أجريتفي الإسكندرية، على مدى العامين الماضيين، أعمال ضخمة لتوسيع كورنيش المدينة، الذي كان يعاني اختناقا مرورية كبيرة تتزايد حدتها في فصل الصيف، حين يهجم على المدينة ما يزيد على مليوني مصطاف. تمت الأعمال بسرعة غير اعتيادية، واشتملت على ردم مساحات ضخمة من المياه الشاطئية، كما غيرت من طبيعة الساحل، مما جعلنا نتخوف من أن يكون لهذه الأعمال مردودات بيئية سلبية تهدد المدينة. وقد حملنا تخوفاتنا هذه، ووضعناها بين يدي أحد خبراء البيئة البحرية، هو الدكتور سيد حسن شرف الدين، الرئيس السابق لقسم علوم في جامعة الإسكندرية. حالياً؛ وقد شاركنا الرجل مخاوفنا، فقال: " لقد نادينا، منذ أكثر من عام، بضرورة إجراء دراسات للآثار البيئية المترتبة على أعمال توســيع كورنيش الإسكندرية، الذي يبلغ طوله أكثر من 16 كيلومتراً. إن قانون البيئة المصري يلزم بإجراء هذه الدراسات عند إقامة أي منشــأة بحرية. وقد تمت أعمال التوسيع بغير دراسة تفصيلية لما يمكن أن تتعرض له المنطقة من أخطار خلال العشرين سنة القادمة، وقد تكلفنا مئات ملايين الجنيهات لتلافيها".
واستطرد الدكتور شرف الدين قائلاً: "إن القصد من مشروع توسيع الكورنيش طيب. وهو مشروع عظيم، بالقياسات الهندسية والمعمارية والتجميلية، كما أن له أثره الواضـــــح في تسهيل حركة المرور بالكورنيش. غير أن تجاهل دراسة الآثار البيئية، المترتبة على هذا المشروع الكبير، قد يجلب ما تم إنجازه، ويعرض أمن واستقرارها المدينة للأخطار. لقد قامت أعمال التوسيع على ردم مساحات كبيرة من خط الشاطئ. وهذا يعني تدخلاً في أنظمة التيارات البحرية السائدة في المنطقة، والتي قامت على مدى آلاف السنين بتشكيل صـــورة شاطئ الإسكندرية بتعرجاته ومنحنياته. وكانت الدراسات البيئية التفصيلية المأمولة، والسابقة على هذا التدخل، ضرورة ملحة لتحديد المواقع التي توضع فيها الأجسام الكفيلة بتشتت طاقة الأمواج القادمة مع العواصف، بحيث تصل إلى خط الساحل وقد فقدت الطاقة المؤثرة على حركة الرمال الشاطئية، فلا يحدث تآكل للشاطئ".
ولما سألنا الدكتور سيد شرف الدين عن موقف علماء البحار في جامعة الإسكندرية مما حدث، قال: "إننا لم نكتف بالمناداة، بل كنا عمليين، وقدمنا – من خلال قسم علوم البحار، في جامعة الإسكندرية – مشروعاً متكاملاً لتقدير الآثار البيئية المترتبة على مشروع توسيع الكورنيش، بعد مناقشته وتدارسه على مستوى القسم والكلية والجامعة. ويستهدف هذا المشروع إيجاد أفضل الترتيبات التي تكفل صون ما تم إنجازه من أعمال التوسيع، وحماية كورنيش الإسكندرية من النحر والتآكل. وكل المطلوب الآن أن يصدر قرار من مجلس الجامعة بالموافقة على تمويل هذا المشروع الحيوي، مع العلم أن ثمة جهات كثيرة مستعدة لتمويله".
الجدير بالذكر أن التجاوز الذي تم في أعمال توسيع الكورنيش تكرر مع مشروع تجميل منطقة قلعة قايتباي، حيث جرى التعامل مع المنطقة هندسياً، دون أخذ الاعتبارات البيئية في الحسبان. وقد تكون لذلك عواقب وخيمة في المستقبل المنظور.
|