|
|
|
موضوع الغلاف |
|
. |
استثمارات الطاقة الخضراء ايلول 2011 / عدد 162 |
|
|
|
مشروع الرياح في الصين واللاقطات الشمسية الصغيرة على سطوح أوروبا رفعت الاستثمارات العالمية في الطاقة الخضراء 32 في المئة العام الماضي. فقد ضخ المسثمرون عام 2010 مبلغاً قياسياً بلغ 211 بليون دولار في الطاقات المتجددة، أي أكثر بنحو الثلث من 160 بليون دولار تم استثمارها عام 2009، وبزيادة 540 في المئة منذ العام 2004.
ولأول مرة، تجاوزت البلدان النامية البلدان المتقدمة من حيث «الاستثمار المالي الجديد»، بالانفاق على مشاريع محطات الطاقة المتجددة وتزويد شركات الطاقة المتجددة بأسهم رؤوس الأموال. على هذا الصعيد، تم استثمار 72 بليون دولار في البلدان النامية في مقابل 70 بليون دولار في البلدان المتقدمة، بالمقارنة مع العام 2004 حين بلغت الاستثمارات المالية الجديدة في البلدان النامية نحو ربع الاستثمارات في البلدان المتقدمة.
وردت هذه الأرقام في تقرير جديد بعنوان "الاتجاهات العالمية للاستثمار في الطاقة المتجددة 2011" أعدته مؤسسة بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة، ومقرها في لندن، بتكليف من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب).
تصدرت الصين ريادة الطاقة المتجددة عام 2010، إذ بلغ استثمارها المالي الجديد 48,9 بليون دولار (بارتفاع 28% عن 2009). لكن مناطق أخرى من العالم الناشئ أظهرت أيضاً نمواً قوياً. فقد ارتفعت الاستثمارات الجديدة في أميركا الجنوبية والوسطى بنسبة 39 في المئة لتبلغ 13,1 بليون دولار، وفي الشرق الأوسط وأفريقيا بنسبة 104 في المئة لتبلغ 5 بلايين دولار، وفي الهند بنسبة 25 في المئة لتبلغ 3,8 بليون دولار، وفي البلدان الآسيوية النامية باستثناء الصين والهند بنسبة 31 في المئة لتبلغ 4 بلايين دولار.
حققت دول أفريقيا أكبر زيادة مئوية في استثمارات الطاقة المتجددة بين الدول النامية، باستثناء الصين والهند والبرازيل. وقد ارتفع إجمالي الاستثمار في القارة من 750 مليون دولار الى 3,6 بليون دولار عام 2010، وسبب ذلك الى حد بعيد الأداء القوي في مصر وكينيا. ففي مصر ارتفعت استثمارات الطاقة المتجددة بمقدار 800 مليون دولار عام 2010 فبلعت نحو 1,3 بليون دولار، لكن ذلك كان نتيجة صفقتين فقط، هما مشروع الطاقة الحرارية الشمسية بقدرة 100 ميغاواط في كوم أمبو، ومزرعة الرياح الساحلية بقدرة 220 ميغاواط في منطقة خليج الزيت. ومن المقرر أن تكون الخطوة التالية طرح مناقصة لمزيد من مزارع الرياح بقدرة مئات الميغاواط في منطقة خليج السويس.
وفي المغرب، قد تكون هناك قفزة في استثمارات الطاقة المتجددة، بإقامة مزرعة رياح قدرة 150 ميغاواط قرب مدينة تازه الشمالية، ومشروع طاقة حرارية شمسية بقدرة 500 ميغاواط في ورزازات بجنوب البلاد. وقد بلغ كلا المشروعين مرحلة طرح المناقصات.
وهناك تطور ايجابي آخر له مضامين على المدى البعيد، هو مشاريع الأبحاث والتطوير الحكومية. فهذه الفئة من الاستثمار ازدادت بأكثر من 120 في المئة لتتجاوز 5 بلايين دولار.
لكن النمو الايجابي لم يكن نصيب جميع المناطق عام 2010. ففي أوروبا، انخفضت الاستثمارات المالية الجديدة في مشاريع الطاقة المتجددة الصغيرة بنسبة 22 في المئة، لتبلغ 35,2 بليون دولار. إلا أن التعويض جاء عبر فورة من المشاريع الصغيرة، ومعظمها تركيب لاقطات شمسية على السطوح. وعزا مايكل ليبريك، رئيس مجلس إدارة مؤسسة بلومبرغ، ازدهار مشاريع الطاقة الشمسية الصغيرة في أوروبا الى تعرفات تغذية الشبكة العامة، خصوصاً في ألمانيا، إضافة الى هبوط حاد في كلفة النظم الفوتوفولطية.
ارتفعت استثمارات «القدرة الصغيرة الموزعة» في ألمانيا 132 في المئة الى 34 بليون دولار، وفي ايطاليا 59 في المئة الى 5,5 بليون دولار، وفي فرنسا 150 في المئة الى 2,7 بليون دولار، وفي الجمهورية التشيكية 163 في المئة الى 2,3 بليون دولار.
وهبط سعر النظم الفوتوفولطية لكل ميغاواط 60 في المئة منذ منتصف 2008، ما جعل الطاقة الشمسية أكثر تنافسية في عدد من البلدان المشمسة.
ومع نهاية 2010، سارعت بلدان كثيرة لجعل تعرفات النظم الفوتوفولطية أقل سخاء. فتحركت إسبانيا والجمهورية التشيكية لادخال تخفيضات بمفعول رجعي على تعرفات التغذية لمشاريع قيد التشغيل الفعلي، وهذا ربما زعزع ثقة المستثمرين. وأعلنت بلدان أخرى، مثل ألمانيا وإيطاليا، عن تخفيضات في تعرفات المشاريع الجديدة، وهي خطوات منطقية تعكس الهبوط الحاد في تكاليف التكنولوجيا. ومع ذلك، توقع تقرير «يونيب» أن تبقى سوق النظم الشمسية الصغيرة قوية خلال 2011. ورأى أن المستقبـل يحمل مزيداً من الانخفاض في تكاليف تكنولوجيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما، ما يشكل منافسة متنامية لهيمنة مصادر توليد الكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري في السنوات القليلة المقبلة.
أين ذهبت الاستثمارات؟
خلال العقد الماضي، كانت الرياح تكنولوجيا الطاقة المتجددة الأكثر «نضجاً»، وحظيت ظاهرياً بتفوق على مصادر الطاقة المتنافسة.
هبطت أسعار توربينات الرياح 18 في المئة لكل ميغاواط في السنتين الأخيرتين، ما يعكس، كما هي حال الطاقة الشمسية، تنافساً شرساً في سلسلة الامدادت. وفي العام 2010، واصلت الرياح هيمنتها من حيث الاستثمار المالي الجديد في مشاريع الطاقات المتجددة الكبيرة، فبلغ 94,7 بليون دولار (بارتفاع 30% عن 2009). لكن عند اعتبار الاستثمارات في مشاريع صغيرة، تكاد استثمارات الطاقة الشمسية تضاهيها إذ بلغت 86 بليون دولار عام 2010، بارتفاع 52 في المئة عن السنة السابقة.
وباستثمار 11 بليون دولار، أتت مشاريع الكتلة الحيوية وإنتاج الطاقة من النفايات في المرتبة الثالثة، سابقة الوقود الحيوي الذي شهد ازدهاراً سابقاً فبلغت استثماراته 20,4 بليون دولار عام 2006 لكنها هبطت دراماتيكياً الى 5,5 بليون دولار عام 2010.
تشكل المشاريع الكهرمائية الكبرى القطاع الأكبر للطاقة المتجددة التي هي قيد التشغيل في أنحاء العالم، إذ ولدت نحو 945 جيغاواط عام 2008 وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية. وتقدر مؤسسة بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة أن نحو 27,1 جيغاواط من قدرة المشاريع وضعت قيد التشغيل عام 2010، وهذا يقل عن أرقام توليد الكهرباء بطاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكنه يفوق كثيراً التوليد بواسطة الطاقة النووية. وإذا كان معدل كلفة كل ميغاواط 1,7 بليون دولار، فهذا يعني أن محطات كهرمائية كبرى بقيمة 46 بليون دولار بدأت العمل العام الماضي. ومن بين المشاريع الكهرمائية الكبرى التي أنجزت خلال 2010 مشروع نام ثيون2 في لاوس الذي بلغت قدرته 1070 ميغاواط، ومحطة جينانكياو في الصين بقدرة 2,4 جيغاواط، وسـد تانا بيليس في إثيوبيا بقدرة 160 ميغاواط.
القفزات المئوية الأكثر حدة في مجموع الاستثمار حدثت في المشاريع الصغيرة، بارتفاع 91 في المئة خلال سنة الى 60 بليون دولار، وفي مشاريع الأبحاث والتطوير التي تمولها الحكومات بارتفاع 121 في المئة الى 5,3 بليون دولار، مع تلقي القطاع المزيد من أموال «الحافز الأخضر» التي تم التعهد بها بعد الأزمة المالية.
وانخفضت أسعار أسهم الطاقة النظيفة عام 2010، إذ هبط مؤشر ويلدرهيل للابداع العالمي في الطاقة الجديدة (NEX) بنسبة 14,6 في المئة، ومؤشرات أسواق الأسهم الأوسع الضعيفة الأداء بأكثر من 20 في المئة. هذا الهبوط عكس قلق المستثمرين حيال فرط انتاجية الصناعة، وتخفيضات برامج الدعم، ومنافسة محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي الرخيص الثمن.
وأدى انخفاض سعر الغاز الطبيعي، الذي راوح بين 3 و5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية BTU خلال معظم العام 2010، الى الحد من نمو الطاقات المتجددة. فقد كان سعر الغاز الطبيعي أقل كثيراً مما كان في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن يبلغ الذروة عند 13 دولاراً عام 2009. وهذا أعطى مولدي الطاقة في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى حافزاً لبناء المزيد من المحطات العاملة بالغاز، وأضعف شروط اتفاقات شراء الطاقة من مشاريع الطاقة المتجددة.
تعليقاً على هذه التطورات، لفت رئيس معهد فرانكفورت للتمويل والإدارة أودو ستيفنز الى أن صناعة التمويل والاستثمار ما زالت تتعافى من الأزمة المالية الأخيرة، ومع ذلك استمر التزامها بالطاقات المتجددة، ما يثبت إيمانها القوي بإمكانات هذه الاستثمارات.
نفط وغاز وفحم... ونوويّ للعرب
في البلدان العربية حالياً نحو 60 مليون فرد يعوزهم الوصول الى خدمات طاقة يمكنهم تحمل نفقاتها. ومن دون الوصول الى الطاقة، تتعرض فرصهم في تنمية اقتصادية وتحسين مستويات معيشتهم لقيود صارمة.
أدى قطاع الطاقة في المنطقة العربية دوراً حاسماً في التنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية. وكانت عائدات النفط والغاز، التي قدرت بـ 571 بليون دولار عام 2008، المصدر الرئيسي للدخل في معظم البلدان العربية، خصوصاً في منطقة الخليج. ووفقاً لصندوق النقد العربي، يشكل قطاع النفط والغاز نحو 38 في المئة من مجمل الناتج المحلي الاجمالي العربي.
الطاقة النووية ليست جزءاً من مزيج توليد الطاقة في أي بلد عربي، لكن هناك خططاً للتعاقد مع مجموعات شركات متعددة الجنسيات لتأمين مشتريات محطات طاقة نووية وانشائها.
تحظى المنطقة العربية بموارد طاقة متجددة ضخمة، رصدها تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) لسنة 2011 الذي يصدر في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل وعنوانه «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير»،وجاء فيه أن لدى المنطقة العربية قدرة كهرمائية مركبة تبلغ نحو 10,7 ميغاواط، وتوجد محطات كهرمائية كبيرة في مصر والعراق، ومحطات صغيرة في الجزائر والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب والسودان وسورية وتونس. وقد بلغ انتاج الكهرباء المائية عام 2008 ما يعادل 21 تيراواط ساعة.
وتم تسجيل معدل سرعة رياح مقداره 8 ـ 11 متراً بالثانية في خليج السويس في مصر، و5 ـ 7 أمتار بالثانية في الأردن، ما يجعل هذين الموقعين مناسبين لتوليد الكهرباء من الرياح. وتم تركيب وحدات طاقة رياح موصولة بالشبكة العامة على نطاقين تجاريين، بقدرة 550 ميغاواط في مصر و280 ميغاواط في المغرب، فيما يجري تشغيل محطات رياح مستقلة لتطبيقات صغيرة في الأردن والمغرب وسورية.
يقع جزء كبير من المنطقة العربية ضمن ما يسمى «حزام الشمس»، الذي يستفيد من معظم أشعة الشمس الكثيفة الطاقة على الكرة الأرضية، من حيث الحرارة والضوء على السواء. وتتراوح مصادر الطاقة الشمسية في البلدان العربية بين 1460 و3000 كيلوواط ساعة في المتر المربع في السنة. ويُستعمل توليد الطاقة الشمسية الذي يستخدم التكنولوجيا الفوتوفولطية في عدة تطبيقات مستقلة، خصوصاً لضخ المياه والاتصالات السلكية واللاسلكية والاضاءة في مواقع نائية. ويوجد أكبر برنامج فوتوفولطي عربي في المغرب، حيث تم تركيب 160 ألف نظام طاقة شمسية منزلي في نحو 8 في المئة من البيوت الريفية بقدرة اجمالية تبلغ 16 ميغاواط. وتطورت تطبيقات الضخ الفوتوفولطي نسبياً في تونس حيث بلغ اجمالي القدرة الذروية 255 كيلوواط.
تحقق سخانات المياه الشمسية درجات مختلفة من الاختراق السوقي، وهي حالياً أكثر نجاحاً في القطاعين السكني والتجاري في مصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين. وجدير بالذكر أن سخانات المياه الشمسية هي أكثر استعمالاً في البلدان العربية التي توجد لديها موارد هيدروكربونية قليلة نسبياً أو لا توجد.
ولدى بلدان الخليج وشمال أفريقيا امتدادات واسعة من المناطق الصحراوية التي يسطع فيها ضوء الشمس. وحتى الآن، تكاد قدرة الطاقة الشمسية المركبة لا تذكر، اذ هناك أقل من 3 ميغاواط من الطاقة الفوتوفولطية في السعودية وقدرة مركبة تبلغ 10 ميغاواط في الامارات. ولا توجد حتى الآن محطات طاقة شمسية بالحرارة المركزة (CSP) في المنطقة، لكن بعض البلدان أعلنت عن خطط للاستثمار في هذه المحطات.
ويجري انشاء مشروع طاقة حرارية شمسية يدعى «شمس 1» بقدرة 100 ميغاواط في مدينة مصدر في أبوظبي، التي باشرت أيضاً عملية طرح مناقصة لمحطة فوتوفولطية موصولة بالشبكة العامة بقدرة 100 ميغاواط ذروة. وفي السعودية، أرسى مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية عقداً لإنشاء نظام فوتوفولطي بقدرة 3 ميغاواط ذروة، وأرست أرامكو عقداً لإنشاء محطة فوتوفولطية مركبة على ظِلَّة بقدرة 10 ميغاواط ذروة في الظهران، وهي ستكون أكبر محطة فوتوفولطية تركب على ظلة في العالم. وأطلقت حكومة عُمان دراسة لتطوير محطة طاقة شمسية بقدرة 150 ميغاواط. وفي البحرين، تطور الهيئة الوطنية للنفط والغاز مشروعاً لتركيب نظام فوتوفولطي شمسي موصول بالشبكة بقدرة 20 ميغاواط.
اضافة الى ذلك، تجري مصر تجارب لتشغيل محطة طاقة شمسية مختلطة ذات دورة مؤتلفة بقدرة إجمالية مقدارها 140 ميغاواط في الكريمات قرب القاهرة، منها طاقة شمسية خالصة بقدرة 20 ميغاواط. ويتم إنشاء المزيد من محطات الطاقة الشمسية الهجينة (هايبريد) ذات الدورة المؤتلفة في الجزائر والمغرب، وأجريت دراسات جدوى لمحطة مماثلة في الكويت. وأعلنت قطر عن خطة طموحة، لكن لم تتحدد حتى الآن، لتنفيذ مشروع طاقة شمسية بقيمة بليون دولار. وهناك مشروع آخر غير عادي من حيث ضخامته هو مبادرة مغربية مقترحة بقيمة 9 بلايين دولار، تشمل تركيب 2 جيغاواط من قدرة الطاقة الشمسية لتلبية 10 في المئة من الطلب على الكهرباء في المغرب بحلول سنة 2020.
علاوة على ذلك، اقتُرحت خطط لتوليد طاقة كهربائية شمسية في بلدان عربية للاستهلاك المنزلي والتصدير الى أوروبا. فقد أسست مجموعة شركات من الاتحاد الأوروبي "المبادرة الصناعية ديزرتيك» التي تهدف الى توليد نحو 550 جيغاواط من الكهرباء خلال السنوات الأربعين المقبلة، من تركيبات ستكون مواقعها بداية في الجزائر ومصر وليبيا والمغرب وتونس، ولاحقاً في المنطقة الممتدة من تركيا عبر الأردن وصولاً الى السعودية. وأعلن صندوق التكنولوجيا النظيفة التابع للبنك الدولي عن تمويل بمبلغ أولي مقداره 5,5 بليون دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2009. وسوف تستعمل الكهرباء لتلبية الطلب المحلي وللتصدير الى أوروبا، بواسطة كابلات تيار مباشر عالية الفولطية تمتد تحت سطح البحر المتوسط. وهناك مبادرة هامة أخرى هي «الخطة الشمسية المتوسطية» المصممة لتطوير 20 جيغاواط من القدرة الكهربائية المتجددة بحلول 2020 جنوب البحر المتوسط، اضافة الى البنى التحتية الضرورية للربط الكهربائي مع أوروبا، تم إطلاقها عام 2008 ضمن نطاق «عملية برشلونة: الاتحاد من أجل البحر المتوسط (UfM)".
سياسات الطاقة العربية الراهنة
لاحظ تقرير «أفد» أن الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري يعني أن الاتجاهات الحالية في قطاع الطاقة العربي هي غير مستدامة. ويتطلب تحقيق أنماط أكثر استدامة لانتاج الطاقة واستهلاكها اعتماد سياسات طاقة خضراء لتقليل التعرض لأضرار اقتصادية، وتلبية ارتفاع كلفة الطلب بفعالية، وتخفيض تلوث الهواء، والتصدي للانبعاثات الكربونية. وقد تم التعهد بذلك على نحو مرض في "الاستراتيجية الاقليمية العربية للاستهلاك والانتاج المستدام" التي أقرها مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، وهي حددت مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، منها تحسين كفاءة الطاقة، وزيادة حصة الطاقة المتجددة في قطاع الطاقة، ونشر تكنولوجيات الطاقة المتجددة خصوصاً في المناطق الريفية والنائية.
ولكن الاستراتيجية ذاتها تحدد قائمة شاملة للتدخلات السياسية المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف. وهذه تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، ادخال اصلاحات في سياسات الطاقة الحالية التي تؤثر في الأنظمة والحوافز التي تستخدم الاعانات المالية والضرائب والأسعار، تأخذ في الاعتبار التكاليف البيئية والاجتماعية، مع الحفاظ على الاعانات المالية للطاقة من أجل الفقراء، وتحسين كفاءة الطاقة، خصوصاً في الصناعات المسرفة في استهلاك الطاقة والنقل وتوليد الطاقة، وتعزيز تطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة على نطاق واسع، ودعم ادارة نوعية الهواء من خلال تخطيط حضري أفضل.
وتم بالفعل تأسيس شراكة للطاقة من أجل تنمية مستدامة من خلال مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة بالتعاون الوثيق مع منظمات اقليمية، بما فيها منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة.
وبالمثل، فإن القمة العربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي عقدت في الكويت عام 2009 شددت حصراً على تعزيز التعاون العربي في مجال الطاقة، خصوصاً في تحسين كفاءة الطاقة، ودعم أبحاث الطاقة، وتعزيز تطوير الطاقة المتجددة كوسيلة لتحقيق تنمية مستدامة.
اعتمدت بعض البلدان العربية سياسات وبرامج طاقوية متنوعة تستهدف الأبنية ووسائل النقل والصناعات. وتشمل هذه السياسات توجيهات تنظيمية واتفاقيات طوعية وحوافز.
حدد عدد من البلدان العربية أهدافاً للطاقة المتجددة، كما هو مبين في الجدول أعـلاه. فأعلنت الحكومة اللبنانية مثلاً أنها تزمع الوفاء بمقياس محفظة الطاقة المتجددة البالغ 12 في المئة بحلول سنة 2020. وتعتبر طاقة الرياح المصدر الأكثر جدوى اقتصادياً، حيث من المتوقع أن تستأثر في تونس بنحو 85 في المئة من حصة الطاقة المتجددة بحلول سنة 2020. ولدى مصر قدرة سنوية على توليد طاقة الرياح مقدارها 550 ميغاواط. وفي الأردن، يقدّر أن نشر مصادر الطاقة المتجددة سوف يستأثر بنحو 10 في المئة من إنتاج الطاقة الرئيسية في البلاد بحلول سنة 2020.
تشجيع التحول الى مصادر الطاقة المتجددة
بالنسبة الى تركيب نظم طاقة متجددة، تؤدي الحوافز التي تخفض الكلفة الرأسمالية الأولية دوراً رئيسياً في تحفيز الطلب وتطوير سلسلة امدادات نشيطة. ويشيع الآن دعم سخانات المياه الشمسية في عدة بلدان عربية، بما فيها مصر ولبنان وتونس. وتتوافر هبات رأسمالية وحسوم تشجيعية وقروض منخفضة الفوائد واعفاءات من ضرائب القيمة المضافة لدعم التكاليف الأولية لشراء سخانات المياه الشمسية أو تركيبات الطاقة المتجددة. ولزيادة تبني انتاج الطاقة المتجددة على نطاق واسع في البلدان العربية، هناك حاجة الى حوافز وسياسات لبيع الطاقة المتجددة الى الشبكة العامة وتخفيض أو إزالة الدعم عن الكهرباء والوقود الأحفوري.
تم تبني سياسة تعرفات التغذية على نطاق واسع في كثير من البلدان والمناطق خلال السنوات الأخيرة. وقد حفزت الابداع وزادت الثقة والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، خصوصاً طاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي (بيوفيول). وكان لهذه السياسات أكبر الأثر على طاقة الرياح، لكنها أثرت أيضاً في تطوير الطاقة الفوتوفولطية الشمسية والكتلة الحيوية والمحطات الكهرمائية الصغيرة. ويستمر الزخم القوي لتعرفات التغذية في أنحاء العالم حيث تسن البلدان سياسات جديدة أو تنقح السياسات الحالية. وفي المنطقة العربية، الجزائر وحدها هي البلد الذي سنّ حتى الآن سياسات تتعلق بتعرفات التغذية، في حين هي قيد الدرس في مصر ولبنان والسعودية والامارات وتونس واليمن.
وأسست بلدان قليلة في المنطقة صناديق خاصة للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة لكي تمول الاستثمارات مباشرة، وحددت المقاييس، وهي تقدم الدعم التقني من خلال الأبحاث والتعليم والتوعية الجماهيرية. وتم في لبنان مؤخراً تأسيس الحساب الوطني لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة (NEEREA) لتقديم الدعم المالي والتقني لمشاريع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في البلاد. ويعمل الحساب بالتعاون مع المصرف المركزي في لبنان لتقييم تطبيقات الهبات والقروض المنخفضة الفوائد الخاصة بهذه المشاريع.
يوصـي تقرير "أفد" بـوجوب تذليل عدد من العوائق السياسية والسوقية والاقتصادية من أجل ترويج الطاقة الخضراء عربياً. وأوصى البلدان العربية بما يأتي:
- إزالة العوائق الحالية التي تحول دون التحول الى نظام طاقة خضراء، بما في ذلك انعدام الاستثمار في الأبحاث والتطوير وبناء القدرات وصنع السياسة المتكامل.
- اصلاح الاطار التشريعي والمؤسسي الحالي لتسهيل الانتقال الى اقتصاد أخضر.
- توفير نظام حوافز يشجع الاستثمار في تكنولوجيات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.
- تبنّي كفاءة الطاقة وإدارة الجانب المتعلق بالطلب والطاقة المتجددة كركن لسياسة طاقة جديدة، تبنى على جهود منسقة تشمل الحكومة والقطاع الخاص والقطاع المالي والجهات المعنية الأخرى.
- تعديل أسعار الطاقة باستمرار لتعكس الكلفة الاقتصادية الحقيقية والندرة والكلفة الحدية الطويلة المدى والأضرار البيئية. وإصلاح أسعار الطاقة هو أداة فعالة لترشيد استهلاك الطاقة والتحول الى تنمية قليلة الكربون، ما يؤدي في الوقت ذاته الى زيادات كبيرة في الايرادات الحكومية. ويجب إعادة تخصيص هذه الايرادات لتعزيز التوسع في تكنولوجيات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.
- البدء في مناقشة سياسية لصياغة آلية مؤسسية جديدة لضمان انسجام سياسات الطاقة والمناخ في المنطقة العربية.
يدعو تقرير "أفـد" البلدان العربية الى تبني برنامج اقليمي ضخم بعيد المدى لزيادة استعمال طاقة الرياح والطاقة الشمسية. هذا البرنامج من شأنه أن يساعد في تنويع الاقتصـادات العربية ويضمن أمن امدادات الطاقة، في حين يضمن للبلدان العربية وضعاً مستداماً ورائداً في الأسواق كبلدان مصدرة للطاقة الخضراء.
كادر
كارثة فوكوشيما
شهد شهر آذار (مارس) 2011 حدثاً مأسوياً ستكون له نتائج واسعة النطاق على قطاع الطاقة. فقد ألقى الزلزال الذي ضرب اليابان، والكارثة النووية التي تسبب بها التسونامي الذي تبعه في فوكوشيما، ظلالاً من الشك على مستقبل الطاقة النووية في اليابان وفي بلدان أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا. وأدى ذلك في البداية الى ارتفاع حاد في أسعار أسهم شركات الطاقة المتجددة. ولكن قد يكون توليد الطاقة بواسطة الغاز المستفيد الأول على المدى القريب.
cadre
قصص نجاح: مشاريع شمسية في العـالم النامي
تحويل النفايات الى طاقة
تقوى الحجة الاقتصادية لحرق النفايات من أجل توليد الطاقة عندما تتعاظم جبال النفايات وتشكل تحدياً بيئياً وإدارياً. الاحتراق يقلص كمية النفايات الصلبة البلدية بنسبة 90 في المئة. ومع ازدياد الحضرنة في البلدان الناشئة، يتعاظم الطلب على هذه التكنولوجيا وتزداد الاستثمارات التي تتدفق معها.
ويمكن التخلص من الرماد المتخلف في مطمر عادي. التحدي هو ضمان عدم خطورة الرماد، وهذا أمر ممكن في كثير من البلدان من خلال تشريعات مناسبة. ونظراً الى العدد الكبير لسكان الصين، فهي تولد أكبر كمية من النفايات الصلبة البلدية كل سنة ـ نحو 150 مليون طن ـ تزداد بنسبة 10 في المئة سنوياً. وتزيد النفايات التي تولدها الهند على 50 مليون طن سنوياً.
الصعوبات التي تواجهها تكنولوجيات تحويل النفايات الى طاقة في الاقتصادات الناشئة هي غالباً مماثلة لما يحصل في أوروبا أو أميركا الشمالية. فالسكان المحليون حساسون بشأن إنشاء معامل حرق النفايات قرب منازلهم. وبالنسبة الى المطوِّر، قد يواجه مجازفة في حال عدم ضمان لقيم مستمر من النفايات بسعر معروف. ومن وسائل تحفيز الاستثمار تشدد الحكومات في تنظيم المطامر، حتى الى حد فرض رسوم على استعمالها، بغية توليد قيمة سلبية للنفايات. لكن هذا النوع من التدابير لا يمكن فرضه بسهولة في بلدان تعاني حوكمة ضعيفة، حيث قد يكون حرق النفايات عرضة لاستغلال أو سوء تدبير.
من الأمثلة البارزة في هذا المجال شركة تشاينا إفربرايت إنترناشونال في الصين، التي تتولى بناء وتشغيل محطات لتحويل النفايات الى طاقة طوال فترات امتياز تراوح بين 25 و30 سنة. وتطور الشركة أيضاً مشاريع طاقة متجددة. المستثمر الرئيسي هو بنك التنمية الآسيوي، وقد تم بناء وتشغيل أربع محطات منذ العام 2006.
مثال آخر هو شركة تحويل نفايات الكسافا (المنيهوت) الى طاقة في تايلند، التي تتولى منذ 2009 معالجة المياه المبتذلة في معامل تصنيع الكسافا التابعة لشركة AMSCO بواسطة هاضمة لاهوائية. ويعاد ضخ الغاز المستخلص عبر أنابيب الى الشركة لتوليد الحرارة والكهرباء. المستثمران الرئيسيان هما شركة تويوتا وشركة كهرباء طوكيو.
طاقة من قشور الرز
تبرز قشور الرز المهملة كمصدر طاقة لبعض أفقر المناطق في جنوب آسيا وأفريقيا. وللقشور عادة قيمة سلبية، لأن التخلص منها مكلف للمزارعين. بدلاً من ذلك، يتم تلقيم القشور في وحدات تغويز (biomass gasifiers) تحول الكتلة الحيوية الى غاز يستعمل لتوليد الطاقة للمجتمعات المحلية أو الأعمال الريفية. يقول مؤيدو هذه التقنية إنها تخفض تكاليف الطاقة لأن طاقة القشور تحل عادة مكان طاقة الديزل الأغلى ثمناً، كما أنها تؤدي الى انخفاض كبير في الانبعاثات الكربونية. وبإمكان هذه الوحدات أن تستوعب أنواعاً أخرى من الوقود، مثل قشور الحمص أو نشارة الخشب. ويقال ان تركيبها رخيص الكلفة، ولكن أثيرت مخاوف حول كثرة الرماد المتخلف وشدة استهلاك المياه في بعض هذه الوحدات. وقد تمكنت شركة هندية من تحويل «الفحم» المتخلف الى عيدان بخور، ما زاد هوامش أرباحها. المهم ألا يأتي إنتاج الطاقة على حساب الغذاء، فيصبح الرز لقيماً أو يتوسع إنتاجه لهذا الهدف على حساب محاصيل أخرى.
طبخ على الشمس
عندما يتم تحضير وجبة طعام لآلاف أو عشرات آلاف الأشخاص، يبرز الطبخ على البخار بواسطة الطاقة الشمسية حلاً مناسباً. وهو حقق تقدماً كبيراً خلال السنتين الماضيتين، وبدأ يأخذ طريقه بشكل متزايد الى مطاعم الشركات والمدارس وحتى الفنادق في المدن الصغيرة، حيث هناك متسع.
أقيم أكبر نظام طبخ بالطاقة الشمسية في العالم، حيث يتم تحضير 50 ألف وجبة يومياً، في معبد شيردي بولاية مهاراشترا الهندية. ويجري نشر هذه النظم أيضاً في بعض البلدان الأفريقية. وتقدر فترة استرداد النفقات بنحو ثلاث سنوات. وثمة مشاريع تجريبية تتوخى «الاستغلال المتكامل للطاقة الشمسية» بحيث تشمل الطبخ وتكييف الهواء وتسخين المياه.
وكما هي حال النظم الحرارية الشمسية الأخرى، فإن إحدى العقبات في طريق التطبيق الواسع هي الحاجة الى مساحة كبيرة للمعدات التي تلتقط ضوء الشمس لإنتاج البخار الذي تحتاج اليه المحطة.
تجفيف المحاصيل شمسياً
يتحول المزارعون في البلدان النامية بشكل متزايد الى الطاقة الشمسية لتصنيع الفواكه التي تنتجها أراضيهم. ومن لبنان الى أوغاندا الى غواتيمالا، تحل الطاقة الشمسية مكان الوقود الأحفوري لتجفيف المحاصيل الطازجة، التي توضب بعد ذلك وتصدر الى أسواق محلية أو خارجية.
في حالة شركة أليمنتوس كامبيسترين للفواكه والخضار والمكسّرات المجففة في غواتيمالا، شكل ارتفاع سعر غاز البروبان أكثر من 35 في المئة من التكاليف التشغيلية، الى ان بدأت التجفيف بواسطة الطاقة الشمسية. ومن حسنات هذه التقنية عدم الحاجة الى شبكة أنابيب لنقل الغاز وعدم حصول تسربات تشكل خطراً. وهناك فائدة أخرى غير مباشرة هي القيمة المضافة، فقد أصبحت منتجات أليمنتوس كامبيسترين تباع عالمياً كمنتجات «صديقة للبيئة».
وهناك تطبيقات أخرى تشمل نظم تجفيف الأسماك بالطاقة الشمسية، قيد التخطيط حالياً في ولاية كيرالا الهندية وفي سلطنة عمان. ومن العوائق التي يتعين حلها لتعميم نظم التكنولوجيات الحرارية الشمسية أن تتوافر بأسعار يتحملها المزارعون الصغار في البلدان الفقيرة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
اضف تعليق |
|
|
|
|
|
|