ترتفع وتيرة الكلام على موضوع البيئة في هذا الوقت من السنة في مناسبة يوم البيئة العالمي. وهذه مسألة تستحق التشجيع اذا أدت الى تعميم الوعي البيئي، عن طريق المحاضرات والندوات والبرامج الاعلامية والنشاطات الميدانية التي ترافق المناسبة. أما أن تتحول المناسبات البيئية الى حجة تستخدمها بعض الشركات التجارية في الترويج الرخيص وخداع الناس مستغلة شعار البيئة، فهذه ممارسة مرفوضة يجب فضحها. والأدهى أن تقع بعض وسائل الاعلام ضحية حملات الترغيب والتدجين التجارية، باسم البيئة.
إحدى الشركات المكلَّفة جمع النفايات في عاصمة عربية قررت مواجهة سلسلة من الفضائح بشأن طريقة عملها وعقودها بحملة اعلانية ضخمة، صرفت فيها الملايين خلال أسابيع في الصحف والتلفزيونات، ورافقها نشر سلسلة من المقالات الترويجية والتحقيقات التلفزيونية المدفوعة الثمن. وكل هذا تحت شعارات بيئية تم تتويجها بزرع صفحات كاملة من الصحف في يوم البيئة العالمي باعلانات عن حملة تقوم بها الشركة لزرع 10,500 شجرة حرجية في تموز (يوليو)، في طول البلد وعرضه. فهل وصل استغباء الناس الى حد ادعاء امكانية القيام بحملة تشجير حرجي ناجحة في عز الصيف؟ أم أن حسابات الشركة التجارية لا يمكنها أن تنتظر موسم الزرع في الشتاء؟ وهل يعرف القراء أن كلفة زرع صفحات الصحف باعلانات التشجير تفوق أضعافاً كلفة الغرسات العشرة آلاف نفسها، وهي كمية رمزية أساساً سيحترق معظمها على أي حال في شمس الصيف اللاهبة؟
هذه الشركة نفسها، التي تدعي اليوم الغيرة على البيئة، هددت في مقابلة صحافية بأن البلد سيغرق في النفايات إذا تجرأ أحد على مناقشة طريقة عملها وشروط عقدها. وهي تنفذ «خطة طوارئ» للنفايات تبلغ كلفة الطن فيها 106 دولارات، أي ما يوازي الكلفة في نيويورك، بينما نحن نتكلم عن مدينة في العالم الثالث، وعن خطة طوارئ تجمع النفايات وتنقل المشكلة من موقع الى آخر. فكيف تتجرأ هذه الشركة على أخذ بلد بكامله رهينة للنفايات؟
ومن المهازل الأخرى لاستغلال يوم البيئة العالمي جائزة تم الاعلان عنها والترويج لها وكأنها توازي جائزة نوبل. وقيل انها مخصصة لصحافيي البيئة. وتمت دعوة مجموعة من الصحافيين في وسائل إعلام رائجة لتوزيع الجوائز عليهم، ليكتشفوا أن اسم الجائزة، الذي ظنوه لمؤسسة علمية خيرية، هو لاحدى شركات صناعة المواد الكيميائية. وكانوا جميعاً يجهلون هذه الحقيقة قبل أن تؤخذ لهم الصور التذكارية للترويج. وكان يكفي أن يبحثوا عن اسم الجائزة «البيئية» بواسطة الانترنت ليحصلوا على لائحة كاملة بالمواد الكيميائية التي تنتجها الشركة صاحبة الاسم. نحن، مرة أخرى، نؤيد أن تدعم جميع الشركات والصناعات، بما فيها الكيميائية، العمل البيئي. فهذا أقل ما يمكنها القيام به للتكفير عن بعض ذنوبها وجرائمها ضد البيئة. أما أن تستغل الصحافة لتلميع اسمها لقاء جوائز زهيدة، من دون الاعلان صراحة عن طبيعة عملها، فهذا مرفوض ومعيب.
وكانت احدى شركات الويسكي قامت بحملة ترويجية كبيرة تحت شعار انقاذ الغابات، اذيعت خلالها آلاف الاعلانات التلفزيونية بأصوات عذبة ناعمة تتغزل بالاشجار ورؤوس أصحابها تتمايل بغنج ودلال. انتهت الحملة الترويجية، وراحت السكرة لتجيء الفكرة، فإذا بوعود زرع الأشجار واطفاء الحرائق تتلاشى. فحملات التشجير تتطلب مؤسسات عامة تقوم بها وتتابعها لتأمين الري والرعاية، بما يتجاوز لحظة الغرس أمام الكاميرا، وهي اللقطة الوحيدة التي يحتاجها المروِّجون. كما لا تحل مشكلة حرائق الغابات بتقديم مجموعة معدات متفرقة لنقل الماء، تبيّن أنه لا يمكن استعمالها على الطائرات المروحية المتوافرة، التي كان من المفترض أنها مخصصة لها. وانتهى المشروع منذ سنة، بعد استعراض التصوير أمام المعدات، الذي حضره، مرة أخرى، حشد من «المستشارين» والاعلاميين. ولم نقرأ أن أحدهم سأل منذ ذلك الوقت عما تم تحقيقه من الوعود.
ولا ننسَ شركة تعبئة المياه المعدنية التي دعت الى مؤتمر صحافي منذ سنة حضره نحو من أربعة وزراء وعشرين مستشاراً، للاعلان عن عبوة بلاستيكية جديدة تحت شعار حماية البيئة. فتبين أنه لا يوجد في البلد تكنولوجيا لاعادة تدويرها، والحل البيئي على أي حال هو في استخدام عبوات يمكن إعادة تعبئتها وليس اتلافها أو تذويبها، وهذا ما تتجنبه الشركات المنتجة لأنه أكثر كلفة.
إن مهرّجي البيئة يتوسلون بعض وسائل الاعلام ويستخدمونها مطية للترويج التجاري. فيتوجب على الاعلاميين والبيئيين التنبّه ورفض الاغراءات والمساهمة في وضع حد لحفلة التهريج البيئي هذه، بفضحها ومقاطعتها كما تفعل مجلة «البيئة والتنمية».
|