وجدي رياض
تحظى محميات البحر المتوسط في مصر باهتمام خاص من الهيئات الدولية. وقد رصدت خمسة ملايين دولار لتنميتها وتطويرها وتحويلها الى مزارات لهواة مراقبة الطيور والنباتات وغيرها. وثمة ثلاث محميات مصرية مطلة على المتوسط، إحداها محمية الزرانيق، نسبة الى "الزرنوق" أي المكان الضيق.
ترقد محمية الزرانيق في حضن الساحل الشمالي الشرقي لشبه جزيرة سيناء، وتعتبر امتداداً لبحيرة البردويل. وهي تؤوي، اضافة الى الطيور البحرية المقيمة، نحو 450 ألف طائر خلال هجرتها من دول اسكندينافيا وشرق أوروبا وروسيا الى جنوب أفريقيا، في رحلة من أغرب رحلات الطيور في العالم. فهي تهجر أوكارها مع بداية فصل الخريف هرباً من البرد القارس وصقيع المحيط المتجمد الشمالي، وتصل الى الزرانيق حيث تعيش أفراح الدفء والتزاوج. وبعد فترة من الراحة والاغتذاء ترحل أسرابها وصولاً الى جنوب أفريقيا. ورحلتها، اذا قيست بالطائرة النفاثة، تحتاج الى 24 ساعة طيران متواصل بسرعة 900 كيلومتر في الساعة، من شمال اسكندينافيا الى أقصى جنوب القارة الافريقية. وفي طريق عودتها الى أوطانها ربيعاً تحط الطيور المهاجرة في الزرانيق من جديد. وهذه الرحلة تمثل رحلات "الربيع الدائم"، حيث يرحل الطير مع تدني درجات الحرارة. ففي شهور الصيف تصبح درجة حرارة دول الشمال أشبه بالربيع، ومع بداية الخريف العالمي تصبح درجة حرارة سيناء أشبه بالربيع. وعندما تحل شهور الشتاء تصبح درجة حرارة جنوب أفريقيا ربيعاً، لأنها تقع في النصف الثاني الجنوبي من الكرة الأرضية حيث الربيع هو بمثابة خريف النصف الشمالي.
الزرانيق محمية ذات طابع خاص. كانت مهجورة ومحاطة بالملاحات. وعندما أنشئ جهاز شؤون البيئة عام 1982، دعا الى حماية هذه المنطقة. وبدأت خطوات الحماية بوضع حرم للمحمية حتى لا تتعرض لاعتداءات الصيادين الذين دفعوا الطيور الى هجرة أماكنها التقليدية. وهذا الأمر وجه أنظار الخبراء في العالم الى النقص الحاد في أعداد الطيور التي تهاجر من مصر، في رحلتي الذهاب والإياب.
ومعروف أن الطيور المهاجرة في العالم تواجه نقصاً شديداً في أعدادها وأفراخها، ولا سيما بسبب الصيد الجائر والعمران الذي اكتسح الشواطئ. فتناقصت مواقع تفريخها ومصادر غذائها، وأصبحت الطريق التقليدية لهجرتها مهددة بالفناء. ومن هنا خرجت اتفاقيات الأمم المتحدة، مثل "رامسار"، تنبه الى الدمار المحقق للطيور المهاجرة. وهو الأمر الذي دفع مرفق البيئة العالمي (GEF) الى دعم المحميات البحرية في مصر، وكذلك الحكومة الالمانية التي خصصت ملايين اليورو لبناء مراكز علمية للأبحاث ومراكز للزوار ولمراقبة الطيور في محمية الزرانيق.
وتلجأ الطيور عادة الى الأراضي الرطبة، التي تختلف من حيث ملوحة المياه أو عذوبتها والتيارات الهوائية السائدة ودرجات الحرارة وأنواع الغذاء المتوفر. ولعل من أهم أنواع الطيور هنا صياد السمك الذي يزور مصر طوال الشتاء. كما يعبر المنطقة طائر اللقلق الابيض الكبير وغذاؤه المفضل الجراد.
يقول الدكتور محمد ابراهيم، مدير عام الادارة العامة للمحميات الطبيعية في جهاز شؤون البيئة، ان منطقة الزرانيق ذات أهمية بالغة للطيور المهاجرة من شرق اوروبا وشمال غرب آسيا. وتمتد المحمية على مساحة 250 كيلومتراً مربعاً، وتضم بيئات مختلفة من الساحل المتوسطي الى الكثبان الرملية. وفيها أكثر من 500 نوع من النباتات. ويأوي اليها نحو 270 نوعاً من الطيور، منها البجع والشاروش والبط والبلشون وأبوقردان واللقلق والصقر والسمان والحدأة والكروان والطيطوى والنورس والتمري والوروار والأبلق.
وفي مصر 12 مركزاً للأراضي الرطبة في رأس محمد ونبق وأبوجالوم ورفح والزرانيق وبحيرة قارون وسالوجا وغزالة والواحات والفرافرة وسيوه وجزر النيل.
|