طبقة الأوزون في الغلاف الجوي درع خفيّة تعمل مثل مصفاة طبيعية تصدّ عن الأرض وأحيائها أشعة الشمس ما فوق البنفسجية المؤذية. ومع ترقق هذه الطبقة الواقية بسبب النشاطات البشرية، يتعرض مزيد من الناس لحروق الشمس وسرطان الجلد وإعتام عدسة العين (المياه الزرقاء). وتتأذى النباتات والأحياء البحرية، الحساسة أيضاً للأشعة ما فوق البنفسجية.
تترقق طبقة الأوزون تدريجياً، وبشكل رئيسي بفعل مواد كيميائية من صنع الانسان تطلق في الجو، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون والهالونات. وفي أيلول (سبتمبر) 1998، بلغت مساحة »ثقب الأوزون« فوق منطقة القارة القطبية الجنوبية أكثر من ضعفي مساحة اوروبا، اذ سجل تدمير أكثر من 85في المئة من الأوزون في أسفل طبقة الستراتوسفير الجوية بمساحة تزيد على عشرة ملايين كيلومتر مربع. ولم يقتصر هذا الترقق على أجواء القارة القطبية، بل اتسع ليشمل جزءاً كبيراً من المحيطين الهادئ والأطلسي والطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية. وقد راوحت مساحة ثقب الأوزون فوق القارة القطبية بين 20و27مليون كيلومتر مربع في السنوات الأخيرة.
لقد تحقق انخفاض في مستوى المواد التي تستنزف الاوزون بفضل بروتوكول مونتريال الذي ألزم دول العالم بوقف انتاجها. لكن الأذى اللاحق بهذه الطبقة الواقية يزداد يوماً بعد يوم، بحيث أنها تترقق بضعفي السرعة التي كانت متوقعة.
عام 1839 اكتشف الكيميائي الألماني كريستيان فريدريك شونباين جزيئاً مكوناً من ثلاث ذرات أوكسجين، هو غاز لا لون له، حاد الرائحة، فأطلق عليه اسم الاوزون، ومعناه باللاتينية "ذو رائحة".
الأوزون غاز يتألف من جزيئات غير مستقرة، ويتكون بصورة طبيعية في الغلاف الجوي بواسطة أشعة الشمس فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية. هذه الأشعة تكسر جزيء الأوكسيجين الثنائي(O2)، فتتكون ذرتا أوكسيجين حُرّتان. وتتحد بعض الذرات الحرة مع جزيء أوكسيجين ثنائي لتكوّن جزيء الأوزون الثلاثي الذرات (O3). ويفترض العلماء أن نحو 90في المئة من الاوزون في الغلاف الجوي يتكون بهذه الطريقة وعلى ارتفاع بين 12و55كيلومتراً من سطح الأرض، في ذلك الجزء من الغلاف الجوي الذي يسمى ستراتوسفير أو السكاك. وتمتص طبقة الاوزون الأشعة الشمسية فوق البنفسجية فتمنع معظمها من الوصول الى سطح الأرض. ولها دور مهم في تنظيم مناخ الأرض لتأثيرها في توزيع درجات حرارة الغلاف الجوي.
الأوزون الأرضي
لا يقتصر وجود الأوزون على طبقة الستراتوسفير، فهو موجود أيضاً في المستويات السفلى من الغلاف الجوي، ولكن بتركيزات أقل. فمعظم الأشعة فوق البنفسجية يتم امتصاصها في طبقة الأوزون. أما التركيزات العالية من الأوزون في أجواء بعض المدن فهي نتيجة مباشرة للتلوث، حيث أن احتراق الوقود الاحفوري والكتلة الحية يسببان اطلاق أكاسيد النيتروجين ومركبات عضوية أخرى تتفاعل مع أشعة الشمس مكونة الأوزون. هذا الأوزون، القريب من سطح الأرض، هو عنصر أساسي في ظاهرة الضباب الدخاني الذي يغلف المدن ويسبب مشاكل في الجهاز التنفسي عند الانسان ويلحق ضرراً بالغاً بالنبات.
لغاز الأوزون استعمالات مفيدة، منها: تنقية المياه وتطهيرها، والقضاء على البكتيريا في صناعة المواد الغذائية، وتبييض الورق، وازالة الروائح من الهواء. كما اكتشف الاطباء قدرة الأوزون، عند تواجده في الهواء بنسب ضئيلة، على مكافحة التهابات المجاري التنفسية، الامر الذي جعل تركيزه في أجواء المصحات الجبلية من المؤشرات المهمة عند معالجة مرضى الأمراض الصدرية.
في مطلع الخمسينات من هذا القرن، اكتشف الأوزون مع مؤكسدات كيميائية ضوئية في أجواء مدينة لوس انجلس الاميركية بنسب تفوق النسب المعروفة سابقاً في أجواء المناطق الجبلية، الأمر الذي جعل اهتمام الباحثين ينصب على دراسة تلك المركبات وتأثيرها على البيئة بشكل عام والانسان بشكل خاص. ولعل أهم النتائج التي تم التوصل اليها اعتبار الضباب الدخاني المؤكسد، الذي يخيم على أجواء لوس انجلس ومدن أخرى في العالم، مسؤولاً عن اصابة أكثر من 60في المئة من السكان بأعراض مرضية مثل تهيج الأغشية المخاطية للعين والانف والحنجرة، واضطراب الرؤية، اضافة الى السعال وأوجاع الرأس والصدر.
يتأتى خطر الاوزون الأرضي على الصحة من خصائصه المؤكسدة وتكوينه الكيميائي، اذ انه قادر على التأثير في مكونات خلايا الجسم الحية واصابة جهاز المناعة والقدرات التنفسية عند الانسان. وقد حددت منظمة الصحة العالمية الحد الاقصى للأوزون المسموح به في الهواء بما بين 150و200ميكروغرام في المتر المكعب اذا كانت فترة التعرض ثماني ساعات.
ولا يقتصر تأثير الأوزون الأرضي على الانسان، بل يطال النباتات والاشجار أيضاً. فتركيزه المرتفع لا يخفض نشاطها التركيبي الضوئي فحسب، بل يقلل من مقاومتها للفيروسات أيضاً، ويغير شكلها ويزيل لونها. وتعتبر نبتة التبغ من أكثر النباتات حساسية حيال الأوزون، لذلك تستعمل كمؤشر لمستواه في الهواء. ويتوقع العلماء أن تركيز الأوزون في التروبوسفير، أي الطبقة الجوية السفلى، سيتضاعف خلال 50عاماً، فينخفض مردود مجمل المزروعات بمعدل 30في المئة.
والى تأثيره المباشر على الصحة والنباتات، يساهم الأوزون في تفاقم مشكلة ارتفاع حرارة جو الأرض، نظراً لقدرته على امتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تعكسها الارض بمعدل 2000مرة أكثر من ثاني اوكسيد الكربون. ولولا سهولة تفاعل الأوزون مع الاجسام الاخرى، وبالتالي تفككه، لكان تركيزه في طبقات الجو السفلى أكثر بكثير مما هو اليوم، ولكانت مساهمته في تسخن جو الأرض أكبر من مساهمة ثاني اوكسيد الكربون.
وتتسبب زيادة الأوزون في الجو بتخفيض كمية الجذور الهيدروكسيلية (-OH) المنقية للهواء وبتسريع تكون الأمطار الحمضية. فالمركبات الكيميائية الضوئية، وعلى رأسها الأوزون، تساعد على تحول أكاسيد الكبريت والنيتروجين الى حمضي الكبريتيك والنيتريك.
يعود تاريخ الأبحاث الاولى التي أجريت حول التلوث بالأوزون الى الخمسينات، حين برهن الفيزيائي هاغن سميث تأثير الأشعة الشمسية على مزيج مكوّن من أكاسيد النيتروجين ومركبات عضوية. أما اليوم، وبعد عقود من الأبحاث والاختبارات، فقد أصبح معروفاً أن الأوزون يتكون نتيجة التحليل الضوئي الكيميائي لأكاسيد النيتروجين. ويشكل تواجد الهيدروكربونات السهلة التطاير حافزاً ضرورياً لحصول هذا التفاعل. ويكون مصدر هذه الهيدروكربونات عادة طبيعياً، مما تبثه النباتات والتربة والمحيط، أو ناتجاً عن نشاطات الانسان، بما في ذلك وسائل النقل والصناعة والمذيبات.
الدرع الواقية
اذا كان تركيز الأوزون ضئيلاً وغير مرغوب فيه في طبقة التروبوسفير القريبة من الأرض، فانه يشكل الطبقة الواقعة ما بين 15و55كيلومتراً عن سطح الأرض في أسفل الستراتوسفير. وتصل سماكة طبقة الأوزون الى حوالى 27كيلومتراً فوق المناطق القريبة من خط الاستواء، والى 15كيلومتراً فوق القطبين، تحت ضغط ضعيف جداً. فلو كان الضغط في طبقة الأوزون مساوياً للضغط الجوي العادي (760ملم زئبق) والحرارة فيها مساوية للحرارة عند سطح الأرض (15درجة مئوية كمعدل وسطي)، لما تجاوزت سماكتها ثلاثة مليمترات (أو ما يوازي 300دوبسون، وهو الوحدة المعتمدة لقياس سماكة طبقة الأوزون). والمصدر الاساسي للأوزون الستراتوسفيري هو عملية الانحلال الضوئي للأوكسيجين الجزيئي (O2)، تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية ذات الموجات القصيرة (200نانومتر). كما يمكن للأشعة فوق البنفسجية ذاتها تفكيك الأوزون وتحويله الى أوكسيجين جزيئي.
ولقد قام الكيميائي تشابمن بوصف دورة الأوزون عام 1930، الا أن الأبحاث العلمية أظهرت وجود تفاعلات اخرى بين الاوزون والجذور الهيدروكسيلية (-OH) والنيتروجينية (NO) والكلورية (-lC) تقوم بتدمير جزيئات الأوزون. وتتولد الجذور الهيدروكسيلية والنيتروجينية طبيعياً نتيجة تأكسد البخار المائي وأول اوكسيد النيتروجين الناجم عن زوال النيترات من الأرض الرطبة بتأثير البكتيريا. أما ذرات الكلور فيمكن أن تكون طبيعية المصدر ناتجة عن تفكك كلوريد الميثيل، أو صناعية المصدر، وهي بمعظمها كذلك، ناتجة عن تفكك الفريونات.
لم يشر أي من المهتمين بطبقة الأوزون الى تأثرها بنشاطات الانسان على الأرض حتى العام 1974، حين لاحظ جوزف فارمن وفريق البحث الذي كان يعاونه في مراقبة مستويات الأوزون فوق القطب الجنوبي منذ العام 1959انخفاضاً حاداً في تلك المستويات على شكل فجوة أو "ثقب"، ولا سيما خلال شهري أيلول وتشرين الأول (سبتمبر وأكتوبر). وقد عزا فارمن هذا النقص في الأوزون الى خلل في أجهزة القياس أو الى خطأ بشري، خصوصاً وان القمر الاصطناعي الاميركي "نيمبوس 7" لم يكشف وجود ذلك الثقب. لكن شكوك فارمن ما لبثت أن تبددت بعد ملاحظته ثقب الأوزون لسنوات متتالية وخلال الفترة الزمنية ذاتها، بين 15أيلول و20تشرين الأول. فقام بنشر بحث حول الموضوع في مجلة "Nature" في أيار (مايو) 1985كان له وقع الصاعقة على علماء الجو والبيئة.
ولم تؤكد معلومات القمر الاصطناعي "نيمبوس 7" لاحقاً ما أشار اليه فارمن فحسب، بل أعطت بيانات اضافية حول ضخامة ثقب الأوزون واتساعه سنة بعد سنة. ولعل الأمر الأكثر اثارة كان اتساع »الثقب« فوق القطب الجنوبي بشكل مخيف بدءاً من العام 1978بنحو 0,3في المئة سنوياً، وبلغ عام 1987نسبة 7في المئة سنوياً. وتزاحم العلماء في أنحاء العالم على ايجاد تفسير لثقب الأوزون. فاتفقوا في تحليلهم لبعض جوانب المشكلة، لكنهم لم يتمكنوا من الاجابة بدقة عن سؤالين: لماذا كان ثقب الأوزون عام 1988أصغر مما كان عام 1987، ثم عاود اتساعه عام 1989ليعود عام 1991الى مستوى عام 1987فتبلغ مساحته أكثر من 20مليون كيلومتر مربع، ثم بلغ عام 1992حداً لم يعرفه من قبل؟ وهل ان تهشم طبقة الأوزون فوق القطب الشمالي والمناطق الصناعية، الذي لوحظ مؤخراً، يتم بالطريقة نفسها التي فسرت ظهور الثقب فوق القطب الجنوبي؟
"خرافة" الأوزون
ان المعلومات المتوافرة اليوم حول طبقة الأوزون هي نتيجة أبحاث معقدة وطويلة قام بها علماء متخصصون للتأكد من فرضيات مثيرة أطلقها بعض المهتمين نظرياً بطبقة الأوزون. ففي مطلع السبعينات، أعلن باحثون أميركيون، بينهم مايكل ماكلروي الاستاذ في جامعة هارفرد، إمكان قيام بعض المواد الكيميائية الصناعية، مثل الفريونات، بتفكيك الأوزون الستراتوسفيري. والفريونات، أو ما يسمى بمركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، هي المشتقات الكلورية والفلورية والبرومية للميثان والايثان، باستثناء عدد ضئيل من الفريونات الحلقية الشكل التي اكتشفها عام 1940الكيميائي الاميركي جوزف سيمونز. وقد أطلق على تلك الاجسام خلال الاربعينات اسم "جسم جو" نسبة الى مكتشفها، وللتمويه، بسبب استعمالها كعوازل وعوامل تبريد في أبحاث الطاقة الذرية الهادفة الى فصل نظائر اليورانيوم. وتستخدم الفريونات أيضاً كعوامل تبريد في صناعة البرادات والمكيفات، وكمواد دافعة لتوليد الرذاذ (ايروسول) في صناعة مستحضرات التجميل المستعملة في تصفيف الشعر وازالة الروائح. كما تستخدم في صناعة اللدائن الرغوية ورغوة الاطفاء وغيرها.
وقد أدى الطلب المتزايد على الفريونات الى نشوء صناعة ضخمة لانتاجها قدرت طاقتها عام 1990بنحو 16مليون طن سنوياً، موزعة بنسبة 25في المئة في الولايات المتحدة و50في المئة في بقية الدول الصناعية و25في المئة في بعض دول العالم الثالث. ولمعرفة مدى انتشار استعمال الفريونات، تكفي الاشارة الى أن الفرنسيين وحدهم استهلكوا عام 1990نحو 500مليون كبسولة رذاذ (سبراي)، علماً أن كل طن من الرذاذ قد يحتوي على 180كيلوغراماً من الفريون. ولا بد من الاشارة هنا الى أن الفريونات، التي لم تكن موجودة في الجو حتى عام 1950، بلغ تركيزها عام 1990أكثر من 0,37جزء في المليار، علماً أن قدرتها على امتصاص الحرارة تفوق قدرة ثاني اوكسيد الكربون بأربعة آلاف مرة.
لم تلقَ فرضية دور الفريونات في تفكيك الاوزون أي اهتمام طوال عقدين. وكان كثيرون يهزأون منها ويسمونها "خرافة الأوزون". لذلك سعى العلماء القلقون الى البحث عن مزيد من المعلومات لتأكيد مقولتهم. وفي العام 1972أكد الفيزيائي كروتزن أن الصناعة والزراعة تبثان في الجو جزيئات ضارة بالأوزون أكثر من الأشعة الكونية التي اعتبرت في ما مضى المسؤولة الوحيدة عن استنزاف طبقة الاوزون. وفي 1974كشف الكيميائيان الاميركيان شيروود رولاند وماريو مولينا الدور الرئيسي للكلور في تدمير الأوزون.
ظلت جميع الفرضيات نظرية حتى العام 1985، حين برهن عالم الأرصاد الجوية جوزف فارمن تضرر طبقة الأوزون فوق القطب الجنوبي خلال الربيع الجنوبي. وما هي الا سنة حتى جاءت نتائج البعثة العلمية الاميركية الى محطة ماكموردو في أنتارتيكا (القارة القطبية الجنوبية) التي ترأستها عالمة الكيمياء سوزان سولومون، لتؤكد فرضية ماكلروي وملاحظات فارمن. وعزت سولومون ظهور ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي وليس فوق المناطق الصناعية المكتظة بالسكان في اوروبا وأميركا الشمالية، الى وجود بلورات جليدية على ارتفاع 20 كيلومتراً في الغيوم الستراتوسفيرية القطبية الجنوبية الزهرية والخضراء، تفتك بجزيئات الاوزون بفعل العواصف الهوائية والتقلبات المناخية الناتجة عن بدء الربيع الجنوبي، بمساعدة غاز الكلور الناتج عن تفكك الفريونات بفعل الأشعة فوق البنفسجية. وطبقاً لما أعلنه رولاند ومولينا، فان كل ذرة حرة من الكلور قد تفتك بمئة ألف جزيء من الأوزون، الامر الذي سيؤدي بحلول سنة 2030الى نشوء بيئة يصعب على الجنس البشري التكيف معها.
وتوصلت سولومون بواسطة مقياس طيفي (سبكترومتر) الى تحديد أنواع المواد الكيميائية التي تصادفها كل موجة ضوئية خلال رحلتها من الشمس الى القطب عبر ثقب الأوزون. وهي أصيبت بالذهول عندما تبين لها أن ثقب الاوزون يحتوي على كمية من أكاسيد الكلور تزيد بما يراوح بين 20و50ضعفاً عما تحويه عادة طبقة الستراتوسفير. وهذا الأمر أكد صحة توقعاتها. وقد علق رولاند على نتائج تلك الأبحاث قائلاً: "ان التفسير الكيميائي لثقب الأوزون هو النظرية الوحيدة القابلة للحياة، واكتشافات سولومون تؤكد ذلك بصورة لا تقبل الشك".
شجعت نتائج أبحاث سولومون مئات العلماء في أنحاء العالم على متابعة أبحاثهم عام 1987، والبقاء على اتصال دائم مع البعثة العلمية المتمركزة في قاعدة ماكموردو في أنتارتيكا، التي تقوم بصورة مستمرة بقياس ثقب الأوزون بدءاً من ظهوره وحتى اختفائه بعد نحو ثلاثة أشهر. كما شكلت حافزاً لاقرار بروتوكول مونتريال الخاص بحظر المواد التي تستنزف طبقة الأوزون والذي أصبح نافذ المفعول عام 1989. وقد نص البروتوكول على تخفيض انتاج واستهلاك الفريونات بمقدار 50في المئة خلال 10سنوات.
ترقق فوق الشمال
اذا كانت نتائج مراقبة طبقة الأوزون عام 1988جاءت مخالفة لتوقعات العلماء، اذ ظهر الثقب أصغر مما كان عام 1987، فان دراسة الغلاف الجوي فوق القطب الجنوبي عام 1989أظهرت أن طبقة الأوزون رقت بشكل مخيف. لذلك بدأ علماء أميركيون وأوروبيون حملة واسعة لدراسة أجواء القطب الشمالي مخافة أن يكون مصيره كمصير نظيره الجنوبي. وأذكى ذلك تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عام 1989، الذي أشار الى ترقق طبقة الأوزون فوق النصف الشمالي للكرة الأرضية بنحو واحد في المئة خلال الفترة الواقعة بين 1978و1988.
بعد تحضيرات دامت أكثر من سنتين، أطلق الأميركيون في خريف 1991قمراً اصطناعياً لمراقبة الرياح والغيوم الستراتوسفيرية وتحليل مكوناتها. وتمركز نحو مئة عالم في مطار بانغور في ولاية ماين خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام، لدراسة النتائج التي كانت تسجلها أجهزة قياس الاوزون والكلور وأكاسيد النيتروجين المركزة على طائرتين كانتا تقومان بعدة رحلات أسبوعياً: واحدة فوق مربعات محددة امتدت من ألاسكا حتى النروج، وأخرى فوق المنطقة الممتدة من القطب الشمالي حتى البحر الكاريبي.
من ناحيتهم، قام الاوروبيون بدراسة مماثلة جندوا لها 100عالم من عشرين بلداً، في قاعدة كيرونا السويدية. واستعملوا ثلاث طائرات وأربعين منطاداً. وساهم الروس في تلك الأبحاث المشتركة، وأخذوا على عاتقهم استرجاع المناطيد حتى شبه جزيرة كولا في سيبيريا. وفي الوقت نفسه، كانت 18محطة اوروبية للرصد الجوي، منتشرة بين فنلندا واليونان، تزود قاعدة كيرونا بمعلوماتها حول الحرارة والرياح والرطوبة. وأعلن رئيس الحملة الاوروبية الباحث البريطاني جون بايل أن "جميع الظروف تضافرت كي يترقق الأوزون هذه السنة (1992) بشكل كبير. والوضع أسوأ مما كنا نتوقع". وأفاد بعض الباحثين الذين شاركوا في الحملة أن الأوزون فوق المنطقة التي شملها البحث ترقق الى النصف بالمقارنة مع السنوات السابقة، وأنه تم العثور على كميات من أكاسيد الكلور والبروم والجزيئات الصلبة، في حين لم يلاحظ عملياً وجود لأكاسيد النيتروجين.
جاءت هذه النتائج لتؤكد مرة جديدة ما توصلت اليه مجموعة أبحاث نشرت عام 1989حول اعتبار كيمياء الكلور المسؤولة الرئيسية عن تفكك الأوزون. ودعم هذا الاعتبار أن تركيز اوكسيد الكلور في فجوة الأوزون كان أكبر مئة مرة من تركيزه عند خطوط العرض المتوسطة. ولم تسقط من الاعتبار العوامل الأرصادية القصوى، من حرارة منخفضة الى ما دون 100 درجة مئوية تحت الصفر وغيوم ستراتوسفيرية قطبية وغيرها، التي تسود الدوامة القطبية وتزيد فعالية الحلقة الكيميائية المفككة للأوزون. ولا تحتوي الغيوم الستراتوسفيرية على جزيئات جليدية فحسب، بل أيضاً على جزيئات صلبة مختلفة المصدر والتركيب الكيميائي. وفي هذا المجال، لا بد من التذكير بهيجان بركان بيناتوبو الهائل في الفيليبين في حزيران (يونيو) 1991، الذي قذف في الجو أكثر من 12مليون طن من الغبار الدقيق. وقد كوّن ذلك الرماد المجهري المحتوي على الغاز الكبريتي وكبريتات الكلسيوم غيوماً ستراتوسفيرية ضخمة ساهمت وتساهم في تفكيك الأوزون وتوسيع الثقب فوق القطب الجنوبي. وتعتبر العالمة الاميركية سوزان سولومون أول من قام بأبحاث حول دور الغبار البركاني في تفكيك الأوزون، من خلال دراستها لغبار بركان تشيتشون في المكسيك. وفي صيف 1991، توقع الباحثان البلجيكي غي براسيور وزميلته الفرنسية كلير غرافيه، من المركز الوطني لأبحاث الجو في كولورادو، أن يكون غبار بركان بيناتوبو مسؤولاً عن تدمير 10في المئة من طبقة الأوزون. لكن هذا لا يعني أنه البركان الوحيد المسؤول عن تشكل الغيوم الستراتوسفيرية، فقبله بشهرين هاج بركان جبل اونزن في اليابان. وفي شباط 1993استيقظ بركان مايون في الفيليبين الذي كان قد قذف حممه في الجو الى علو 11كيلومتراً طوال عدة أيام من العام 1984. ونسمع باستمرار عن هيجان بركان في مكان ما من الكرة الأرضية.
أكد التقرير الذي نشرته الأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1992صحة توقعات العلماء الأوروبيين والأميركيين، اذ أعلن انخفاض طبقة الأوزون الى أدنى مستوياتها منذ عقود. وذكرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حدوث تآكل مفاجئ للأوزون في أوائل 1992فوق شمال اوروبا وروسيا وكندا، وفي خريف العام نفسه فوق مناطق مأهولة في جنوب الأرجنتين وتشيلي. وقال رومان بويكوف، كبير خبراء الأوزون في المنظمة: »تظهر الأدلة المتوافرة لدينا من محطات المراقبة حول العالم أن حجم التآكل في طبقة الأوزون في كل من النصف الشمالي والنصف الجنوبي للعالم هو أكبر كثيراً مما كنا نتوقع«. وفي الفترة بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس) 1992، انخفض متوسط مستويات الأوزون في حزام يغطي موسكو والعواصم الاسكندينافية وفوق شمال ألمانيا ومعظم بريطانيا، الى 20في المئة دون المستويات العادية.
في آذار 1997، أعلن اناتولي ياكوفليف الناطق باسم مصلحة الأرصاد الروسية أن ثقبين ظهرا في طبقة الأوزون فوق الأراضي الروسية: الاول فوق شمال غرب البلاد ويمتد حتى البلطيق وأوكرانيا وروسيا البيضاء، حيث انخفضت مستويات الأوزون بين 20و30في المئة عن المعدل الطبيعي، والثاني فوق سيبيريا الغربية وكراسنويارسك، وهو الاخطر، اذ انخفضت فيه مستويات الأوزون 35في المئة عن المعدل الطبيعي.
وأعلنت هيئة حكومية نيوزيلندية أن ثقب الأوزون عام 1998فوق القارة القطبية الجنوبية ظهر أبكر من المعتاد، في أواخر آب (اغسطس) بدل أواسط أيلول (سبتمبر). وبلغت مساحته 27مليون كيلومتر مربع، أي بزيادة 5في المئة على المساحة التي سجلت عام 1996و35في المئة على المساحة التي سجلت عام 1992. وأعلنت وكالة »ناسا« أن الثقب انكمش قليلاً في موسم 1999.
خلال مؤتمر صحافي عقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1998في القاهرة، أعلن رئيس الصندوق المتعدد الاطراف المنبثق عن بروتوكول مونتريال لحماية طبقة الأوزون ماركو انطويو دي سالازار، أن معظم الدول النامية الأعضاء ستبدأ تجميد انتاجها واستهلاكها من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون بحلول الاول من تموز (يوليو) 1999عند معدل السنوات 1995 - 1997، على أن تتوقف عن استعمالها وتداولها كلياً سنة 2010، علماً أن الدول الصناعية توقفت عن استهلاك هذه المواد.
ويقوم برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بصفته احدى الوكالات المنفذة للبروتوكول، بمساعدة الدول النامية عن طريق التعزيز المؤسسي وشبكة المعلومات والتدريب وإعداد البرامج القطرية وتبادل المعلومات. أما بقية الوكالات المنفذة، وهي برنامج الأمم المتحدة الانمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية والبنك الدولي، فتساعد الدول النامية في اعداد المشاريع بما يتوافق والبروتوكول.
لقد كان العامل الرئيسي في تطبيق بروتوكول مونتريال تأسيس صندوق خاص متعدد الأطراف، تموله البلدان المتقدمة، لمساعدة البلدان النامية في تطوير تكنولوجيات وبدائل "صديقة للأوزون".
واذ يتم التخلص من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون وجميع المنتجات المعتمدة عليها على نطاق واسع، فإن التحول السريع نحو البدائل سيساعد في الالتئام السريع لطبقة الأوزون. وجدول التخلص التدريجي من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، حسب ما نص عليه بروتوكول مونتريال، هو الآن قيد التنفيذ، حيث أن أكثر من ثمانين في المئة من انتاج واستهلاك هذه المواد قد اضمحل. وتشير التوقعات الى أن الاستعادة الكاملة لطبقة الأوزون لن تتم قبل منتصف القرن 21، بشرط أن يلتزم الجميع بالاجراءات المتفق عليها في بروتوكول مونتريال.
تحول الى البدائل
الواضح أن غاز الأوزون يزداد قرب سطح الأرض، حيث يضر، وينقص في طبقات الجو العليا حيث وجوده ضروري لحماية الحياة على الأرض. والسبب الرئيسي، في الحالتين، من صنع الانسان.
ومن الاجراءات المفيدة للحد من تزايد الأوزون المؤذي في الطبقة الجوية السفلى تعميم استعمال المحولات الحفازة في عوادم السيارات، وتنظيم عمل محركات الاحتراق الداخلي بحيث تولد أقل كمية ممكنة من أكاسيد النيتروجين، وربما تزويد محطات الوقود بأجهزة لالتقاط الهيدروكربونات التي تتطاير عند تعبئة خزان السيارة.
أما طبقة الأوزون الستراتوسفيري، التي تحمي الحياة على الأرض من الأشعة ما فوق البنفسجية، فيجب الحد من استنزافها بحيث يتوقف ترققها وتعود فجوتها الى الالتئام. ومن التدابير الضرورية لذلك تنفيذ بروتوكول مونتريال وملحقاته حول وقف انتاج الفريونات، ومساعدة دول العالم الثالث المنتجة لهذه المواد على الالتزام بمضمون البروتوكول، واعادة استخدام الفريونات الموجودة قيد الاستعمال عن طريق تشجيع المستهلك على اعادة الأجهزة القديمة التي بحوزته من برادات ومكيفات الى المصانع المعنية، او تشكيل فرق عمل تهتم بجمع الفريونات من الأجهزة القديمة كما هي الحال في فرنسا وبلدان أخرى، وفرض ضرائب مرتفعة على مبيعات المنتجات المحتوية على الفريونات لانتاج غازات أخرى غير ضارة، وتطبيق حظر شامل على التفجيرات النووية، ووضع مراقبة صارمة على المنشآت النووية لمنع تسرب الاشعاعات القادرة على الفتك بالأوزون.
وكانت صناعة الرذاذات تستخدم الفريون 11و12كمادة دافعة، أما اليوم فقد استبدلت على شكل واسع بالهيدروكربونات، كما تم تطوير مضخات خاصة تغني عن المواد الكيميائية الدافعة. وفي صناعة أجهزة مكافحة الحرائق، حيث شاع استخدام الهالوجينات، تستخدم حالياً بدائل مثل ثاني أوكسيد الكربون والرغويات، والماء لحرائق الزيوت والوقود بعد تطوير تقنية ترذيذه بواسطة الضغط العالي. وكانت الفريونات تستخدم كمواد نافخة في صناعة الاسفنج البلاستيكي، فاستبدلت بالهيدروكربونات وكلوريد الميثيلين وثاني أوكسيد الكربون والماء. وفي صناعة الثلاجات والمكيفات، تستخدم حالياً مواد للتبريد خالية من الفريونات، مثل الهيدروكربونات والأمونيا، كما تستخدم مركبات الكربون الهيدروكلورية وفلورية (CFCHs) كمواد انتقالية ريثما يتم التخلص منها هي أيضاً. وتحرص البلدان المتقدمة بيئياً على تفريغ الفريونات من الثلاجات والمكيفات القديمة قبل التخلص منها.
من المؤسف ألا يكون جو الارض شبيهاً بالأوعية المتصلة، فينتقل الأوزون الضار في طبقة التروبوسفير الجوية السفلى الى الستراتوسفير ليعوض النقص الحاصل هناك.
كادر
قليل من الكلور يحطم كثيراً من الأوزون
ذرات الكلور أو البروم الحرة تتفاعل مع الأوزون لتكون أول أوكسيد الكلور أو البروم، حيث »تسرق« ذرة أوكسيجين من جزيء الأوزون وتحولها الى جزيء أوكسيجين.
جزيئات أول أوكسيد الكلور أو البروم تتفاعل مع ذرات الأوكسيجين الحرة فتتخلى عن ذرة الأوكسيجين المسروقة مكونة بذلك جزيء أوكسيجين آخر وذرات حرة من الكلور أو البروم.
ذرات الكلور أو البروم الحرة الجديدة تبدأ العملية من جديد بمهاجمة جزيء أوزون آخر.
بهذه الطريقة، كل واحدة من ذرات الكلور أو البروم يمكن أن تحطم آلاف جزيئات الأوزون، مسببة استنزافاً محسوساً في طبقة الأوزون.
كادر
تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية
على الجلد: إحدى التأثيرات المحسوسة للأشعة فوق البنفسجية هي الحروق الشمسية (erythema). ويمكن لهذه الأشعة أن تسبب اضراراً في المواد الوراثية الموجودة في الخلايا الجلدية مما يؤدي الى أمراض سرطانية. ومن المعروف أن ذوي البشرة السوداء يملكون حماية من معظم هذه التأثيرات بفضل الصبغيات الموجودة في خلاياهم الجلدية. أما ذوو البشرة الشقراء فعندما يتعرضون فترات طويلة لمستويات عالية من الأشعة فوق البنفسجية، خصوصاً في فترة الطفولة، يزداد عندهم خطر الاصابة بسرطان الجلد.
على العين: إن تعرض الانسان للأشعة فوق البنفسجية يمكن ان يسبب العمى الثلجي (actinic keratitis)، مع التهابات حادة ومؤلمة تصيب قرنية العين. كما أن التعرض المزمن لهذه الأشعة يتلف العين. وهناك دلائل على أن ارتفاع مستويات الأشعة فوق البنفسجية يعرض مزيداً من الناس لمرض اعتام العدسة (cataractas)، وهو غشاوة تحيط عدسة العين فتحجب الرؤيا، وقد يؤدي الى العمى حتى لو تمت معالجته جراحياً.
على جهاز المناعة: ارتفاع مستويات الأشعة فوق البنفسجية يعيق المناعة الطبيعية في الانسان والحيوان. والتعرض لهذه الأشعة يضعف مقاومة الانسان للعديد من الأمراض، ومن ضمنها الأورام الخبيثة والحساسية وبعض الأمراض المعدية.
على الزراعة: كثير من الفصائل النباتية حساسة للأشعة فوق البنفسجية، حتى اذا بقيت على المستويات التي وصلت اليها اليوم. وأثبتت التجارب أن زيادة التعرض للأشعة من المحاصيل الزراعية، مثل الرز وفول الصويا، تستتبع تدنياً في المحصول والجودة. كما أن زيادة مستويات الأشعة يمكن أن تغير التركيبة الكيميائية للنبات فتقلل من قيمته الغذائية أو تزيد من سميته. ولهذه الأشعة عدد من التأثيرات السلبية غير المباشرة على النبات، مثل تغيير شكله وموقع الكتلة الحيوية في أجزائه وإنتاج المواد الكيميائية التي تصد الحشرات. وقد يتحتم على العلماء البحث عن محاصيل تتحمل تلك الأشعة أو استنباط محاصيل جديدة.
على الأحياء البحرية والمائية: زيادة الأشعة فوق البنفسجية تضر بالهائمات (العوالق) البحرية النباتية والحيوانية وصغار الأسماك ويرقات سرطان البحر والروبيان (الجمبري). وهذا يهدد الثروات المائية ويقلل من إنتاجية المصايد. ومن الجدير بالذكر ان أكثر من 30في المئة من البروتين الحيواني الذي يستهلكه الانسان مصدره البحار، وترتفع هذه النسبة في كثير من الدول النامية. وأظهرت الدراسات أن إنتاج الهائمات البحرية في بحار القطب الجنوبي يقلّ أثناء اتساع ثقب الأوزون السنوي. من جهة أخرى، تلعب الحياة البحرية دوراً مهماً أيضاً في المناخ العالمي، حيث أن الهائمات البحرية النباتية تمتص كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون الذي يعتبر غاز الدفيئة الرئيسي. لذلك فان تناقصها يمكن أن يتسبب في زيادة تركيز هذا الغاز في الجو، مما يساهم في ظاهرة الاحترار العالمي.
على المواد المصنّنّعة: للأشعة فوق البنفسجية تأثير أساسي في تدهور حالة المواد المصنعة، خصوصاً المواد البلاستيكية والأصباغ. وازديادها يعجل درجة التدهور، ولا سيما في المناطق الحارة والمشمسة.
كادر
مكتب الأوزون في لبنان: التحول الى البدائل
انضم لبنان الى اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال في 31آذار (مارس) 1993. وفي اطار تنفيذ البرنامج الوطني لحماية طبقة الأوزون المعتمد في وزارة البيئة، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي، تم انشاء مكتب الأوزون عام 1998لمتابعة عملية القضاء على المواد المستنفدة لطبقة الأوزون كما ورد في أحكام بروتوكول مونتريال.
قام مكتب الأوزون في البداية بمسح عام شمل جميع القطاعات التي تستخدم المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، وهي قطاعات التبريد والتكييف، والإسفنج، والأيروسولات، والمواد الكيميائية، واطفائيات الحريق. وبناءً على النتائج جرت دراسة مشاريع استثمارية لتحويل كافة المصانع اللبنانية نحو استخدام مواد بديلة صديقة للأوزون والبيئة، وذلك بتمويل من الصندوق المتعدد الأطراف التابع للأمم المتحدة والذي أنشئ لهذا الهدف. ويقوم مكتب الأوزون حالياً، بالتنسيق مع الوكالات الدولية، بإعداد وثائق المشاريع ومواصفات الأجهزة والمعدات اللازمة لعملية التحويل وطرح المناقصات وتعميم العروض والإحالة على الشركات المؤهلة ومتابعة تنفيذ المشاريع والإشراف على سيرها.
كان معدل استهلاك لبنان من مركبات الكلوروفلوروكربون المستنفدة لطبقة الأوزون نحو 950طناً عام 1993، فأصبح استهلاكه مع نهاية 1998نحو 550طناً بفضل المشاريع التحويلية. ففي قطاع التبريد، هناك مصنع للبرادات المنزلية و15مصنعاً للبرادات الصناعية والتجارية قيد الانجاز (الصورة). وفي قطاع الإسفنج والعوازل، تم تحويل مصنعين وهناك ستة مصانع قيد الانجاز. وفي قطاع الايروسولات، تم تحويل مصنعين وهناك مصنعان قيد الانجاز. وفي قطاع المواد الكيميائية الضارة، هناك مشروع بدائل بروميد الميثيل قيد الانجاز. والمشاريع المرتقبة للأعوام المقبلة تأهيل وتحويل كافة أنظمة التبريد في المصانع والأبنية والمستشفيات، وتحويل 15مصنعاً للبرادات الصناعية والتجارية، ومصنع لصناعة العوازل الحرارية، وثلاثة مصانع للايروسولات، والاعداد لتنفيذ مشروع بنك للهالوجينات. وينفذ مشروع لتدريب أساتذة وفنيين في قطاع التبريد على تدوير وتأهيل الغازات الضارة بطبقة الأوزون وبدائلها. بلغت كلفة تلك المشاريع حتى منتصف 1999نحو 4,3ملايين دولار مقدمة هبة لتلك المصانع. أما كلفة المشاريع المتوقعة للسنوات المقبلة فتقدر بين مليونين وثلاثة ملايين دولار.
ويقوم مكتب الأوزون ببرامج توعية للمحافظة على طبقة الأوزون من خلال تنظيم ورش عمل. وهو أصدر ملصقات وكتيبين بعنوان "لنحمي طبقة الأوزون من أجل حياة أفضل على الأرض" و"حكايتنا مع الأوزون". وقد نظم في صيف 1999حملة توعية لرواد الشواطئ للحد من التعرض للأشعة ما فوق البنفسجية، وأصدر منشوراً لسبل الوقاية، ووزع 12ألف بطاقة لجهاز قياس الأشعة ما فوق البنفسجية (UV Meter Card). ويقوم مكتب الأوزون بالإعداد لمشاريع قوانين وأنظمة للحد من استعمال المواد الضارة بطبقة الأوزون.
ولبنان عضو في شبكة الأوزون لدول غرب آسيا التابعة للمكتب الاقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وينظم المكتب الاقليمي اجتماعاً كل ستة أشهر من أجل التعاون بين الدول الأعضاء.
مازن خليل حسين
مدير مكتب الأوزون - وزارة البيئة في لبنان
كادر
بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنزفة لطبقة الأوزون
بعد نشر الدلائل الأولى على وجود ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي في حزيران (يونيو) 1985، بدأت مفاوضات دولية مكثفة، تمخضت عن إقرار بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنزفة لطبقة الأوزون في أيلول (سبتمبر) 1987. وهو دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني (يناير) 1989.
حدد بروتوكول مونتريال الاصلي التدابير التي يجب على الدول اتخاذها للحد من انتاج واستهلاك ثماني مواد مستنزفة لطبقة الأوزون، تعرف في لغة البروتوكول بـ »المواد الخاضعة للرقابة«. وفي اجتماعات لاحقة عقدت في لندن وكوبنهاغن عامي 1990و1992، تم تعزيز سبل الرقابة والتوسع بحيث شملت مواد كيميائية اخرى. ونتيجة لذلك، بدلاً من التخلص التدريجي الذي فرضه البروتوكول على خمسة أنواع من مركبات الكلوروفلوروكربون أو الفريونات وثلاثة أنواع من الهالوجنيات فحسب، أصبح البروتوكول يُلزم الدول النامية التخلص التام من 15مادة من الكلوروفلوروكربون و3أنواع من الهالونات و34نوعاً من مركبات الكربون الهيدروبرومية فلورية (HBFC) بالإضافة الى رابع كلوريد الكربون وميثيل الكلوروفورم. وفي العام 1995وضع بروميد المثيل، الذي يستخدم كمبيد زراعي، في قائمة المواد الخاضعة للرقابة. وفي العام 1997تمت الموافقة على قرار يلزم جميع دول العالم تأسيس وتنفيذ نظام الترخيص المسبق عند استيراد وتصدير المواد المستنزفة لطبقة الأوزون بحلول سنة 2000، بهدف ضمان عدم تداول هذه المواد في السوق السوداء.
يقول الدكتور مصطفى كمال طلبه، المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة كان واضحاً تماماً أن الدول الصناعية هي من تسبب في ثقب الاوزون. فهذه الدول تنتج وتستهلك 95في المئة على الأقل من الغازات الضارة بطبقة الاوزون. كان هناك ضغط شديد، بالاتفاق مع الدول النامية وبعض الدول الصناعية، على أن تكون لتنفيذ هذه الاتفاقية فترة سماح للدول النامية لمدة عشر سنين. ولكي تطبقها، يجب أن تدفع لها الدول الصناعية كلفة التطبيق عبر الاستفادة من بدائل الغازات الضارة بطبقة الاوزون. وقدرت الكلفة بثلاثة مليارات دولار. وفعلاً وافقت الدول الصناعية عام 1990، للمرة الأولى، على انشاء صندوق خاص لهذه الغاية، بلغت قيمته 250مليون دولار في السنوات الثلاث الأولى. وتضاعف المبلغ في السنوات الثلاث اللاحقة الى 500مليون دولار، وبات الآن في السنوات الثلاث التالية 550مليون دولار. هذه التغطية للتكاليف في البلدان النامية هي سبب نجاح تطبيق بروتوكول مونتريال.
وقد تحققت قفزة في هذا المجال، اذ تم تطوير وانتاج مواد وتقنيات بديلة لمعظم القطاعات التي كانت تستخدم المواد المستنزفة لطبقة الأوزون. وبذلك فإن كثيراً من الدول تخلصت فعلاً أو هي في طريقها للتخلص من تلك المواد.