قبل أن تنتهي من قراءة هذه الصفحة، يكون 160 مليون عربي قد تنشقوا عشرة بلايين ليتر من الهواء الملوث. وتكون الصحراء قد امتدت مئات الأمتار الاضافية. ويكون 75 مليون عربي قد شربوا مياهاً ملوثة. فبينما تجاوز عدد المواطنين العرب 340 مليوناً على أبواب القرن الحادي والعشرين، ما زال الوضع البيئي يتدهور، حيث يعيش 160 مليون عربي في مدن هواؤها ملوث، ولا يحصل 75 مليوناً على مياه شرب نظيفة، والجفاف يزحف ليبتلع آخر خمسة في المئة من الأراضي العربية الخضراء، بعدما فاقت مساحة الصحراء 95 في المئة. وقبل أن تغيب الشمس هذا اليوم، يكون حجم جبال النفايات العربية قد ازداد أكثر من 76 ألف طن، اذ اننا ننتج سنوياً وبلا رادع 30 مليون طن من النفايات.
في هذا الجنون البيئي، يخسر العرب سنوياً 15 بليون دولار تكاليف معالجة الأضرار الصحية والمادية المباشرة الناتجة عن تدهور الأوضاع البيئية، ما يوازي 3 في المئة من الناتج المحلي. أي أن سياسات التنمية المنفلتة بيئياً التي نتبعها تجر علينا خسائر تتجاوز معدلات النمو. بمعنى آخر، اذا أخذنا ثمن التخريب البيئي في الاعتبار، فكل اقتصاداتنا في انحطاط وافلاس.
كفى. آن الأوان لكي نضع حداً لهذا الجنون البيئي الجماعي من المحيط الى الخليج، الذي يتزاحم فيه فقراء العرب وأغنياؤهم على انتهاك موارد الطبيعة لتلبية حاجات اليوم بلا اعتبار لمتطلبات الغد.
"البيئة والتنمية" كانت محاولة للمساهمة في وقف هذا النزف، حين أطلقت مشروع نهضة بيئية عربية توجهت به الى الجمهور مباشرة وانطلقت به مع هذا الجمهور. هذه المجلة قامت على التزام شخصي بقضية البيئة، وحملت هموم التنمية المتوازنة في العالم العربي، والاهتمامات البيئية للجماهير. من هذا المنطلق، لم تكن "البيئة والتنمية" يوماً مجلة حيادية لا لون لها. إنها ملتزمة بمستقبل رغيد ونظيف وعصري للعالم العربي، من خلال سعيها الى إحداث تغيير سلوكي في مواقف الناس من البيئة وحثهم على العمل الشخصي للحفاظ عليها. وهي تعمل لكي يصبح لدعاة البيئة صوت مسموع يحترمه ويهابه أصحاب القرار، وأن يصبحوا هم أصحاب القرار. خلال أقل من أربع سنوات، دخلت "البيئة والتنمية" الى آلاف البيوت والمدارس والمكاتب على مدى العالم العربي. رعت مئات نوادي البيئة المدرسية. أقامت المؤتمرات والمعارض البيئية. ساعدت في ادخال البيئة في كثير من وسائل الاعلام كموضوع اهتمام يومي. أنتجت البرامج التلفزيونية البيئية. شجعت شركات صناعية وتجارية على انتهاج سياسات بيئية. أطلقت أضخم حملة تدريب بيئي منظمة في المدارس، ارتكازاً على دليل بيئي تربوي أنتجته هو الأول من نوعه بالعربية. باشرت إصدار مكتبة بيئية في أربع سلاسل هي نواة عمل نشر بيئي عربي متكامل. فتحت منبراً للحوار بين البيئيين العرب حول العالم. باختصار، لم تكن هذه المجلة يوماً عملاً صحافياً تقليدياً، بل هي شرارة مشروع نهضة بيئية عربية، يدخل البيئة في الاهتمامات الأساسية لكل مواطن، كما يضعها على جدول أعمال كل حكومة وكل مسؤول.
وفي كل هذا، حافظت المجلة على صدقيتها واستقلاليتها، فرفضت أن تكون مطية لتجار البيئة أو أن تسكت عن الاجرام البيئي، أكانت وراءه سلطة المال أم سلطة السياسة. في معركتنا هذه، لم نهادن أحداً، كما لم نعتدِ على أحد. صفقنا لما هو جيّد وجميل، لنشجع على تكراره، ونبهنا الى ما هو خطأ حتى يمكن وقفه وتجنبه. وهذا أكسبنا الأصدقاء كما ألّب علينا أعداء البيئة. ولم نفاجأ، لأننا أساساً لسنا حياديين: إننا منحازون الى حماية البيئة والحفاظ عليها، ضد كل الملوثين والعابثين، علناً ومراوغة.
مع مطلع سنة 2000، تصبح مجلة "البيئة والتنمية" شهرية. فإذا كان للسياسة والفنانين وأخبار المجتمع والاقتصاد والتجارة صحف ومجلات يومية وأسبوعية وشهرية، يحق للبيئة العربية أن يكون لها صوتها القوي المسموع في القرن الحادي والعشرين.
وللذين يتهموننا بالاستعجال واستباق الأمور، لأن العرب، في رأيهم، لم يصلوا بعد الى مستوى الوعي البيئي الذي يستحق مجلة شهرية، نقول إن الوقت لا يرحم. فمستقبل أبنائنا في الميزان. ومع كل يوم يمر، ينمو البؤس البيئي على مدى العالم العربي، ويزداد الهواء تلوثاً وتنضب مصادر المياه وتندثر التربة وتتلاشى الشواطئ وتموت الحياة البحرية. نحن مستعجلون، نعم، لاعلان حالة طوارئ بيئية من المحيط الى الخليج. فكل المؤسسات والأحزاب والعمارات الشاهقات شاهد زور اذا بقيت تتفرج على اندثار البيئة واضمحلال أساس الحياة. ولن ينفع الندم، وقد لا يبقى من يندم، إذا لم نوقف هذا الجنون، فوراً وبلا تأخير.
خلال أربع سنوات، خلقت "البيئة والتنمية" قراءها ومعلنيها، ونجحت في تحويل البيئة الى موضوع شعبي للقراءة. ولكن هذه المجلة استنزفت، في أربع سنوات، مئات آلاف الدولارات، أحب أنا، الناشر، أن أسميها استثماراً شخصياً في المستقبل، مستقبل العرب كما هو مستقبل أطفالي أيضاً. ويحلو للبعض أن يسموها خسارة. ورغم أننا نجحنا في استقطاب الكثيرين، من الطلاب الى الحكام، الى قضية البيئة، فقد فشلنا في تحويل هذا الاستقطاب الى دعم مادي نحن في أشد الحاجة اليه للاستمرار في عملنا وتطويره.
واذا كان البعض يعتبر أن مبادرتنا الى الصدور الشهري، بما تعنيه من استثمارات إضافية، استمرار في ما يرونه جنوناً ومغامرة خاسرة، فنحن ما زلنا نعتبر أن الجنون الحقيقي هو التفرج على هذه المأساة البيئية العربية بينما نقرأ أخبار المطربين ونتابع مهاترات السياسيين ونتفرج على صور الحفلات الاجتماعية لأكلة الشحوم في الصحف والتلفزيونات، وكأن الدنيا بألف خير.
أنت تقرأ هذه المجلة، في بيروت أو في الرياض والكويت وأبوظبي وعمان وتونس، اذاً أنت تنتمي الى أكبر تجمع بيئي عربي.
اذا كنت طالباً أو أستاذاً أو تاجراً أو حاكماً، ندعوك الى الاستثمار معنا: فور انتهائك من قراءة هذا المقال، صوّر كمية من قسيمة الاشتراك، واجمع ما أمكنك من الاشتراكات للمجلة، من أصدقائك وأقاربك وزملائك. واذا كنت مدير شركة، ابعثها هدية الى زبائنك واطلب من مسؤول التسويق لديك إعداد إعلان بيئي وحجزه في المجلة شهرياً. واذا كنت وزيراً للتربية، عممها على المدارس. واذا كنت مسؤولاً عن جمعية بيئية، عممها على الأعضاء. شجع أصدقاءك على شراء المجلة من باعة الصحف والمكتبات. فأنت، قارئ هذه المجلة، طالباً أو حاكماً، أفضل من يدعمها، لأنك، بلا شك، من الذين يهزهم قلق المستقبل.
وإذ أدعو الجميع الى دعم المشروع البيئي الحضاري لهذه المجلة، فقد بدأت أولاً بنفسي، حين أقدمت على مغامرة إصدار "البيئة والتنمية" واضعاً فيها جنى عشرين سنة من العمل الهندسي الناجح، وتركت ورائي حياة هانئة في هولندا، وأهملت مشاريعي الكثيرة لكبريات الشركات العالمية كمهندس معماري، وفارقت طلابي وأحب عمل مارسته كأستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت. كل هذه أصبحت ورائي، ولست بنادم، لأن المشروع البيئي العربي لمجلة "البيئة والتنمية" هو الأكثر إلحاحاً. وقبل أن أطلب من الآخرين وضع البيئة كبند على جدول أعمالهم، وضعتها أنا كبند وحيد على جدول أعمالي.
هذه المجلة، هذا المشروع النهضوي البيئي العربي، لن يموّله مجهولو الهوية. ستمولونه أنتم، أصدقاء البيئة، من أفراد ومؤسسات ومسؤولين وشركات. فلن تكون مجلة "البيئة والتنمية" سلعة معروضة في سوق النخاسة، ولن يسكتها أو يقمع صوتها أعداء البيئة والمراوغون.
منذ صدورها، لم تستأذن هذه المجلة أحداً للقيام بما نعتبره واجباً قومياً. ولن نستأذن أحداً اليوم، كما لن نستجدي أحداً، إذ نستعد للصدور الشهري. ونحن على ثقة بأن القراء لن يخذلونا، فنثبت معاً أننا شعب يستحق الحياة.
آن وقت العمل. حوّلوا دعمكم للمجلة الى اشتراكات فردية وجماعية واعلانات بيئية. استثمروا في البيئة، فالمستقبل للذين يصنعونه لا للذين ينتهكونه، وهو ليس حتى لمن ينتظرونه من مقاعد المتفرجين. البيئة ستكون شاغل العالم في الألفية الثالثة. ونحن قررنا أن تكون "البيئة والتنمية"، معكم، مجلة العرب في القرن الحادي والعشرين.
فيا بيئيي العرب، مواطنين وحكاماً، فقراء وأغنياء، اتحدوا!