بينما كانت الحرائق تلتهم الأحراج في أفظع كارثة بيئية وطنية عرفها لبنان، كانت وزارة البيئة تحتفل بيوم البيئة العربي في 41 تشرين الأول (أكتوبر)، وتصدر نشرة عن انجازاتها، وتعلن 16 تشرين الثاني (نوفمبر) يوماً للبيئة في لبنان. فكأن الأولوية في هذا الجحيم اختراع مناسبة أخرى للبيانات والخطب، ناهيك عن عرض الانجازات. وكأن يوم البيئة العالمي ويوم البيئة العربي ومئات المناسبات الأخرى لا تكفي.
بين الانجازات مشروع لادارة ثلاث محميات طبيعية كلفته مليونان ونصف مليون دولار. ودراسة عن التنوع البيولوجي، هي تكرار لدراسات سابقة مشابهة، اشتملت على دعوات لولائم عامرة وخطب رنانة في جميع مناطق لبنان. نحن مع المحميات ومع دراسة التنوع البيولوجي. ولكن حتى لا تصبح الدراسات جزءا من كتب التاريخ الطبيعي، تتحدث عن أنواع حية كانت موجودة والتهمتها النيران، وقبل أن يتم صرف الملايين من الأموال الدولية في الدراسات وولائم التنوع البيولوجي، هل وضعت الوزارة جدولاً بالأولويات لتحديد الضروريات الأساسية، فتتأمن حماية الثروة الحرجية المتبقية من شرارة نار؟ وهل يتم تفصيل المشاريع لتلبية الاحتياجات الوطنية، أم على قياس المستفيدين المحليين و«المستشرقين البيئيين» من خبراء المنظمات الدولية؟
حرائق الغابات تحصل في جميع البلدان المشابهة خلال فصل الجفاف وموجات الحر. غير أن التقصير يكمن في غيابها عن جدول الأولويات في برامج الوزارات. ونخص وزارة البيئة لأنه يفترض أن تكون سلطة التخطيط والاشراف والتنسيق والضغط على الوزارات الاخرى. فمن حدد أولويات مشاريع المحميات والتنوع البيولوجي؟ ومن قرر أن شراء قوافل سيارات الدفع الرباعي التي يستعملها كبار الموظفين وصغارهم، غالبا للوجاهة داخل المدن، وتوظيف جيوش السائقين والمرافقين على نفقة هذه المشاريع، هي أهم من أبسط تدابير حماية المناطق الحرجية، التي تبقى تحت رحمة أصغر شرارة؟
وماذا قدّم عشرات الذين سافروا حول العالم، بالمال العام الدولي والمحلي، لحضور دورات في حماية الأحراج ورعاية الغابات؟
وهل في أولويات حماية الثروة الحرجية إقامة قصر فضفاض لاحدى الجمعيات في أعالي الجبال، بتمويل دولي وبرعاية وزارة البيئة، كمركز تدريب تحت شعار تنمية الثروة الحرجية؟
ومع حديث العجز عن مكافحة حرائق الغابات، أعلنت وزارة البيئة عن الانتهاء من تركيب جهاز «بيوفلتر» بكلفة تجاوزت أربعة ملايين دولار، لمعالجة الروائح الكريهة في مصنع تخمير النفايات قرب بيروت. وبينما تم الاعلان صراحة عند تسويق الجهاز، إثر احتجاجات شعبية على الروائح، أنه الحل الوحيد والنهائي للمشكلة، نسمع اليوم أن الروائح ستبقى لانها من مصادر أخرى. ومعلوماتنا منذ البداية أن الخطأ الأساسي يكمن في تصميم تهوئة مصنع التخمير وطاقته الاستيعابية، ولن يمكن حله بجهاز «بيوفلتر». فهذا الجهاز المتطور يأتي في مرحلة لاحقة، بعد أن تكون قد حلت جميع مشاكل النفايات الأخرى، من جمع وفرز ومعالجة. واستعماله اليوم محصور في الدول التي وصلت الى مرحلة متقدمة جداً في تكنولوجيا البيئة. اما تركيبه لنفايات بيروت الآن فهو كمن يرش عطوراً غالية على جسم طفل قبل ان يهتم بتبديل حفاضاته الوسخة. فمن يضع خطط الطوارئ هذه وعلى أساس أية اعتبارات علمية وأولويات؟ وهل الأزمة الأساسية، في الغابات والنفايات وغيرها، أزمة موارد أم أزمة معرفة وارادة وإدارة ومؤسسات؟
إثر موجة الحرائق، أطلقت الدعوات إلى خطة طوارئ. نرجو أن تكون هذه المرة مختلفة عن خطة طوارئ النفايات، فلا تستخدم الحالة الطارئة حجة للتجارب وابرام العقود المعلنة والمخفية، مباشرة او بالواسطة.
ما لم ننتقل من دولة مراكز القوى الى دولة المؤسسات، ستبقى الحلول، في أحسن حالاتها، اسعافات أولية تقود من كارثة بيئية إلى أخرى.
|