Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
عصام الحناوي خيارات لسنة 2020  
تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 / عدد 44
 
95% من أرض مصر صحراوية. سكانها نحو 67 مليون نسمة، يعيش 98% منهم في نطاق وادي النيل والدلتا. مياهها العذبة تعتمد بشكل رئيسي على حصتها من النيل. وقد أدى التوسع الصناعي غير المنضبط وازدياد عدد المركبات إلى استفحال تلوث الهواء. ويستقبل نهر النيل سنوياً أكثر من 8000 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي. وتتلوث المناطق الساحلية من عمليات النقل البحري وإنتاج البترول والغاز الطبيعي وصرف المخلفات غير المعالجة. وتتعرض الأراضي الزراعية للتدهور والتصحر، ولا سيما نتيجة تملح التربة وتشبعها بالمياه وزحف الرمال.
 
كيف يمكن أن تكون بيئة مصر سنة 2020؟ لاستطلاع هذا المستقبل ركز الدكتور عصام الحناوي على مؤشرات ومتغيرات رئيسية أهمها: النمو السكاني، توزع السكان وكثافتهم، نمويى الناتج المحلي الإجمالي ومكوناته، الاتجاهات المتوقعة للاقتصاد، التكنولوجيات المتوقع استخدامها في القطاعات المختلفة، التغيرات في أنماط الاستهلاك، سياسات التحكم في التلوث، اجراءات إعادة تأهيل النظم البيئية التي تدهورت، وحجم الاستثمارات العامة والخاصة المتوقعة في مجالات حماية البيئة. وكان استشراف البيئة المصرية في خمسة سيناريوهات محتملة لنظام الحكم سنة 2020، إن كان مرجعياً أو اسلامياً أو رأسمالياً أو اشتراكياً أو شعبياً.
 
 
عصام الحناوي
 
تشكل الموارد الطبيعية "رأس المال" الذي تعتمد عليه عمليات التنمية. ومصر دولة نامية محدودة الموارد، يبلغ عدد سكانها نحو 67 مليون نسمة، يعيش منهم نحو 43% في المناطق الحضرية. وتبلغ مساحة الأرض في مصر نحو 988 ألف كيلومتر مربع (250 مليون فدان)، يزرع منها نحو 3%، وتشغل المرافق والمباني والطرق نحو 0,4%، وتغطي الأشجار والأحراج والنباتات البرية حوالى 1,6%، أما المساحة المتبقية (حوالى 95%) فهي أراض صحراوية جرداء. ويعيش نحو 98% من سكان مصر داخل النطاق الضيق لوادي النيل وفي الدلتا، علماً أن المساحة المأهولة لا تتعدى 6,5% من إجمالي مساحة اليابسة. ويبلغ متوسط الكثافة السكانية حوالى 950 فرداً في الكيلومتر المربع من المساحة المأهولة، وهي تختلف من محافظة إلى أخرى وتبلغ أقصاها في محافظة القاهرة حيث تصل الى حوالى 27000 فرد في الكيلومتر المربع.
 
وبالرغم من زيادة مساحة الأرض الزراعية من 5,7 مليون فدان في عام 1970 الى نحو 7,7 مليون فدان عام 1999، تناقص خلال تلك الفترة متوسط ما يخص الفرد من الرقعة الزراعية من حوالى 0,18 فدان إلى 0,12 فدان نتيجة الزيادة السكانية الكبيرة وفقد مساحات من الأراضي الزراعية لأغراض أخرى كالمباني والطرق والمصانع. وتقدر مساحة الأرض الزراعية التي تفقد منذ عام 1990 بنحو 25 ألف فدان سنوياً.
 
اما مصادر المياه فتتكون أساساً من حصة مصر من مياه النيل التي تبلغ نحو 55,5 بليون متر مكعب سنوياً. وهناك كميات محدودة من المياه الجوفية المتجددة في وادي النيل والدلتا والساحل الشمالي الغربي (يمكن سحب نحو 3 بلايين متر مكعب سنوياً منها)، ومن المياه الجوفية غير المتجددة في الصحراء الغربية وسيناء (يقدر أقصى سحب آمن منها بحوالى 4,9 بليون متر مكعب سنوياً). وبذلك تكون أقصى كمية من المياه التي يمكن سحبها من المصادر الطبيعية نحو 64 بليون متر مكعب سنوياً. وفي العام 1996 تم سحب نحو 60 بليون متر مكعب من المياه من هذه المصادر، استخدم منها نحو83% للري و10% للصناعة و6% للأغراض المنزلية والتجارية و1% لاستخدمات أخرى. وبذلك كان نصيب الفرد من المياه المسحوبة حوالى 979 متراً مكعباً في السنة، أي أقل من مؤشر الضغط المائي وقيمته 1000 متر مكعب للفرد في السنة. ومعنى هذا أن مصر بدأت تعاني من نقص في مواردها المائية.
 
وبالنسبة إلى مصادر الطاقة التجارية، بلغ الإحتياطي المؤكد من النفط عام 1998 نحو 3 بلايين برميل (نحو 410 ملايين طن)، والاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي 892 بليون متر مكعب (نحو 743 مليون طن نفط مكافئ)، يخص مصر منها نحو 65% طبقاً للإتفاقيات الموقعة مع الشريك الأجنبي الذي يبلغ نصيبه من الإنتاج الكلي نحو الثلث في المتوسط على مدى عمر الحقل أو مدة العقد التي تمتد عادة إلى 53 سنة. وكان انتاج النفط منذ 1990 في حدود 41-43 مليون طن سنوياً. ويرجع ثبات هذه الكمية الى زيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي واحلاله محل البترول كلما أمكن ذلك. وتوضح بيانات البنك الدولي أن استخدام الفرد من الطاقة التجارية في مصر ارتفع من نحو 390 كيلوغرام نفط مكافئ عام 1980 إلى 638 كيلوغراماً في 1996. وبالرغم من الجهود الرامية إلى ترشيد استخدام الطاقة ورفع كفاءة إنتاجها واستخدامها، انخفضت نسبة الناتج المحلي الإجمالي لكل كيلوغرام نفط مكافئ من 1,8 دولار عام 1980 إلى 1,6 دولار عام 1996 (بدولار 1995). وتعتبر كفاءة استخدام الطاقة التجارية في مصر منخفضة إلى درجة كبيرة بالمقارنة مع دول المجموعة الأوروبية، حيث بلغت نسبة الناتج المحلي الإجمالي لكل كيلوغرام نفط مكافئ نحو 6,3 دولار. ويستخدم نحو 50% من الطاقة التجارية في الصناعة و18% في المنازل والمحال التجارية و29% في النقل و1% في الزراعة و2% في أغراض أخرى.
 
تعثّر العمل البيئي في مصر
تمثل الأوضاع الحالية للبيئة في مصر القاعدة التي تم منها درس سيناريوهات المستقبل. وهي تعتبر في الوقت الراهن متدهورة لدرجة كبيرة، نتيجة تراكم المشكلات البيئية وعدم التعامل معها بالاسلوب العلمي الذي يقتلع المشاكل من جذورها، والاكتفاء ببعض الحلول الموقتة والمسكنات من حين الى آخر.
 
ورغم ازدياد الوعي العام لمشكلات البيئة منذ مؤتمر استوكهولم عام 1972 الا أن العمل البيئي في مصر متعثر جداً لعدة أسباب، أهمها: أولاً، الفرق الكبير بين الخطاب السياسى والتوجهات الرسمية لحل المشكلات البيئية وبين واقع التنفيذ. ثانياً، عدم الجدية في ادماج الاعتبارات البيئية لدى تخطيط المشاريع الانمائية المختلفة، للتعامل مبكراً مع المشكلات البيئية المتوقعة قبل حدوثها واستفحال أمرها، أي عدم اتباع مبدأ "الوقاية خير من العلاج". ثالثاً، في ضوء الانفتاح الاقتصادي، الذي لم تحدد هويته بعد، صاحب السياسات الاقتصادية استثمار يهدف في الغالب الى تحقيق الربح المادي السريع، وفي حالات نادرة الى المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة. وأصبحت المصلحة الذاتية هي التي تحدد الموقف تجاه القضايا البيئية.
 
ونتج عن ذلك عدم الاهتمام بالكفاءة في ادارة الاقتصاد وفي تخصيص الموارد، مما أدى الى تآكل متزايد في الموارد الطبيعية المحدودة والى تفاقم المشكلات البيئية. رابعاً، عدم الاهتمام بتخصيص الميزانيات اللازمة للتعامل مع المشكلات البيئية، فقد رأى بعض صناع القرار أن حماية البيئة "ترف" وليست "ضرورة"، ورأى البعض الآخر تأجيل التعامل مع المشاكل الى وقت لاحق مما أدى الى تراكمها وتفاقمها، حتى بات حلها أكثر كلفة ومشقة. خامساً، غياب رؤية واضحة لأولويات العمل البيئي في ضوء الموارد البشرية والمالية المحدودة، وعدم دقة ووضوح التشريعات والاجراءات المختلفة لحماية البيئة مع وجود تضارب في بعضها وازدواجية في البعض الآخر، وضعف آليات التطبيق المختلفة. سادساً، تجاهل حقيقة أن المشاكل البيئية ليست فقط فنية تتطلب حلولاً تكنولوجية أو هندسية، انما هي، بالقدر نفسه أو اكثر، مشاكل اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية. فجذور المشاكل البيئية تكمن في خصائص المنظومة الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية. ومن هنا فان الحلول الجذرية تستند الى احداث تغيرات في هذه المنظومة التي تحدد القرارات حول ما الذي ينتج، وكيف ينتج، ومتى ينتج، وأين ينتج، وكيف توزع التكاليف والعوائد، ومن يشارك في اتخاذ القرار ومن لا يشارك. وفي ما يلي أهم معالم حالة البيئة في مصر.
 
تلوث الهواء
ارتفعت أحمال ملوثات الهواء في مصر بدرجة كبيرة خلال ربع القرن الماضي نتيجة ازدياد استخدام الوقود (المنتجات البترولية والغاز الطبيعي) والتوسع في الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة مثل الاسمنت. بالاضافة الى ذلك، ساهمت العوامل التالية في زيادة تلوث الهواء: قدم بعض المصانع وتهالك معداتها، عدم وجود المعدات اللازمة والكفوءة للحد من ملوثات الهواء، ازدياد عدد المركبات من نحو مليون عام 1985 الى ثلاثة ملايين عام 1998 (44% منها في منطقة القاهرة الكبرى)، وضعف تشريعات واجراءات حماية الهواء من التلوث وآليات تنفيذها.
 
ولقد أوضحت القياسات التي أجريت في 16 مدينة مصرية أن تركيزات الملوثات الرئيسية في الهواء في 80% من الحالات تزيد على معايير منظمة الصحة العالمية. ويقدر عدد السكان المعرضين لهذه التركيزات غير الصحية في المناطق الحضرية بنحو 10 ملايين نسمة، نسبة كبيرة منهم في القاهرة الكبرى. وأوضحت إحدى الدراسات المنشورة عام 1999 أن أكثر من نصف سكان القاهرة الكبرى، أي حوالى 6 ملايين نسمة، معرضون لتركيزات من ملوثات الهواء تزيد على معايير منظمة الصحة العالمية، وأن هذا التلوث يتسبب سنوياً في 3400 حالة وفاة مبكرة و15,000حالة إلتهاب شعبي مزمن و8,000,000 نوبة ربو. وقدرت الخسائر الناجمة عن هذا التلوث بنحو 1ـ 2 بليون دولار سنوياً.
 
تلوث المياه
يستقبل نهر النيل سنوياً، بطريقة مباشرة وغير مباشرة عبر الترع والمصارف المتصلة به، نحو 6000 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي تحوي كميات مختلفة من بقايا الأسمدة والمبيدات، ونحو 1700 مليون متر مكعب من مخلفات الصرف الصحي غير المعالجة، ونحو 385 مليون متر مكعب من المخلفات الصناعية السائلة التي يختلف تركيبها وكمياتها من صناعة إلى أخرى. ولقد أوضحت تحاليل مياه النيل أن التلوث الرئيسي في النهر وفروعه هو تلوث ميكروبيولوجي، أي بالبكتيريا والفيروسات المختلفة، نتيجة الصرف الصحي. كذلك أوضحت التحاليل ارتفاع تركيزات الملوثات الكيميائية في النهر قرب نقاط صرف المخلفات السائلة الأخرى التي تسمى أحياناً المناطق الساخنة. من ناحية اخرى، ينتشر تلوث المياه الجوفية خاصة في المناطق المنخفضة والقريبة من المصارف التي تستقبل أحمالاً كبيرة من الصرف الصحي والمخلفات الصناعية. وينتشر أيضاً في بحيرات شمال الدلتا التي تستقبل سنوياً ما يزيد على 16 بليون متر مكعب من الماء المحمل بالمخلفات الزراعية والصناعية ومخلفات الصرف الصحي. وتعتبر بحيرتا المنزلة ومريوط من البحيرات الأكثر تلوثاً. ولقد أدى هذا التلوث إلى تغيرات بيئية في البحيرات، منها تقلص أعداد الطيور التي تتخذ من هذه البحيرات موئلاً دائماً أو موسمياً، وخفض انتاجية الأسماك وزيادة تلوث بعض أنواعها بالملوثات المختلفة مما يحد من تسويقها ويجعل بعضها غير صالح كغذاء، وانقراض بعض الأحياء الدقيقة التي تشكل حلقة هامة في دورة التغذية الطبيعية في النظام الايكولوجي للبحيرات.
 
المناطق الساحلية والبيئة البحرية
تتعرض المناطق الساحلية في مصر للتلوث من عمليات النقل البحري، واستكشاف وإنتاج البترول والغاز الطبيعي في المناطق الساحلية، وصرف المخلفات السائلة (الصرف الصحي ومخلفات المصانع) غير المعالجة من مصادر أرضية، وأعمال الهدم والردم الناجمة عن تشييد القرى السياحية وتهذيب شواطئها، والمخلفات والتسربات من الأعداد المتزايدة من اللنشات والمركبات الترويحية والسياحية المختلفة. فمثلاً، يستقبل الساحل الشمالي من بورسعيد شرقاً إلى الإسكندرية غرباً نحو 650 مليون متر مكعب من الصرف الصحي و500 مليون متر مكعب من مخلفات الصناعة السائلة كل عام. وفي منطقة غرب الاسكندرية وحدها يتم صرف حوالى 2000 مليون متر مكعب من المخلفات سنوياً من مصرف العموم وبحيرة مريوط. وفي شرق الاسكندرية يستقبل خليج أبوقير سنوياً نحو 700 مليون متر مكعب من مخلفات الصناعة من منطقة كفر الدوار الصناعية والطابية في الاسكندرية. كذلك تعاني بعض المناطق الساحلية في البحر الأحمر من أساليب التنمية غير الرشيدة، حيث تتم عمليات تدمير للشعاب المرجانية القريبة من الشواطئ وعمليات ردم بالرمال، وغير ذلك، لتشييد القرى السياحية وإعداد الشواطئ الممهدة لها.
 
تدهور التربة والتصحر
تتعرض الأراضي الزراعية في مصر لأنماط متعددة من التدهور، أهمها زيادة ملوحة التربة والتشبع بالمياه (التطبيل) وزحف الرمال والتلوث الكيميائي والبيولوجي. وترجع عمليات تشبع الأرض بالمياه وزيادة ملوحتها إلى استخدام وسائل الري القديمة وعدم كفاية وكفاءة شبكات الصرف الزراعي. وتشير التقارير المختلفة إلى أن حوالى 35% من الأراضي الزراعية في مصر تعاني من مشكلة زيادة الملوحة. ويقدر أن التشبع بالمياه وزيادة ملوحة التربة يتسببان في خفض إنتاجية الأرض بحوالى 14%، في حين تتسبب العوامل الكيميائية والبيولوجية والطبيعية في خفضها بحوالى 18%، وسوء إدارة الأرض بحوالى 20%.
 
المشكلات البيئية في المناطق الحضرية والريفية
هناك تباين واضح في نوعية الحياة وحالة البيئة بين المناطق الحضرية والريفية وفي داخل كل منها. وأول معالم التباين في المناطق الحضرية هو انتشار ما يعرف بالمناطق الهامشية والعشوائية التي تشترك في عدة صفات، أهمها: الكثافة السكانية العالية والمكدسة في منازل دون المستوى اللائق، النقص في مياه الشرب وفي الصرف الصحي، النقص في الطرق الممهدة، نقص عمليات جمع القمامة كلياً أو لدرجة كبيرة، نقص الخدمات العامة وخاصة الطبية والتعليمية الأساسية، وانتشار البطالة والأمية. وتقدر نسبة السكان الذين يعيشون في مناطق عشوائية في منطقة القاهرة الكبرى بنحو 34%، وفي محافظة الاسكندرية بنحو 40%. وتعاني المناطق الحضرية من مشكلات بيئية متشعبة مثل تلوث الهواء والضوضاء واختناقات المرور والنقص في امدادات المياه والصرف الصحي، خاصة في المناطق العشوائية، وسوء التخطيط العمراني الذي يتمثل في البنايات المخالفة للقانون وتحويل عمارات سكنية أو أجزاء منها الى متاجر ومكاتب مما حول المناطق السكنية الهادئة الى أسواق، وسوء ادارة المخلفات البلدية الصلبة (القمامة) التي تقدر كمياتها بما يقرب من 24290 طناً في اليوم (أو 8,9 مليون طن سنوياً) مما أدى إلى تكدس المخلفات في الشوارع والمساحات الخالية خاصة في الأحياء المتوسطة الدخل والفقيرة التي لا تتعدى نسبة جمع القمامة منها 20%.
 
أما في المناطق الريفية فالأوضاع البيئية أكثر تدهوراً، خاصة مع تدني التنمية البشرية ونوعية الحياة. فالأرياف تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل امدادات مياه الشرب والصرف الصحي. فمياه الشرب، مثلاً، تصل الى مساكن نحو 58% فقط من السكان. وتقدر نسبة السكان المتصلة منازلهم بشبكات الصرف الصحي بنحو 17% فقط. وخلال ربع القرن الأخير أصيبت القرية المصرية بعقدة "محاكاة أهل الحضر"، وتحولت تدريجياً من قرية منتجة إلى قرية مستهلكة، وترتب على ذلك تفاقم المشاكل البيئية فيها، فأهمل الصون التقليدي للأرض الزراعية مما ساعد على تدهور انتاجيتها، وتحول بعض الزرّاع عن زراعة المحاصيل الأساسية الى المحاصيل الاستهلاكية، وبدأت تظهر مشاكل تلوث الهواء وادارة المخلفات المنزلية الصلبة التي تقدر كميتها حالياً بنحو 3,9 مليون طن سنوياً يتم التخلص منها باحراقها أو القائها في المصارف الزراعية والترع المجاورة.
 
سيناريوهات المستقبل
تم توصيف مستقبل حالة البيئة في مصر طبقاً لخمسة سيناريوهات اقترحها وتبناها مشروع "مصر - 2020". وهذه السيناريوهات هي:
1. السيناريو المرجعي (Business-as-usual): هذا السيناريو هو امتداد للخطوط العامة للوضع القائم من دون تغيرات كبيرة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ومن أهم معالم هذا السيناريو: زيادة معدلات الخصخصة والاعتماد بدرجة كبيرة على القطاع الخاص وآليات السوق لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي، تركيز الدولة على تنمية البنية التحتية والخدمات الاجتماعية بقدر محدود من الاستثمارات، استمرار تركيز استثمارات القطاع الخاص في المباني الاستثمارية (القرى السياحية والسكنية) والخدمات التي تتطلبها الشرائح المرتفعة الدخل، وفي تصنيع المنتجات الإستهلاكية خاصة للسوق المحلية، الاعتماد المتزايد على نقل التكنولوجيا، اتجاه المجتمع نحو مزيد من الاستهلاك، وما يترتب على ذلك من زيادة معدلات استخدام الموارد الطبيعية المحدودة وتوليد النفايات.
 
2. سيناريو الدولة الإسلامية: منطلق هذا السيناريو شعار "الاسلام هو الحل". ومن أهم معالمه رفض الحضارة والأساليب الغربية، عدم الاندماج في العولمة، عدم تبني سياسة للحد من النمو السكاني، الدعوة إلى مراعاة العدالة الاجتماعية من خلال إعطاء أولوية خاصة لإشباع الحاجات الأساسية، بذل جهد كبير في استخلاص دروس من التراث ومن الممارسات الإسلامية لتوجيه البحث العلمي والتطوير إلى مجالات مشجعة على الاقتصاد في استخدام الموارد الطبيعية والعناية بالبيئة وحفظ حق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية، عدم إتاحة مجال واسع للمشاركة الشعبية، ظهور عدد من المشروعات الصغيرة التي قد تشكل نواة قطاع أعمال بيئي ناجح.
 
3. سيناريو الرأسمالية الجديدة: يعتمد هذا السيناريو على التفاعل الايجابي مع العولمة وخوض غمار المنافسة واقتحام الأسواق الخارجية والتقدم الاقتصادي. وأهم معالمه: ضرورة السير في تيار العولمة، إحداث طفرة كبيرة في قطاع البحث العلمي والتكنولوجيا ونقل واستيعاب وتطويع التكنولوجيا الوافدة، تبني برنامج لخفض معدل النمو السكاني. تتولى الدولة في هذا السيناريو مشروعات البنية الأساسية وتلك ذات الطابع الاستراتيجي وغيرها مما يعتقد أن القطاع الخاص غير قادر على إقامته، أو مما ترى أن اعتبارات الأمن القومي تحبذ وجوده في يد الدولة. ولا تلقى قضية الفقر وعدالة التوزيع اهتماماً يذكر في بداية هذا السيناريو، ولا يتوقع أن يقدم الكثير في مجال تأصيل مفهوم التنمية المستدامة. وسوف تنشط المحليات ويزداد دورها في إدارة وحماية البيئة، ويتوقع أن يتبلور قطاع أعمال بيئي كمجال جيد للاستثمار وكأساس للمساعدة في إيجاد مزايا تنافسية لبعض المنتجات المصرية. قد يتضمن هذا السيناريو منهجاً مختلفاً في تعريف بعض الموارد وتحديد اقتصادياتها، ولا يستبعد اللجوء إلى تسعير بعضها، مثل المياه، لترشيد استخدامها.
 
4. سيناريو الاشتراكية الجديدة: يعتمد هذا السيناريو على التغيرات التي حدثت في مفهوم الاشتراكية، ويرى أن اعادة توزيع الثروة والدخل وتذويب الفوارق بين الطبقات ضروريان لتعظيم الفائض الاقتصادي المطلوب للتنمية من جهة، ولتحقيق العدل الاجتماعي اللازم لحشد طاقات الجماهير من أجل التنمية من جهة اخرى. ومن أهم معالم هذا السيناريو: يقع على الدولة العبء الأكبر في رعاية وتنظيم وتمويل النهضة العلمية والتكنولوجية ووضع الضوابط على نقل التكنولوجيا، تركيز السياسات السكانية على إعادة توزيع السكان جغرافياً، رفض الانصياع للعولمة ومن ثم رفض الانفتاح غير المتكافئ على الأسواق الخارجية ورفض تحرير الاقتصاد وإطلاق قوى السوق، القضاء على الفقر، الحرص على تعظيم الموارد المتاحة للتنمية وتوجيه جهود كبيرة لتفادي هدر وضياع الموارد الطبيعية، تشجيع المشروعات الصغيرة على الدخول في مجال البيئة وتكوين قطاع أعمال بيئي يساند جهود الدولة في الحفاظ على البيئة. وقد يترتب على الأولوية المعطاة لإشباع الحاجات الأساسية والقضاء العاجل على الفقر وتعميق التصنيع التغاضي عن بعض الهموم البيئية بعض الوقت.
 
5. السيناريو الشعبي (التآزر الإجتماعي): يدور هذا السيناريو حول فكرة تحالف السواد الأعظم للأمة حول حل وسط على مستوى الأهداف والوسائل. وأهم معالمه: دمج البعدين الاقتصادي والاجتماعي، الاعتماد على التمثيل الشعبي والمشاركة الشعبية الواسعة لكل الطبقات والفئات والقطاعات في الأجهزة التشريعية والتنفيذية وأجهزة الحكم المحلي، اهتمام أكبر بترشيد عمليات نقل التكنولوجيا، وبخاصة مراعاة اعتبارات زيادة فرص العمل وتخفيض استهلاك الطاقة، الحد من معدل النمو السكاني، التحفظ على الانفتاح وحرية السوق، ومن ثم إبطاء حركة الاقتصاد المصري نحو التحرير وفتح الأسواق والارتباط بالشركات المتعددة الجنسيات، التركيز على تحقيق أكبر قدر ممكن من الاعتماد على الذات، وضع سياسات وبرامج للحد من الاستهلاك تنطوي على الاعتدال لا على التقشف، الحد من قيام صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، الاهتمام بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وإشباع الحاجات الأساسية ومكافحة الفقر، احتمال أن يؤدي مجال الحركة المتاح للمحليات والجماعات الأهلية إلى اتجاه الحفاظ على البيئة وتشجيع جهود تدوير بعض المواد. ولكن في الوقت نفسه، قد يتم التغاضي عن بعض الهموم البيئية أو زيادة بعضها أثناء السعي لإشباع الحاجات الأساسية وتسريع وتيرة التصنيع.
 
ويوضح الجدولان في الصفحتين 20 و21 التوقعات بالنسبة للعوامل المؤثرة في حالة البيئة المصرية بحلول 2020 ومؤشرات حالة البيئة في السنة نفسها. ويتضح أن لكل من السيناريوهات الخمسة جوانب ايجابية واخرى سلبية، ومن الصعب تفضيل سيناريو على آخر من الناحية البيئية. ويؤخذ على كل السيناريوهات أنها لم تدخل العوامل البيئية بصورة واضحة مقننة ومتعمقة في سياساتها الإنمائية. ومن هنا يتضح أنه، في جميع السيناريوهات، ستسوء حالة البيئة في مصر، ولكن بدرجات متفاوتة، بالرغم من البرامج المتواضعة التي ستنفذ في كل سيناريو لمحاولة حل المشكلات البيئية. ففي جميع السيناريوهات سيكون التركيز على مشكلات النمو الاقتصادي أولاً، ثم تأتي المشكلات الاجتماعية في المرتبة الثانية والمشكلات الأخرى، بما فيها البيئية، في مؤخرة الأولويات.
 
آمال مستقبل أفضل
السبيل الوحيد لتحسين الأوضاع البيئية هو وجود اقتناع كامل لدى القيادات المختلفة، قولاً وفعلاً، وبغض النظر عن مسميات السيناريوهات، بضرورة العمل على:
- إدخال البعد البيئي في سياسات وخطط التنمية، بحيث تتم عمليات تقييم بيئي جادة لكافة المشاريع الانمائية للتعرف على آثارها البيئية المحتملة ووضع الخطط والاجراءات المناسبة للتعامل معها في وقت مبكر عملاً بفلسفة "الوقاية خير من العلاج".
- الحد من التلوث والتدهور البيئي وإعادة تأهيل النظم البيئية التي أصابها التدهور طبقاً لبرنامج زمني محدد.
- اعتبار أن الإنفاق على حماية البيئة هو بالدرجة الأولى مسؤولية الدولة، وأنه "استثمار" له عائد نجنيه على المدى الطويل، وأنه استثمار لمستقبل الأجيال القادمة.
- ترسيخ الوعي البيئي لدى الجماهير بهدف إحداث تغيرات ملموسة في السلوكيات تهدف إلى ترشيد الاستهلاك بصورة عامة، وإلى الحرص على الملكية العامة وحماية البيئة بصورة خاصة، وتحقيق الإلتزام بالتشريعات البيئية المناسبة.
 
 
 
توشكي: استزراع الصحراء لم يلحظ الآثار البيئية
في تموز (يوليو) 1997 بدأ تنفيذ مشروع توشكي في مصر، الذي يهدف في مرحلته الأولى إلى استزراع نحو 540 ألف فدان في منطقة توشكي بجنوب الصحراء الغربية، لتكوين مجتمع عمراني جديد تتنوع فيه الأنشطة بين زراعية وصناعية وخدمية، في إطار متكامل تتوافر فيه عناصر الجذب السكاني. وقد قدر أن منطقة توشكي سوف تستوعب نحو 3,5 ملايين نسمة حتى سنة 2017.
 
وتبلغ مساحة منطقة المشروع حوالى 6,4 ملايين فدان، منها 4 ملايين فدان (63%) غير صالحة للاستزراع و1,4 مليون فدان (22%) محدودة الصلاحية للاستزراع. وتتكون المساحة الباقية من نحو 540 ألف فدان صالحة للاستزراع، وهي التي سيتم استزراعها في المرحلة الأولى من المشروع، ونحو 400 ألف فدان يمكن استصلاحها في المراحل اللاحقة. وسوف تعتمد الزراعة أساساً على مياه النيل، التي ستضخ من بحيرة ناصر لتتدفق في قناة رئيسية (قناة الشيخ زايد) ويتفرع منها أربعة مخارج. ويبلغ طول قناة الشيخ زايد في المرحلة الأولى 60 كيلومتراً وإجمالي طول القنوات الأربع الفرعية 185 كيلومتراً. وتقدر كمية المياه التي ستضخ في قناة الشيخ زايد بنحو 5,5 بلايين متر مكعب سنوياً.
 
وقدرت تكاليف المرحلة الأولى من مشروع توشكي بنحو 6 بلايين جنيه مصري (الدولار حالياً 4,3 جنيهات)، هي كلفة طلمبات الرفع وإنشاء قناة الشيخ زايد والقنوات الفرعية الأربع، ولا تشمل تكاليف شبكة الري الداخلية وبقية أعمال البنية الأساسية من طرق وكهرباء ومبان وإنشاءات. وقدرت الاستثمارات اللازمة لمشروع توشكي حتى سنة 2017 بنحو 305 بلايين جنيه. ولقد أبدت الشركة السعودية للتنمية الزراعية (كادكو) رغبتها في استغلال نحو 430 ألف فدان (100 ألف لزراعة محاصيل تصدير والبقية لانشاء الخدمات والصناعات الزراعية المتصلة بذلك)، كما تقوم شركة كويتية بدراسة استغلال 250 ألف فدان سيتم استزراع 100 ألف فدان منها بمحاصيل تصدير أيضاً.
 
ونظراً لأن منطقة توشكي صحراوية شديدة الجفاف والحرارة، فان نظامها البيئي معقد وهش للغاية. وستكون للمشروع آثار بيئية متنوعة، بعضها إيجابي والآخر سلبي. ولم تجر دراسة مفصلة لتقييم الأثر البيئي لمشروع توشكي، وهذه مخالفة لنصوص القانون رقم 4 لسنة 1994 الذي يقضي بضرورة إعداد تقييم بيئي للمشروعات قبل الترخيص بإنشائها. ومن العوامل المهمة التي ستؤثر في استمرارية التنمية الزراعية في المنطقة ارتفاع معدلات البخر التي تصل إلى 21 ـ 26 ملم/يوم، وارتفاع معدلات الاستهلاك المائي (النتح والبخر) إلى قرابة 2390 ملم/سنة، مقارنة بنحو 1590 ملم/سنة في منطقة الجيزة. وبالاضافة إلى ذلك، تعتبر توشكي من المناطق التي تنشط فيها حركة الكثبان الرملية، مما سيهدد الاراضي المستزرعة بالتصحر. ونظراً لأن الاراضي المستصلحة منخفضة الخصوبة، فانها سوف تحتاج إلى مدخلات عالية من الطاقة والاسمدة والمبيدات، ولكل من هذه آثارها البيئية المختلفة.
 
 
هواء القاهرة
أوضحت دراسة حديثة أجريت في إطار مشروع تحسين هواء القاهرة الكبرى الذي ينفذه جهاز شؤون البيئة أن 3% من سكان القاهرة الكبرى، الذين يقدر عددهم بنحو 11 مليون نسمة، معرضون بصفة دائمة لتركيزات من الجسيمات العالقة (تحت 10 ميكرون) تزيد على 100 ميكروغرام/متر مكعب، و48% بين 50 و100 ميكروغرام/متر مكعب، و49% بين 5 و50 ميكروغرام/متر مكعب. وهذا يعني أن أكثر من نصف سكان القاهرة الكبرى، أي نحو 6 ملايين نسمة، معرضون لتركيزات من الجسيمات العالقة تزيد على معايير منظمة الصحة العالمية أو تلك المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية للقانون 4 لسنة 1994.
 
وأوضحت الدراسة أن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى يتسبب في التالي سنوياً:
- 3,400 حالة وفاة مبكرة
- 15,000 حالة التهاب شعبي مزمن
- 329,000 حالة عدوى بأمراض الجهاز التنفسي
- 8,000,000 نوبة ربو
- 28,000,000 يوم بنشاط محدود نتيجة المرض
وتقدر الخسائر الناجمة عن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى بنحو 1ـ2 بليون دولار سنوياً.
المصدر:M.K. Smith et al.: Proceedings of Second International Conference for Environmental Management, Cairo, EEAA, November, 1990.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.