Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
عزة عبدالمجيد (عمان) حين غاب نهر عمّان  
تموز/آب 2013 / عدد 184-185
 
يشعر كثيرون بشيء من الغبطة حين نفاجئهم بسؤال عن نهر عمّان. ويتحدثون بحماسة وحنين عن أيام ليست ببعيدة، حين كانت المياه تتدفق بقوة في ذلك المجرى الذي ظل يشق المدينة العتيقة قسمين عبر مئات السنين.
كانت مياه النهر، أو «النهير» كما يدعوه البعض، تنبثق من منطقة رأس العين، وتخترق الجبال نحو الرصيفة والزرقاء لترفد النهر هناك، وتفيض في فصل الشتاء بفعل الأمطار الغزيرة.
لم يتوقف جريان النهر وفيضانه عبر تلك السنين، وكان يمد المدينة وما حولها بالمياه، بل كان شاهداً على حياة السكان حوله، رفيقاً لهم ولأمواج متتالية من المهاجرين الشركس والشوام والحجازيين والفلسطينيين ومجموعات من الباكستانيين الذين وفدوا إلى المدينة في ما بعد. كانت مياه النهر تندفع في مجرى بلغ عرضه نحو 10 أمتار، تحف به أشجار مثمرة زرعت على ضفافه. عبر أولى محطاته كان الحجاج إلى مكة يتوافدون على ما أصبح يدعى منطقة المهاجرين. وفي طرف آخر لمجراه كان المسافرون يتوقفون عند محطة القطار التي بنيت أيام العهد التركي لتكون جزءاً من خط الحجاز الشهير.
رافد لحياة الإنسان والمدينة
تميزت منطقة نهر عمان بنظام صرف صحي متطور أيام العصر الروماني، حين كانت مياهه تجري أمام «سبيل الحوريات» حيث بنيت حمامات اتسمت بطابع البذخ والفخامة، لا تزال آثارها بادية إلى جانب المسرح الروماني في وسط المدينة. وقد أنشأ الرومان أيضاً عدداً من القناطر فوق النهر، إلا أنها اختفت بفعل العوامل الطبيعية والزلازل.
ظل النهر، الذي أصبح يدعى سيلاً في ما بعد، على حاله وافر المياه من منبعه إلى مصبه طوال قرون. وقد كتب الرحالة والمستشرق السويسري الشهير يوهان لودفيغ بيركهاردت عند زيارته عمان عام 1812: «تقبع البلدة على طول نهر اسمه ميّة عمان الذي ينبع من بركة... هناك جسر عال فوق النهر، ولكن لا يمكن عبوره خلال الشتاء... ضفافه مثل قاعدة مرصوفة، لكن معظم الرصف انجرف في أماكن عدة بسبب عنف السيول الشتوية».
بدأت مظاهر الحياة في المدينة تتطور بسرعة في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعدما شهدت عمان تحولات تاريخية كبيرة عبر العصور المختلفة. ويقول المهندس عبد الرؤوف أبو رصاع (68 عاماً)، الذي سكنت عائلته في المنطقة منذ أوائل القرن العشرين وشهدت تطوراتها الطبيعية والإنسانية خلال تلك الفترة: «تاريخ عمان يرتبط بتاريخ السيل. كان هطول الأمطار الغزيرة يؤدي إلى حدوث سيول جارفة. وفي أثناء دوران السيل، كان يشكل حوامة بمياه متدفقة يصطاد منها السكان الأسماك الصغيرة. وبعد انتهاء الشتاء كانت تقام قناة في وسط السيل لتحديد مساره والحد من تكاثر الحشرات».
ينابيع كثيرة كانت ترفد السيل في مجراه، وكان بعضها يتفجر من باطن الأرض في أماكن مجاورة فاجأت أصحاب منشآت تجارية عديدة في وسط عمان منتصف القرن الماضي. ويروي المهندس عبدالحليم الوريكات، مدير منطقة عمان المدينة، أن فيضانات السيل كانت تثير قلق السكان بصورة متزايدة. وكانت المياه شحيحة في فصل الصيف، إذ بدأت الأمطار تتناقص سنة بعد سنة، إضافة إلى الاستخدام الجائر للمياه، مما خلق آثاراً تهدد الصحة والبيئة بسبب نضوب مجرى السيل.
وهذا ما دفع بلدية عمان في نهاية الستينات إلى تشييد سقف لإغلاق مجراه. وهكذا أصبح يطلق على المنطقة سقف السيل (شارع قريش). ويرى الوريكات أن ذلك كان «حلاً سليماً» في تلك المرحلة، مضيفاً أن الكثيرين شعروا بالراحة عند إنشاء ذلك السقف.
هل كان لا بد من سقفه؟
قيل الكثير عن عمان قديماً، ومنها أنها سُكنت لوجود المياه فيها بوفرة، بل إنها سميت في التاريخ مدينة المياه أو مدينة الينابيع. لكنها اليوم تفتقر إلى المياه بشدة.
يقول المعماري الدكتور رامي ضاهر: «ربما كانت التغيرات المناخية وقلة الأمطار وراء نضوب مياه السيل مع السنين. لكن السبب الرئيسي لإغلاقه بسقف هو إلقاء السكان للنفايات فيه، مما اعتبر خطراً صحياً. وإذا كان سقفه الحل العملي آنذاك، فهو لم يكن حلاً جوهرياً بل ممارسة هندسية افتقرت إلى رؤية واضحة. ويرى أنه كان بالإمكان تطوير السيل كمساحة حضرية في وسط عمان، «لكن الفرصة ضاعت، وهو وضع تكرر في عدد من الدول العربية التي لم تحترم أنهارها». ويضيف ضاهر: «السيل يستحق إعادته للحياة، إلى الحياة فلا تزال مياهه تجري في جوف الأرض باتجاه منطقة الرصيفة. لكن ذلك يستوجب تغييرات كبيرة قد يكون من الصعب تنفيذها في ما يسمى وسط البلد».
منطقة السيل في عمان تموج اليوم بمختلف أوجه الأعمال الاقتصادية والتجارية، إلى جانب الأسواق القديمة. ويعكس ذلك بحق واقع مدينة تاريخية تختلط آثارها العريقة بتطورات الحياة الحديثة. ويذكر المهندس أبو رصاع أن كثيرين ممن سكنوا المنطقة باعـوا أراضيهم بعدما شيد سقف السيل، وانتقلوا للسكن في جبال المدينة حيث انتعشت حركة العمران والبناء وارتفعت أسعار الأراضي بصورة خيالية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
عبدالهادي نجّار كيف يساهم تسعير الكربون في حماية البيئة؟
عبدالهادي النجار ناطحات السحاب العربية
الخرطوم ـ ''البيئة والتنمية'' أنقذوا الصمغ العربي
ممدوح النيربيه الموت بالزرنيخ في بنغلادش
أ.يانكيفيتش، د. غولوبيف CDB ME RUBIN
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.