نستمع الى وجهة نظر مصنع الاسمنت في الفحيص، فنحسد سكانها على وجوده هناك، ونكاد نطالب بانشاء مصنع مشابه في عمّان، باعتباره مفيداً للصحة والتربة والبيئة، ومن باب تعميم الخير على الشعب الاردني كله. لكن واقع الحال لا يترك للضلالة أن تأخذ مداها، فالأمراض التي أصابت الناس لا تخطئها عين مجرّدة، والتلوث الذي أصاب البيئة لا يخطئه أنف سليم.
ونشدّ على أيادي أهل المنطقة، وخصوصاً النشطاء منهم، على هذه الحملة التي تريد للتلوث أن يتوقف. فهذا هو الدور الحقيقي للمجتمع المدني المحلي في غياب العمل الرسمي، الذي يتعامى عن مشاكل البيئة الأردينة ويؤجل حلها الى المستقبل، الأمر الذي يفاقم في المشاكل ويترك البلاد والعباد ضحايا للتلوث البيئي القاتل.
لا بد لتلك الحملة أن تنجح، ولا بد للجميع أن يساندوها، فقد تخلق لدينا سابقة تؤسس لانجازات مقبلة على هذا الصعيد. ونظرة من المارّ بجانب سيل الزرقاء تهزّ البدن من الماء المختلط بالمواد الكيميائية الذاهبة الى سد الملك طلال، الذي صار سطح بحيرته مرصوفاً بالزئبق. ولدى الدخول الى أي مدينة أردنية يخدش مشهدها منظر تلك المقابر الضخمة للسيارات المشطوبة. ولا يمكن فهم التصريح لوضع الحفر الامتصاصية فوق بئر ماء زلال في عين جنا، أو السماح بانشاء مزارع الدجاج فوق عشرات الآبار الارتوازية التي تشرب منها المدن والقرى، وغير ذلك من أمور لا يمكن فهمها إلا باعتبارها انعكاساً للامبالاة بحاضر الناس ومستقبلهم.
وثمة ما يزيد من علامات الاستفهام والسؤال. فهناك المئات من دونمات أراضي الغابات التي تحرق بفعل فاعل لسبب التفحيم أو التحطيب، ولكسب مئات من الدنانير بالقضاء على ثروة بنيت على مدار السنين. ولن نتحدث عن عمّان الغربية التي صار الحجر فيها مكان الزرع، وما زال التوسع مستمراً، وهي ظاهرة تتكرر في كل المدن الاردنية.
نعود الى الفحيص، التي يخوض أهلها معركة ينبغي أن تنتهي لصالحهم، ليمكن التأسيس عليها في مناطق أخرى. فالصمت وانتظار العمل من الاجهزة الرسمية بات غير نافع في وقت تتسع فيه الكارثة البيئية.
|