلى أي مدى ستؤدي الطموحات الحكومية التي يدعمها التمويل العام حاليّاً إلى سياسات وآليات تشجيعية شفافة وطويلة الأجل ومرتبطة بالسوق، ممّا يشجّع القطاع الخاص على المشاركة في توسيع قدرات التوليد بالطاقة المتجددة».
لاحظ خبراء السياسات والاستثمار والأعمال، على حدّ سواء، أن اقتصاد الطاقة النظيفة آخذ في البروز كأحد أهم الفرص الاقتصادية والبيئية العالمية في القرن الحادي والعشرين. وأخذ القادة، على جميع المستويات المحلية والوطنية في أرجاء العالم، يدركون أن استخدام الطاقة المأمونة والموثوقة والنظيفة يمكّنهم من خلق الوظائف والأعمال، وتحسين أمن الطاقة، ورفع مستوى جودة الهواء والصحة العامة، والتخفيف من حدة تغيّر المناخ. وفي وسع البلدان العربية، إذا كان ثمّة التزام طويل الأجل وإذا وُجدت السياسات والاستثمارات المناسبة، أن تنضمّ إلى نادي الطاقة النظيفة العالمي، وأن تخلق بذلك فرص عمل جديدة عالية الأجور وتصدّر الطاقة المتجدّدة بالإضافة إلى النفط والغاز.
الجدل النووي
كشفت بعض البلدان العربية عن خطط لإضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة الذي تعتمده، وذلك للوفاء بالطلب المتنامي على الكهرباء. وتعتبر البلدان المنتجة للنفط أنها، بإضافة الطاقة النووية إلى مزيجها الطاقوي، تعزّز أمن الطاقة تحسّباً لنضوب الاحتياطات الهيدروكربونية، فضلاً عن تحرير المزيد من كميات النفط للتصدير والاستفادة من الأسعار المؤاتية في الأسواق. وترى البلدان الأخرى أن الطاقة النووية هي الحل الذي يمكّنها من تجاوز مشكلة افتقارها إلى الموارد الهيدروكربونية.
لكن قدرة الدول العربية على إدارة كامل دورة حياة الطاقة النووية هي موضع شكّ، إذ تظلّ المسائل الأساسية المتعلّقة بالسلامة بحاجة إلى معالجة. فإضافة إلى مخاطر الحوادث المحتملة في محطات الطاقة النووية، لا تزال مشاكل تخزين النفايات النووية والتخلّص منها بحاجة إلى حلول، وهي تشكّل مخاطر على الصحة العامة. وكما ورد في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية للعام 2011، «فقد تسبَّبت المخاوف الدولية حيال انتشار الأسلحة النووية، المرتبطة بدورة الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم، في فرض قيود عالمية على هذه التكنولوجيات ستجبر البلدان العربية على الاعتماد على السوق العالمية للتزوّد بالوقود النووي، حتى لو كانت احتياطات اليورانيوم متوافرة محلّياً. يُضاف إلى ذلك أن القدرات التقنية المحلية لبناء وتشغيل وصيانة محطات الطاقة النووية في البلدان العربية هي ضعيفة للغاية، الأمر الذي يثير مخاوف جدية بشأن أمن الطاقة والسلامة والاعتماد الشديد على العمالة الأجنبية. لذا فإن الطاقة النووية قد لا تكون الخيار الأنسب، على المدى البعيد، لسياسات إمدادات الطاقة وأمنها في المنطقة العربية». ويمكن الاستفادة في هذا المجال من خبرات مناطق أخرى في العالم. والواقع أنه، كما ورد في تقرير وضع الصناعة النووية في العالم لسنة 2013، «فإن ثلاثة من الاقتصادات الأربعة الأكبر في العالم (الصين وألمانيا واليابان)، التي تشكّل معاً ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تعتمد الآن في اقتصاداتها على الطاقات المتجدّدة أكثر من الاعتماد على الطاقة النووية». ويشير التقرير نفسه إلى أن «الصين والهند، للمرة الأولى في العـام 2012، ولدتا كهرباء من طاقة الرياح بكمية أكبر مما ولدتا من محطات الطاقة النووية».
تغير المناخ
ازدادت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المرتبطة باحتراق الوقود في المنطقة العربية بنسبة 247 في المئة بين العامين 1990 و2010، متجاوزة بدرجات كبيرة نسبة النموّ السكاني في الفترة نفسها. ونجمَ ما يزيد على 95 في المئة من هذه الانبعاثات عن استخدام النفط والغاز. وعلى رغم أن مجمل مساهمة المنطقة في تغيّر المناخ العالمي لا تتجاوز نسبة 5 في المئة، فالمنطقة لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي، سواء على المستويات العالمية أم الإقليمية أم الوطنية، نظراً لشدّة تأثّرها بالمفاعيل المحتملة التي وثَّقها تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية للعام 2009.
ليس ثمّة شك علمي في الحقائق الأساسية التي تشير إلى أن درجات حرارة عالمنا آخذة في الارتفاع. وبناءً على بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن العقد المنصرم 2001 ـ 2010 كان الأشدّ حرارة في التاريخ الحديث، حيث سُجِّلت خلاله أعلى درجات الحرارة القياسية في 94 بلداً. كما أن مستوى سطح البحر آخذ في الارتفاع، وجليد المحيط المتجمد الشمالي آخذ في الذوبان بوتيرة أسرع من التوقعات بسنوات.
وقد توصّل تقرير حديث للبنك الدولي إلى أن آثار التغيّر المناخي بدأت تظهر فعلاً في العديد من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يُضاف إلى ذلك أنه من المتوقّع ازدياد الجفاف وارتفاع معدل درجات الحرارة في المنطقة وتعرضها لخطر ارتفاع مستويات سطح البحر. واستشهد التقرير بفيضان حوض نهر النيل عام 2006، وبفترة الجفاف القياسية في حوض نهر الأردن التي دامت خمس سنوات وانتهت في العام 2008. ومن بين أعلى 19 درجة حرارة قياسية في العام 2010، كان الربع تقريباً في العالم العربي، بما في ذلك الكويت حيث سُجِّلت حرارة 52,6 درجة مئوية في العام 2010 و 53,5 في العام 2011. وشهد بحر العرب عام 2010 ثاني أشدّ إعصار في سجلاته، حيث بلغت سرعة الرياح 230 كيلومتراً في الساعة وأودت بحياة 44 شخصاً وسبّبت أضراراً بقيمة 700 مليون دولار في عُمان.
المنطقة هي من بين أكثر مناطق العالم معاناة من الشحّ المائي، ومع تغيّر المناخ الآخِذ في الزيادة، يتوقع أن تصبح موجات الجفاف أشدّ حدّة وأن تتفاقم ندرة المياه. وإلى ذلك، فإن معظم أشكال توليد الطاقة، ومنها الطاقة النووية، معرّضة بطريقة ما لتأثيرات تغيّر المناخ. وإذا كانت الطاقة النووية ستستخدم للحدّ من تأثيرات تغيّر المناخ، فينبغي أن تكون قابلة للتكيّف مع هذه التأثيرات، ومنها ازدياد درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر المناخية المتطرفة وندرة المياه.
من مصلحة البلدان العربية اتخاذ إجراءات صارمة على الصعيد العالمي لتخفيف الآثار والتكيّف في ما يتعلق بتغير المناخ. وعلى الحكومات العربية بدورها أن تقوم بواجبها لناحية تطوير استراتيجيات فاعلة للتخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف مع تأثيراته. وفي قطاع الطاقة، تشمل تدابير تخفيف انبعاثات غازات الدفيئة ناحيتي العرض والطلب. تتضمن الإجراءات في جانب العرض زيادة كفاءة الطاقة في توليد الكهرباء وتكرير النفط، واستخدام التوليد المزدوج للحرارة والطاقة في إنتاج الكهرباء والمياه، وتخفيف الاعتماد على أنواع الوقود الكربوني، واستيراد الكهرباء عبر شبكات كهرباء إقليمية، وتخفيض فقد الطاقة في النقل والتوزيع، وتوليد الكهرباء باستخدام مصادر متجدّدة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية. كما إن الرابط بين توليد الكهرباء وتحلية المياه مهم جداً لتحقيق كفاءة استخدام الطاقة في المنطقة العربية.
جذب الاستثمارات إلى قطاع الطاقة
هناك تحدّ رئيسي يواجه الحكومات في معظم البلدان العربية، يتمثّل في تخصيص الأموال الكافية لدعم النموّ المتوقع في الطلب على الطاقة. تبلغ قدرة التوليد المركبة للتوليد في الدول الـ 22 الأعضاء في جامعة الدول العربية 202 جيغاواط، وهي بذلك لا تتجاوز نسبة 4 في المئة من إجمالي قدرات التوليد المركبة على مستوى العالم، وفقاً لما ورد في إحصاءات البنك الدولي والمرصد العالمي للطاقة في العام 2013. وبلغ متوسط استهلاك الفرد العربي للكهرباء سنويّاً 2396 كيلوواط ساعة في العام 2010، متراوحاً بين 18319 كيلوواط ساعة في الكويت و248 كيلوواط ساعة في اليمن. وتراوحت معدلات نموّ الطلب خلال العقد المنصرم بين 5 و10 في المئة سنويّاً، ويُتوقّع أن تستمرّ في المراوحة بين 4 و8 في المئة خلال العقد المقبل. لذا فإنّ تلبية الطلب على الطاقة الكهربائية من قاعدة المستهلكين، الآخذة بالنموّ من حيث الحجم ومعدّل الاستهلاك للفرد، تحتاج إلى مواصلة إضافة قدرة توليد بنحو 24 جيغاواط سنويّاً على مدى السنوات العشر المقبلة. وهذا يعني ضرورة توفير استثمارات جديدة تفوق 31 بليون دولار في كل عام، أي ما يوازي 1,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية. تضاف إلى هذه المتطلبات المالية استثمارات رأسمالية في البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع، وكذلك نفقات التشغيل والصيانة والأموال اللازمة لدعم أسعار الوقود. ووفقاً لسيناريو استمرار النمو الاقتصادي والتطوّر الاجتماعي والاقتصادي، فإن التمويل اللازم لتنمية ودعم البنية التحتية لإمدادات الطاقة سوف يفوق قدرة القطاع العام على الإنفاق وإدارة المشاريع الرأسمالية بفعالية. لذا لا بد من اجتذاب التمويل من مصادر أخرى، عبر مقاربات ابتكارية تعزّز الأموال العامة المحدودة وتمكّنها من جذب استثمارات ضخمة من القطاع الخاص.
كان نموذج منتجي الطاقة المستقلّين أبرز أسلوب للشراكة بين القطاعين العام والخاص في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. ففي العام 2010، حيث بلغت قدرات مشاريع شركات إنتاج الطاقة المستقلة نحو 40 جيغاواط، شكّلت ما يزيد على 50 بليون دولار من استثمارات وتمويلات القطاع الخاص. وتمثّل خبرة السعودية وأبوظبي وقطر وعمان والمغرب خلال العقد الماضي نموذجاً يُسَجَّل لمشاركة القطاع الخاص في تطوير قدرات التوليد. وفي الآونة الأخيرة، نجح مطورو إنتاج الطاقة المستقلون والمصارف في هذه البلدان في بناء قدرات كافية للقيام بدور قيادي في تمويل وتنفيذ مشاريع توليد واسعة النطاق في أنحاء المنطقة العربية وخارجها.
توصيات «أفد» للدول العربية
تستطيع الدول العربية تعزيز استدامة قطاع الطاقة باتخاذ خيارات استراتيجية هامّة تؤمن مكاسب اقتصادية وافرة، وتضمن في الوقت عينه الادارة المتوازنة للموارد. تشمل هذه الخيارات تحسين كفاءة الطاقة، واستغلال الإمكانات الضخمة غير المستثمرة في موارد الطاقة المتجدّدة، واستخدام احتياطات النفط والغاز بأساليب أنظف وأكثر تنافسية. وينبغي توظيف جزء من إيرادات تصدير النفط لبناء القدرات الإقليمية على تطوير واقتناء تقنيات الطاقة النظيفة بما في ذلك استكشاف امكانات احتجاز الكربون وتخزينه.
يطرح تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لسنة 2013 جملة توصيات للمساهمة في التحوّل إلى قطاع طاقة عربي مُستدام، وبالدرجة الأولى حَثّ صانعي السياسات على القيام بجهود منسَّقة في مختلف الاتجاهات:
●على صانعي السياسات رصد استثمارات كافية في القدرة الإنتاجية للمحافظة على مكانة المنطقة في طليعة المنتجين العالميين، خلال العقود المقبلة، وزيادة فعالية استخدام عائدات النفط والغاز لتنويع اقتصادات المنطقة وتحريرها من استمرار الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري، وإدارة العرض والطلب المحليين على الطاقة.
●على صانعي السياسات إصلاح آليات تسعير الغاز ومنتجات الطاقة ذات الصلة، بطريقة تدفع التحوّل إلى نظام للطاقة المستدامة، حيث يمكن أن يكون للغاز الطبيعي دور أعظم في التحوّل الطاقوي العربي والتنمية الاقتصادية في المستقبل.
●على صانعي السياسات في المنطقة العربية إرساء العوامل الملائمة لمساهمة القطاع الخاص في استثمارات البنية التحتية لإمدادات الطاقة، بما في ذلك السياسات الواضحة المحدّدة والإطار التنظيمي السليم. ويمكنهم البناء على أساس نموذج منتجي الطاقة المستقلين المتعارف عليه، مع بعض التعديلات لمواجهة عدد من المعوقات الرئيسية. وعن طريق إرساء إدارة رشيدة بعيدة المدى للالتزامات المالية الحكومية، وإنشاء مؤسسات تنظيمية مؤهلة، واتباع عمليات منهجية لإجراء مناقصات المشاريع، تستطيع الحكومات العربية تعزيز الموارد المالية العامة المحدودة فتجذب استثمارات كبيرة من القطاع الخاص.
●ينبغي أن يعمل صانعو السياسات على تسهيل تمويل الاستثمارات والديون المحلية من خلال دعم إنشاء صناديق استثمار طرف ثالث، وتطوير آليات قانونية أكثر مرونة مثل شراكات البيع وعقود إيجار البيع، ومنح شركات تطوير البنية التحتية فرصاً أفضل للوصول إلى أسواق سندات الشركات والصكوك الإسلامية.
●المطلوب من صانعي السياسات والهيئات الناظمة إتاحة مجال إجراء المقارنات بين المشاريع والبلدان، على أساس الشفافية، في ما خصّ العوامل المؤثرة على قرارات الاستثمار، بما في ذلك خطط الاستثمارات المتوقّعة، ومخصّصات إمدادات الوقود، وآليات التعويض.
●على صانعي السياسات التوقيف التدريجي لدعم أسعار الطاقة، وإصلاح سياسات تسعيرها، من أجل تحفيز الانتشار السريع لكفاءة الطاقة وتكنولوجيات الطاقات المتجدّدة. ومن التدابير التي تساهم في تعزيز فرص الاستثمارات الخاصة إتاحة المجالات المتكافئة أمام مصادر الطاقة المتجدّدة، والحدّ من الاعتماد على القروض الميسّرة والتمويل العام.
●يتوجب على صانعي السياسات تنفيذ الخطوط التوجيهية العربية لكفاءة الطاقة المعتمدة في العام 2010، وذلك بوضع استراتيجيات وطنية لكفاءة الطاقة ذات أهداف محدّدة كمّيّاً وجداول زمنية وتدابير سياسات داعمة. وعلى الحكومات كذلك العمل على نشر الوعي وتقديم الحوافز لتشجيع اعتماد تكنولوجيات وممارسات كفاءة الطاقة.
●المطلوب من صانعي السياسات، عند مقاربة سبل التخفيف من مسببات تغيّر المناخ والتكيّف مع تأثيراته في قطاع الطاقة، القيام بالخطوات الآتية:
- تقييم ورصد أنظمة الطاقة بشكل منهجي لضمان قدرتها على التكيّف مع التأثيرات المتوقّعة لتغير المناخ.
- إدخال تقييم التأثيرات المناخية في تقارير تقييم الأثر البيئي (EIA) وتقارير التقييم البيئي الاستراتيجي (SEA) الخاصة بالخطط الجديدة لتوسيع نظم الطاقة.
- معالجة فقر الطاقة كجزء لا يتجزّأ من استراتيجيات التكيّف.
- تعزيز التحوّل نحو اعتماد أنظمة لامركزية لإمدادات الطاقة المتجددة في المناطق النائية والأرياف.
- تنفيذ تدابير كفاءة الطاقة وإدارة الطلب كأحد إجراءات التكيّف.
- تطوير مقاربة تكاملية جديدة للعمل على أساس الترابط بين الطاقة والمياه والمناخ في المنطقة العربية.
●على صانعي السياسات تشجيع تكنولوجيات الطاقة المستدامة المتطورة كوسيلة لتحقيق قفزة اقتصادية وتنموية، ودعم الابتكار في عالم الأعمال وتصنيع البرامج والأجهزة، والعمل على انتشارها الواسع في المنطقة.