يشتري العالم العربي حالياً نحو ثلث القمح المسوَّق في العالم، ويتوقع أن تزداد النسبة الى نحو 40 في المئة خلال العقد المقبل. ومرة أخرى، هناك قلق عالمي متنام حول الزيادات في أسعار الغذاء نظراً إلى أن بعض أسعار السلع الغذائية، خصوصاً القمح، تخطت المستويات التي سادت أثناء الأزمة الغذائية عام 2008.

هل هناك من رابط؟ نعم، ثمة رابط، وقد يكون إيجابياً جداً بالنسبة الى العالم بأسره إذ أدارت البلدان العربية احتياجاتها بشكل سوي خلال السنوات المقبلة.

يقول جوليان لامبيتي، اختصاصي الأمن الغذائي في البنك الدولي: «إن إدارة الشراء والنقل والتخزين والتوزيع عمل معقد جداً، حتى بالوسيلة الأكثر كفاءة والأقل كلفة. وفي الجوهر، بالنسبة الى سلعة بهذه الأهمية للعالم العربي كالقمح، لذلك أبعاد ضخمة».

ويشرح لامبيتي ذلك قائلاً إن هناك اتجاهاً لافتاً يظهر أن البلدان العربية تخزن المزيد من القمح (معدل التخزين في العالم العربي حالياً نحو ثلاثة أشهر). لكن سلاسل إدارة السلع والبنية التحتية لكل شيء، من المناولة في الموانئ الى التخزين، تتطلب تحسيناً الى أبعد الحدود لتتماشى مع هذا الاتجاه المتصاعد. وإذا قام جهد جماعي في أنحاء العالم العربي لتغيير هذا الاتجاه، فسوف يسفر عن مخزونات قمح أكبر وأرخص ثمناً من شأنها، نظراً الى شهية العالم العربي لمستوردات القمح، أن تساعد في تخفيف سرعة تقلب سعر القمح خلال أوقات الشح.

الارتفاع الحاد في الأسعار حالياً وما يرافقه من سوء تغذية وفقر، وتحديات الأمن الغذائي في عدد من البلدان، تؤكد الحاجة الى إدارة وجوه التأثر بصدمات أسعار الغذاء. وذلك من خلال تطوير استراتيجيات شاملة، بما فيها تقوية شبكات الأمان لأفقر الناس وتعزيز الانتاج المحلي للغذاء وتخفيض التعرض لتقلبات سريعة في أسواق السلع.

وهذا ما يدفع البنك الدولي الى القيام بعمله الجديد تحضيراً لندوة التنمية العربية الأولى في الكويت في آذار (مارس) 2012، مع تركيز على الأمن الغذائي.

يختلف مفهوم الأمن الغذائي عن مفهوم الاكتفاء الغذائي. وسعياً لتحقيق الأمن الغذائي، تزرع البلدان أحياناً محاصيل تستطيع استيرادها بكفاءة أكثر وأسعار أرخص، وهذا غالباً يهدد موارد ثمينة مثل المياه. وقد استُنزفت طبقات المياه الجوفية «المتحجرة» في العالم العربي سعياً لزراعة القمح في الصحراء، فيما الخيار الأفضل، بحسب لامبيتي، هو الشراء بذكاء من الأسواق العالمية. وهذا الشراء الذكي هو الاتجاه الراسخ الذي اختارته السعودية قبل بضع سنوات، إذ بات إنتاجها من القمح آخذاً في الانخفاض بشكل حاد فيما هي تبني مخزوناً. لكن الأمن الغذائي يعني تحسيناً فعالاً في الإدارة اللوجستية لسلاسل إمدادات المستوردات الغذائية، وموازنة أسعار القمح وتخزينه، والبيئة السياسية المرافقة.

وأوضح لامبيتي أن «التحدي الآن لبقيـة العالم العربي هو العمل لجعل هذه السلسلة كـفوءة. إنها ما زالت حالة تخزين للأوقات العجاف. ومن الناحيـة السوقيـة، هذا يعني أيضاً استعمال المخزونات للحد من ارتفاع الأسعار. وإذا استطاع مشترٍ كبير كالعالم العربي أن يتدبر أمره ويبني مخزوناً ضخماً بما ينسجم مع طموحاته الراهنة، فإن التأثير التخفيفي على تقلب الأسعار العالمية قد يكون هو مساهمة العالم العربي في تحسين الأمن الغذائي العالمي».

وذلك لا يمكن تحقيقه خلال فترة قصيرة، لأن تصاعداً في الطلب سوف تكون له نتيجة غير مرغوبة هي دفع أسعار القمح الى مستويات أعلى. والوسيلة الأساسية هي المنظور البعيد، أي تحضير البنية التحتية حالياً لبناء مخزونات على نحو بطيء وجيد الإدارة.