Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
ناصر فاروقي المياه في الاسلام  
تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 / عدد 56
 لكثير من القيم جذور ضاربة في الدين. والاسلام، الذي يعتنقه نحو خمس سكان العالم، لا يقتصر على العبادة وآداب السلوك، بل يتعدى ذلك الى تنظيم جوانب حياة الفرد والجماعة، كالبيع والشراء والعقود والإرث والزواج والنظافة والعناية الصحية. ولا شك انه يؤثر في كيفية إدارة الناس للموارد الطبيعية، وخصوصاً في المنطقة العربية التي تضم نحو 300 مليون مسلم. وفيما يصبح موضوع المياه قضية التنمية الأساسية في المنطقة، التي تتميز بأحد أعلى معدلات النمو السكاني في العالم وبندرة في مصادر المياه الطبيعية، فان الاحاطة بالنظرة الاسلامية الى السياسات المقترحة لادارة شؤون المياه تشكل ركيزة أساسية للتنمية المستدامة.
"إدارة المياه في الاسلام" كتاب صدر هذا الشهر عن "المنشورات التقنية" ومجلة "البيئة والتنمية". وهو يقدم، من خلال مساهمة 18 عالماً، مجموعة من المبادئ الاسلامية المتعلقة بادارة المياه. ويطرح وجهات نظر إسلامية حول عدد من السياسات المقترحة، بما في ذلك إدارة الطلب على المياه وتسعيرها والانتفاع بمياه الصرف، ويفتح مجالات لحوار أوسع بين الباحثين الذين يعكفون على تحديد أفضل السياسات الممكنة لادارة مصادر المياه.
للماء منزلة رفيعة في الإسلام، إذ يعتبر نعمة من الله تهب الحياة وتديمها وتطهّر البشر والأرض. وقد ذُكر الماء ثلاثاً وستين مرة في القرآن الكريم. ويوصف عرش الله بأنه قائم على الماء، كما يوصف الفردوس بأنه «جنات تجري من تحتها الأنهار» (محمد 12). أما صفة الماء كعنصر للحياة فتظهر في الآية «والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها»(النحل 65). وليس الماء مانحاً للحياة وحسب، بل ان كل شيء حي هو من الماء: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»(الأنبياء 30).
وللماء في نظر المسلمين أهمية خاصة لأنه يستخدم في الوضوء والغسل. وقد جاء في حديث شريف: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ غمرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات».
وتوفير العدالة الاجتماعية بين الناس هو حجر زاوية في الإسلام. وتشدد الأحاديث على المساواة، فعلى سبيل المثال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». ولا شك أن هذا ينطبق على توافر كميات كافية من المياه النظيفة. وليس للمسلم أن يختزن الفائض من الماء، بل عليه أن يسمح للغير بالانتفاع به. وقد أشار النبي إلى أن من بين الثلاثة الذين سيتجاهلهم الله يوم القيامة «رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل». ويحذِّر القرآن البشر من التوزيع غير العادل لثروات الأرض: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دُوْلة بين الأغنياء منكم» (الحشر 7). والاقرار بأهمية الماء كمورد حيوي ولكل إنسان الحق في نصيب عادل منه يؤكده الحديث التالي: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار». وبناء على نصيحة الرسول، قام الصحابي عثمان الذي أصبح ثالث الخلفاء الراشدين بشراء بئر رومة في الجزيرة العربية وجعل ماءها متوفراً مجاناً للمسلمين. وقد تحولت هذه البئر إلى وقف.
كما في المسيحية، للبشر في نظر الإسلام الحق الأول في الموارد التي منحها الله لعباده. فالأولوية في حقوق استعمال المياه هي على النحو التالي: أولاً، حق الشفة للبشر لارواء عطشهم. ثانياً، حق الشفة للماشية والحيوانات الأليفة. ثالثاً، حق الري.  والله سبحانه وتعالى يذكِّر الناس بحق الحيوان: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم»(الأنعام 38). وقد قال النبي ان من يحفر بئراً في الصحراء ليس بوسعه أن يمنع البهائم من إرواء عطشها من تلك البئر. وجاء في الحديث: «غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركيّ يلهث. قال: كاد يقتله العطش. فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء، فغُفر لها بذلك». ونعمة الماء هي للنبات أيضاً : «وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء» (الأنعام 99) و«ثمرات مختلفاً ألوانها» (فاطر 27).
وإن يكن البشر أكثر حظوة عند الله من سائر خلقه، فإنهم مسؤولون أيضاً عن أن تنال الكائنات الحية جمعاء من خيراته ونِعمه وفقاً لحاجاتها. إن التواصل بين الانسان والطبيعة مبني في الاسلام على أساس أن البشر مستخلفون وأوصياء في الأرض. والبيئة محمية من أذى الانسان بنواهٍ محددة، اذ يأمر الله المؤمنين أن «لا تفسدوا في الأرض» (البقرة 11). وقد طلب الرسول مرة إلى صحابته أن يعيدوا إلى عش للطير ما أخذوه منه من بيض. ونهى عن أن يبال في ماء راكد، أو أن «يقضي أحد حاجته في مورد ماء أو طريق أو ظل».
الوضع في المنطقة العربية
يوماً بعد يوم، يصبح موضوع المياه في  الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القضية الأساسية في التنمية. فهذه المنطقة تتميز باحتوائها على واحد من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم (نحو 8,2٪) وندرة في إمدادات المياه الطبيعية. وتشكو عدة دول في المنطقة من تراجع كميات المياه المتوفرة إلى ما دون 500 متر مكعب للفرد في السنة. ففي العام 1999، بلغت كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة للفرد 148 متراً مكعباً في الأردن و434 في تونس و241 في اليمن. وحالياً تستهلك دول شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى ليبيا والأردن ، كميات من المياه تفوق مواردها السنوية المتجددة. أما سورية ومصر والمغرب والسودان وتونس فإنها تقترب بسرعة من النقطة الحرجة ذاتها. أضف إلى ذلك أن المياه المتوفرة متدنية النوعية بسبب التلوث والافراط في الضخ. (يستخدم مستوى من القياس مقداره 1000 متر مكعب للفرد الواحد في السنة كمؤشر لندرة المياه، فإذا ما تدنى المستوى في بلد ما إلى ما دون هذا الحد، يمكن لهذا البلد أن يعاني من شح مزمن في توفر المياه إلى حدٍ يعيق عملية التنمية ويؤذي صحة الناس. وفي حال تدني المستوى إلى 500 متر مكعب يعتبر البلد في ضائقة مائية حادة).
ومعدل النمو الحضري في هذه المنطقة (2,3٪) أعلى من المعدل الاجمالي في البلدان الأقل نمواً (9,2٪). وقيام مستوطنات عشوائية داخل مدن المنطقة وفي ضواحيها آخذ في التزايد والاتساع. وقليل من هذه التجمعات يحظى بموارد للمياه أو خدمات للصرف الصحي، إما لأنها قامت بلا تخطيط وإما بسبب وجود قيود قانونية أو سياسية تحول دون ذلك. ومعظم سكان هذه المناطق يحصلون على المياه من مصادر غير رسمية عبر شرائها من بائعين متجولين. ويبلغ معدل ما تنفقه العائلة الواحدة على الماء في المناطق العشوائية ما بين عشرة أضعاف وعشرين ضعفاً لكل ليتر من الماء زيادة على السعر الذي يدفعه السكان الذين يتزودون بالمياه من الشبكة العامة. وهذه النسبة يمكن أن ترتفع إلى ما بين ثمانين ضعفاً ومئة ضعف في بعض المناطق. وعندما اشتد الحر بصورة غير معهودة في الأردن صيف 1998، عانت مدينة عمان من نقص حاد في مصادر المياه مقترناً بروائح. واضطر الناس لشراء الماء من السوق السوداء، فوصل سعر المتر المكعب من المياه المنقولة بالصهاريج إلى 14 دولاراً أميركياً.
إن مسألة المياه وعدالة توزيعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستدعيان مزيداً من التقصي القائم على أساس دراسات رسمية ومنهجية. وبما أن الفقراء الذين لا تصل اليهم شبكة المياه البلدية يعيشون في مناطق منسية وغير مرخَّص بها رسمياً، فإن معظم الباحثين يتجاهلونهم. ولا شك أن الوضع الحالي غير عادل، والحق الأساسي في المياه، كما يقتضي الإسلام، أي حق الشفة، لا يُحترم.
دور رجال الدين
يتضمن القرآن اشارتين واضحتين لادارة الطلب على المياه: الأولى، آية تنص على أن مصادر المياه ثابتة ومحددة: «ويرسل عليها حسباناً من السماء» (الكهف 40). والثانية، آية ينبئ بها القرآن البشر أن بوسعهم استخدام هبات الله باعتدال ودونما إسراف: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين»(الأعراف 31).
ويذهب الحديث إلى أن الرسول «كان يتوضأ بالمد (ما يعادل ثلثي ليتر) ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد (ما يعادل 2 ـ 5,3 ليتر)». ويبين هذا الحديث الطريقة المنطقية لاستخدام المياه بشكل مستدام في شبه الجزيرة العربية القاحلة حيث عاش الرسول. وهو نهى عن الاسراف في استخدام المياه حتى ولو كانت وفيرة. ورُوي عنه أنه مرَّ بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال أفي الوضوء سرف؟ قال نعم وإن كنت على نهر جارٍ.
رغم وضوح هذه الأمثلة، فانها لا تستخدم على نطاق واسع في الدعوة للاقتصاد في استعمال المياه في البلدان التي تعيش فيها أكثرية مسلمة. ويحبِّذ المسلم العادي التعلم عن البيئة وغيرها من خلال زعمائه الدينيين.
وقد بدأت تعاليم الإسلام حول الاقتصاد في استخدام المياه تجد طريقها إلى استراتيجيات إدارة الطلب في بعض البلدان. ففي أفغانستان، مثلاً، أطلقت منظمة الصحة العالمية، من خلال المساجد، برنامجاً للتوعية الصحية يشتمل على تدريب الأئمة حول الممارسات الصحية السليمة والاقتصاد في استخدام المياه، وأهمية المياه المأمونة، والمجاري الصحية المناسبة، والتقيد بالشروط الصحية لمنع الأمراض. وبعد أن يفرغ الإمام من التدرب يلقي خطبة الجمعة حول الموضوع. وفي محافظة عمان في الأردن، جرى لفت نظر أئمة المساجد إلى شح المياه في البلاد والحاجة إلى تعاون جماعي لمواجهة الأمر، من خلال برنامج مشترك بين وزارة المياه والري ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وثمة مشروع نموذجي في باكستان، في قرية صغيرة اسمها ديجكوت وجوارها، لحل مشكلة النقص في المياه التي تستخدم للأغراض المنزلية والري. فقد كان السكان الذين يقيمون عند أول شبكة التوزيع (وأول القناة في منطقة الري) يأخذون أكثر من حصتهم عبر تركيب مضخات غير مشروعة. فقامت مجموعة أهلية بحملة توعية شارك فيها أئمة المساجد وتلاميذ المدرسة الدينية في القرية. وكانت الرسالة الأساسية التي وجهها الأئمة أثناء صلاة الجمعة وخلال المناقشات اليومية في الجامع أن أخذ حصة شخص آخر من المياه يعتبر معصية وعملاً غير أخلاقي. وكانت النتائج مذهلة، إذ تراجع عدد الشكاوى المسجلة حول نقص المياه في القرية بنسبة 32٪ وفي منطقة الري بنسبة 26٪.
لكن برامج التوعية العامة لا تقتصر على المساجد والمدارس الدينية، بل تتعداها إلى مناهج التعليم ككل. لذا يمكن التنسيق بين وزارة التربية ووزارة المياه ووزارة الشؤون الدينية كي تكون البرامج متعددة الأوجه وتضم عناصر من العلوم التطبيقية والاقتصاد والصحة والدين. فالحفاظ على الموارد المائية يستدعي تغيير أنماط السلوك على صعيد المجتمع ككل، ومن ثم وضع خطط عمل محكمة وبعيدة المدى.
استخدام مياه الصرف
إن استخدام المياه العادمة في الري يعود إلى أكثر من ألفي سنة، إلى أيام اليونان القديمة. وهي تعتبر عنصراً أساسياً في استراتيجية إدارة الطلب على المياه، لانها توفِّر استخدام المياه العذبة للاستعمالات ذات المردود الأعلى. ولإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة فائدتان أخريان: التخفيف من الأضرار البيئية، وتعزيز عملية إنتاج الغذاء مع التخفيف من استعمال الأسمدة غير الطبيعية، نظراً لما تحتويه من مغذيات. لكن استخدامها ليس خالياً من العقبات أو المخاطر الصحية. فالمياه العادمة غير المعالجة وسخة وكريهة الرائحة والمنظر، وتحتوي على عناصر مسببة للامراض، والموت أحياناً، مثل البكتيريا والفيروسات والديدان الطفيلية.
ونظراً لأهمية النظافة في الإسلام (ثمة أحكام محددة ومفصلة في القرآن والحديث حول نظافة الفرد، مثل الوضوء والغسل والتطهر بالماء بعد قضاء الحاجة وتشذيب شعر البدن)، ونظراً لأن العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقوم بمعالجة المياه العادمة بالقدر الأدنى، فمن الشائع ان نسمع أن إعادة استعمال المياه المبتذلة أمر غير مستحب، بل حرام. ولكن فتوى صدرت في السعودية تشير إلى أن اعادة استعمال المياه العادمة ليست حراماً. فبعد دراسة مستفيضة وضعت بالتشاور مع العلماء والمهندسين، خلص مجلس كبار العلماء المسلمين في السعودية، في فتوى خاصة أصدروها عام 1978، إلى أن مياه الصرف المعالجة يمكن نظرياً استخدامها حتى في الوضوء والشرب، شرط ألاَّ تشكل خطراً على الصحة.
وليس مجدياً من ناحية الكلفة، ولا ضرورياً، معالجة مياه الصرف إلى حد يجعلها صالحة للشرب، اللهم إلا في الرحلات الفضائية. والعلماء السعوديون لم يشجعوا اللجوء إلى هذا الخيار في الأحوال الطبيعية. ولكن مياه الصرف المعالجة يمكن استخدامها في مجال الري وفقاً للارشادات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، والتي تقضي بتقسيم الري إلى فئتين رئيسيتين: ري مقيَّد وري غير مقيَّد. وتتوقف النوعية المطلوبة في المياه العادمة (تحدد وفقاً لمستوى الجراثيم البرازية وبيوض الديدان المعوية) على وجهة استعمال هذه المياه. فالمياه المستعملة في الري غير المقيَّد تحتاج إلى معالجة أشمل لأنها يمكن أن تتلامس مع المزروعات الصالحة للأكل التي تنمو على مستوى سطح الأرض. أما مياه الصرف المعالجة التي تستخدم في الري المقيَّد، أي في ري أشجار الفاكهة والمراعي ونباتات العلف، فتحتاج إلى معالجة أقل.
بعد صدور الفتوى، توسعت عملية إعادة استخدام مياه الصرف في السعودية. ففي العام 1995، أعيد استخدام 15٪ من المياه في ري أشجار النخيل ونباتات العلف، كالفصة مثلاً. (زد على ذلك أن المياه المستخدمة في الوضوء في الحرمين الشريفين في مكة والمدينة يعاد استخدامها في كسح المراحيض، مما يوفر استخدام مياه التحلية ذات الكلفة الباهظة). وفي الكويت، تبلغ مساحة الأرض المروية بالمياه المعالجة والمستخدمة في زراعة الفصة والثوم والبصل والباذنجان والفلفل أكثر من 1700 هكتار. وفي الأردن، بلغت كمية مياه الصرف المنزلي المعالجة التي أعيد استعمالها في الري المقيد عام 1998 حوالى 70 مليون متر مكعب، وشكلت نسبة 12٪ من مجموع المياه المستخدمة في الري، حسب مصادر وزارة المياه والري الأردنية.
إن استبدال المياه العذبة بالمياه المعالجة لأغراض الزراعة ليس بالأمر السهل. والمناطق المروية بمياه الصرف يجب اختيارها بعناية تفادياً لتلويث أحواض المياه القليلة العمق. والتوسع في الري بمياه الصرف المعالجة يعتبر من أهم السياسات المتبعة في إدارة الطلب على المياه.
تدابير اقتصادية
إن أدوات السوق لإدارة شؤون المياه، مثل زيادة التعرفة وخصخصة المنافع العامة، هي موضوع أخذ ورد، لأن الماء منفعة عامة حيوية. وقد تكون التدابير الاقتصادية في البلدان ذات الغالبية المسلمة أكثر إثارة للجدل بسبب المفهوم الإسلامي القائل بأن المياه لا تباع ولا تشترى.
يعتبر الماء في الإسلام هبة من الله. ولذلك، فإنه ليس ملكاً لأي فرد من الأفراد. وما البشر سوى قوامين على الماء وغيره من الموارد المشتركة. ولكن يعتقد معظم العلماء المسلمين أن للفرد أو الجماعة حقاً صريحاً في استعمال وبيع واسترداد كلفة القيمة المضافة لمعظم أصناف المياه. وهذه الأحكام مبنية، بصورة أساسية، على حديثين نبويين شريفين: الأول، «لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب، فيحملها على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل رجلاً يعطيه أو يمنعه»، مما يدل على أن الموارد الشائعة كالحطب والماء يمكن بيعها. والثاني، الحديث الشريف عن شراء عثمان لبئر رومة، والذي يدل على أن بالإمكان تملّك الآبار والمتاجرة بها. وعلى هذا الاساس وغيره من المصادر، صنّف باحثون فئات المياه في الإسلام على النحو التالي:
- ملك خاص (المياه في الحاويات الخاصة، ومعامل المعالجة، وشبكات التوزيع، والخزانات). هذه المياه هي من النوع الذي استوجب الحصول عليه جهداً واستثماراً في البنى التحتية والخبرات. و«مالك» الحاوية له الحق في استعمالها ومقايضتها وبيعها.
- ملك خاص مقيّد (البحيرات، الجداول، الينابيع الواقعة ضمن أملاك خاصة). هنا، لمالك الأرض حقوق خاصة تميِّزه عن الغير، ولكن تترتب عليه التزامات تجاههم. فعلى سبيل المثال، يحق للمرء أن يدخل الى أرض مملوكة لارواء عطشه، ولا حق لأحد في حجب الماء الفائض. وللمالك، ضمن هذه الحدود، أن يتاجر بالماء مثل أية سلعة أخرى.
- ملك عام (مياه الأنهار والبحيرات وجبال الجليد والمستجمعات المائية والبحار والأمطار والثلوج). الماء بحالته الطبيعية لا يمكن شراؤه أو بيعه. ولكن، إذا تم الاستثمار في البنى التحتية والخبرات والمعارف لاستخراج المياه أو جرها ـ كأن تقوم مصلحة عامة بمعالجة المياه أو مد شبكة توزيع لايصالها إلى المنازل ـ تصبح المياه في هذه الحالة ملكاً خاصاً، ويحق للمصلحة أن تسترد ما تكبدته من تكاليف.
في فجر الاسلام، لم يشجع الرسول بيع المياه، بل نهى عن بيع فضل الماء. لكنه حض عثمان على شراء بئر رومة وتوزيع مياهها دون مقابل. وهذا يعكس رغبة في تمكين الفقراء والمستضعفين من الحصول على مياه الآبار التي يتملكها الأغنياء وذوو النفوذ. وكان هذا أمراً عملياً في حينه، نظراً لأن الماء، رغم ندرته نسبياً، كان وافراً، ونظيفاً، وسهل المنال (من خلال حفر الآبار يدوياً وصولاً إلى الطبقات المائية القليلة العمق)، ويؤمن حاجات السكان القليلي العدد في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي من دون كلفة تذكر.
ولكن يبدو من غير المجدي حالياً استخدام هذه الحجة لمعارضة استرداد كلفة خدمات المياه. وتزويد المياه مجاناً تقريباً، في ظل الظروف الحالية من التلوث والشح، نجم عنه تفاوت حاد في عدالة الحصول عليها. والدعم الحكومي لكلفة تجميع ومعالجة وتخزين وتوزيع المياه قد يعني تمكين المصالح العامة، التي تتزايد ديونها باستمرار، من توفير المياه مجاناً للطبقتين الغنية والوسطى في المدن فقط. أما الفئة الفقيرة المستضعفة التي لا تتزود بالمياه من الشبكات، وهي الفئة التي أراد النبي حمايتها، فإنها تدفع ثمناً باهظاً للمياه التي تحصل عليها من جهات غير رسمية، أو تحصل على مياه سيئة النوعية.
وبوسع القادة المسلمين، في ظل الظروف المتغيرة، تبني سياسات مختلفة لتحقيق غايات سامية مثل العدالة الاجتماعية. وهذه النقطة تتضح من خلال الممارسات الحديثة العهد في السعودية التي تقوم قوانينها على أساس الشريعة الإسلامية. فقبل نحو ربع قرن، كانت لدى المملكة موارد مائية وافرة وثروات طائلة، وكان فيها عدد قليل من السكان. وقد حذت حذو الرسول وعثمان، فكانت تزود المنازل بالمياه مجاناً تقريباً. ولكن الأحوال تغيرت خلال السنوات العشرين الماضية، اذ تفاقم الوضع بسبب دعم إنتاج القمح على نطاق واسع عبر تزويد المزارعين بمياه الري الرخيصة الكلفة، مما أدى الى الحفر لاستخراج المياه الجوفية «المتحجرة» وغير المتجددة. وقد عدلت الحكومة الآن من سياستها إلى حد كبير، وفرضت تعرفة جديدة للمياه عام 1994 للفت انتباه مواطنيها إلى كلفة تقديم خدمات المياه.
تسعير المياه
السؤال هو: ما هي التعرفة العادلة؟ في نظر الإسلام، هي تلك التي توفرمساواة أكبر في المجتمع بأسره. ونظراً للحاجة الماسة إلى الحفاظ على الثروة المائية في المنطقة، تعتبر خطط التوعية العامة والارشاد مجرد عنصر من عناصر استراتيجية متشعبة لإدارة الطلب على المياه، ويجب أن تكمِّلها حوافز اقتصادية. ويقدّر معدل مرونة أسعار الطلب على المياه في البلدان الأقل نمواً بنحو -0,45٪ (يزيد في المناطق الريفية ويقل في المناطق الحضرية)، مما يعني، في حال تساوي الأشياء الأخرى، أن سعر المياه إذا ارتفع 10٪ فإن الطلب ينخفض بنسبة 5,4٪.
إن المجال واسع لرفع اسعار المياه التي يتم تزويدها للطبقتين المتوسطة والغنية. وأسعار المياه في المناطق الحضرية في البلدان الأقل نمواً هي عادة أقل من سدس الكلفة الكاملة. وتتفاوت الكلفة من بلد إلى آخر. وفي إسرائيل، الوحيدة في المنطقة حيث تفرض تعرفة للمياه تغطي كامل الكلفة، يبلغ سعر المياه (بما في ذلك رسم معالجة مياه الصرف) دولاراً أميركياً لكل متر مكعب.
وتسعير المياه بحيث يغطي كامل الكلفة مسموح به في الإسلام. ففي إيران، التي تطبق أحكام الشريعة، يتوجب بيع مياه الري على أساس متوسط الكلفة التي يدخل في عدادها التشغيل والصيانة وانخفاض قيمة الرساميل. وهذا الشرط هو في صلب قانون «التوزيع العادل للمياه» الصادر عام 1982. وبالنسبة للمناطق الحضرية، يجيز تشريع صادر في 1990 استرداد كامل الكلفة، بما في ذلك الرساميل وانخفاض قيمتها. وبموجب هذا القانون، رفعت تعرفة المياه في 1996 بنسبة 25 ـ 30٪ للاستهلاك المنزلي الذي يتعدى 45 متراً مكعباً في الشهر، بينما فرضت تعرفة أعلى على الاستخدام التجاري والصناعي.
أين هو موقع الفقراء؟ إن فرض أسعار واقعية للمياه في كل مدينة عربية، مما يتيح الاستثمار مجدداً في الشبكات بحيث تقوم بإيصال المياه إلى الفقراء، يظل أرخص مما يدفع هؤلاء حالياً ولكن أعلى مما يدفعه سكان المدن الذين تصل إليهم المياه بالشبكات. في الأردن، مثلاً، تبين من دراسة أجراها المركز الدولي لبحوث التنمية عام 1998 أن السكان الذين لا تصل المياه إلى منازلهم يدفعون دولارين أو أكثر للمتر المكعب الواحد، بينما لا تتعدى قيمة المتر المكعب من المياه التي يتلقاها السكان بواسطة الشبكات نصف دولار، ولا تتعدى الكلفة الكاملة للتزويد دولاراً واحداً للمتر المكعب. ويمكن وضع هيكلية للتعرفة بحيث توفر لكل انسان الحد الادنى الضروري من المياه، كما هي الحال في إيران حيث يتم تزويد الفرد الواحد بأول ثلاثين ليتراً في اليوم مجاناً لجميع السكان في المناطق الحضرية (نحو 5000 ليتر للمنزل الواحد في الشهر). وهذا يقارب المستوى المطلوب من الاحتياجات الأساسية من المياه المقدر بنحو 50 ليتراً للفرد في اليوم.
الخصخصة وأسواق المياه
في وسع الحكومة، استناداً الى تعاليم الاسلام، أن تسترد ما تكبدته من تكاليف لتوفير المياه للناس. ولكن ماذا عن الخصخصة التي تؤدي إلى المتاجرة بالماء مثله مثل أية سلعة أخرى في السوق؟ من الجدير بالملاحظة أن الإسلام يؤيد وجود الأسواق العادلة والحرة، فالنبي محمد عمل في التجارة قبل أن يصبح نبياً، وكان القدوة الأخلاقية الصالحة في تعامله بحيث لُقِّب بـ«الأمين». وهو لم يرضَ تحديد أسعار ثابتة للسلع الا في حالات معينة. وقد أنشأت  الدولة الإسلامية الأولى أسواقاً للمياه، حيث كانت تتم مقايضتها غالباً بالمحاصيل.
ويرى كثير من العلماء المسلمين أن السعر العادل للمياه هو الذي تحدده السوق، شريطة أن تكون خالية من أية ممارسات غير عادلة كالغش. وهذا المفهوم يوحي بأشياء ثلاثة: أولاً، قد لا يتضمن السعر العادل استرداد الكلفة بالكامل فقط، بل أيضاً بعض الربح لتغطية سعر تعادل السلعة في السوق (أي السعر الذي تكون عنده الكمية المعروضة موازية للكمية المطلوبة). ثانياً، نظراً لاهتمام الإسلام بحماية البيئة، يمكن للسعر العادل أن يشمل أيضاً كلفة معالجة المياه العادمة. ثالثاً، إن الخصخصة مسموح بها في قطاع المياه. وفي إيران جرى تأسيس شركات للمياه والصرف الصحي بموجب قانون 1990 الذي وضع الأساس القانوني لمشاركة القطاع الخاص في شؤون المياه في المناطق الحضرية. ولكن حتى لو كانت الخصخصة الكاملة لقطاع المياه مسموحاً بها في الإسلام، فهذا لا يعني أنها أمر مستحب. وكما هو متفق عليه عموماً في سائر بلدان العالم حيث يشارك القطاع الخاص في تقديم خدمات المياه، يستحسن قيام شراكة بين القطاعين العام والخاص، بحيث تبقى المياه «ملكاً» للدولة، بينما يُسمح للقطاع الخاص بتقديم خدمات المياه والمجاري (سحباً ومعالجة وتوزيعاً)، وتحتفظ الحكومة بحق تنظيم قطاع المياه لضمان الحصول عليها بشكل عادل والتأكد من الحفاظ على مستويات الجودة.
ولكن من أين نأتي بالماء؟ مع أن النسبة تختلف من بلد إلى آخر، فإن المياه تخصص عادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 10٪ للصناعة و10٪ للمنازل و80٪ للزراعة. والاستخدام المنزلي للمياه في تزايد، وبما أن دول المنطقة تتجه نحو التصنيع، فإن الطلب على المياه في الصناعة سيتزايد أيضاً حتى لو أعيد استعمالها. وسيكون هذا على حساب حصة الزراعة. فهل يسمح الإسلام بالأسواق القطاعية للمياه؟ وهل إعادة تخصيص النسب بين القطاعات مستحبة من وجهة النظر الإسلامية؟ في أولويات استعمال المياه في الإسلام يأتي الري في المرتبة الثالثة بعد حق الشرب للانسان والحيوان. ومما لا شك فيه أن الناس إذ يتحولون من مجتمع ريفي زراعي الى مجتمع مُدُني صناعي، لا يعود تخصيص المياه مسموحاً فقط، بل يصبح مطلوباً للحفاظ على المساواة وأولوية الحق في إرواء الظمأ.
لكن وجود أسواق غير منظَّمة تفتقر إلى التدابير القانونية والمؤسسية والاقتصادية اللازمة قد يؤدي إلى نشوء ممارسات عشوائية، كما في الهند، حيث هبط منسوب المياه الجوفية بصورة مذهلة نتيجة قيام المزارعين ببيع المياه المستخرجة من أراضيهم إلى مزارعين آخرين أو إلى المدن. ومن المفارقات أن ضخ هذه المياه الجوفية يتم بواسطة الطاقة الكهربائية المدعومة أسعارها من الدولة.
إن الحكومات بحاجة إلى رؤيا لمحاصصة المياه على الصعيد الوطني، وإلى تنظيم هذا القطاع بحيث يكون التحوّل بطيئاً وثابتاً ومدروساً. فاذا افترضنا أن 100 وحدة من المياه المتجددة متوفرة لبلد من البلدان ككل، فان نقل 8 وحدات من الزراعة، مثلاً، لا يستدعي أكثر من زيادة كفاءة هذا القطاع بنسبة 10٪، ولكن هذا يؤدي تقريباً إلى مضاعفة كمية المياه المتوفرة للاستخدام المنزلي، عدا عن إمكانية إعادة استخدام الكميات ذاتها من مياه الصرف المعالجة في مجال الري، حيثما يكون ذلك مجدياً. وقد ثبت أن بالإمكان ليس فقط الحفاظ على الإنتاج الزراعي، بل زيادته مع خفض استعمال المياه في الوقت نفسه، خاصة إذا انطلقنا من ممارسات الري القليلة الفعالية الشائعة في بلدان المنطقة.
المشاركة العادلة
اذإ كانت حكومات بلدان المنطقة تفكر في اعتماد الأسواق المنظَّمة للمياه، فعليها أن تضع آليات قانونية ومؤسسية وتنظيمية تكفل عمل هذه الأسواق بطريقة عادلة وفعَّالة. وتأتي في الطليعة الآليات المؤسسية التي تفسح في المجال أمام مشاركة المجتمع بحيث يشارك المعنيون كافة في اتخاذ القرارات الصعبة المتعلقة بالتخصيص العادل. وفي العديد من الحالات، ثبت أن الطرق التي تتبعها المجتمعات المحلية في تخطيط المشاريع التي تهمها وتمويلها وتنفيذها وإدارتها، هي أكثر قابلية للإستدامة من غيرها. ففي أوغندا مثلاً، أدت سياسة اللامركزية ومشاركة مستهلكي المياه في تمويل المشاريع إلى مضاعفة تغطية إمدادات المياه حيث ارتفعت من 18٪ في الثمانينات إلى 36٪ عام 1996، كما زادت شبكات الصرف الصحي من 20٪ إلى 45٪ خلال الفترة ذاتها.
إن مشاركة المجتمعات المحلية في أية قضية تهمها، ومن ضمنها إدارة المياه، هي إلزامية في الإسلام. فالقرآن يصف المؤمنين أن «وأمرهم شورى بينهم»(الشورى 38). والمشاركة الحقة تستدعي أن تتحلى الجماعات والأفراد باليقظة وروح المبادرة وتحمل المسؤولية (بما في ذلك دفع الأسعار العادلة).
إذا أمكننا اختصار الإدارة الإسلامية للمياه في مبدأ واحد، لقلنا إنها تلك التي توفر المساواة لجميع خلق الله. وتطلب الأحاديث الشريفة من المسلمين عامة ألاَّ يقوموا بأفعال تتسبب بأذى، على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار». ولكن هذا المبدأ لا يمكن الدفاع عنه بقوة إذا لم يكن لدى الدولة نظام للمراقبة يقيس مقدار الضرر الذي يلحق بجميع المخلوقات وبالبيئة. وهذا يستدعي تكامل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ووضع وتطبيق القوانين التي تحمي الأراضي والموارد المائية، كما يستدعي إجراء تقييم للامور البيئية والاجتماعية ومدى تأثيرها في الصحة.
ومبادئ إدارة المياه سبيل للتواصل لا بين الأفراد وحسب بل كذلك بين الدول، لأن المياه لا تلتزم بحدود هذا البلد أو ذاك. فعلى سبيل المثال، نرى أن حوض نهر النيل موزّع بين عشرة بلدان، وحوض رم ممتد بين الأردن والسعودية. ويتجلى إجماع في مجال الإدارة المائية الشاملة في المواد الثلاث والثلاثين من ميثاق هيئة القانون الدولي، التي وافقت عليها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 1997. أما المبادئ الأربعة الرئيسية لهذا الميثاق فهي: الاستخدام العادل والمعقول للأنهار الدولية (المادة 5)، تحاشي الضرر البالغ والتعويض (المادة 7)، التعاون بين الدول ذات الأنهار أو البحيرات المشتركة (المادة 8)، حماية الأنهار الدولية والأنظمة البيئية المتصلة بها (المواد 5، 8، 20، 21).
هذه المبادئ القانونية تنسجم مع تعاليم الإسلام لأنها مبنية على أساس قيم شاملة. وقد جاء في الحديث: «من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه فليس بمؤمن».
ناصر فاروقي هو كبير اختصاصيي برامج المياه في المركز الدولي لبحوث التنمية في أوتاوا، كندا.
كادر
مبادئء إسلامية في إدارة المياه
توصل المشاركون في ورشة ادارة الموارد المائية في العالم الاسلامي، التي انعقدت في عمّان في كانون الأول (ديسمبر) 1998، إلى إجماع حول مبادئ إسلامية لإدارة المياه تحـت ثلاثة عناوين رئيسية: المياه كمنفعة اجتماعية، وإدارة الطلب على المياه، والإدارة المتكاملة للموارد المائية. والمبدأ السائد بين هذه الموضوعات الثلاثة هو تأمين العدالة والمساواة.
المياه كمنفعة اجتماعية
- الماء أولاً وقبل كل شيء منفعة اجتماعية في الإسلام، فهو هبة من الله وعنصر ضروري لاستمرار الحياة.
- المياه ملك للمجتمع بأسره، وليست ملكاً لأي فرد بالمعنى الحرفي للكلمة.
- أولى الأولويات في استعمال المياه هي الحصول على مياه الشرب بكمية ونوعية مقبولتين للحفاظ على حياة البشر، ولكل كائن حي الحق في الحصول على هذه الحاجة الأساسية.
- الأولوية الثانية لاستعمال المياه هي توفيرها للحيوانات الأليفة، والأولوية الثالثة هي توفيرها لأغراض الري.
-  البشر مسؤولون عن حماية المياه في الأرض.
- للبيئة (بحيوانها ونباتها) حق قوي ومشروع في الحصول على المياه، ومن الضروري حمايتها من خلال تخفيض التلوث إلى أدنى حد. ويتحمل الأفراد والمنظمات والدول مسؤولية الأذى الذي ألحقوه بالبيئة أو بالحقوق البيئية العائدة للغير، بما في ذلك حقوق استعمال المياه.
- ينبغي إدارة واستعمال الموارد المائية بما يكفل استدامتها.
- في نهاية الأمر، تتوقف الادارة العادلة والمستدامة للمياه على اتباع قيم شاملة مثل الانصاف والمساواة والاهتمام بالآخرين.
إدارة الطلب على المياه
- الاقتصاد في استعمال المياه أمر أساسي في الإسلام. وتقع على عاتق المساجد والمؤسسات والمدارس الدينية مسؤولية نشر هذا المبدأ بحيث يتمم المجهودات الدينية والعلمية الأخرى.
- إعادة استعمال المياه العادمة أمر مسموح به في الإسلام، شرط أن تتوفر في معالجة المياه متطلبات معينة كالنقاوة والصحة تلائم القصد من استعمالها.
- استرداد الكلفة بالكامل مسموح، ويتضمن ذلك استرداد كلفة الإمداد والمعالجة والتخزين والتوزيع، إضافة إلى كلفة تجميع مياه الصرف ومعالجتها وتصريفها. ولكن ينبغي أن يكون تسعير المياه عادلاً وفعّالاً أيضاً.
- خصخصة خدمات المياه مسموح بها في الإسلام، على أن تتكفل الحكومات بالتسعير العادل والمساواة في الخدمة.
الإدارة المتكاملة للموارد المائية
- تتطلب إدارة المياه الشورى بين جميع المنتفعين.
- في وسع جميع أفراد المجتمع، رجالاً ونساءً، أن يلعبوا دوراً فاعلاً في إدارة المياه. وينبغي تشجيعهم على ذلك.
- على المجتمعات أن تبادر لضمان حصص عادلة من الموارد المائية.
- على جميع الدول تقاسم المياه بشكل عادل مع الدول الأخرى.
- الإدارة المتكاملة للمياه أداة ضرورية لتحقيق العدالة والمساواة بين المناطق والقطاعات.
كادر
ناصر فاروقي: الدين قوة مؤثرة والحلول تأتي من أبناء الأرض
مشاريع إدارة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لها حظوظ كبيرة بأن تكون مستدامة لو أخذت التعاليم الاسلامية في الاعتبار، يقول ناصر فاروقي أحد محرري كتاب "إدارة المياه في الاسلام" الصادر حديثاً بالعربية عن المنشورات التقنية ومجلة "البيئة والتنمية". ويستند الكتاب الى النتائج التي توصلت اليها ورشة خبراء إدارة الموارد المائية في العالم الاسلامي التي انعقدت فـي الأردن عام 1998. ويضيف فاروقي، وهو كبير اختصاصيي المياه في المركز الدولي لبحوث التنمية (IDRC)، أن الكتاب يدحض الافكار السائدة لدى البعض بأن اعادة استخدام مياه الصرف وفرض تعرفة على خدمات المياه هما مخالفان لتعاليم الاسلام، ويقدم أدلة على دعم الاسلام لسياسات مثل الخصخصة، مع تحديد شروط وقيود أهمها إرساء العدالة.
يقول فاروقي إنه يخيل الى كثيرين أن ثمة تضارباً بين التعاليم الاسلامية وما بات يعتبر مبادئ أساسية لادارة مستدامة ومنصفة للمياه، وخصوصاً تسعيرها بقيمتها الحقيقية واعادة استخدام المياه المبتذلة. ويرى أن الاسلام يدعم بقوة مبادئ ناشئة أخرى، مثل الاقتصاد في المياه، وحق البيئة في حد أدنى من المياه المتوافرة، والتشاور مع الناس المعنيين. "الاسلام نشأ في منطقة تعاني ندرة في المياه، وهو يذكر الكثير حول تلك القضايا، في تفاصيل مدهشة يمكن أن تساعد في تطوير وتنفيذ هذه المبادئ".
في ورشة العمل، اتفق باحثون إسلاميون، من السنّة والشيعة، على جميع المسائل الرئيسية المتعلقة بالماء، ولو اختلفت آراؤهم قليلاً في التفاصيل الخاصة بتنفيذ اجراءات محددة. يقول فاروقي: "توصلنا الى إجماع ملحوظ بين المشاركين، وكل شيء أدخلناه في الكتاب متفق عليه كلياً. لقد وجدنا، قبل كل شيء، أن المياه سلعة اجتماعية حيوية وحق أساسي للانسان في الاسلام، وأن النبي محمد دعا بوضوح الى الحرص عليها".
كما وجد المشاركون أن الاسلام يحدد أولويات لحقوق المياه. فالأولوية الاولى هي حق إرواء عطش البشر، والثانية حق إرواء الماشية، والثالثة حق ري المحاصيل. بعد ذلك تكون للبيئة حقوق قوية ومحددة في المياه، إذ يذكر الاسلام أن لجميع الكائنات الحق في كمية ونوعية من المياه كافيين لسد حاجاتها، والشريعة تحدد عقوبات لاولئك الذين يحدثون أضراراً، ما يفتح الباب لغرامات قانونية بحق ملوثي المياه.
من الاستنتاجات الأخرى أن الاسلام لا يحرم اعادة استخدام المياه العادمة، شرط أن تعالج بشكل يجعلها آمنة للاستعمال المبتغى. وهذا يعني عملياً أن المياه العادمة المستخدمة لري الخضر التي تنمو على سطح الأرض وتحته وتؤكل نيئة تحتاج الى معالجة أكثر من تلك التي تستخدم لري الخضر أو الثمار التي تطبخ والتي يمكن أن تروى عند جذور الأشجار، أو المحاصيل التي تخصص لعلف الحيوانات. ويرى فاروقي أن الاستنتاجات التي توصلت اليها ورشة العمل تنسجم مع مقاييس منظمة الصحة العالمية المتعلقة باعادة استخدام المياه، مذكراً بأن المياه العادمة المعالجة يعاد استخدامها في المملكة العربية السعودية، حيث تروى بها مثلاً أشجار النخيل ونباتات العلف كالفصة.
الأفكار الرئيسية التي يتضمنها الكتاب تتعلق بادارة الطلب على المياه، وبأن على الحكومات حول العالم أن تركز أكثر على ادارة الطلب بدلاً من محاولة زيادة الامدادات التي تكون أكثر صعوبة وكلفة. ويقول فاروقي ان الاسلام يدعم هذا التوجه، لأن النبي محمد شجع المسلمين على استخدام المياه بحرص، حتى في الوضوء والغسل، ولو كانوا على نهر جارٍ.
وجدت الورشة أيضاً أن الاسلام يسمح لمزودي المياه باسترداد تكاليفهم. والماء بحد ذاته ليس للبيع، لأنه هبة من الله ويخص المجتمع ككل. لكن بامكان الحكومات والبلديات والمتعهدين استرداد ما يتكلفون على جمع مياه الشرب وتخزينها ومعالجتها وتوزيعها وعلى معالجة المياه العادمة. ومن الأمثلة على ذلك أنه يسمح لشركات مياه خاصة في ايران بأن تحدد أسعاراً لا تتعدى متوسط الكلفة الاجمالية لخدمات المياه، لكن عليها أن توفر أيضاً 25 ليتراً من المياه مجاناً لكل فرد يومياً.
يأمل فاروقي أن يساعد هذا الكتاب بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التصدي لتحديات الأمن الغذائي والمائي. فحوالى 80 في المئة من المياه المستهلكة في المنطقة حالياً تستعمل في الري. لكن مع تزايد عدد السكان والهجرة الى المدن بوتيرة سريعة، باتت الكمية المتوفرة للأغراض المنزلية غير كافية. ففي العاصمة الاردنية عمان، مثلاً، تتلقى الطبقة الوسطى المشتركة في الشبكة العامة المياه لمدة ساعتين فقط ومرة واحدة في الأسبوع، بينما يدفع الفقراء غير المشتركين في الشبكة أسعاراً أعلى 10 أضعاف الى 20 ضعفاً مقابل حصولهم على المياه من شركات خاصة لا تخضع للأنظمة. ويرى فاروقي أن من العدالة تحويل المياه العذبة الطبيعية من الري الى المناطق الحضرية، ومن ثم استخدامها في الزراعة كمياه صرف معالجة. ولئن يكن الاسلام يسمح باعادة تقسيم حصص المياه، حتى من خلال استخدام قوى السوق، فهو يعتقد أن الحكومات بحاجة الى تنظيم الأسواق القطاعية للمياه.
معظم الوكالات والمنظمات التنموية بدأت تدرك أهمية فهم السياق الاجتماعي والثقافي وادخال القيم المحلية في مشاريعها، والدين غالباً ما يؤثر على جميع هذه القضايا يقول فاروقي: "السياق إسلامي عموماً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن مقاربة مماثلة لورشة ادارة المياه في الاسلام يمكن أن تكون مجدية بالنسبة الى موضوع كالهندوسية وادارة التربة في الهند مثلاً، أو الكاثوليكية وتنظيم الأسرة في أميركا اللاتينية".
الدرس الكبير الذي ينبغي استخلاصه، يقول فاروقي، هو أننا أينما عملنا يجب أن نتفحص الثقافة المحلية والنظام الايماني، وأن نجربهما ونتعلم منهما ونعمل من خلالهما، بدلاً من فرض معتقداتنا الخاصة، "فقد تعلمنا أن أكثر الحلول استدامة هي تلك التي يطورها الباحثون من أبناء البلدان النامية والتي تعكس قيم مجتمعاتهم".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
ناصر فاروقي المياه في الاسلام
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.