Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
"البيئة والتنمية" الحروب تسحق البيئة  
كانون الثاني - شباط/ ديسمبر - فبراير 1999 / عدد 16
 الحروب تخرب البيئة. فهي تغير أنماط الزراعة، وتضعف الانتاجية، وتدمر الغطاء النباتي، وتساعد على زحف الصحراء. والأسلحة الكيميائية والبكتيرية  والبيولوجية تخل بالتوازن الطبيعي لفترة طويلة.
وظاهرة التدمير البيئي بسبب الحروب ليست غريبة عن العالم العربي، الذي ضربت الحروب البيئة والطبيعة في كثير من مناطقه، من فلسطين حيث أحرقت الأرض ونهبت الموارد، الى لبنان الذي هدمت الحرب الأهلية والاعتداءات الاسرائيلية عناصر بيئته البحرية والحرجية والبنى التحتية، وصولاً الى الكويت التي حولتها الحرب أتوناً من النار. وقد تناقلت الصحف العالمية أخيراً أنباء عن قيام اسرائيل بتطوير قنبلة جرثومية عرقية تصيب العرب دون اليهود.
 
"البيئة والتنمية"
توقف زائر من كوكب آخر ليراقب مخلوقات الأرض. فوجد في يد الانسان نتاج ذكائه: القنبلة وأدوات الحرب. ووجد في قلبه نتاج نزعته البدائية: الحقد والعداء اللذين لا يستطيع ذكاؤه كبح جماحهما. فعاد الزائر أدراجه آسفاً، لأنه لم يرَ أي مستقبل لانسان الأرض.
هذا ما جاء في ختام كتاب "حول العدوان" للباحث في علم التصرف الحيواني كونراد لورنز، الحائز جائزة نوبل.
ان الأضرار البعيدة المدى للعمليات الحربية تبقى في أدنى لائحة الأولويات، خصوصاً في الحروب الطويلة الأمد. فالصراع للبقاء يكون الهم الرئيسي للأفراد والمجموعات خلال هذه الأحداث. والمشاكل البيئية الناتجة عن العمليات الحربية لم تجذب الانتباه الا حديثاً، بعد وقوع حوادث أثارت ضجة عالمية، مثل العثور على براميل تحتوي على غاز الخردل القاتل جرفتها شباك صيادي الأسماك من أعماق البحار. لكن تأثيرات النشاطات العسكرية هي أشمل من ذلك وأكثر خطورة.
تبلغ كلفة النشاطات العسكرية في العالم نحو 900مليار دولار في السنة، أي 2,5مليار دولار في اليوم، بمعدل 1,7مليون دولار في الدقيقة. وأنفق العالم على التسلح عام 1987نحو 1300مليار دولار. وفي 1944انخفض الرقم 35في المئة الى 840مليار دولار. وبين 1987و1995هبطت تجارة الأسلحة الى النصف، من 46مليار دولار الى 23ملياراً، ثلثاها الى البلدان النامية. ويعود هذا الانخفاض في معظمه الى انتهاء الحرب الباردة.
ولم تقلص أي منطقة إنفاقها على الأسلحة بالقدر الذي فعلته مجموعة حلف وارسو، التي باتت تنفق نحو ربع ما كانت تنفقه في منتصف الثمانينات. كما أن البلدان النامية لم تعد تميل الى تكديس ترسانة من أحدث الأسلحة القتالية، خصوصاً لأن القوتين العظميين، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، لم تعودا تتخذانها مسارح قتال بديلة.
وتراجعت سوق الأسلحة الحديثة الكبيرة، كالطائرات المقاتلة والصواريخ، بنسبة أكبر. ولم تعد أميركا اللاتينية وافريقيا »السوداء« سوقاً رابحة جداً لمنتجي الأسلحة للتخلص من مخزونهم. وحتى الشرق الأوسط، الذي ما زال يبدي حماسة للشراء، خفض انفاقه على هذه المنتجات. أما في جنوب آسيا، حيث تواصل الهند وباكستان مراقبة إحداهما الأخرى بريبة وحذر، وفي شرق آسيا حيث تخشى الدول الصغيرة نزعة الصين الى السيطرة، فيذهب مبلغ متزايد من المال الى الأسلحة. وتستأثر المنطقتان الآن بنحو 30في المئة من صادرات الأسلحة العالمية.
إبادة الحياة وتدمير الموارد
تشغل النشاطات العسكرية مساحات كبيرة من الأراضي. وتستهلك نحو ستة في المئة من نفط العالم وكميات كبيرة من المعادن كالالومنيوم والنحاس والرصاص والنيكل والبلاتين. فالقواعد العسكرية وأماكن التدريب والمواقع المخصصة للأسلحة النووية وغيرها تغطي مساحات هائلة.  ففي قازاقستان، مثلاً، خصص للقوات المسلحة 200ألف كيلومتر مربع، أي أكثر من المساحة المستغلة في زراعة القمح. وفي الولايات المتحدة أفردت للأغراض العسكرية مساحات كبيرة تعادل مساحة ولاية فيرجينيا.
وتؤدي التمارين والمناورات العسكرية الى ابادة النباتات ونبش الطمي في الجداول والأنهار وتعرية التربة ورصها، فضلاً عما يحدثه انفجار القنابل من حفر وما تخلفه الذخائر من دمار. ولا أحد يهتم عادة بما اذا كان موقع التدريب يحوي مواطن طبيعية سريعة التأثر.
وتلحق الحروب أكبر الأذى بالبيئة. فالمتفجرات تعري التربة وتسمم المياه الجوفية وتخرب الينابيع ومجاري المياه وتفكك السلسلة الغذائية وتدمر النظم البيئية وتفقد الأرض الزراعية خصوبتها وتشوه المناظر الطبيعية وتدمر خزانات الري والمعالم الأثرية وتقتل الناس وسائر الكائنات الحية.
وللحروب والأسلحة تأثيرات غير مباشرة أيضاً. فنقص الري بسبب خراب قنوات المياه يزيد ملوحة التربة. ومرور الجنود والآليات الثقيلة وحفر الخنادق يزعزع التربة فيقضي على الأحياء الدقيقة والغطاء النباتي. وفي المناطق الصحراوية والجافة، كما في البلدان العربية، تعتمد النباتات في بقائها على الرطوبة التي تختزنها التربة. لكن حركة الآليات العسكرية الثقيلة واستعمال الأسلحة المتفجرة والحارقة يتسببان في رص التربة والحد من قدرتها على الاحتفاظ بالرطوبة. وهذا يؤدي الى خسارة الغطاء النباتي وتعريض التربة السطحية المكشوفة للتعرية التي تحدثها الرياح. وللأسلحة الكيميائية المبيدة للاعشاب الأثر ذاته. وقد أظهرت دراسات أجريت في شمال افريقيا أواسط السبعينات أن مواطن الحياة في الصحارى لم تسترد عافيتها منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية.
أنواع الأسلحة          
السلاح اداة لالحاق الضرر بهدف معين. وتصنف الأسلحة وفقاً للمادة المستعملة لاحداث الضرر. هنا بعض خصائص أنواع من الأسلحة:
الأسلحة الثاقبة: هي أسلحة بدائية كانت تستعمل في المعارك وجهاً لوجه. ومنها القوس والسهم والرمح والحربة والسيف والسكين والفأس. وقد تطورت هذه الأسلحة الى نوع مألوف هو سلاح ناري يدفع قذيفة صغيرة حادة الرأس بسرعة كبيرة. وهذه الأسلحة لا تترك أثراً ملموساً في البيئة ما لم تستعمل على نطاق واسع جداً.
الأسلحة المتفجرة: يتم تصميمها لاحداث ضرر مادي بواسطة نبضات قوية من الطاقة المنبعثة من مركبات كيميائية تخضع لتفاعلات احتراقية. وقد تنتقل الطاقة الى الهدف في شكل موجة صدمية أو شظايا سريعة من مادة تغلف المركّب المتفجر.
الأسلحة الحارقة: صممت هذه أصلاً لاشعال حرائق في أجسام مستهدفة أو لاحداث اصابات حارقة في كائنات حية، بفعل الحرارة أو اللهب اللذين يصدرهما تفاعل كيميائي لمادة تقذف الى هدف. ومن الأسلحة الحارقة المخيفة النابالم.
الأسلحة الكيميائية: تعتمد هذه على مواد كيميائية غازية أو سائلة أو جامدة ذات تأثيرات سامة ومباشرة على الانسان والحيوان والنبات. وتستعمل سميتها أحياناً لاحداث تأثيرات آنية، كشل حركة جند العدو وانهاكهم موقتاً أو اسقاط اوراق الاشجار قبل الأوان، وتستعمل أحياناً أخرى كآلية قاتلة.
الأسلحة البيولوجية: تعتمد هذه على وسائط جرثومية، كالبكتيريا والفيروسات، أو على سموم أو مواد ممرضة تنتجها كائنات حية. ومن أغرب ضروب هذه الأسلحة قنبلة جرثومية "عرقية" تطورها اسرائيل حالياً، وهي تحوي جزيئات جرثومية معدلة وراثية يمكن أن تصيب العرب دون اليهود.
الأسلحة الاشعاعية: وهي تشبه الأسلحة الكيميائية، في ما عدا أن المواد المستخدمة فيها يكون مفعولها إشعاعياً، أو سمياً - اشعاعياً، وليس سمياً - كيميائياً.
الأسلحة النووية: ينتج مفعولها من تفاعلات متسلسلة لانصهار نووي حراري أو انشطار نووي. وتجمع في تأثيرها بين الأسلحة الحارقة والمتفجرة والمشعة ذات القوة الهائلة.
وتعتبر الأسلحة الثاقبة والمتفجرة والحارقة »أسلحة تقليدية«. أما الكيميائية والبيولوجية والاشعاعية والنووية فتعتبر من "أسلحة الدمار الشامل".
الأسلحة الخفيفة
لا تزال الأسلحة الخفيفة الرخيصة الثمن تلقى رواجاً. وهي تشمل كل ما يستطيع الجندي حمله أو وضعه على كتفه أو تثبيته في سيارة. ومنها المسدسات والبنادق والمدافع الرشاشة ومدافع الهاون والقنابل اليدوية والأسلحة المضادة للدبابات والمدافع ذات العيار الخفيف والألغام المضادة للافراد والآليات والمدافع النقالة المضادة للطائرات والذخيرة التابعة لكل ما ذكر. وتبلغ قيمة الأسلحة الخفيفة التي تصدر بصورة قانونية نحو خمسة مليارات دولار سنوياً. أما الصادرات غير القانونية فتراوح قيمتها بين مليار وعشرة مليارات دولار، وذلك بحسب تراجع أو تصاعد وتيرة الحروب. والأسلحة المسروقة جزء مهم من هذه التجارة. ففي العام 1985، مثلاً، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن مواد من الجيش الأميركي قيمتها مليار دولار تختفي كل سنة. كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية حصول أكثر من عشرة آلاف حالة سرقة أسلحة من مستودعات الجيش في 1992 - 1993، أي أكثر من سرقة واحدة في الساعة.
وفي العالم أكثر من 100مليون بندقية رشاشة من نوع كلاشنيكوف. ويقدر أن تسعة قتلى من أصل عشرة ذهبوا ضحية الأسلحة الخفيفة والألغام خلال السنوات الخمسين الماضية، أي 36مليون قتيل من أصل 40مليوناً.
الألغام الأرضية
يقدر عدد الألغام الأرضية المنتشرة في أنحاء العالم بأكثر من 100مليون لغم. ومنذ العام 1975فقد أكثر من مليون شخص حياتهم أو أطرافهم بسببها. وتقتل الألغام المضادة للافراد، أو تشوه، ألفي شخص كل شهر، أي ثلاثة أشخاص كل ساعة. وثلث الذين يقتلون من الأطفال. ويدوس شخص في مكان ما من العالم لغماً أرضياً كل 20دقيقة. ومعظم الضحايا مدنيون، وكثيراً ما تصطادهم الألغام بعد وقت طويل من انتهاء الأعمال الحربية. وتقع غالبية الاصابات (أكثر من 80في المئة) في أنغولا وكمبوديا وأفغانستان. وقد توزع في أنغولا وحدها نحو 23مليون لغم، وبتر ساعد أو ساق أكثر من 20ألف شخص نتيجة انفجار هذه الألغام. وفي كمبوديا يذهب شخص واحد ضحية لغم أرضي من بين 234مواطناً. وتشكل هذه الألغام خطراً دائماً في بلدان مثل العراق ومصر ولاوس وموزمبيق والصومال.
والألغام رخيصة الثمن، اذ لا يزيد سعر اللغم على بضعة دولارات. لكن ازالتها مهمة صعبة لا يتقنها الا خبراء مختصون، وهي عملية مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً. وتنظيف بقعة مساحتها 50متراً مربعاً يحتاج الى يوم كامل. ففي العام 1994أبطلت فرق تابعة للأمم المتحدة مفعول 100ألف لغم في بلدان مختلفة بكلفة 70مليون دولار، أي 700دولار لكل لغم. وفي السنة ذاتها تم زرع نحو مليوني لغم.
واضافة الى المجازر التي تحدثها حقول الألغام لدى انفجارها، فهي تمنع السير على الطرق، وتجعل القرى غير صالحة للسكن والحقول غير صالحة للزراعة، وتستنزف موارد الرعاية الصحية، وتزيد البطالة، وتمنع العودة المأمونة للاجئين.
في البوسنة، مثلاً، يشكل وجود الألغام عقبة رئيسية أمام عودة اللاجئين والمهجرين. وعلى رغم انتهاء الحرب منذ ثلاث سنوات فانها ما زالت تحصد الأرواح بمفعول رجعي. وما زال نحو مليون لغم مدفوناً تحت الأرض. وفي سراييفو وحدها نحو 140منطقة ألغام.
وفي مصر سقط ضحية الألغام المتخلفة عن الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية أكثر من 8000شخص. فقد تركت قوات الحلفاء والمحور المتحاربة في معركة العلمين 23مليون لغم ما زالت تهدد حياة البشر، منها 17مليوناً في منطقة العلمين وحدها. وقد طالبت مصر الدول التي زرعت الألغام بتحمل مسؤولية ازالتها. وتبلغ مساحة حقول الألغام في مصر 288ألف هكتار زرع فيها نحو 23مليون لغم. وقد تقرر تشكيل لجنة فنية عليا لتطهير الاراضي المصرية من الألغام. وتقدر كلفة عملية التطهير بنحو 200مليون دولار.
قد أعلنت الأمم المتحدة أن معاهدة حظر الألغام المضادة للافراد، التي اقرت في اوسلو عام 1997، ستدخل حيز التنفيذ في الأول من آذار (مارس) 1999. لكن المعاهدة لن تكون ملزمة الا للاطراف الذين صادقوا عليها. وهي تحظر انتاج الألغام المضادة للافراد واستخدامها وتخزينها وتصديرها.
ويقول خبراء ان الدول المنتجة والمصدرة الرئيسية للالغام في السنين العشر الأخيرة كانت الاتحاد السوفياتي السابق وايطاليا والصين، فضلاً عن مصر وباكستان وجنوب أفريقيا.
الأسلحة النووية والكيميائية
تستخدم مساحات واسعة من البحار والمحيطات للأغراض العسكرية. وقد أدت الحوادث والأعمال الحربية الى سقوط عشرات الرؤوس الحربية النووية في البحر.
وتشكل المواد السامة والخطرة الناتجة عن النشاطات العسكرية، كالأسلحة الكيميائية والنووية، مشكلة يتوقع أن تزداد خطورتها. ففي الولايات المتحدة زاد خلال ثلاث سنوات عدد المواقع التي لوحظت فيها مشاكل لها علاقة بنفايات سامة، من نحو 3000موقع في 500قاعدة عسكرية الى أكثر من 14ألف موقع في 1500قاعدة. وتنتج القوات المسلحة الأميركية ما بين 400ألف و500ألف طن من النفايات السامة كل سنة. فالمياه الجوفية حول قاعدة اوتيس في ولاية مساتشوستس، مثلاً، تلوثت بمادة الاثيلين الثلاثي الكلور. وتبين أن حدوث سرطان الرئة وسرطان الدم (اللوكيميا) في المدن المجاورة كان أعلى من المعتاد بنسبة 80في المئة. وأفيد عن تلوث في 375قاعدة أميركية خارج الولايات المتحدة.
وفي ما يتعلق بتسرب المواد المشعة، لا يبدي القطاع العسكري أي اكتراث. كذلك في ما يتعلق بصنع الأسلحة النووية واختبارها. فكميات النفايات المشعة التي تسربت من خزانات مطمورة في معمل البلوتونيوم في مدينة هانفورد الأميركية كانت تكفي لصنع 50قنبلة نووية من النوع الذي ألقي على مدينة نغازاكي اليابانية في الحرب العالمية الثانية. ويعتقد أن نحو 300ألف شخص من الذين عملوا في الأسلحة النووية في الولايات المتحدة قد تأثروا بالاشعاعات المصاحبة لها. وتقدر كلفة تنظيف مواقع الأسلحة النووية في الولايات المتحدة بما يراوح بين 100و130مليار دولار، أي مليوني دولار لكل رأس نووي أنتجته. وقد ترتفع الفاتورة الى ضعفي هذا المبلغ. وفي الولايات المتحدة حالياً أكثر من 100موقع للأسلحة النووية. وتنفق وزارة الدفاع نحو ستة مليارات دولار كل سنة على الادارة البيئية، وعلى رغم اعلانها انها تسعى الى انجاز أعمال التنظيف خلال 10سنوات، فان هذه المهمة قد تستغرق عقوداً. وتقدر بعض المصادر أن هذه الأعمال ستكلف دافعي الضرائب ما بين 150و200مليار دولار.
وتمتنع حكومات كثيرة عن ذكر أي شيء في هذا المجال، أو هي تدلي بمعلومات منقوصة.
وتشتهر جزيرة موروروا المرجانية في المحيط الهادئ بأنها موقع فرنسي لاختبار الأسلحة النووية. ولا يعرف كم تحتوي هذه الجزيرة من مواد مشعة. وبين 1945و1989تم تفجير أكثر من 1800قنبلة ذرية في 35موقعاً حول العالم، معظمها في أراض تقطنها شعوب فطرية.
في 10أيلول (سبتمبر) 1996تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة المعاهدة الشاملة لحظر التجارب النووية. وفي 1نيسان (ابريل) 1998كانت وقعتها 149دولة. وستدخل المعاهدة حيّز التنفيذ بعد 180يوماً من التصديق عليها من الـ44دولة التي اشتركت في المفاوضات، وهي الدول التي تتمتع بمقدرة نووية، سواء أكانت مدنية أم عسكرية.
تأثيرات الحروب على البيئة
يلجأ الى العنف منذ ما قبل التاريخ كحل للمنازعات. ولم تفعل قرون التنوير والعلم الأخيرة أكثر من تمكيننا من قتل أناس أكثر، وبسرعة أكبر وطرق أكفأ، مما كان يفعله أسلافنا في العصور الوسطى. ان الحرب والاستعداد لها يلحقان الضرر بالتنمية، إذ انهما يبددان الموارد النزرة ويضعفان الثقة الدولية التي تعتبر ضرورة لتعزيز التنمية وصون الموارد وحماية البيئة على الصعيدين الاقليمي والعالمي.
هنا بعض الآثار التي تتركها الحروب في البيئة.
- لجميع الحروب تقريباً استراتيجية أساسية واحدة هي: تدمير النظم المؤازرة للحياة بحيث تذعن الجيوش والشعوب. وهي تستخدم القصف الشامل للمدن ولبنياتها الأساسية، والحرق والتدمير الكيميائي والآلي للغابات والمحاصيل، والتدابير التي تجعل الحياة مستحيلة في مساحات كبيرة.
- يؤدي استخدام الأسلحة الكيميائية، كمبيدات الأعشاب، الى تعرية واسعة المدى للتربة، وافناء الحياة البرية الأرضية، وخسائر في أسماك المياه العذبة، وتدهور في الثروة السمكية البحرية الساحلية. ويتفاوت التأثير على البشر من حالات التسمم العصبي الى الاصابة بالالتهاب الكبدي وسرطان الكبد والاجهاض التلقائي والتشوهات الخلقية.
- أسفرت الحرب التي دارت فوق أراضي الكويت عام 1991عن انسكاب نفطي كبير وحرائق شاسعة في آبار النفط وانبعاثات غازية انتشرت فوق مساحة كبيرة من الخليج. وألحق هذا الانسكاب الضرر بالمناطق الساحلية في بعض البلدان، وأثر في الحياة البرية والأحياء المائية.
- تبقى بعد توقف المعارك ملايين الألغام الأرضية والبحرية، والشراك الخداعية، وأنواع الذخائر والقنابل التي لم تنفجر. ولا يتوافر عموماً سوى مقدار ضئيل جداً من المعلومات عن عدد هذه المخلفات ومواقعها، مما يجعل تطهيرها مهمة صعبة وخطيرة، ويعرض الناس والثروة الحيوانية والحياة البرية للخطر، ويعوق تنمية مساحات شاسعة من الأرض.
- تخلف الحروب والمنازعات ملايين اللاجئين في العالم، يعانون خسائر اقتصادية وتمزقاً في نسيجهم الاجتماعي وحياتهم. ويعيش كثير منهم في مخيمات المناطق الحدودية حيث تقسو الظروف المعيشية وتنتشر الاضطرابات الاجتماعية. وفي بعض الحالات، تصبح عودتهم الى أماكنهم الأصلية مستحيلة، فيواصلون العيش في بؤس لعدة أجيال.
- أضاف إدخال الأسلحة النووية الى الحروب أبعاداً جديدة. وهي تمثل زيادة هائلة في القوة التدميرية، فبعدما كانت تحسب بالكيلوطن أصبحت تحسب بالميغاطن. وعلى رغم الادانة الواسعة المدى للأسلحة النووية، فإن انتاجها واختبارها مستمران. وتتنبأ بعض الدراسات بآثار نشوب حرب نووية واسعة النطاق، ومنها: ستغطي السماوات المسودة مساحات كبيرة من الأرض لأسابيع أو شهور عديدة، وستنخفض درجات الحرارة الى ما دون درجة التجمد وستؤثر هذه التغيرات المناخية على الزراعة والنظم الايكولوجية، مع حدوث آثار عميقة على انتاج الأغذية وتوزيعها.
د. مصطفى كمال طلبه
المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة
 
كادر
اسرائيل تسرق تراب لبنان: من آثار الحرب فـي البيئة اللبنانية
انتهاك من نوع جديد سجلت اسرائيل براءة اختراعه. فبعد سلسلة من الاستباحات المتعاقبة للأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان، أقدمت أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) 1998على سرقة التراب من "الشريط" الحدودي. وتبين أن جرافات وشاحنات اسرائيلية تولت جرف التربة من الأراضي اللبنانية ونقلها الى المستوطنات اليهودية المحاذية للحدود لاستصلاح أراض هناك وتحويلها الى بساتين للأشجار المثمرة.
وأكد الناطق الرسمي باسم القوة الدولية في الجنوب تيمور غوكسيل قيام اسرائيل بنقل التراب الخصب من أرض لبنان الى داخل حدودها. وقال ان التراب يجرف من منطقة تقدر مساحتها بنحو 5,4هكتارات وحتى عمق يراوح بين مترين وثلاثة أمتار. وقد أعدت القوة الدولية تقريراً بهذا الشأن وأرسلته الى الأمم المتحدة في نيويورك.
واعترفت السلطات الاسرائيلية بسرقة التراب، وزعمت أنها أمرت بوقفها.
وقد أتت عمليات الجرف على ألوف الأشجار في الأراضي المنهوبة. ومنعت قوات الاحتلال المواطنين من الوصول الى حقولهم تحت طائلة اطلاق النار.
وقد تأثرت بيئة لبنان، وخصوصاً في الجنوب، بالعمليات العسكرية والاجتياحات الاسرائيلية المتكررة. فألحقت النيران والانفجارات وشق الطرق العسكرية أضراراً مباشرة بالأراضي التي فقدت غطاءها النباتي وتربتها الفوقية الغنية. وأسفر نزوح السكان من الجنوب الى إهمال الأراضي المنتجة وازدحام مناطق الاستقبال في بيروت وضواحيها، مما أدى في الحالتين الى تدمير البيئة الطبيعية. وأحرقت نيران القذائف الغابات، ودمرت شبكات المياه ومحطات توليد الكهرباء وبعض معامل معالجة المياه المبتذلة باصابات مباشرة.
ويزداد اهتمام المجتمع اللبناني حالياً بالمشاكل البيئية المتراكمة، خصوصاً من سنوات الأحداث الأهلية والفوضى التي رافقتها. فقد تفشت الأعمال غير المشروعة، ومنها استيراد النفايات السامة، وتشغيل الكسارات والمقالع بطرق غير سليمة، وانشاء أبنية لا تستوفي الشروط اللازمة. وأدى رمي النفايات المنزلية والصناعية عشوائياً الى تلوث التربة والمياه الجوفية.
وفي المناطق الساحلية، تم تحويل غالبية المجاري والنفايات الصناعية السائلة الى البحر، فازداد تلوث المياه البحرية. وأدى القاء النفايات على الشاطئ الى تشويه البيئة الطبيعية وتهديد صحة الناس. وأنشئت مرافق عديدة على الشاطئ من دون تراخيص أو مراعاة لسلامة البيئة، ومنها المنتجعات السياحية والمرافئ ومحطات تخزين الوقود. وصبت كلها نفاياتها في البحر مما أثر في الثروة السمكية ونوعية مياه البحر.
وأدت الأحداث الأهلية والاعتداءات الاسرائيلية الى اهتزاز قطاعي الخدمات السياحية والمالية اللذين يشكلان جانباً مهماً من الاقتصاد اللبناني، وفقد لبنان موقعه السابق كمركز اقتصادي دولي.
وبسبب ظروف الحرب، أنشئت مصانع في مناطق سكنية وتجارية. وتركزت صناعات كثيرة على الجهة الغربية للمرتفعات في جبل لبنان، مما أدى الى تدفق النفايات الصناعية في الأنهار وصولاً الى البحر. واستفادت بعض المعامل من غياب الرقابة، فأهملت المعايير البيئية وراحت تتخلص من نفاياتها عشوائياً.
 
وتغير التوزع السكاني كثيراً خلال الحرب، اذ أجبر مئات الألوف من المواطنين على النزوح من مدنهم وقراهم والتجمع في مناطق آمنة. فحصل ضغط هائل في بعض المناطق، وخلت مناطق أخرى من أهلها. وصودرت بيوت وشيدت أبنية من دون رخص، فتشوهت المناظر الطبيعية، خصوصاً في المناطق الساحلية وسفوح الجبال.
وعانى لبنان كثيراً من انقطاع الكهرباء خلال الأحداث. فاضطرت المؤسسات والشركات والأفراد الى استخدام مولدات خاصة هددت انبعاثاتها السامة صحة المواطنين وأقلق ضجيجها راحتهم.
واليوم، وقد انتهت الأحداث الأهلية وانطلقت مسيرة الانماء والاعمار في لبنان وبلغت مرحلة متقدمة، ما زالت اسرائيل تعيث بأراضي الجنوب والبقاع قصفاً وحرقاً وتدميراً، وتهدد بضرب المنشآت الحساسة والمرافق الحيوية في الأراضي اللبنانية عموماً.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
"البيئة والتنمية" الحروب تسحق البيئة
"البيئة والتنمية" الدمار البيئي في حرب الكويت
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.