تختلف الآراء حول ما إذا كانت التجارة تتسبب بمشاكل بيئية أم لا. فالاقتصاديون يعتبرون أن التجارة الحرة توفر الظروف الفضلى لحماية البيئة. فهم يعتقدون أن الأنظمة الاقتصادية الحرة الخالية من الدعم تشجع على تركيز عمليات الانتاج في المناطق حيث تسمح عوامل السوق والطبيعة بالانتاج الأقل كلفة. ويسوقون على هذا مثلا من أوروبا الغربية، حيث أدى الدعم الحكومي المتواصل للمزارعين، وتدابير الحماية ضد الانتاج الخارجي، إلى اعتماد أساليب الزراعة الكثيفة التي سببت مشاكل بيئية منها تحمّض الأرض والافراط في استعمال الاسمدة الكيميائية والمبيدات. أما الدول التي تمكنها مواردها الطبيعية من الانتاج بوسائل صديقة للبيئة وبلا استعمال مكثف للأسمدة والمبيدات، فهي لا تستطيع المنافسة في أوروبا بسبب تدابير الحماية.
ويعطي الاقتصاديون مثلا آخر من أوروبا الشرقية للدلالة على أن الاقتصاد الموجه يضر بالبيئة. فمع أن دخل الفرد في تلك البلدان كان أدنى كثيراً منه في اوروبا الغربية، كان معدل التلوث فيها أعلى بأشواط. فبسبب الانقطاع عن الأسواق الخارجية، لم يكن في متناول الصناعيين في أوروبا الشرقية تكنولوجيات انتاج حديثة ونظيفة. ومع بدء الانفتاح على العالم الخارجي، أخذت معدلات التلوث في أوروبا الشرقية تنخفض.
ما البيئيون، فلهم موقف آخر. والمغالون منهم يعتبرون أن التجارة، بما أنها المحرك للنمو الاقتصادي، هي بالضرورة ضد البيئة. والدخل الناتج عن التجارة الحرة لا يمكن أن يبرر التخريب البيئي الذي تسببه. إن أسعار الشحن الجوي الرخيصة التي تؤمنها بعض شركات الطيران التابعة لدول أوروبا الشرقية تسمح، مثلاً، بنقل الحليب جواً من نيوزيلندا لتصنيع الجبنة في أوروبا الغربية. فإذا تم احتساب الثمن البيئي، لما كان هذا النوع من التجارة مربحاً أبداً.
تبدو أفكار «الاقتصاديين» و«البيئيين» غير قابلة للتصالح. غير أن هناك حالات يلتقون فيها في منتصف الطريق: فمثل أوروبا الشرقية يؤكد للبيئيين أنه قد تكون للتجارة الحرة آثارها الايجابية على البيئة. ويتجه عدد أكبر من الاقتصاديين الى الاعتقاد أن نظام التجارة الحرة لا يمكن أن يعمل بتوازن ما لم تؤخذ «الكلفة البيئية» في الاعتبار. فبناء على مبدأ أن الملوّث يدفع الثمن، على المنتج أن يتولى تنظيف فضلاته، مما يجعل السعر أعلى.
لن تحل الخلافات بين البيئيين والاقتصاديين الا حين تعتبر البيئة سلعة ذات ثمن، وتضاف قيمة التخريب فيها نقديا إلى الاسعار. غير أن التدابير التجارية ليست في أي حال الطريق الفضلى إلى حماية البيئة. فالمطلوب مواجهة المشكلة في بدايتها، عن طريق اعتماد تكنولوجيات ملائمة تؤدي إلى الانتاج النظيف.
يجب منع التدابير التجارية الدولية لحماية البيئة من أن تكون عوائق تدفع ثمنها الدول الفقيرة. لقد أمعنت الدول الصناعية في الاستثمار المكثف للموارد وتلويث العالم وتدمير البيئة طوال عقود. فلا يجوز أن تتحول القيود التجارية الدولية البيئية اليوم عقوبات على الدول الفقيرة، تدفع ثمنها منفردة. فبعد خمس سنوات على «قمة الأرض» في ريو دي جانيرو، ما زالت المساعدات التي وعدت بها الدول الغنية العالم الثالث لاعتماد برامج حماية البيئة تأتي بالقطارة، وهي أقل كثيراً من المطلوب. وإذا استمر الأغنياء في الاكتفاء بإلقاء المواعظ على الفقراء حول حماية البيئة، ووضع القيود الفوقية الاستعلائية، فقد نتحول إلى نوع جديد من «الحمائية البيئية» أو الحواجز التجارية الخضراء.
|