حدث تطور لافت خلال السنوات الأخيرة في الجهود التي تقوم بها الشركات في مجال ما يسمى "المسؤولية الإجتماعية"، على رغم حداثة المصطلح والممارسة على الصعيد العربي.
لكن الواقع يقول أيضاً إن عدداً كبيراً من الشركات في منطقتنا العربية لا تزال بعيدة كل البعد عن مجال المسؤولية الاجتماعية، بل ينظر عدد منها بعين الريبة إلى هذه الممارسة الحضارية التي تساهم بشكل كبير في تنمية المجتمعات في أماكن مختلفة من العالم.
ولعل موضوع الإلزام هو أكثر ما يزعج هذه الشركات، إذ أنها تفضل المساهمة في تنمية المجتمع بطريقتها الخاصة وبالشكل الذي يخدم أولوياتها.
وتلجأ بعض الشركات إلى دعم صناديقها المالية وتعظيم فرصها في تحقيق المزيد من الأرباح من خلال حصر "مسؤوليتها الاجتماعية" في الفئات التي تستهدفها بخدماتها. فكأنها تقول لهذه الفئات: "إنني شركة مُحْسنة، حريصة على تنمية المجتمع، وعليكم بالتالي أن تشتروا منتجاتي لا منتجات المنافسين حتى أتمكن من مواصلة جهودي الخيرية". وهذه في واقع الأمر طريقة أخرى لاستهداف الفئات المستهلكة وزيادة الأرباح.
الفجوة التنموية الهائلة التي تفصل معظم دولنا العربية عن الدول التي سبقتنا على طريق التقدم والنهوض تكاد تجعل قضية مسؤولية الشركات تجاه مجتمعاتها قضية وطنية وأساسية لا مكان فيها للتقاعس أو التباطؤ.
تحتاج قضية التنمية في المجتمعات العربية إلى تضافر كل الجهود الوطنية. فالتحديات لا تعد ولا تحصى، سواء أكان على صعيد مواجهة المعدلات المرتفعة للفقر والبطالة أو في إطار التصدي للأمية والمرض ونقص الموارد المائية والطبيعية والتخريب الممنهج للبيئة.
المطلوب، كما أشار بعض المتابعين لهذه الجهود، أن نتحدث عن المسؤولية الوطنية وليس فقط الاجتماعية للشركات. فهذا أقل ما يمكن أن تقدمه الشركات لمجتمعاتها، وهو جزء من ضريبة المواطنة الحقة.
المصطلح هو ابن بيئته أولاً وقبل كل شيء. وإذا كان من الجائز في الدول المتقدمة الحديث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، فإن نطاق المسؤولية لشركاتنا العربية يجب أن يتسع ليشمل كل القضايا الوطنية. فنحن لا نملك ترف حصر هذا الجهد في جانب واحد فقط، بل ينبغي أن تُبسط مظلة الاهتمام لتشمل كل القضايا الوطنية. ومن الضروري توسيع دائرة اهتمام الشركات لتشمل كل فئات المجتمع وقضاياه الملحة، وليس فقط الفئات والقطاعات التي تحاول الشركات تحسين صورتها لديها باعتبارها جهات مستهلكة.
ثم إن مصطلح المسؤولية الوطنية يضع الأمر في موقع متقدم من الاهتمام. فالمساهم في هذا الجهد يدفع في حقيقة الأمر ضريبة المواطنة والانتماء، ويشارك في وضع بلده وأمته على طريق النهوض والنماء في الحاضر والمستقبل.
فلنجعل مسؤولية الشركات تجاه بلدانها العربية وطنية لا اجتماعية فقط.
الدكتور نبيل الشريف وزير الإعلام السابق في الأردن، ورئيس التحرير السابق لجريدة الدستور.
|