اطّلعتُ مؤخراً على نتائج استطلاع لاتجاهات الرأي العام العربي البيئية، أظهرت أن أكثر من 90 في المئة من الناس يطالبون بقوانين أشدّ للحفاظ على البيئة، حتى لو أدّت الى فرض بعض القيود. وتبيَّن أن نسبة تفوق 80 في المئة على استعداد للقيام بمبادرات شخصية للمساهمة في حماية البيئة، مثل استخدام النقل العام والتحول الى البنزين الخالي من الرصاص والحرص في استهلاك الماء والكهرباء. وقال 77 في المئة إنهم يوافقون على دفع ضرائب خاصة للرعاية البيئية. وكانت أرقام لبنان بين الأفضل في الدول العربية، مما يُظهر تزايد الوعي البيئي لدى الجمهور.
في أرقام هذا الاستطلاع عِبَرٌ علينا أن نهتدي بها. فالناس ينتظرون منا عملاً فعلياً يحمي البيئة والموارد الطبيعية، حفاظاً على حقوق هذا الجيل والأجيال المقبلة. ومسؤولية الأفراد لا تعفي الدولة من دورها المركزي في ادارة البرامج البيئية.
مهما كانت همومنا في السياسة والاقتصاد والحرب والسلام ضاغطة، لا يحقلا لنا تأجيل موضوع البيئة. فبعد أن تنتهي كل السجالات والنقاشات سيبقى علينا أن نتنفس ونشرب ونأكل. وليس مسموحاً أن نمنع عن أجيال الوطن المقبلة الحق في هواء عليل وماء نقي وتراب نظيف.
الحكومة مقتنعة أن الادارة البيئية يجب أن تكون جزءاً في خطط التنمية، من ضمن ترتيب للأولويات، يبدأ بوقف كل نشاط يسبب ضرراً بيئياً لا يمكن إصلاحه، ويصل الى تنمية الموارد على نحو متوازن يلبي متطلبات الاقتصاد ولا يدمر البيئة. ولا بد من الوصول في مرحلة قريبة الى ادخال التكاليف البيئية في حسابات الموازنة العامة، فيتوقف التلويث واستهلاك الموارد الطبيعية كسلعة مجانية. كما أننا مقتنعون بوجوب فرض ضرائب وقيود على الأشياء الملوِّثة وليس على العمل والانتاج فقط. وقد بينت تجارب العالم أن حُسْن استخدام الموارد، وحماية الطبيعة، وتعميم الصناعات النظيفة التي تصدر عنها ملوِّثات ونفايات أقل، كلها تقود الى نوعية حياة أفضل. وثبت أن الكفاءة البيئية لا تتعارض مع الجدوى الاقتصادية. فحماية البيئة، وان كانت مكلفة، تؤدي الى تخفيف الفاتورة الصحية واجتذاب السياح واستقطاب الاستثمارات.
ودخولنا في عصر التكنولوجيا المتطورة وثورة الاتصالات من الباب الواسع، كمطوِّرين وليس كمستخدمين فقط، يؤدي أيضاً الى حماية البيئة. فعدا عن النتائج الايجابية لما يوفره العلم من حلول لمشاكل التلوث، ولما توفره الاتصالات من تقارب بين الشعوب والتحذير السريع من المشاكل وتعميم الحلول، فلثورة الاتصالات نتائج فورية على حماية البيئة. تصوّروا أن قمراً اصطناعياً يزن مئة كيلوغرام قد يؤدي اليوم مهمة أطنان من الكابلات الأرضية، بما في هذا من توفير في المواد.
وإن زيادة الانتاج، والتوزيع العادل للثروة بالانماء المتوازن، والقضاء على حدة الفقر، عوامل تؤثر ايجاباً في حماية البيئة. فالبيئة يحميها الواثق بالمستقبل وليس الخائفُ من الغد. وحتى برامج الخصخصة تخدم البيئة ولو بطريقة غير مباشرة، اذا أدت الى كفاءة أعلى في الانتاج وتوفير في استخدام الموارد.
نحن مقتنعون بكل هذا، وقد أوردناه في البيان الوزاري للحكومة. غير أننا نحتاج الى دعم هؤلاء الذين عبّروا عن رأيهم في الاستطلاع البيئي، لكنهم بقوا أكثرية صامتة وقوة كامنة. فنحن ندعوهم اليوم ليجعلوا صوتهم مسموعاً عندنا وعند جميع الذين يُفترض بهم تمثيلهم.
ان البعض ما زال يرى في تدمير البيئة أرخص طريق الى الربح السريع، وما زال البعض يعتبر انه يحوز على رضى الناخبين إذا عمل على حماية مقلع صخور هنا ومخالفة بناء هناك. وما زالت المصالح الضيقة تعرقل تنفيذ الخطة المتكاملة للادارة البيئية التي وعدنا بها في البيان الوزاري. لكنني اؤكد مجدداً تمسك الحكومة بتنفيذ ما التزمت به.
لهذا كله، أتمنى أن يكون للرأي العام صوتٌ مسموع لدعم تدابير حماية البيئة والمطالبة بها لدى ممثلي الشعب، وعدم القبول بالمكاسب الصغرى السريعة على حساب المستقبل.
مشاكل البيئة لا يمكن حلها إلا بتعاون الجميع، مواطنين عاديين واقتصاديين وتجاراً ومزارعين ومثقفين ومسؤولين. وقد لفتني تركيز مجلة «البيئة والتنمية» على شعار «البيئة الأفضل تبدأ بك أنت». وهي بدأت بالفعل تطبقه على نفسها، فلم تنتظر دعماً من أحد للانطلاق بمشروع نهضة بيئية، نجح خلال خمس سنوات في الوصول الى كل دولة عربية.
أهنئ مجلة «البيئة والتنمية» في عيدها الخامس، وقد تحولت بجدارة الى مؤسسة بيئية عربية تجسّد الايمان بنهضة لبنان المتجددة وبدور ريادي لهذا البلد لن ينتهي.
رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية رعى احتفال «البيئة والتنمية» بعيدها الخامس وتحدث فيه. وتسلّم من الناشر ورئيس التحرير نجيب صعب البطاقة الرقم واحد في «منتدى البيئة والتنمية».