بريادة حزب الخضر الألماني في منتصف التسعينات وتمكنه من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية في ألمانيا نتيجة حصوله على نسبة مؤثرة من مقاعد البرلمان، بدأت في العديد من دول العالم ظاهرة تأسيس الأحزاب البيئية الخضراء كأداة يهدف من خلالها ناشطون بيئيون وسياسيون إلى منح صوت للبيئة في عملية صناعة القرار السياسي في العالم، ومنها بعض الدول العربية.
هناك تباين في نجاح الأحزاب الخضراء في العالم العربي. في تونس تمكن حزب الخضر للتقدم من الحصول على نسبة 1.7 في المئة في الانتخابات التشريعية في العام 2009، وبالتالي دخول البرلمان، ولكن الأحزاب الخضراء الأخرى في العالم العربي لم تفلح في تحقيق هذا الهدف الرئيسي للنشاط الحزبي. ما بين حزب خضر نشيط إعلامياً في لبنان إلى أحزاب خضراء في اليمن والسودان ومصر تجاهد للمساهمة في الحياة السياسية، والإعلان عن حزب أخضر جديد في الأردن (الحزب الأول أغلق مكاتبه قبل 4 سنوات بعد تراكم قيمة الإيجارات غير المدفوعة!)، يبدو واقع حال الأحزاب الخضراء في العالم العربي متردياً، مما يطرح أمام الجميع سؤالاً أساسياً هو هل يحتاج العالم العربي في هذه المرحلة إلى أحزاب خضراء؟ في اعتقادي الشخصي أن الجواب هو "لا" وذلك لثلاثة أسباب رئيسية.
السبب الأول هو أن الأحزاب البيئية نشأت في أوروبا ودول أخرى في مجتمعات حققت تقدماً كبيراً في مجال الممارسة الديمقراطية وتمتلك أيضاً وعياً مجتمعياً بأهمية البيئة والتنمية المستدامة. الأحزاب الخضراء في تلك الدول هي إنعكاس لحركة اجتماعية نشطة تضم الشباب والسياسيين والأكاديميين وحتى رجال الأعمال المتنورين بيئياً وليست إسقاطاً نخبوياً من فئة تريد أن تخلق لنفسها دوراً سياسياً ومكاناً تحت الأضواء. في الدول العربية لا يزال الوعي البيئي والديمقراطي بحاجة إلى النمو، ووجود أحزاب بيئية تفتقد لقواعد جماهيرية سيجعلها أضحوكة وربما يخلق صورة سلبية عن قطاع حماية البيئة بشكل عام. في حال نجحت التحولات الديمقراطية في العالم العربي في تأسيس أنظمة انتخابية ومدنية حقيقية، قد يتاح المجال لأحزاب البيئة في الحصول على قواعد جماهيرية.
القضية الثانية تتعلق بهوية الحزب. في اعتقادي الخاص أن الأحزاب البيئية هي مثل الأحزاب الدينية تحاول "احتكار" منبر لرؤية ذات مضمون عاطفي وقيمي عالي ولكنها في واقع الأمر لا تمثل هذه القيمة. الأحزاب الدينية لا تمثل الدين والأحزاب البيئية كذلك هي مؤسسات سياسية تجمع أفراداً قد يكونون مشتركين في الاهتمام بالبيئة، ولكنهم قد يختلفون في المواقف السياسية بشكل كبير ومن الصعب اتخاذ قرارات وبيانات مساندة لمواقف سياسية ذات حساسية عالية. على سبيل المثال تعرض حزب الخضر للتقدم في تونس للنقد نتيجة بعض بياناته التي ظهر منها تأييد للنظام الليبي والتونسي السابقين، أما في مصر فتعرض حزب الخضر للنقد بسبب "غياب" مواقف واضحة عن التحولات العميقة في المجتمع المصري.
السبب الثالث هو أن الأحزاب البيئية في العالم العربي لا تضم نشطاء البيئة الحقيقيين. النشاط البيئي يحدث بشكل رئيسي في المجتمع المدني وبعض المؤسسات الأكاديمية، ولكن في الأحزاب البيئية هناك طغيان للشخصيات ذات الطموحات السياسية والاجتماعية التي تجد في البيئة منبراً متميزاً وفريداً لتحقيق النقلة المطلوبة في سلم الوجاهة الاجتماعية والمكانة السياسية. وهذا يطرح سؤالاً جوهرياً وهو "هل كل عضو في حزب الخضر هو ناشط بيئي فعلاً وهل كل ناشط بيئي يجب أن يكون عضوا في الحزب"؟ ربما يجد النشطاء البيئيون مساحة حركة أفضل بكثير في المجتمع المدني والمؤسسات البحثية والإعلامية وغيرها من الأدوات المرنة، بعكس الأحزاب التي تتخذ في العادة مواقف متشنجة وصارمة تنظيمياً.
ب.و.
|