حين نتكلم عن البيئة العربية، تتبادر الى ذهننا المشاكل، وهي ليست بقليلة: الصحراء التي تتوسع على حساب الأراضي المزروعة، وندرة مصادر المياه العذبة، وتلوث الهواء، وتدهور وضع الشواطئ، وتضخم مشكلة النفايات السامة المستوردة والمنتجة محلياً من فضلاتنا الصناعية.
ويكاد القراء المتابعون يعتبروننا، نحن الكتاب والمحللين البيئيين، رسلاً للأخبار السيئة ونذيراً للشؤم. في بداية هذه السنة الجديدة، أود أن اشارككم بعض الأخبار المفرحة وقصص نجاحات عربية في مجالات بيئية:
لقد اختفى آخر قطيع بري من المها العربي سنة1927، بسبب الصيد العشوائي وغزو السيارات الحديثة ذات الدفع الرباعي لمواطنه في الصحراء. وكان هذا الحيوان يقطن المنطقة العربية بكثرة عبر العصور. عام1926 تم نقل تسعة رؤوس من المها الى حديقة الحيوانات في مدينة فينيكس الأميركية حيث تكاثرت في الأسر، حتى وصل عددها عام 1976 الى 105. وتُوجت جهود الحماية حين استقدم رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عشرين رأساً من المها الى أبوظبي قبل عشرين سنة. وقد تأمنت لها الرعاية في المحميات باشراف شخصي منه، حتى جاوز عددها اليوم الألف رأس. وهناك برنامج لمباشرة إطلاقها في الطبيعة، لتعود الى موائلها الأصلية بعد أن كادت تنقرض. وترافق هذا مع نجاح الامارات، برعاية رئيسها الشيخ زايد، في تشجير مساحات كبيرة من الصحراء بملايين الأشجار، فامتد الأخضر ليغطي الرمال، بينما تفقد بلدان أخرى أحراجها بسبب الاهمال.
وفي المجال الصناعي قصص نجاح بيئي أخرى. فأساليب «الانتاج النظيف» السليمة بيئياً أصبحت جزءاً أساسياً في برامج مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين في المملكة العربية السعودية، اللتين حصلتا لهذا الانجاز على جائزة ساساكاوا وهي أكبر تقدير بيئي عالمي. ومعايير «الانتاج النظيف» أصبحت هي المعتمدة أيضاً في شركة الألومنيوم في البحرين، التي استثمرت 270 مليون دولار لتخفيف انبعاثات الفلورايد بنسبة 98 في المئة وتوفير الطاقة 15 في المئة. واعتمدت مصافي النفط في الامارات والبحرين والسعودية والكويت تكنولوجيات حديثة لتخفيف انبعاثات الكبريت والغازات السامة في الأجواء.
أما سوريا، التي انخفضت فيها مساحة الغابات من 32 في المئة الى 2,6 في المئة ما بين 1900 و1995، فعرفت قصة نجاح بيئي أخرى. لقد تم انشاء هيئة عليا للتشجير عام 1977 بهدف إعادة تشجير 15 في المئة من الأراضي السورية. وبالتعاون مع وزارة الزراعة، تم تعديل قانون الغابات، ووضعت خطة ادارة حرجية حديثة لتطوير الغابات وحمايتها من الحرائق، وأقيمت المشاتل الحرجية ووزعت البذور بأسعار تشجيعية، وأطلقت برامج دراسة جامعية للأحراج وعقدت دورات تدريب وتوعية. وكان الكلام الذي سمعناه عن مشاريع التشجير من رئيس الهيئة العليا وليد حمدون أقل كثيراً من الحقائق التي يعاينها الزائر على الأرض في جميع المناطق السورية، حيث تتحول الأراضي الجرداء الى غابات خضراء يانعة.
وفي الشهور الأخيرة، تحولت الكويت كلياً الى البنزين الخالي من الرصاص، كما أعلنت السعودية عن برنامج لتعميم البنزين الخالي من الرصاص مع بداية سنة 2000. وهذا سيؤدي، حتماً، الى تغيير مشابه في المنطقة كلها، وإحداث تحسين كبير في نوعية الهواء في المدن العربية حيث يعتبر الرصاص من أبرز ملوّثاته.
إن التغيير الكبير يبدأ بخطوات صغيرة قائمة على خطة واضحة بعيدة المدى. وإن أعمالاً واقعية على الأرض كالتي ذكرناها، والتي نُفّذت بقرار وطني وليس بالاختيار الانتقائي لآراء «المستشرقين البيئيين»، هي وحدها التي ستنقل العالم العربي الى العصر الحديث.
|