تنعم المملكة العربية السعودية بتراث غني من التنوع الأحيائي. ويعزى ذلك الى موقعها المحوري بين أفريقيا وأوروبا وآسيا. وهي محطة رئيسية لهجرة ملايين الطيور من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب. وتنتشر في أرجائها محميات بات بعضها الملاذ الوحيد لحيوانات مهددة بالانقراض.
ترجع بدايات اهتمام المملكة العربية السعودية بحماية البيئة الى عهد الملك عبد العزيز بن سعود، عندما جمع عدداً من الحيوانات الصحراوية وأهداها الى حديقة سان دييغو في الولايات المتحدة للعناية بها خوفاً عليها من الانقراض. ثم تبعه أبناؤه في هذا المنحى المحمود. فأسس الملك خالد مزرعة الثمامة التي تحولت الى مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية، وفيها أعداد كبيرة من الغزلان والمها العربي وغيرها من الحيوانات المهددة بالانقراض.
كان المها العربي يجول في أجزاء واسعة من الشرق الأوسط في القرون الماضية. وحتى العام 1800 كان لا يزال موجوداً في سيناء وجنوب فلسطين والأردن ومعظم العراق وشبه الجزيرة العربية. وخلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين انحسرت موائله بسرعة خارج المملكة العربية السعودية. والمها العربي الذي يستوطن المملكة هو من الأبقار الوحشية الكبيرة التي قد يصل وزنها الى نحو 100 كيلوغرام. انه حيوان صحراوي شديد التحمل للظروف البيئية القاسية، ويتغذى على الأعشاب البرية، ولا يحتاج الى شرب الماء لأنه يستوفي حاجته الى الماء من النباتات التي يرعاها والجذور العصارية التي يحفر التربة ليحصل عليها. والمها حذر جداً، لذا لم يكن يصطاده الا الصيادون المهرة قبل قدوم السيارات والأسلحة النارية. وبحلول العام 1930 بدأت جماعات الصيد المؤللة تبطش بالمها العربي، حتى أصبح شبه منقرض في العام 1950 فبات وجوده مقتصراً على الأماكن المقفرة في منطقة الربع الخالي.
لقد اختفت قطعان المها والريم التي كانت ترتع في المنطقة، ولم تعد باقية الا في ذاكرة قدامى الصيادين. وأبيدت أسراب الحبارى وطيور النعام والفهود المفترسة من السهوب الصحراوية. وفي اطار انقاذ الحياة البرية في المملكة، امتنع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز عن الصيد، على رغم ولعه بهذه الرياضة لسنين طويلة. ومنع صيد المها العربي والغزلان منعاً باتاً. وتوجت جهوده بتأسيس الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها في نيسان (أبريل) 1986.
أقامت الهيئة عدداً من المحميات الممثلة لنظم البيئة الطبيعية وللتنوع الأحيائي في البلاد. وهي تختار المناطق المحمية بناءً على توافر مزايا فريدة فيها، كوجود بعض الأنواع المهددة بالانقراض، سواء من النباتات أو الحيوانات. وتنتشر وحدات المراقبة الجوية والأرضية في المحميات، بالتنسيق مع الأمانة العامة للهيئة في مدينة الرياض. وتشارك طائرات المراقبة في أعمال البحث العلمي لرصد الأحياء الفطرية وتعدادها. وتم تركيب محطات للرصد المناخي بالتعاون مع مصلحة الأرصاد وحماية البيئة لتسجيل التغيرات المناخية كعوامل مؤثرة في الحياة الفطرية. وزودت سيارات الجوالة بالأجهزة اللاسلكية التي تعتبر حلقة الوصل السريعة بين المناطق المحمية ومع مقر الهيئة في الرياض.
يشكل انشاء المحميات ظاهرة تمدّن ورقي. فهي تتطلب اهتمام المسؤولين وتعاون المواطنين. أمّا النتائج التي يسفر عنها هذا المجهود المشترك، فهي باهرة على الصعيدين البيئي والسياحي والأخلاقي. وتضم المملكة العربية السعودية عدداً من المحميات البرية والبحرية، أهمها:
محمية حرة الحرّة
هي أول محمية تم انشاؤها في المملكة. موقعها في أقصى الشمال، وتمتد على رقعة مساحتها 775،13 كيلومتراً مربعاً. تتكّون، بشكل رئيسي، من سهل صحراوي واسع وهضبات من الصخور البركانية. ومن حيواناتها الغزال الرملي والغزال العربي والذئب والقط الصحراوي والثعلب وطائر الحبارى والنسر الذهبي والزقزاق والقبرة. وهي مركز لاعادة توطين النعام، والمها العربي.
محمية الخنفة
450،20 كيلومتراً مربعاً من السهول الواسعة والصحارى الرملية، على الطرف الغربي لصحراء النفود الكبرى. ترتع فيها الغزلان والزواحف والنسور وطيور القطا والحبارى. وهناك جهود لاعادة توطين الغزال العربي في المحمية.
محمية الطبيق
تمتد على 200،12 كيلومتر مربع في موقع يتميز بصخوره الوعرة. وهي من المناطق القليلة التي لا يزال يقطنها الوعل النوبي. كما تضم أنواعاً أخرى من الكائنات البرية، كالغزلان والذئاب والثعالب والأرانب والصقور والنسور والحجال.
محمية الوعول في حوطة بني تميم
تتألف من جرف صخري وأودية شديدة الانحدار هي مجاري أنهار جافة موقعها في جرف طويق الخلاّب في وسط المملكة. مساحتها 2369 كيلومتراً مربعاً. أوديتها المنحدرة مثالية للوعول، وهي موئل لبعض الحيوانات البرية الأخرى كالنمس والوبر والقط والنسر. وهناك خطط لاعادة الغزلان اليها.
محمية عروق بني معارض
تقع شمال منطقة نجران في الربع الخالي. مساحتها 12 ألف كيلومتر مربع. تتميز بكثبانها الرملية التي تعتبر من أكبر الكثبان في العالم. ولا تزال بعض الحيوانات الفطرية تقطن المحمية، ومنها الذئب العربي والثعلب الرملي والقط البري والرتل. وكذلك بعض الطيور كالحبارى والدقناش والرخمة المصرية واليمام الجبلي والقنابر وغراب البين ونسر الاذون الى أنواع الزواحف كالضب والورل. وقد نجح ادخال المها العربي وغزال الريم الى هذه المنطقة.
محمية محازة الصيد
تبلغ مساحة هذه المحمية المسيجة 2650 كيلومتراً مربعاً. أرضها صحراوية، وهي مركز لاعادة توطين المها العربي والحبارى والنعام. وأطلق فيها المها العربي للمرة الأولى في عام 1988. من حيواناتها القنفذ والأفعى المقرنة والقط البري وطائرا الصرد والأبلق.
محمية جرف ريدة
موقعها في محاذاة منتزه عسير الوطني. وهي من أصغر المحميات. تنتشر على رقعة لا تتعدى تسعة كيلومترات مربعة، تحمي البقايا الأخيرة من غابة العرعر الكثيفة التي كانت مزدهرة في شبه الجزيرة العربية. وهي مرتع بعض أصناف الطيور الفطرية، كالدج اليمني والحجل الأحمر الساقين ونقار الخشب العربي وطائر الزقيقية اليمني. كما تجتذب هذه المحمية السعدان الربّاح ووشق الكركال و الذئب العربي.
محمية جزر فرسان
تتألف هذه المحمية من 84 جزيرة في البحر الأحمر. تبعد 40 كيلومتراً عن الشاطئ الجنوبي للمملكة، وتتميز بغناها بأصناف الطيور البحرية، ومنها العقاب النساري والباز القاتم والبجع الزهري والنورس الأبيض العينين والنحام (الفلامنغو). وهي موئل أكبر قطيع من الغزلان في المملكة. و المياه المحيطة بهذه الجزر موطن أنواع من الحيوانات البحرية مثل الأطوم والسلحفاة البحرية والشفنين.
محمية أم القماري
تقع جزيرتا أم القماري شمال فرسان. وهما مرتع لمجموعة من الطيور البحرية والبرية، كالنورس والبجع الزهري والخرشنة والبلشون الأبيض و مالك الحزين والعقاب النساري والقماري الأفريقي.
وتمتد الشعب المرجانية على عمق سنتيمترات تحت المياه في جوار الجزيرتين. وهي ملاذ لتشكيلة غنية من أحياء البحر الأحمر.
محمية مجامع الهضب
تقع بين محميتي عروق بني معارض ومحازة الصيد. وهي ملاذ للحمر السائبة وللوشق والقطط الرملية والثعالب وبعض الطيور. وقد تم فيها اعادة توطين الغزال الادمي.
محمية الجبيل للأحياء الفطرية
موقعها على ساحل مدينة الجبيل المطل على الخليج العربي. مساحتها 2000 كيلومتر مربع، وتضم خمس جزر مرجانية. والعمل جاد فيها لمعالجة شواطئ مدينة الجبيل الصناعية من الزيوت ورواسب القار. وقد نجحت تجارب استزراع نباتات الشورة في المناطق الملوثة، ولوحظ تحسن ملموس في الغطاء النباتي اثر معالجة المنطقة البرية المتاخمة للبحر. وسوف يعزز ذلك برنامج اعادة توطين الريم. تعشعش السلاحف البحرية في مياهها. والمحمية مرتع لطائر الغاق السوقطري وأكثر من 11 نوعاً من الطيور البحرية.