تلوث الهواء خطر كبير وداهم، وإن يكن خفياً، لأنه لا يَبين غالباً الا اذا صاحبه سواد. لكن التلوث المهم هو غير المنظور. والمشكلة في معظمها ناجمة عن وسائل النقل، تليها المصانع ومحطات توليد الكهرباء.
هناك أكثر من 700 مليون سيارة تجوب طرق العالم. وحصة المنطقة العربية منها وافرة، بما في ذلك قوافل السيارات المسنَّة في الدول الفقيرة. وهي تنفث سموماً تلوث الهواء وتؤدي بالنتيجة الى فاتورة صحية عربية بملايين الدولارات سنوياً يدفعها السكان والاقتصاد مرضاً وتعطيلاً ووفيات.
كتبه جورج جحا، مع مساهمات من نائلة علي (دمشق) وعبداللطيف العجاجي (الرياض) وخالد مبارك (عمان)
وراجعه فريد شعبان٭
لكل بلد حصته في "الانتاج" المسيء الى البيئة، وحصص الدول الصناعية هي العظمى. وكثيراً ما يتحول ما أريد به أن يسهل حياة الانسان الى ما يهدد هذا الانسان. ويتفاقم خطر مشكلة مثل تلوث الهواء في البلدان ذات التخطيط المعدوم أو القاصر، التي لا تضع القوانين والقواعد الصارمة لحماية البيئة، ولا تفرض هذه القوانين، ولا تلتزم صناعاتها ومركباتها بالقوانين اذا توفرت. ويزيد في خطر المشكلة غياب عامل ملطف مهم هو الشجر، كما نرى في مدن ضيقة الشوارع عالية المباني شديدة الازدحام، مثل بيروت التي وصفها الاديب اللبناني الراحل فؤاد سليمان، في فترة مبكرة من "أيام عزها" في بداية خمسينات القرن العشرين، بأنها "غابة الحديد والاسمنت".
انها غابة حديد واسمنت دون شك، لكن حديدها الخطر الآن هو ذلك المتحرك في شوارعها، ببطء شديد عادة، كأنه وحش خرافي رهيب ينفث من مئات ألوف "الافواه" عوامل مرض وموت وخسارة. هذه الأفواه، عوادم السيارات، اذ تُخفق في "اعدام" سموم ما يخرج منها، تعدم في أحيان كثيرة من يتلقاها، انساناً وحيواناً ونباتاً وجماداً.
بينت دراسات أجراها البنك الدولي في الفترة 1995 - 1999 التكاليف الصحية السنوية الناجمة عن معالجة الأمراض التي سببها تلوث الهواء في بعض البلدان والمدن العربية المكتظة. رقد بلغت هذه التكاليف بلايين الدولارات، مع أنها اقتصرت على تكاليف الحالات المرضية والوفيات المرتبطة بالأمراض التنفسية خاصة. ولم تشمل معظم الأرقام التكاليف الاجتماعية المرتبطة بالتعطيل عن العمل ونوعية الحياة. وجاءت الأرقام كالآتي: الجزائر 272 مليون دولار، مصر (القاهرة) 650 مليون دولار، لبنان (بيروت) 130 مليون دولار، المغرب (المحمدية والدار البيضاء) 190 مليون دولار، تونس 595 مليون دولار، سورية 187 مليون دولار. فيكون المجموع لهذه المناطق المختارة نحو بليوني دولار سنوياً.
ويبقى السؤال البيئي الذي يبدو أنه صار أبدياً: كيف نوفق بين ما تعطيه الصناعات العصرية باليمين لتأخذه، أو تأخذ أكثر منه، باليسار؟
سيارة لكل ثلاثة في لبنان
في تقرير عن جلسات حول تلوث الهواء في لبنان وآثاره، عقدها في صيف 2000 المركز اللبناني للدراسات بالتعاون مع مؤسسة هارفارد للتنمية الدولية ووزارة البيئة، تم تعريف ملوثات الهواء بأنها، أولاً، مواد أو غازات غريبة تدخل في أي من أقسام النظام البيئي وتؤثر سلباً في الانسان وبيئته، وثانياً، مواد أو غازات موجودة ضمن النظام البيئي ولكن بتركيز أو بكميات تزيد على المستوى الطبيعي. ويذكر أن تركيبة الهواء الطبيعية هي: 78% نيتروجين و21% اوكسيجين و0,9% أرغون و0,03% ثاني اوكسيد الكربون و0,07% غازات أخرى.
وجاء في التقرير أن نسبة اقتناء السيارات في لبنان تبلغ نحو سيارة لكل ثلاثة أشخاص، وهي نسبة عالية اقليمياً، بل عالمياً. ويبلغ عدد السيارات المسجلة في لبنان بمختلف أنواعها نحو 1,3 مليون سيارة، منها ما يزيد على مليون سيارة خاصة. وهناك نسبة تربو على 70% من السيارات العاملة يزيد عمرها على عشر سنوات، و18% يزيد عمرها على 20 سنة. وهذا الأمر يعني في النتيجة زيادة كمية الملوثات بسبب غياب المعاينة الميكانيكية وهدر ملحوظ في استهلاك الوقود. ويعمل نحو 85% من السيارات بالبنزين المحتوي على الرصاص.
ولا شك في أن ثمة ترابطاً بين ارتفاع عدد السيارات وكثافتها، بمعنى انحصار تحرك أعداد كبيرة منها في مساحات ضيقة، وبين الكثافة السكانية في لبنان التي تعد من الاعلى في العالم اذ تقدر بنحو 350 نسمة في الكيلومتر المربع مقارنة بنحو 30 نسمة في الولايات المتحدة و60 في مصر و120 في الصين.
وقطاع النقل البري هو المصدر الرئيسي في لبنان للغازات الملوثة على أنواعها. فبيروت الكبرى، أو بيروت الادارية، التي تضم العاصمة وضواحيها، هي أكثر المناطق معاناة من أثر الازدحام، أي من التلوث. ويتحرك في بيروت الكبرى نصف مجموع السيارات العاملة في لبنان، أي ما لا يقل عن نصف مليون سيارة. ويؤدي هذا الاكتظاظ الى مشكلات خطيرة في حركة السير، والى تلوث في الهواء يشكل خطراً على الناس، والى تلوث خطر من نوع آخر هو الضوضاء. ولا شك في أن هناك عوامل اخرى، منها حالة شبكة الطرق التي ساءت خلال الحرب لانعدام الصيانة الجيدة وعدم توافر الموارد الفنية اللازمة، مع العلم أن الطرق عموماً لم تكن في حالة جيدة قبل الحرب.
وتعاني مناطق اخرى من ملوثات بعض الصناعات الثقيلة، مثل محطات توليد الطاقة ومصانع الاسمنت وبعض المنتجات الكيميائية، وتحديداً المناطق القريبة من الجيه وسبلين الى الجنوب من بيروت والذوق الى شمالها وسلعاتا وشكا في شمال لبنان. ففي شكا، مثلاً، حيث تقع مصانع للاسمنت والاترنيت وغيرها، يتحدث خبراء منذ سنوات عن تكاثر حالات الوفاة باصابات سرطانية وعن مئات الاصابات بالربو، ويعزون ذلك الى الملوثات التي تنشرها المصانع.
واستناداً الى دراسة الدكتور فريد شعبان والدكتور جورج أيوب من الجامعة الاميركية في بيروت عن تلوث الهواء في المدينة (1995 ـ 1998) تظهر النتائج التالية:
- تلوث شديد بمادة الرصاص يصل الى نحو 8 ميكروغرام/م3 في حين أن الحد الاقصى المسموح به عالمياً يبلغ 1,5 ميكروغرام/م3. والسبب هو أن نحو 85% من السائقين لا يزالون يستعملون البنزين الحاوي مادة الرصاص. أما الحد الاقصى وفقاً لقرارات وزارة البيئة اللبنانية فهو 1,25 ميكروغرام/م3.
- نسبة الرصاص في الدم تزيد على 10 ميكروغرام/ديسيليتر، وهي النسبة المقترحة عالمياً، حيث دلت دراسة الدكتور ايمان نويهض من الجامعة الاميركية على أن 86 في المئة من العينات (291 عينة) تزيد نسبة الرصاص فيها على 10 ميكروغرام/ديسيليتر، وأن 44% من العينات تحوي نسبة رصاص تزيد على 16 ميكروغرام/ديسيليتر. وأكدت دراسة شعبان وأيوب أن غاز الاوزون، المكون الرئيسي للضباب الدخاني فوق مدينة بيروت، له مصدر رئيسي هو قطاع النقل. وأضافت أن التلوث بالجزيئات يصل الى نحو ضعفي الحد الاقصى، للمعدل السنوي البالغ 50 ميكروغرام/م3، كما أثبتت وجود تلوث بغازات اخرى مثل أول اوكسيد الكربون وثاني اوكسيد الكبريت.
وأظهرت دراسة شعبان ونويهض وجوندريان بالتعاون مع المركز اللبناني ومؤسسة هارفارد، عن التأثيرات الصحية والاقتصادية لتلوث الهواء في بيروت، أن كل زيادة من 10 ميكروغرام/م3 لتركيز الجزيئات في هواء مدينة بيروت وضواحيها يؤدي سنوياً الى 80 حالة وفاة مبكرة و3000 حالة استشفاء و2800 حالة دخول الى أقسام الطوارئ في المستشفيات و1400 يوم تعطيل عن العمل. وهذه الاصابات تكلف سنوياً نحو عشرة ملايين دولار. ومعدل التركيز في بيروت يبلغ نحو 200 ميكروغرام/م3. وهكذا، فالكلفة المالية المقدرة لهذا التلوث تبلغ نحو 130 مليون دولار سنوياً.
ولبنان في عداد 155 دولة وقعت الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ، والهدف النهائي هو تثبيت تكاثف غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. وقد أبرم لبنان هذه الاتفاقية في 1994، وأنجز التقرير الوطني الاول عن تلك السنة في العام 1999. والتوقيع على الاتفاقية يلزم الحكومة اللبنانية اصدار التقرير الوطني بشكل دوري، لكن ذلك لم يوضع بعد موضع التنفيذ. وقد أعلن التقرير الأول أن قطاع النقل هو المصدر الرئيسي لتلوث الهواء في لبنان.
وهناك نتيجة لا بد من بلوغها في السعي الى خفض الانبعاثات والتوصل الى نوعية هواء صحية من ضمن المعقول، وهي أن ذلك يمكن أن يتحقق عبر خطوط عريضة تشكل سياسة "عالمية" تقريباً هي: استراتيجية واضحة تضمن معايير الانبعاثات في السيارات الجديدة، ووقود نظيف، وبرامج لصيانة السيارات، وادارة سليمة لتنظيم حركة السير.
من الخطوات التي سعى فيها لبنان الى خفض الانبعاثات التي تصدر عن قطاع النقل، المرسوم 6603 الذي تناول الشاحنات والحافلات والمركبات الآلية التي تتضمن، فضلاً عن السيارات، المركبات الزراعية ومركبات الاشغال العامة. ونص على أنها جميعاً يجب أن تراقب عند تسجيلها، ويجب اجراء كشف ميكانيكي عليها ومراقبة ضغط البخاخات والمضخات وختمها بالرصاص لمنع تمازج المازوت (الديزل) بالاوكسيجين بحجة زيادة قوة المحرك. وفرض شروطاً مختلفة اخرى.
وقد سمحت الحكومة اللبنانية عام 1995 باستيراد الشاحنات والحافلات العاملة بالمازوت، وعلل ذلك بأن كلفة تشغيلها متدنية. ووفقاً لأقوال مسؤولين حديثاً، فقد بلغ عدد سيارات الاجرة الصغيرة التي حولت محركاتها بشكل غير قانوني لتعمل بالمازوت بدل البنزين، لتدني كلفته، ما يزيد على 30 ألف سيارة. يضاف الى ذلك تكاثر الدراجات النارية العاملة بالمازوت وغيره، التي التجأ اليها الناس هرباً من زحمة السير، فتحولت مصدر خطر من حيث التلوث والضجيج والسلامة العامة. وكثير من الديزل المستعمل الآن هو من المازوت الصناعي الذي ينتج انبعاثات أشد من المازوت المستعمل في العالم. والسيارات العاملة بالمازوت لا تبعث رصاصاً، لكنها تنثر جزيئات دقيقة تحتوي على نسبة مهمة من الدخان الاسود المشبع بمركبات عطرية متعددة الحلقات، وهي معروفة بنشاطها الضار بالصحة العامة وذات فعل مسرطن حتى اذا كانت ضعيفة التركيز. والدخان الاسود لا يظهر عادة نتيجة استعمال البنزين وقوداً.
في مقابلة بين المعايير والمقاييس الخاصة بتلوث الهواء في لبنان وتلك المطبقة في العديد من الدول والمنظمات العالمية، تبين أن الكثافات المسجلة في لبنان تزيد كثيراً على الحدود القصوى المدونة محلياً وعالمياً. وهذا دليل على أن وضع القوانين لا يكفي ان لم تطبق بدقة.
اللجان النيابية المختصة اتفقت مؤخراً على بعض التدابير، ولكن الهيئة العامة للمجلس النيابي اعترضت عليها بشدة، خصوصاً على موضوع المازوت، لأن بعض النواب يرون وجوب وضع مواصفات بدلاً من منع المازوت كلياً، في حين رأى آخرون أن لا امكانية لوضعها حالياً. لكن هذا الموضوع تشوبه حساسيات سياسية لأن عشرات آلاف السائقين الذين يعملون على المازوت يحظون بدعم سياسي، ويتحججون بأن المازوت أرخص ولا غنى عنه في الوضع الاقتصادي الصعب للبلاد وشعبها.
سورية: تلوث الهواء مكلف وأمراض التنفس في ازدياد
وسائل النقل هي الملوث الرئيسي لهواء المدن. ومعظم ما قيل عن لبنان ينطبق على معظم البلدان العربية. ففي سورية، مثلاً، أظهرت دراسة اجريت عامي 1994 ـ 1995 أن ما بين 70 و75% من تلوث الهواء في دمشق سببه محركات وقود الاحتراق الداخلي، بنوعيه البنزين والمازوت، وهما ينتجان ملوثات مختلفة. وقد وصل متوسط تركيز المركَّبات العديدة في المازوت، الذي جرى قياسه في محافظة دمشق، الى 5,5 نانوغرام في المتر المكعب من الهواء، وهذا يزيد على ستة أضعاف المتوسط العالمي. وأظهرت احصاءات سنة 1999 أن سورية استهلكت نحو 9,7 ملايين طن من المشتقات النفطية، منها نحو خمسة ملايين طن من المازوت. ويصل استخدام هذا النوع من الوقود في وسائل النقل السورية الى خمسة أضعاف استخدام البنزين. ويذكر أن نسبة الكبريت في المازوت السوري أعلى عشر مرات من نسبته في دول أخرى.
الآليات والسيارات عموماً هي السبب الاول لتلوث الهواء في دمشق وريف دمشق وحلب، وهي السبب الثاني في حمص وطرطوس وبانياس حيث السبب الاول هو التلوث الصناعي. أما في بقية المحافظات فالسبب الاول هو حرق النفايات الصلبة والانشطة الصناعية وحتى التصحر، ويحل التلوث الناتج عن حركة السير ثانياً في هذه المحافظات.
في العام 2000 بلغ عدد المركبات في سورية 750,000 مركبة، أي واحدة لكل 24 شخصاً. ولم تكن حصة السيارات الخاصة كبيرة فيها كما هي في لبنان. وقد توزعت على الصورة التالية: 140,000 سيارة سياحية و5,200 باص (حافلة) و40,000 ميكروباص و501,000 شاحنة و206,000 بيك أب و4,000 صهريج. وبلغ عدد العربات والقاطرات والشاحنات التي تعمل على خطوط السكك الحديد نحو 6,350. وتأتي دمشق في الطليعة من حيث عدد المركبات بمختلف أنواعها. ففيها نحو 250,000 مركبة منها 51,000 ميكروباص. وتحل حلب ثانية، اذ فيها نحو 241,000 مركبة.
ويعمل نحو ثلاثة أرباع المركبات في سورية بالمازوت، خاصة الحافلات والميكروباصات والشاحنات والجرارات والصهاريج. وهناك أكثر من 30,500 سيارة مشغَّلة تعود الى العام 1970 وما قبله. وفي الثمانينات ومطلع التسعينات جرى استيراد آلاف الميكروباصات العاملة بالمازوت، من دون لحظ الاعتبارات البيئية. وقد صدر مرسوم جمهوري في مطلع هذه السنة قضى بأن تستبدل جميع سيارات الركوب الصغيرة السياحية بكل فئاتها بسيارات جديدة لم يمض على صنعها أكثر من سنتين، بهدف تخليص البيئة السورية بين سنة 2001 وسنة 2006 من تلوث كبير تسببه السيارات القديمة. ويذكر أن استهلاك السيارات الجديدة للوقود يقل بنحو 30% عما تستهلكه السيارات القديمة.
وتقدر وزارة البيئة السورية أن خسائر البلاد نتيجة تلوث الهواء بلغت عام 1997 ما بين 1,200 و3,000 مليون ليرة سورية (الدولار يعادل 50 ليرة سورية). وتتوقع الوزارة أن ترتفع الخسارة سنة 2005 الى ما بين 3,000 و10,600 مليون ليرة. وهناك عامل اضافي زاد في تلوث هواء دمشق، أو انه لم يعمل على انقاصه، الا وهو انحسار الغوطتين اللتين كانتا تشكلان رئتي العاصمة السورية ومنقياً طبيعياً لهوائها.
وتشكو مصادر النقل والمرور من عدم وجود مواصفة سورية لنسب الملوثات تستطيع الجهات المعنية اعتمادها لدى فحص السيارات ومراقبتها وضبطها في حال المخالفة. ومع ذلك فان عدد محاضر الضبط يراوح شهرياً بين 51,000 و52,000 لمخالفات تصاعد دخان من عوادم السيارات. وليست لدى الدوائر الصحية دراسات يعتمد عليها ترصد نسب وأنواع الامراض الناتجة عن تلوث الهواء بما تنفثه عوادم السيارات. الا أن أطباء ومسؤولي مستشفيات يتحدثون، وان بشكل غير رسمي، عن تزايد حالات الحساسية التنفسية والربو والتهاب الشعب الهوائية واحتقان الرئتين وضيق التنفس والتليف الرئوي والسرطانات وتفاقم هذه الحالات. وهناك مطالبة بأنظمة سير متطورة.
الخبير الايطالي فرانكو غراما، الذي زار سورية أخيراً، حذر من خطورة تلوث الهواء، وقال انه وجد نسبة التلوث في دمشق أكثر مما توقع بنحو 80%. ودعا الى اعتماد وقود نظيف وخصوصاً الغاز الطبيعي.
وقد اتخذت في سورية اجراءات لمواجهة مخاطر هذا التلوث، ومنها التحول التدريجي عن البنزين المرصص الى ذاك الخالي من الرصاص. فطبقت التجربة في دمشق منذ مطلع 1997، وهي في طريق الاستكمال ويجري تطبيقها في عدد من المحافظات. وعلى رغم اعتماد تدابير اخرى ـ منها مراكز انطلاق خارج المدن للسيارات التي تسافر بين المناطق، وعبور سيارات الترانزيت من الملحقات الخارجية، وزيادة مساحات التشجير والحدائق في المدن ومحيطها، وزيادة عدد مراكز فحص السيارات وقياس ملوثاتها ـ فلا بد من حلول جذرية تتلخص في كثير مما ورد عن لبنان.
الاردن في انتظار خطة متكاملة
تختصر أهم تأثيرات قطاع النقل في الاردن بتلوث الهواء والضجيج والازدحام والحوادث. وقد ذكرت مصادر الامن العام الاردني أن أعداد السيارات ازدادت بشكل كبير في البلاد. ففي العام 1971 كان عددها حوالى 62,000 سيارة، فوصل عام 1998 الى 390,000، وفي 2000 بلغ نحو 420,000، بمعدل سيارة لكل 12 شخصاً تقريباً. وقالت المصادر ان عدد المركبات عامة ازداد 16,2 ضعفاً بمعدل زيادة سنوية بلغت 10,7%، بينما ازدادت ملكية السيارات بالنسبة الى عدد السكان خمسة أضعاف.
وجاء في دراسة أجرتها الجمعية الاردنية للوقاية من حوادث الطرق وشملت أكثر من 500 سيارة تمثل 33 نوعاً من المركبات في الاردن، أن 25% من المركبات تنفث دخاناً بكثافة تزيد 25 – 35% عن الكثافة المسموح بها طبقاً للمعايير الأردنية، و12% تنفث دخاناً بكثافة تزيد 15 ـ 25%، و16% تزيد كثافة دخانها بنسبة 5 ـ 15%.
وقال غازي العودات، مدير عام المؤسسة العامة لحماية البيئة بالوكالة، ان الوقود المستعمل في الاردن يحتوي على نسب من الكبريت والرصاص تتجاوز الحد المسموح به. ودعا، من دون أن يذكر أرقاماً محددة، الى تحسين نوعية الوقود وخفض نسب الكبريت والرصاص فيه تدريجياً والتركيز على تحسين أنواع السيارات، وغير ذلك من وجوه المعالجة الضرورية من حيث تأهيل مراكز الفحص والمراقبة والطرق. وأضاف جميل سليم، مدير المعهد المروري الاردني، أن 65% من السيارات الاردنية تستخدم البنزين الذي يحتوي على نسبة من الرصاص تبلغ واحداً في المئة، وتزداد هذه النسبة في البنزين الممتاز (98 اوكتان). وأشار الى أن زيت الديزل (السولار) المستخدم في الاردن يحتوي على نسبة كبريت مرتفعة تصل الى 1,5% وتزيد على المواصفات الاوروبية بما يبلغ ستة أضعاف. يضاف الى ذلك أن قطاع النقل الاردني يتسبب في انبعاث مركَّبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) التي تستخدم في أنظمة التكييف.
ويجري العمل في الاردن حالياً على وضع خطة متكاملة لانتاج البنزين الخالي من الرصاص بحلول سنة 2004، وتحسين نوعية الوقود المنتج في شركة مصفاة البترول الاردنية، ووضع التعليمات اللازمة لضبط الملوثات التي تنتج عن عوادم السيارات.
بنزين بلا رصاص في السعودية والخليج عموماً
في المملكة العربية السعودية سيارة لكل 3,7 أشخاص، وقد بلغ عدد السيارات فيها سبعة ملايين عام 1999. ويزداد العدد بنسبة تربو على 100,000 سيارة سنوياً. وازدحام السير وكثرة السيارات يؤديان الى ارتفاع التلوث. وتبذل مساع للتغلب على المشكلة بتدابير، منها تخطيط المدن بشكل مناسب، وخصوصاً الأحياء الجديدة، وقد قامت البلديات بتصميم شوارع واسعة داخل الأحياء. كما تنشأ أحياء جديدة على أطراف المدن. ويتم توزيع دوائر ومؤسسات حكومية في أجزاء مختلفة من المدينة. ففي الرياض، مثلاً، أنشئت أبنية للوزارات متباعدة بعدما كانت متجاورة في الماضي. ويشجع استخدام وسائل النقل العام. وأقيمت طرق رئيسية سريعة تحيط بالمدن لتخفيف الازدحام في وسطها. ويمنع مرور الشاحنات في طرق المدن الداخلية، وتسيَّر شاحنات النفايات والتنظيف في غير أوقات الذروة. وتجرى فحوص سنوية اجبارية للسيارات، تتضمن قياس تركيزات انبعاثات العوادم، ولا تجدد بطاقة السيارة الا بعد اجتياز هذا الفحص. ويتم تحرير محضر مخالفة مرورية لأي سيارة تنبعث منها أدخنة بشكل غير عادي.
وقد أنجزت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض دراسات خاصة برفع كفاءة إدارة الحركة المرورية. وتعد مدينة الرياض واحدة من أسرع مدن العالم نمواً سكانياً وعمرانياً وازدهاراً في الأنشطة التجارية والصناعية، مما أدى إلى ازدياد حركة التنقل داخلها. ولعل أبرز الدراسات المتعلقة بذلك إيجاد طريق رديفة للطرق التي تشهد ازدحاماً مرورياً، وإنشاء طريق دائرية شرقية جديدة، وإمكان إدخال قطارات الأنفاق والقطارات السريعة ضمن وسائط النقل في المدينة. وتوقعت دراسات الهيئة ما يزيد على 14 مليون رحلة يومياً بحلول سنة 2012 مقارنة بأقل من 5 ملايين رحلة في الوقت الحالي، وانخفاض متوسط السرعة من 52 كيلومتراً في الساعة إلى حوالى 25 كيلومتراً، الأمر الذي يستدعي النظر في سبل تطوير وإدارة نظام النقل في المدينة وتدارك أزمات تلوث الهواء المحتمل نشوؤها.
وتتجه دول عربية كثيرة للتحول إلى البنزين الخالي من الرصاص. وقد اتفقت دول مجلس التعاون الخليجي على إنتاج هذا البنزين سنة 2002 كحد أقصى. وباتت شركات السيارات لا ترسل إلى المنطقة إلا الطرازات العاملة بهذا البنزين، علماً أن الطرازات الجديدة التي تعمل بالبنزين المرصص باتت تكلف هذه الشركات أكثر، لأنها تحتاج إلى تعديل التصميم الأصلي. ومنذ كانون الأول (ديسمبر) 2000 توقفت شركة أرامكو السعودية عن تسويق البنزين المرصص، تمهيداً لإحلال البنزين الخالي من الرصاص محله في بداية سنة 2001. وسيصبح هذا البنزين الخيار الوحيد أمام المستهلك في السعودية ابتداء من كانون الثاني (يناير) 2002.
من جهتها، أطلقت الكويت نوعين خاليين من الرصاص في العام 1999، بينما أطلقت البحرين نوعين مع بداية 2001. أما الإمارات العربية المتحدة فتسوق منذ سنوات نوعاً خالياً من الرصاص، وسوف تطلق نوعاً آخر في وقت قريب. كذلك أطلقت عمان نوعاً في 1999.
ومنذ حزيران (يونيو) 2000 ومحطات الوقود القطرية لا تبيع إلا البنزين الخالي من الرصاص. وقد سحبت قطر كميات البنزين الممزوج بالرصاص كلياً من الأسواق لتكون بذلك أول دولة عربية وشرق أوسطية تقوم بهذه المبادرة البيئية. وكانت قطر أول دولة عربية تسوق البنزين الخالي من الرصاص 90 أوكتان للاستهلاك المحلي عام 1984. وهي تستعد لتكون »مصدّراً رئيسياً للبنزين الخالي من الرصاص«، كما يقول مدير عام الشركة الوطنية لتوزيع النفط محمد السبيع، متوقعاً تصدير كميات "تصل إلى 13 مليون برميل في السنة حين ينتهي مشروع توسعة مصفاة الشركة". وتنتج قطر حالياً 13 ألف برميل يومياً من هذا البنزين، ويتوقع أن يصل الإنتاج إلى 50 ألفاً عند انتهاء مشروع التوسعة.
كادر
اجراءات لتخفيف تلوث الهواء الناجم عن وسائل النقل في لبنان
تدرس الحكومة اللبنانية مجموعة اجراءات للتخفيف من تلوث الهواء الناجم عن حركة السير، خصوصاً داخل المدن. لكنها لم تتوصل بعد الى أي تدابير نهائية. وقد تضمنت احدى أوراق العمل التي قدمت في هذا المجال حلولاً عملية للمسببات الرئيسية، أهمها:
منع استيراد السيارات العاملة على المازوت (الديزل)
المشكلة أساساً هي من الشاحنات والحافلات والسيارات الصغيرة. بينما تعمل الشاحنات والحافلات على المازوت بترخيص، فالسيارات الصغيرة ممنوعة قانوناً من استخدام المازوت، وقد تم تبديل محركاتها، وهي غير مسجلة رسمياً على أنها تعمل على المازوت. إذاً هي خارج الرقابة الفعلية.
ومشاكل التلوث الأساسية من سيارات المازوت في لبنان ناتجة من عاملين رئيسيين: المحركات القديمة التي لا تخضع للصيانة والكشف الدوري لقياس مستوى الانبعاثات، ونوع المازوت المستعمل وهو صالح للآليات والمعدات ذات السرعة الثابتة، مثل أجهزة التدفئة والحفر وغيرها، لكنه ليس مخصصاً لوسائل النقل. ومحركات المازوت ذات الصيانة الجيدة تعطي نسبة أقل من الغازات السامة مقارنة مع محركات البنزين (حتى الخالي من الرصاص مع محوّل حفّاز). لكن محركات المازوت، في جميع الحالات، تعطي كمية كبيرة من الجزيئات (particulates) التي تظهر بشكل دخان أسود. وهذه المحركات تحتاج الى تغيير الفلتر دورياً والى صيانة أكثر من محركات البنزين. وقد تم تقدير وجود 30 ألف سيارة صغيرة تعمل على المازوت خلافاً للقانون. والمطلوب حلحلة الوضع القائم، ومراقبة التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال الوقود النظيف خلال السنوات الخمس المقبلة، فتبقى الخيارات مفتوحة لمنع المازوت كلياً في السيارات أو تشريعه مع شروط رقابة صارمة، بعد فترة "التنظيف".
خلال هذه الفترة، تتخذ التدابير الآتية: يمنع فوراً استبدال محركات البنزين بمحركات مازوت في السيارات الصغيرة. وتعطى فترة 3 شهور لتسجيل جميع السيارات التي تم تحويلها سابقاً الى المازوت، لتيسير مراقبتها. ويتم انشاء مراكز معاينة في المحافظات، بعد تفعيل دوائر الميكانيك وتزويدها بالمعدات اللازمة لمعاينة سيارات المازوت. ويتم تسيير دوريات فحص على الطرقات. وتزود محطات المحروقات بمازوت من نوعية صالحة للسيارات، مع الاشارة بوضوح الى هذا (السعر أعلى من المازوت الصناعي). وتخضع جميع السيارات الصغيرة والحافلات والشاحنات العاملة على المازوت الى فحص دوري كل ستة أشهر لتحديد نسب الانبعاثات منها، كما تخضع لحملات فحص استنسابية على الطرقات. هذه التدابير ستؤدي الى إخضاع جميع سيارات المازوت للقانون، وهي ستؤول، خلال فترة قصيرة، الى تخفيض عددها، لأن صيانتها لاجتياز الكشف ستجعلها أعلى كلفة في التشغيل وبالتالي أقلّ إغراءً.
تعميم البنزين الخالي من الرصاص
للمساهمة في تخفيف تلوث الهواء والحفاظ على صحة المواطنين، تقرر الحكومة اعتماد خطة مرحلية للتحول الى البنزين الخالي من الرصاص وتعميم المحولات الحفازة، علماً أن لبنان هو من أسهل الدول تحولاً في المنطقة، ربما بسبب اقتصاده الحر، كما أن البنزين الخالي من الرصاص موجود في أي محطة تقريباً، وهذا غير متوافر في أي بلد عربي حتى الآن. ويمكن تحقيق ذلك وفق البرنامج الآتي: أولاً، تخفيض سعر العشرين ليتراً من البنزين الخالي من الرصاص ألف ليرة (الدولار نحو 1500 ليرة) ورفع سعر البنزين المحتوي على رصاص ألف ليرة للعشرين ليتراً. ثانياً، منع دخول بنزين يحتوي على نسبة رصاص تفوق 0,15 غرام في الليتر بعد فترة ستة أشهر من صدور القرار (نسبة الرصاص في البنزين المستعمل اليوم 0,25 غرام في الليتر). ثالثاً، منع استيراد أي سيارة لا تحتوي على محوّل حفّاز (catalytic converter) إبتداء من 1/1/2002.
المعاينة الدورية للسيّارات
يتم تعيين عدد من ورش الصيانة الخاصة في جميع المحافظات، أكانت تابعة لوكلاء السيارات أو لميكانيكيين مستقلين، لاجراء معاينة سنوية للسيارات. وهذا يتم وفقاً لمعايير محددة يشترط توفرها، أبرزها الخبرة ووجود المعدات اللازمة والصالحة للمعاينة والموقع المناسب. تشمل المعاينة وضع السيارة من حيث الميكانيك والسلامة، كما تشمل فحصاً لنسبة الانبعاثات الغازية. وهي تجرى سنوياً في فترة دفع الرسوم، لقاء بدل محدد، وتحصل السيارة حين اجتياز المعاينة على شهادة ميكانيك وبيئة. وتوضع معايير للمعاينة وتحدد المعدات المطلوب توافرها والمقاييس المعتمدة. وتجرى مراقبة دورية لورش الميكانيك المكلفة إعطاء التصاريح. كما تتم حملات تفتيش استنسابية على الطرقات لمعاينة بعض السيارات ومقارنة نتائجها مع نتائج التقرير المعد من الورشة، وتفرض عقوبات رادعة على كل ورشة يثبت أنها أعطت تقريراً كاذباً. (هذه هي الوسيلة المتبعة في اليونان لمراقبة عمل ورش المعاينة الميكانيكية الخاصة).
كادر
حقائق وأرقام وإجراءات من دول العالم
- خطت السلطات المختصة في مصر خطوة مهمة في تخفيف حدة تلوث الهواء، عبر توفير الغاز الطبيعي كوقود للسيارات. وقد بدأ العمل بالمشروع فعلياً عام 1996، ويبلغ عدد السيارات العاملة على الغاز الطبيعي حالياً ما يزيد على 30,000 سيارة، فبات ترتيب مصر في المركز السابع عالمياً من حيث عدد السيارات العاملة على الغاز. ولهذا التحول مردود اقتصادي، إذ ان سعر الغاز يبلغ نصف سعر البنزين تقريباً، فضلاً عن مردوده البيئي، لأن الملوثات الصادرة عن سيارات الغاز، بوجه عام، أقل من تلك الصادرة من سيارات البنزين. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن ما يزيد على 90% من السيارات في القاهرة تستخدم البنزين الخالي من الرصاص.
- يعتبر لبنان من أكثر البلدان كثافة بعدد السيارات. ففيه سيارة لكل 3 أشخاص، وهي نسبة تقرب من الدول المتطورة. وبالمقارنة، هناك سيارة لكل 1,84 شخص في إيطاليا، ولشخصين في الولايات المتحدة، ولـ2,36 في فرنسا، و2,75 في إسبانيا، و3,36 في لبنان، و4,8 في اليونان، و13 في البرازيل، و20 في تركيا، و37 في المغرب.
- قامت السلطات المسؤولة في سنغافورة بخطوات عديدة لتشجيع السكان على التخفيف من استعمال السيارات الخاصة والاستعاضة عنها بالنقل العام. ومن القوانين التي سنّت لهذا الهدف قانون "سيارات نهاية الأسبوع" الذي يسمح للمواطنين باقتناء سيارات خاصة تستعمل فقط خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأيام التعطيل الرسمي، وبين السابعة مساء والسابعة صباحاً خلال أيام الأسبوع. ويُعفى صاحب هذه السيارة من ضريبة الطرق السنوية، كما يحصل على حسم كبير على رسم التسجيل عند شراء السيارة. وتُعرّف هذه السيارات بلوحات ذات ألوان مختلفة عن بقية السيارات.
- يعاني معظم المدن الآسيوية حالات تلوث هواء. وقطاع النقل البري مصدر نحو 50% من الجزيئات في الهواء. وهنا بعض نتائج القياسات: مانيلا (الفيليبين) 40%، بومباي (الهند) 50%، هونغ كونغ (الصين) 50%، جاكرتا (إندونيسيا) 45%.
- صدر في الولايات المتحدة عام 1993 قانون يحظر إنتاج السيارات العاملة على البنزين الحاوي مادة الرصاص. وفي العام 1996 حظر استعمال الرصاص في البنزين نهائياً. وقام العديد من الدول الأخرى بخطوات مماثلة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض كمية الرصاص في الهواء عالمياً نحو 75 في المئة بين العامين 1970 و1995.
- في نهاية العام 2000 كانت 45 دولة في العالم تستعمل البنزين الخالي من الرصاص. وقد سجل هذا البنزين نسبة 78 في المئة من البنزين المستهلك عالمياً عام 1991، ويتوقع أن ترتفع النسبة الى 87 في المئة بنهاية 2005.