Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
"البيئة والتنمية" الـمــــــاء  
كانون الثاني - شباط 1998 / عدد 10
 نبضُ الحياة على الأرض. إنها المياه العذبة التي من دونها لا تقدم زراعي ولا ازدهار صناعي ولا حياة على اليابسة. لذا اعتُبرت، هي والاوكسيجين، أهم موردين طبيعيين. إلا أن الناس قليلاً ما يبالون بهذه الثروة النفيسة. ولعل خير شاهد على ذلك كميات المياه التي تُهدر في الاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية، والتلوث الذي يصيب التجمعات المائية السطحية والجوفية نتيجة هذه الاستخدامات. ان سوء استعمال المياه العذبة جعل العالم بأسره يواجه اليوم أزمة مياه.
إعداد: "البيئة والتنمية"
مراجعة: البروفسور أفتيم عكرة
تشكل المياه العذبة نسبة ضئيلة من المجموع العام للمياه على الأرض الذي يُقدّر بنحو 1,4 مليون كيلومتر مكعّب. فقرابة 97 في المئة من هذه الكمية مياه مالحة في المحيطات والبحار، غير صالحة لمعظم الاستخدامات البشرية. أما الماء العذب فمعظمه مخزون في الكتل الجليدية في المناطق القطبية (70 في المئة( وفي المجمعات الجوفية. ولا تتعدى النسبة المتوافرة في متناول البشر 0,26 في المئة من مجموع المياه العذبة، أو 0,0007 في المئة من مجموع المياه على الأرض.
ومن أهم موارد المياه العذبة البحيرات والخزانات الجوفية والينابيع والأنهار. وعملية استغلال مياه الأنهار لا تخلو من صعوبات. فنهر الأمازون مثلاً، الذي يمثل وحده 15 في المئة من مجمل مصادر المياه العذبة المتوافرة، لم توضع بعد خطة شاملة لاستخدامه في حقل الري. وجاء في دراسة نشرتها مجلة "ساينس" أن (نسبة 95 في المئة من مياهه لم تستغل بعد). ونهر الكونغو يشكل 3,5 في المئة من مصادر المياه العذبة، ويروي 1,3 في المئة من مجموع سكان الأرض، إلا أن نصف مياهه سيبقى غير قابل للاستغلال خلال السنوات الثلاثين المقبلة. ومجاري معظم أنهار العالم خالية من السدود، ويضيع معظم دفقها في الغابات والأدغال والبحار بعيداً عن التجمعات السكنية، وبذلك تفقد نحو 95 في المئة من مياهها.
إن مخزون الماء العذب المتوافر لدينا هو ثابت إلى حد كبير بفضل ما يُسمّى "دورة الماء". فأشعة الشمس تبخر الماء من المحيطات الى الغلاف الجوي بمعدل يزيد على نصف مليون كيلومتر مكعب سنوياً. وتتكون الغيوم بفعل ما يتعرّض له بخار الماء من تبريد وتكثيف في المرتفعات. ويعود نحو 90 في المئة من هذا الماء المتبخر الى المحيطات في شكل أمطار. أما الأمطار التي تسقط على اليابسة فيتبخر معظمها من جديد قبل أن يتمكن الناس من الاستفادة منها. والكمية الراجعة الى المحيطات بواسطة الأنهار والمياه الجوفية والكتل الجليدية، وحجمها 47 ألف كيلومتر مكعب، فهي المتوافرة نظرياً للاستخدامات البشرية. ثم تأتي عوامل أخرى لتخفض هذه الكمية الى 14 ألف كيلومتر مكعب فقط، ومن بينها الفوارق الجغرافية والموسمية في نسبة هطول الأمطار بين المناطق الجافة والرطبة.
حروب القرن المقبل
تشير أحدث الإحصاءات إلى أن أكثر من مليار شخص، أي نحو 20 في المئة من سكان العالم، يعانون نقصاً عظيماً في مياه الشفة المأمونة، كما أن 2,5 مليار نسمة، أي نحو 50 في المئة من السكان، لا يزالون يفتقرون الى المياه الكافية لتعزيز النظافة والصحة العامة. ويُقدَّر أنه، في سنة  2025، سيواجه نحو ثلثي البشرية، أي ما يقارب 5,5 مليار نسمة عند ذاك، أزمات ماء خطيرة. وتُعزى هذه المشكلة إلى عدة أسباب، أهمها تزايد الطلب على مصادر المياه العذبة بفعل تكاثر أعداد البشر، وتلوث مصادر المياه، وازدهار القطاعين الزراعي والصناعي وما يعنيه من استهلاك كثيف للماء.
وجدير بالذكر أن نسبة استهلاك المياه في القرن العشرين فاقت ضعفي نسبة التزايد السكاني. وفي الفترة بين 1900 و 1995 تضاعف استهلاك الماء 6 مرات. ويُقدّر أن يزداد سكان العالم من 5,7 مليارات نسمة حالياً إلى 8,3 مليارات سنة 2025. وسيُسفر ذلك عن تفاقم حدّة التنافس على المياه بين القطاعات المعيشية والزراعية والإقتصادية. وتوحي بعض الإحصاءات بأنه، عند منعطف هذا القرن، ستتدنى كمية المياه المتوافرة لكل فرد في إفريقيا الى نحو ربع ما كان "ينعم" به في العام 1950، وفي كل من آسيا وأميركا الجنوبية ستتراجع الحصة الفردية بنسبة 33 في المئة. وعلى هذا الأساس صرح أركوت راماتشاندان، المدير التنفيذي السابق لمؤتمرات المستوطنات البشرية، أنه "بحلول سنة 2000 لن يتوافر للعديد من الدول أكثر من نصف كمية المياه التي كانت متاحة لها عام 1975". وتشير احدى الدراسات الحديثة الى أن حاجة العالم الى المياه العذبة للاستخدامات الزراعية والصناعية والبلدية والمنزلية بحلول سنة 2025 ستفوق كمية المياه المتوافرة بنسبة 5 في المئة، وذلك في حال عدم استخراج المياه الجوفية العميقة. وسيزداد هذا الوضع المأسوي تفاقماً بفعل مواسم الجفاف التي ستضرب بعض المناطق. كما أن ارتفاع الحرارة على الأرض يُتوقع أن يؤثر بشكل ملموس في الموارد المائية الإقليمية، إذ تشهد بعض المناطق ازدياداً في الفيضانات فيما تشهد مناطق أخرى ازدياد مواسم الجفاف والقحط.
وباتت النزاعات على مصادر المياه فتيلاً يهدد بتفجير صراعات محلية واقليمية، خصوصاً على المياه المشتركة بين عدة دول. ويتوقع كثيرون أن يكون الماء، لا النفط ولا السياسة، محور حروب القرن الحادي والعشرين.
عُقد مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في مار دل بلاتا في الأرجنتين عام 1977، تحت شعار تأمين مياه الشفة الصالحة لكل مواطن. وانعكس فيه مدى القلق العالمي حول مشكلة توافر المياه ونوعيتها. وشملت توصيات المؤتمر تسعة مجالات رئيسية هي: تقييم الموارد المائية، استخدامات المياه، البيئة، الصحة ومكافحة التلوث، التخطيط والسياسة والإدارة، الأخطار الطبيعية، الاعلام والتعليم والتدريب والبحوث، التعاون الاقليمي، التعاون الدولي.
وعولجت  قضايا المياه في عشرات الندوات الدولية، منها المؤتمر العالمي حول المياه والبيئة الذي عقد عام 1992 في دبلن، إيرلندا، بدعوة من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والمؤتمر الوزاري حول مياه الشرب وتعزيز الصحة العامة في نورفك، هولندا، عام 1994 الذي تبنّى خطة عمل لمتابعة البند المتعلق بموارد المياه العذبة في "جدول أعمال القرن 21" الصادر عن قمة الأرض التي انعقدت عام 1992 في ريو دي جانيرو. وفي العام 1994أيضاً طالبت لجنة التنمية المستديمة في الأمم المتحدة بوضع تقييم شامل لموارد المياه العذبة في العالم، مع تصوّرات للاحتياجات المستقبلية. وتنشط الاونيسكو والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تحضيرات "اليوم العالمي للمياه" في 22 آذار (مارس) 1998 الذي سيركز على توجيه انتباه الناس الى أزمة المياه التي تهدد العالم بأسره مع حلول القرن الحادي والعشرين.
وعُقد في مرسيليا عام 1996 المؤتمر الأوروبي المتوسطي الأول حول الادارة المحلية للمياه. وانتهى بقرار إنشاء نظام معلوماتي أوروبي متوسطي للخبرة والمعرفة في مجال إدارة المياه، يساهم في تنفيذ شبكة البحر المتوسط للمياه التي نص عليها ميثاق روما عام 1992. كما أشار اعلان مرسيليا الى "الأهمية القصوى لترشيد استخدام المياه وحمايتها وإبراز قيمتها في إطار احترام التوازنات الطبيعية وحقوق الأجيال". وشدد على أن اتساع الفارق بين مخزون المياه والحاجات المتوقعة يتطلب جهداً إبداعياً وبحثاً شاقاً. كما أكد أولوية تأمين المياه العذبة للسكان مع اهتمام خاص بالأكثر فقراً.
حلول ومعالجات
تعتمد دول العالم أساليب مختلفة للمحافظة على المياه العذبة، ومنها:
التعاون وإبرام المعاهدات: في العالم عدد كبير من موارد المياه العذبة المشتركة بين دولتين أو أكثر. فهناك ما لا يقل عن 214 حوضاً لأنهار متعددة الجنسيات: 155 منها مشترك بين بلدين، و36 بين ثلاثة بلدان، و23 يشترك فيها ما بين 4 بلدان و 12 بلداً. وقد أُبرمت معاهدات وأُنشئت منظمات دولية لضبط استخدام بعض المجاري المائية، وتنظيم الملاحة وصيد الأسماك، وبناء المنشآت العامة مثل السدود.
السدود والخزانات: يتيح إنشاء السدود والخزانات التحكم بالفيضانات وتخزين المياه لاستخدامها حسب الحاجة. وقد أُقيمت مئات الآلاف من السدود في أنحاء العالم، وتستأثر الصين بنصفها. وأسفر بناء هذه السدود عن منافع عديدة، لكنها لا تخلو من الأخطار البيئية. فالسد العالي في مصر، مثلاً، يؤمن مياه الري للمزارعين وينتج نحو ضعفي حاجة مصر من الكهرباء. ولكن له أيضاً تأثيرات غير حميدة. فهو دمر نظماً بيئية قيمة ومراعي للأسماك. فسمك السردين، الذي كان يتوالد في النيل، اختفى بشكل شبه كلي من البحر الأبيض المتوسط. كما أدى السد الى تآكل السواحل بتغييره النظام المائي في المنطقة. فمنذ انشائه غمرت المياه الدفاعات الساحلية التي أقيمت على المتوسط في الأربعينات. وهو حرم وادي النيل والدلتا من الطمي والأسمدة الطبيعية التي غذت زراعة المنطقة لآلاف السنين.
تحديد حاجة الفرد الدنيا الى الماء: إن الإشارة هنا هي الى أقل كمية من الماء كافية لسدّ حاجة الفرد الى مياه الشرب وتعزيز الصحة العامة والإستخدامات الصناعية والإقتصادية بنسب معتدلة. وقد أظهرت الإحصاءات أن هذه الكمية تراوح بين 75 و150 متراً مكعّباً من الماء سنوياً. ويجب أن يأتي تأمين هذه الكمية لجميع المواطنين في مقدم سلّم الأولويات، ويحوّل ما تبقى من الماء في اتجاه القطاع الزراعي، مع الحرص على اختيار المحاصيل التي تعطي أفضل إنتاج ممكن.
اعتماد نظام متطور لنقل الماء: هذا النظام يجب أن يمنع خسائر الماء من طريق التبخر والتسرّب.
اعادة استخدام المياه المبتذلة بعد معالجتها: يرى المراقبون أنه مع حلول سنة 2025 ستشكّل المياه المستعملة البديل الوحيد للأغراض الزراعية بالنسبة الى بعض البلدان. كما أن مياه الصرف الصحي المعالجة تؤمن حاجات الري وتُقلل كثيراً من نفقات شراء الأسمدة. وفي الوقت الحاضر، لا تعالج معظم مدن البلدان النامية مياهها المبتذلة الا بنسبة 10 الى 20 في المئة.
تحلية الماء: هذا الأسلوب يصلح خصوصاً للمناطق الساحلية. ويُقدّر أن نحو 60 في المئة من مجموع المياه المحلاة في العالم، التي يبلغ حجمها نحو 14 مليار متر مكعب سنوياً، تنتج في بلدان الشرق الأوسط ولا سيما المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات.
ادخال أنظمة ريّ حديثة: بعض الأنظمة الحديثة تعتمد التنقيط والرش الفوقي وأساليب أخرى توفر في الماء والوقت والمجهود. فري المحاصيل يشكل نحو 90 في المئة من المجموع العام لاستهلاك الناس من المياه العذبة. غير أن الري بالتنقيط يخفض كمية المياه المستخدمة بنسبة تراوح بين 25 و90 في المئة ويزيد المحاصيل بنسبة تراوح بين 50 و100 في المئة. أما الري بالأساليب التقليدية، فيستنفد الماء بكميات كبيرة من المجاري أو الخزانات الجوفية، فينخفض منسوب الأنهار بشكل يسيء الى بيئتها. كما أن السحب الجائر للمياه الجوفية يخفض مخزون الطبقات الصخرية المائية، ويعرضها في المناطق الساحلية لتسرب مياه البحر اليها. ومن جهة أخرى، ري المناطق القاحلة التي تفتقر الى أنظمة مناسبة لتصريف المياه يثقل الأرض بالماء ويؤدي الى تملح التربة. وقد تأثر بهذه الملوحة نحو 20 في المئة من مجموع الأراضي المروية في العالم البالغة مساحتها 250 مليون هكتار، فانخفض انتاجها. ويتأثر 1,5 مليون هكتار اضافي بالتملح سنوياً. ومن جهة أخرى، تتسرب المبيدات والأسمدة الكيميائية الى المياه الجوفية فتلوثها وتؤدي في النهاية الى تدهور الشواطئ.
التقنيات الزراعية: تتوجه السياسات الزراعية حالياً الى اعتماد التقنيات التي تنتج أفضل المحاصيل كماً ونوعاً.
تبدل في السياسة التموينية: قد يتعين على بعض البلدان الكف عن محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي تمويناً غذائياً بزراعة كل حاجاتها الغذائية ضمن حدودها، وتأمين طعامها بشراء بعضه من السوق العالمية بالاضافة الى المصادر الوطنية. وهذا يتطلب سياسة حكيمة تجنب الفقراء تحمل أعباء زيادة أسعار الطعام، مع حماية المزارعين الصغار من منافسة التجارة الدولية.
تسعير المياه: على هذا الأساس تقسم حصص المياه بالشكل الذي يؤمن جني أكبر فائدة منها، فيدفع المستهلك ثمن استخدامه أو اساءة استخدامه للماء.
وتبقى مسألة توافر المياه المأمونة للشرب والنظافة والصحة العامة من التحديات الرئيسية التي تواجه سكان المدن والأرياف على السواء. وجدير بالذكر أن ما بين 40 و60 في المئة من المياه المخصصة للمنفعة العامة في العالم تُهدر من جراء التسرب والسرقة  وسوء الادارة. وستبقى الأخطار الصحية المترتبة على نقص المياه الصالحة ما دامت المدن تشهد تزايداً ملحوظاً في السكان، الأمر الذي يفرض قيوداً إضافية على كمية المياه المتوافرة. ففي العام 1950  لم يكن هناك سوى 100 مدينة فقط يتجاوز سكانها المليون نسمة، غير أن من المتوقع أن يرتفع هذا العدد الى 650 مدينة مع حلول سنة 2025.
ان شبح الشح يهدد البشرية جمعاء، كما تؤكد الاحصاءات الواضحة. والشعوب الفقيرة هي أكثر من يتأثر بنقص المياه وتلوثها. والتجاوب الحكيم مع هذه التحذيرات يكون باقتناعنا أولاً أننا أمام أزمة مياه حقيقية، ومن ثم استخدام جميع الوسائل المتاحة لكي يهب الجميع الى درء هذا الخطر. ان جسامة المشكلة تحتم تعاون الجميع، مسؤولين ومواطنين ومزارعين وصناعيين وبيئيين ومدرسين وطلاباً وربات بيوت، لاستهلاك المياه العذبة بوعي ومسؤولية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
"البيئة والتنمية" الماء في العالم العربي
"البيئة والتنمية" الـمــــــاء
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.