Friday 27 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
نجيب صعب الجمعيات الهلية بين الهواية والاحتراف  
تموز-آب/ يوليو-اوغسطس 1998 / عدد 13
 يندر أن يخلو أي برنامج ذي تمويل دولي خلال السنوات الأخيرة من جزء أساسي مخصص للمنظمات غير الحكومية. وفي حين أن تعبير «المنظمة غير الحكومية» قد يعني أية هيئة خارج مؤسسات الحكومة، أكانت جمعية أهلية أو مركز أبحاث أو جامعة أو شركة خاصة، فالشائع حصر الموضوع في الجمعيات التطوعية.
أما الهدف المعلن من إدخال الجمعيات غير الحكومية كجزء في عملية التمويل الانمائي، فهو أساساً إعطاء دور للناس المستفيدين في تخطيط البرامج وادارة شؤون حياتهم وبناء مستقبل مجتمعاتهم. ذلك أن الكثير من برامج التنمية المخصصة لمشاريع محددة في مناطق فقيرة يتم التصرف بها من قبل الحكومات على نحو مخالف لهدفها الأساسي. فجاءت حلول منظّري التنمية تقترح تكليف منظمات غير حكومية تنفيذ بعض البرامج مباشرة. وهذا يؤدي في نظرهم الى ضمان صرف الأموال في المواقع المخصصة لها، من قبل الناس المستفيدين أنفسهم.
النظرية تبدو نبيلة وصائبة. فماذا حصل في التطبيق؟ منذ بدأت الهيئات الدولية تخصص أموالاً طائلة لمنظمات غير حكومية، انتشرت ظاهرة انشاء جمعيات أهلية، الهدف من كثير منها الاستفادة مما بدا وكأنه فرصة متاحة للربح السريع. ويقف وراء العديد من هذه الجمعيات أدعياء وعاطلون عن العمل، ناهيك عن مسؤولين حكوميين أنشأوا جمعيات باسم أقارب وأصدقاء حتى يتسنى لهم تحويل أموال ومساعدات تحت غطاء جمعيات ذات صفة تطوعية.
منذ فترة، طلب منا وزير بيئة في بلد عربي مراجعة مشروع قيمته بضعة ملايين من الدولارات، وذي طابع فني يتطلب اختصاصاً. وقد اشترطت الهيئة الدولية التي أعدت المشروع أن يتم تنفيذ الجزء الأكبر منه عن طريق جمعيات أهلية. وهذا يعني تكليف هذه الجمعيات مهمات هندسية وفنية وادارية تتطلب خبرة وتدريباً واستمرارية. راجعنا سجل هذه الجمعيات، فوجدنا أن معظمها هيئات تطوعية موقتة ومحدودة الطاقات، تفتقر الى الأعضاء والتنظيم والهيئات الادارية والمحاسبة. ومع هذا، اقترح المشروع تكليفها مهمات هندسية واعلامية وادارية متخصصة، وبُني كله على فرضية أن هذه الجمعيات ستؤمن الاستمرارية للمشروع بعد انتهاء التمويل الدولي. والمشروع، الذي يعنى بتطوير مرافق عامة في أنحاء البلاد، لم يلحظ تدريب موظفين في الادارات الحكومية على متابعة العمل.
كان رأينا أنه لا يمكن تكليف جمعيات تطوعية بأعمال هندسية دقيقة، فهذا من اختصاص مكاتب استشارية محترفة. ولا يمكن تكليفها، مثلاً، إنتاج كتب ومجلات، فهذا من اختصاص ناشرين وصحافيين محترفين. كما لا يمكن تكليف هيئات تطوّعية إدارة مرافق عامة، فهذا من اختصاص إدارات ذات هيكلية وظيفية ثابتة تؤمن الاستمرارية.
نتيجة تقريرنا الى الوزير كانت أن منظمات تطوعية اتهمتنا بالعمل ضدها لمصلحة الحكومات. وكان جوابنا أن مصلحة البلدان، حكومات وشعوباً، أهم من تطبيق نظريات دولية اصطناعية، قد تتفق مع برامج منظّري المنظمات الدولية لكنها تتعارض مع مصلحة المجتمعات المعنية في المدى البعيد.
نحن مع دور كبير للجمعيات غير الحكومية. ولكن هذا الدور لا يمكن تركيبه اصطناعياً بدعم خارجي. إن الجمعيات الأهلية التي تستحق الحياة تثبت جدارتها وأهليتها عن طريق انجازاتها الفعلية ونجاحها في التحول الى مؤسسة. وهي يجب أن تخضع لمحاسبة الناس المستفيدين، وليس لرضى المنظمات المانحة فقط. أما أن تؤدي الهبات للمنظمات غير الحكومية الى تشجيع البلادة والاستسهال ونقل العمل الجدي من الاحتراف الى الهواية، فهذا وضع يجب وقفه فوراً.
على المنظمات الأهلية التطوعية أن تتمتع بالشفافية وتقدم حساباتها الى الناس المستفيدين. وعليها أن تدرك دورها الفعلي في العمل الشعبي، الذي لا يمكن أن يختزل مهمات الاختصاصيين المحترفين والمؤسسات الرسمية.
المطلوب اعادة نظر شاملة في تعريف المنظمات غير الحكومية، فلا يبقى دور بعضها محصوراً في السياحة البيئية، التي تعني في مفهومها السفر حول العالم لحضور المؤتمرات والاجتماعات على حساب أموال مخصصة للتنمية. وقد جاءنا أحدهم مؤخراً ليخبرنا عن مؤتمر حضره في عاصمة أوروبية، فوصف الفندق والمآكل والأسواق، على أنواعها، ونسي في نهاية الحديث أنه كان يحضر مؤتمراً لبحث مشكلة الجوع والفقر والبيئة. لا يجوز استخدام المنظمات غير الحكومية غطاء لنوعية عمل رديئة ولنقل عمل المحترفين الى هواة، وتكليف تجمعات ظرفية القيام بأعمال هي من اختصاص مؤسسات.
ومن طريف التناقضات أنه بينما تذهب بعض مساعدات التنمية ذات الطبيعة الفنية البحتة الى مجموعات من الهواة، تذهب أموال أخرى الى مؤسسات غنية لا تستحقها إطلاقاً. ففي أحد بلدان المنطقة، تم منح مبلغ يفوق الثلاثة ملايين دولار، كمساعدة من صندوق في دولة أوروبية مخصص لتنمية مناطق الفقراء في الدول الأكثر فقراً، أعطيت الى أكبر شركة عقارية خاصة في الشرق الأوسط لمساعدتها في عمل تنظيف بيئي كان من المفترض أن تقوم هي نفسها بتمويله.
حين ندعو الهيئات والدول المانحة لمساعدات التنمية الى إعادة النظر في نهجها، وحين نطالب بفضح المسترزقين من المنظمات التطوعية، فنحن نفعل هذا دفاعاً عن سمعة هذه الهيئات والمنظمات ودورها. إذ يجب إجبار المسؤولين عن المنظمات الأهلية على العمل الجاد لكسب رزقهم، واخضاع المنظمات للمحاسبة، فلا تبقيها المساعدات السهلة مأوى للفاشلين والعاطلين عن العمل والأدعياء.
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.