هل يزول كل أخضر وتغطي الرمال المدن؟
اتبع العرب عبر التاريخ تقنيات مختلفة لمكافحة التصحر. وهذه التقنيات التقليدية، اضافة الى التقنيات الحديثة الملائمة التي تمارسها الدول المتطورة والدول النامية الأخرى، يمكن استخدامها بنجاح لابعاد شبح التصحر واعادة الحياة الى الاراضي المتدهورة.
"البيئة والتنمية"
معظم العالم العربي صحراء أو شبه صحراء. مساحته الاجمالية حوالى 14,3مليون كيلومتر مربع تشكل 10,2في المئة من مساحة دول العالم، وتراوح بين 700كيلومتر مربع في البحرين وأكثر من 2,5مليون كيلومتر مربع في السودان. عدد سكانه نحو 260مليون نسمة، يمثلون 4في المئة من سكان العالم ويراوحون بين 430ألف نسمة في قطر و65مليوناً في مصر.
يقدر حجم الأمطار السنوية التي تهطل على العالم العربي بحوالى 2238مليار متر مكعب، منها 344ملياراً تسقط على ثلثي المساحة بمعدل سنوي يقل عن 100مليمتر ويضيع معظمها بالتبخر، و406مليارات تسقط على 15في المئة من المساحة بمعدل يراوح بين100و300مليمتر، و1488ملياراً بمعدل 300مليمتر تسقط على شرائح محدودة في جنوب السودان والصومال والمغرب والجزائر وموريتانيا واليمن والاردن وسورية ولبنان.
وتتصف الأقطار العربية بارتفاع درجة الحرارة وانخفاض الرطوبة النسبية. وهي تفتقر الى الشبكات المائية الدائمة الجريان. والأنهار الكبرى، مثل النيل ودجلة والفرات، تستمد جزءاً كبيراً من مياهها من خارج الاراضي العربية ومن مناطق غزيرة الأمطار. أما بقية الأنهار الدائمة الجريان فلا يتجاوز عددها الخمسين، ينحدر معظمها من سلاسل الجبال المطلة على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ولا يتجاوز مسار معظمها مئة كيلومتر. وينتشر في العالم العربي 27حوضاً للمياه الجوفية الاقليمية المشتركة.
وتحمل التربة العربية الكثير من عوامل التدهور بسبب المناخ الجاف وتراكم الاملاح وزحف الرمال. وتقدر مساحة الرقعة الحرجية بحوالى 84مليون هكتار، أي 5,9في المئة من المساحة الاجمالية، مع تباين كبير في توزعها بين الأقاليم. وتقدر مساحة المراعي الطبيعية بحوالى 510ملايين هكتار.
ويعاني العالم العربي من التصحر، الذي تتجلى مظاهره في الانجراف المائي الذي يخلف أراضي صخرية أو تربة ميتة، والانجراف الريحي وما يرافقه من انتقال الرمال وزحفها وتساقطها على المناطق الزراعية والسكنية، وفقد العناصر الغذائية وانخفاض القدرة الانتاجية بسبب التكثيف الزراعي وعدم التزام الأساليب الزراعية السليمة، وتلوث المياه والتربة بسبب الاستخدام غير الرشيد للأسمدة والمبيدات الكيميائية أو قرب المنشآت الصناعية من الحقول، والتملح في المناطق المروية، واستنزاف المياه الجوفية بحيث يصبح الاستهلاك أكثر من التغذية.
ولا يزال الرعي الجائر ينهش الغطاء النباتي الضحل. وتستزرع مساحات واسعة من المناطق الهامشية مما يسبب تدهورها والقضاء على نباتاتها الطبيعية. وتقطع الغابات وتحرق وتستغل أراضيها في الزراعة. وتجرف الاراضي المنتجة ويتم تبويرها لأهداف التوسع العمراني.
الزحف السريع
أظهرت دراسات حديثة في جنوب تونس غطت 105آلاف كيلومتر مربع أن 12,500كيلومتر مربع من هذه المساحة قد تصحرت وأصبحت جدباء في أقل من عشر سنين. وسجل 1266حريقاً في الغابات بين 1965و1985دمرت 21,208هكتارات، منها 6026هكتاراً من غابات الصنوبر الحلبي والسنديان وسهوب الحلفاء، فتعرضت للانجراف المطري والريحي انتهاء بالتصحر. وتقلصت رقعة الغابات الطبيعية من 200ألف هكتار عام 1985الى 120ألف هكتاراً عام 1994. ويؤثر التصحر على 64في المئة من مساحة البلاد.
وفي ليبيا، قدرت منظمة الأغذية والزراعة عام 1992انجراف التربة بفعل الرياح بمساحة 23,722هكتاراً، وبفعل الأمطار بمساحة 1264هكتاراً. وهذه الأرقام كبيرة قياساً على مساحة الاراضي الزراعية المحدودة جداً.
وفي مصر، قدرت المساحة الكلية للأراضي الزراعية التي تهدر بسبب التوغل الحضري على ضفتي نهر النيل بما بين 8,4و21ألف هكتار سنوياً بين 1977و1997، كما قدرت المساحات التي تم تبويرها تمهيداً لتحويلها الى أراض للبناء، أو جرفها لبيعها الى مصانع الطوب، بنحو 42ألف هكتار خلال السنوات القليلة الماضية.
ورافق توسع الزراعة على حساب المناطق الرعوية في منطقتي درفور وكردفان في السودان انخفاض كبير في المردود الزراعي وصل الى 75في المئة خلال فترة لم تتجاوز 13عاماً.
وفي مشروع الري في وادي الأردن، أصيب 12في المئة من مساحة المشروع بالتملح في أقل من عشر سنوات بعد بداية المشروع عام 1960بسبب سوء الري والصرف. ويتملح واحد في المئة سنوياً من مساحة الاراضي المروية في العراق ويصبح خارج الانتاج الزراعي بسبب سوء الري والصرف. وفي سورية، تملحت مساحات كبيرة تصل الى 45في المئة من الاراضي المروية. وفي مشروع ري المصاطب العليا للفرات، تجاوزت الملوحة الحدود القصوى في 24في المئة من مساحة المشروع، بسبب عدم كفاية شبكة الصرف وادخال زراعة الأرز، اضافة الى تكوين مستنقعات في المناطق المنخفضة المجاورة للمشروع ساهمت في انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه مثل الملاريا والليشمانيا والبلهارسيا. وفي قطر، أشارت دراسات عام 1986الى أن نحو 30في المئة من المزارع تدهورت تماماً بفعل تملح التربة. ونتيجة تحليل الصور الجوية لمدة 13سنة في منطقة أم سعيد، تبين أن الكثبان الرملية تتحرك مسافة ثمانية أمتار في السنة.
وفي البحرين، أدى التصحر الى تناقص مساحة الاراضي الزراعية الكلية من 2063هكتاراً عام 1966الى 4020هكتاراً عام 1988، وقد أضاعت البحرين من أراضيها الزراعية الجيدة منذ العام 1976أكثر من ألفي هكتار باستعمالها للسكن والصناعة والاستخدامات العامة، علما أنه كان بالامكان تنفيذ هذه المشاريع على أراض غير ملائمة للزراعة.
وفي المغرب، أدى زحف الرمال بسبب التصحر الى طمر عشرات الخزانات الصغيرة ومئات قنوات الري بعد 15سنة من استعمالها في منطقة ورزازات. وتعرض 8000هكتار للتغطية بالرمال خلال هذه الفترة.
في دراسة لمعوقات زيادة الانتاج الزراعي في مصر، تبين أن أكثر من 90في المئة من الاراضي المروية يتواصل تدهورها بسبب ارتفاع مستوى الماء الأرضي، وأن حجم الخسائر الاقتصادية نتيجة تدهور التربة يعادل الانتاج الزراعي الكامل لمساحة مليون هكتار، أي نحو 20في المئة من الناتج القومي الاجمالي.
وفي لبنان، تقدر مساحة الاراضي المتدهورة بحوالى 1260هكتاراً من الاراضي الزراعية، و2240هكتاراً من الاراضي الرعوية، وعشرة آلاف هكتار من الغابات. وفي المملكة العربية السعودية، تتدهور المراعي الطبيعية بسبب الجفاف والاحتطاب والرعي الجائرين. وقد اصبحت المراعي الفقيرة تشكل 80في المئة من المساحة الرعوية. وفي الكويت، يعتبر زحف الرمال وانجراف التربة أبرز مظاهر التصحر. وتترسب الرمال المنسوفة حول المنشآت العمرانية وتتكدس على الطرقات وتغطي الاراضي الزراعية والمناطق الرعوية. وحصل النقص في مساحة الاراضي الزراعية في البحرين بشكل رئيسي منذ السبعينات، نتيجة اقامة المجمعات السكنية المتفرقة والزحف الأفقي للمناطق السكنية القائمة.
أسباب التصحر في المنطقة العربية
تتشابه الأسباب الرئيسية التي أدت ولا تزال تؤدي الى تصحر الاراضي في المنطقة العربية. ويعتبر طول فترة الجفاف سبباً رئيسياً. وقد تفاقمت ظاهرة التصحر في موريتانيا بعد الجفاف الكبير الذي أصاب ساحل الرمال جنوب الصحراء الكبرى بين موريتانيا والسودان. وأدى ذلك الى تراجع خطوط تساوي الأمطار في اتجاه الجنوب، حيث لوحظ عام 1972انتقال خط الأمطار حوالى 400كيلومتر جنوباً، مما أثر على ربع مليون كيلومتر مربع من الاراضي الزراعية والرعوية.
وازدياد المساحات المزروعة على حساب المراعي الطبيعية سبب آخر للتصحر، لاسيما في المناطق التي تقل أمطارها عن 200 - 250مليمتراً في السنة. وعلى سبيل المثال، ازدادت المساحة المزروعة بعلاً في البادية السورية من 36ألف هكتار عام 1982الى 218ألف هكتار عام 1985لتصل الى 552ألف هكتار عام 1990. وهي لا تزال في ارتفاع على رغم عدم ملاءمة المنطقة لهذا النوع من الاستثمار. ويعتبر هذا من أهم أسباب التصحر في البادية السورية. وفي تونس، تقلصت المساحة المكسوة بالحلفاء حوالى 180ألف هكتار خلال الفترة 1950 - 1995، لمصلحة زراعة الحبوب ذات الانتاجية المنخفضة، مما ساعد على التدهور السريع لهذه المناطق. وقد دلت الدراسات في جنوب تونس على أن زوال الأنواع الخشبية مسؤول عن تصحر 0,3في المئة من المناطق الرعوية كل سنة.
ويستمر الرعي الجائر الذي يفوق طاقة تحمل المراعي، مما يؤدي الى تدهور الغطاء النباتي والتربة معاً. وعلى سبيل المثال، ارتفعت أعداد الماشية في تونس خلال الفترة 1970 - 1995من أربعة ملايين رأس الى سبعة ملايين في المناطق الرعوية الطبيعية، وكان ذلك من أهم أسباب تصحر هذه المناطق.
وتسبب القطع الجائر لأشجار الغابات والرعي المفرط والحرائق المتكررة في تصحر المناطق الحرجية. وهذا ما حدث في جبال عبد العزيز وتدمر في سورية وسلسلة جبال لبنان الشرقية وجبال اليمن وجبال الأطلس والجبل الأخضر في المغرب. ففي المشرق العربي، بدأ قطع غابات البطم الأطلسي واللزاب منذ عهد البابليين، واستمر خلال الحضارات المختلفة التي تعاقبت على المنطقة. الا ان الاستثمار الجائر وإزالة الغابات تفاقما بعد الحرب العالمية الأولى، وكان من نتائجهما المباشرة التصحر المتسارع الملاحظ، إذ لم يبق من هذه الغابات إلا بقع متناثرة. وفي اليمن، زال القسم الأكبر من غابات العرعر والأكاسيا التي كانت تغطي الجبال حتى عهد قريب، وكان ذلك من أهم أسباب انجراف التربة وتشكل السيول وتدهور الاراضي وتصحرها. وفي تونس، تقلصت مساحات الغابات بحدود 6000هكتار سنوياً منذ العام 1950بسبب الضغط المتزايد عليها وتحويلها الى أراض زراعية.
وفي مناطق الزراعة المطرية أو الجافة أو البعلية، يؤدي ازدياد الزراعات الأحادية المحصول الى تدهور الترب وتعريضها للانجراف الريحي في السهول وللانجراف المطري على المنحدرات. ومن أسباب التصحر في هذه المناطق أيضاً عدم اتباع تقنيات سليمة في إعداد الاراضي للزراعة وفي التسميد وحماية التربة من الانجراف.
وقد يكون أهم أسباب التصحر في مشاريع التنمية الريفية في البلدان العربية ري أراض لا تصلح أصلاً للانتاج الزراعي المروي، كأن تكون عالية الملوحة وجبسية وضعيفة النفوذية. فاستصلاح هذه الاراضي وريها وحمايتها من التملح عملية مكلفة وتحتاج الى ادارة متكاملة للتربة والمياه، مع ضرورة تأهيل الفلاحين لهذه الزراعات. وهذا لم يكن متوافراً في بداية مشاريع الري الكبرى في الستينات.
الأصفر يجتاح الأخضر
تدهورت الغابات والمراعي الطبيعية في المنطقة العربية تحت تأثير سوء الادارة والاستثمار الجائر، وفي الحالات القصوى زال الغطاء النباتي. وهكذا تقلصت، أو اندثرت، غابات البطم الأطلسي في جبال البادية السورية وسلسلة جبال لبنان الشرقية ومنطقة البروج في المغرب، وغابات اللزاب في منطقة القلمون في سورية، وغابات السرو في الأردن، وغابات الغاف والأكاسيا في مناطق الشتاء الحار في المملكة العربية السعودية. وتدهورت غابات العرعر الفينيقي والصنوبر الحلبي وتحولت الى بطحاء أساسها الشيح في منطقة النجد من شمال أفريقيا تحت تأثير الرعي الجائر والحرائق.
ورافق تدهور الغطاء النباتي الطبيعي تدهور مواز للتربة تعرضت بسببه للانجراف الريحي والمطري. وفي الاراضي الرملية ظهر تدهور التربة بتحرك الرمال التي شكلت كثباناً غزت القرى والاراضي الزراعية والمنشآت العامة. وهذه الظاهرة أصبحت مألوفة في العديد من الدول العربية، مثل اليمن والامارات العربية المتحدة والسودان والمملكة العربية السعودية وسورية والمغرب وتونس وليبيا. وقد أدى زوال الغطاء النباتي في سهول تهامة في اليمن الى تشكل الكثبان الرملية وزحفها في اتجاه القرى والطرقات والاراضي المزروعة بحيث أصبحت مشكلة كبيرة تعيق التنمية. وقدرت كمية التربة المنجرفة بالرياح في سهول حلب بحدود 17 - 30طناً في الهكتار سنوياً. وفي البادية السورية، يتأثر 25في المئة من مجموع الاراضي بالانجراف الريحي.
وأدى تدهور الغطاء الرعوي في مناطق البادية الجافة الى جرف الطبقة السطحية الناعمة على مساحات واسعة. وأسفر ذلك عن تشكل زوابع ترابية تنتقل احياناً مسافات بعيدة وتسبب ازعاجاً للسكان وأمراضاً في الجهاز التنفسي. وقد لوحظ ازدياد عدد هذه الزوابع وشدتها في العقود الأخيرة، مرافقة التدهور الشديد لمناطق المراعي.
وعلى المنحدرات، نشط الانجراف المطري وأدى الى ضياع كميات هائلة من التربة وحدوث سيول مدمرة. وقد بينت الدراسات أن كمية التربة التي يمكن أن تنجرف في مثل هذه الظروف تراوح بين 10أطنان و70طناً في الهكتار، كما هي الحال في جبال البادية السورية وجبال اليمن وجبال لبنان وجبال الأطلس في شمال أفريقيا. وسجل في منحدرات البادية الشمالية في الأردن انجراف للتربة بحدود 200طن في الهكتار.
ويلاحظ في مشاريع الري الكبرى، كما في وادي الفرات ووادي النيل، ارتفاع في مستوى الماء الأرضي، مما يؤدي الى غدق التربة وتحولها أحياناً الى مستنقعات. ولوحظ أن هذا المستوى يرتفع سنوياً بحدود مترين الى ثلاثة أمتار في مشروع ري النوبرية في مصر و1,5متر الى ثلاثة أمتار في مشروع بني أمير في المغرب.
وقد انخفضت انتاجية الاراضي المتصحرة، وانعكس ذلك على حياة المجتمعات التي تعتمد على استغلال هذه الاراضي. فهبطت انتاجية المراعي المتدهورة في قطر من 700كيلوغرام في الهكتار سنوياً عام 1984الى 108كيلوغرامات عام 1994، وفي الجزائر، انخفضت انتاجية المراعي بحدة في منطقة حضنة. وفي مصر، انخفض الانتاج الزراعي في الاراضي المروية المتأثرة بالملوحة والقلوية بحدود 25في المئة. وفي قطر، انخفض الانتاج الزراعي نتيجة تملح الاراضي المروية 25في المئة. وفي السودان، انخفض انتاج الصمغ العربي انخفاضاً شديداً نتيجة تدهور غابات السنط السنغالي.
وانعكس تدهور الغطاء النباتي مباشرة على التنوع الأحيائي النباتي والحيواني، وأدى في الحالات القصوى الى انقراض العديد من الأنواع النباتية والحيوانية وأنماطها البيئية. فضاعت الموارد الوراثية للمناطق المتدهورة، وخاصة الأنواع النباتية البرية التي تحدرت منها الأنواع المزروعة كالقمح والشعير وغيرها من المحاصيل الغذائية.
شح المياه
شهدت المنطقة استغلالاً جائراً للمياه عن طريق حفر الآبار بشكل عشوائي، من غير موازنة الماء المستغل بامكان تجدده بواسطة مياه الأمطار. فكانت النتيجة انخفاض منسوب المياه الى أعماق كبيرة، كما في المملكة العربية السعودية وسورية والامارات العربية المتحدة. وينخفض مستوى الماء الأرضي في حلب وضواحيها بحدود متر واحد في السنة. وقد أدى الاستهلاك الكبير للمياه الجوفية في الامارات الى انخفاض مستوى الآبار أكثر من 200متر خلال السنوات الماضية، بعد أن كانت على عمق 60متراً، كما حصل في فلج المعلا ورأس الخيمة والمزيرعة. وفي قطر، تناقص المخزون الجوفي للمياه بنسبة 25في المئة في فترة 12سنة من الدراسة. وقد تم سحب 654مليون متر مكعب سنوياً من هذا المخزون في مقابل تغذية لا تزيد على55 مليون متر مكعب سنوياً. وسيؤدي الاستغلال الجائر للمياه الجوفية "القديمة" في مشاريع الري الكبرى، كما في المملكة العربية السعودية وليبيا، الى الاستنزاف السريع لهذه المياه بدلاً من استخدامها بحذر وتركها مدخرات احتياطية للمستقبل.
ومن أعراض التصحر زيادة ملوحة المياه الجوفية الى درجة تجعلها غير ملائمة حتى للري، كما في منطقة فلج المعلا ورأس الخيمة في الامارات، ومزارع الدولة في قطر، وسهل الباطنة في سلطنة عمان، وحوض الدمام في البحرين. ولم تعد هذه الاراضي من المناطق الزراعية المنتجة، فهجرها المزارعون. ثم ان المياه الجوفية العذبة آخذة بالتملح نتيجة الاستخراج المفرط في العديد من المناطق الساحلية البحرية مما أدى الى اختلاطها بمياه البحر. وهذا ما حصل في كثير من دول الخليج العربي.
وقد استخدمت في البلدان العربية تقنيات متعددة لمكافحة التصحر. كما تم استصدار تشريعات ووضعت خطط بهذا الخصوص. إلا أن القوانين لم تنفذ بشكل سليم، كما أن تطبيق الخطط ما زال متعثراً. والحقيقة أن الوسائل التقنية مهما تعددت لا تكفي وحدها لمكافحة التصحر. فلا بد من أخذ العوامل الاجتماعية والقانونية والتنظيمية في الحسبان. وعلى رغم أن المياه والتربة وغيرهما من الموارد الطبيعية المتجددة هي العوامل الطبيعية المتحكمة في عملية التصحر، إلا أن النظم الاجتماعية والسياسية، المتصلة بصنع القرارات وتنفيذ الخطط، وعدم توفر مصادر التمويل المتاحة، تشكل عوائق ضخمة لعمليات التنمية الريفية التي ترتبط بها مكافحة التصحر وإعادة تأهيل الاراضي المتصحرة. وهذا ما يفسر فشل كثير من مشاريع مكافحة التصحر في المنطقة.
ان خطة مكافحة التصحر يجب أن تهتم بشكل أساسي بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعترض الادارة الراشدة للموارد الطبيعية. وهذا يتطلب من الدول العربية وضع استراتيجية وطنية لمكافحة التصحر تأخذ في الحسبان ربط المحافظة على البيئة بالتنمية الشاملة والمستديمة.