عوني صرّيف
«شو لَوْن، شو غَيْم، شو كروم عم تلمع»! كلمات فيروز التي تصف بها ربوع ديار حبيبها تصف بدقة حدائق ونترتور في شمال ولاية ديلاوير الأميركية، منتصف الطريق بين نيويورك وواشنطن. أعتبر منطقة وادي ديلاوير وبراندي واين، الشهيرة بتلالها المتدحرجة التي تظهر في رسوم آندرو وايث، جزيرتي الخاصة. فهي تبدو معزولة عن العالم، شواطئها شبكات الطرق الرئيسية المزدحمة والصاخبة. وما أن تدخل حدائق ونترتور، أو حدائق لونغوود القريبة ـ وكلتاهما من هبات عائلة دوبونت الثرية للمنطقة ـ فأنت فعلاً في جنتين يحج إليهما الناس من جميع أنحاء العالم.
منذ تقاعدت، أصبحت زياراتي إلى ونترتور ولونغوود أسبوعية، وعند تغير الفصول يومية، كي لا يفوتني التغير المثير في الألوان، خصوصاً في فصلي الربيع والخريف. فالألوان ـ في رؤية المؤسس هنري فرانسيس دوبونت (1880 ـ 1969) كما لو كان يردد كلمات فيروز ـ أهم من أي شيء آخر!
تبلغ مساحات ممتلكات ونترتور 3.84 كيلومترمربع، وفيها طرق وممرات تزيد مجتمعة على 3 كيلومترات. وفي أكثر من 240 ألف متر مربع نُظمت النباتات والشجيرات بطرق تبدو لعين الناظر «طبيعية»، فتمتزج ألوان الزهور خلال الربيع وألوان الأوراق المتغيرة والمتساقطة في الخريف. لكن هذا لا يعني اختفاء الألوان في الشتاء أو الصيف. فلكل فصل ألوانه وسحره الخاص.
تحوي حدائق ونترتور ما يزيد على 7500 نوع من النباتات، منها أرز لبنان!
يبدأ الربيع فعلاً في الأسبوع الثاني من آذار (مارس)، عندما تُفرش التلال المتدحرجة بسجاد أزرق، سرعان ما يختفي، يتابعه بانتظام مخطط تَزَهُّر الأشجار العديدة والنباتات البرية الموزعة في أنحاء الجنائن، وتصل قمته في أيار (مايو) عندما تزهر شجيرات الأزاليا بألوانها المتعددة.
وفي فصل الخريف يبدأ تغير ألوان ورق أشجار معينة، مثل الدوغوود والمايبل (القيقب) في منتصف أيلول (سبتمبر). وما أن يأتي كانون الأول (ديسمبر) حتى تكون معظم الأشجار عارية من الورق.
ونترتور ليست مجرد جنائن، ففيها غابة «مسحورة» للأطفال، وقصر ومتحف مختص بالحضارة الأميركية المبكرة والأثر الأوروبي عليها، ومراكز علمية وبيئية وثقافية. وتحوي مكتبتها آلاف المخطوطات والكتب في علوم النباتات والاجتماع والفن الأميركي، وتعتبر مرجعاً عالمياً مهماً للعالم والطالب والهاوي على حد سواء.
أختتم بنقطتين: أولاً، من الممكن حماية البيئة والحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي وسط المدينة الصاخبة حيث التلوث والضجيج. وهذا ما يجعل أماكن مثل ونترتور وسنترال بارك في نيويورك ومتنزهات لندن وباريس وبروكسل وغيرها من المدن أماكن تُرعى ويحافظ عليها.
ثانياً، عندما أسير في ونترتور أو لونغوود، سواء لوحدي أو مع صديق، تحملني الذكريات إلى معقل آخر، حرم الجامعة الأميركية في بيروت، وجولاتنا الدراسية مع الراحل البروفسور شارل أبو شعر، أستاذ تصنيف النباتات، وهو يعرفنا على كنوز الحرم الجامعي من نبات وأشجار. فإلى ذكراه أهدي هذا المقال.
|