على العرب أن يكونوا شركاء في تكنولوجيا البيئة لا مجرد مستهلكين
الثروات الطبيعية في آسيا وافريقيا هي إما غير مكتشفة بعد أو يتم استنزافها بأسعار تقل عن قيمتها الفعلية، ضمن شبكة من العلاقات الاقتصادية الدولية تضع موارد العالم في خدمة الدول الصناعية وفق شروطها هي. ويقول الدكتور فاروق الباز، العالم الأميركي المصري الأصل، ان علوم الأرض نشأت في أوروبا، وهي القارة الوحيدة الخالية من الصحراء، لذا لم يهتم علماء الجيولوجيا الأوائل بتضاريس الاراضي الجافة وبيئة الصحراء. ومع ظهور النفط، اتجه اهتمام الغرب الى جمع المعلومات الكفيلة باستثمار موارد البلدان الصحراوية بأسعار رخيصة، وبما يفيد مصالحه هو.
ومن المفارقات الصارخة لانعدام العدالة في التعامل مع الثروات الطبيعية تسعير النفط. فالمعروف أن معظم الاحتياطات النفطية موجودة خارج الدول الصناعية، في آسيا وافريقيا تحديداً، وتستقطب الدول العربية الحصة الكبرى منها. وهذا يفسر أن سعر النفط في الأسواق هو دائماً أدنى من قيمته الحقيقية كمورد طبيعي محدود ومعرّض للنضوب. فلو تم تسعير النفط بناء على قاعدة الوفرة والعرض والطلب، لكان ثمنه أضعاف ما هو عليه.
لو كانت الدول الصناعية تملك معظم الاحتياط النفطي العالمي، هل كانت لتقبل بأن تبيعه رخيصاً للدول النامية، بأسعار لا تجاري نسب التضخم العالمية؟ ولماذا لا يتحرك سعر النفط، طبيعياً، مع التضخم وحركة السوق؟ ولماذا لا يتم ربطه بالقوة الشرائية؟ إن سعر النفط، على مستوياته الحاضرة التي تعتبر مرتفعة، لا يجاري ارتفاع كلفة المنتجات والخدمات الصناعية والعلمية والتكنولوجية التي اشترتها الدول النفطية من الدول الصناعية خلال الفترة بين عام 1973، مثلاً، حين كان معدل سعر البرميل خمسة دولارات، والتسعينات حين انخفض الى ما دون عشرة دولارات، واليوم حين وصل الى حدود ثلاثين دولاراً. ورغم هذا، ما زال أقل من مستويات التضخم وأسعار الخدمات في الدول الصناعية. فعندما تطالب الدول الصناعية بزيادة كميات انتاج النفط لتخفيض الأسعار، هل ترى أن هذا هدر لموارد عالمية معرضة للنضوب يخلّ بالتوازن البيئي، أم أن نظريات الحفاظ على الموارد لا تنطبق على الدول النامية؟ ولماذا تنتظر الدول الصناعية من الدول النامية المنتجة للنفط هدر ثرواتها بكميات كبيرة لتخفيض الأسعار اليوم، بدل حفظها كحق للأجيال المقبلة؟
حديث كثير يدور عن التحول الى مصادر الطاقة المتجددة النظيفة، من الرياح والشمس والحرارة الجوفية. وهي جميعاً خيارات مستقبلية لا مفر منها، وعلى العرب التحضير ليكونوا شركاء في تطوير تكنولوجياتها منذ اليوم، لا أن ينتظروا طرحها في الأسواق لشرائها كمجرد مستهلكين.
والى أن تصبح مصادر الطاقة الجديدة أمراً واقعاً، يجب أن يحصل المنتجون على سعر حقيقي للنفط، يعبّر عن الحاجة الاقتصادية اليه. وهذا سيتيح للدول النفطية استخدام دخلها الحالي من التصدير في مشاريع لتطوير تكنولوجيات الطاقة الجديدة، مما يؤهلها مستقبلاً للاستمرار في إنتاج الطاقة وتصديرها، لكن هذه المرة من الرياح والشمس. والمنطقة العربية كلها تقع ضمن أغنى حزام شمسي في العالم، يتمتع بجدوى عالية لاستثمار الطاقة الشمسية النظيفة. هكذا تؤدي الادارة الحكيمة لموارد النفط اليوم، واستثمارها في التكنولوجيا المتطورة، الى التحكّم بمصادر الطاقة المتجددة في المستقبل.
جاء من أقنع الدول النفطية يوماً أن مصلحتها تقضي بزيادة الانتاج لتعويم السوق وإبقاء سعر النفط منخفضاً، لعدم تشجيع الدول الأخرى على تطوير تكنولوجيات بديلة قد تفضي في النتيجة الى الاستغناء عن النفط. وقد ثبت اليوم عقم هذه النظرية، إذ ان نتيجتها الوحيدة كانت هدر موارد الدول المنتجة بسعر رخيص وابقاءها معزولة عن التطور التكنولوجي.
الخيار الوحيد الذي يحفظ مصالح الأجيال المقبلة هو تحويل دخل النفط الى استثمارات في الانسان وتكنولوجيا المستقبل.
|