مع طلوع الفجر تحمل منى خليل في يديها ست سلاحف بحرية حديثة الولادة، عادت امّاتها بعد ثلاثين عاماً من الغياب لتضع بيوضها على شاطئ المنصوري، على مسافة حوالى مئة كيلومتر جنوب بيروت.
وتأخذ السلاحف الصغيرة، التي لا تزال دروعها السوداء المرقطة ببقع خضراء لينة، بتحريك اقدامها الصغيرة ما ان تضعها منى، مندوبة المؤسسة الاهلية لحماية السلاحف البحرية (ميداست)، في حوض مليء بمياه البحر تسميه "الحاضنة". وبعد فحصها بعناية تتركها لمدة 48 ساعة في الحوض الصغير قبل أن تحملها الى البحر.
بالتعاون مع وزارة البيئة والجامعة الأميركية في بيروت ومركز البحر المتوسط للمناطق المحمية، بدأت "ميداست" السنة الماضية مشروعاً لاقامة منطقة محمية لتفقيس السلاحف. وساهمت عوامل عديدة في اختيار المنطقة المحمية لهذا النوع من السلاحف، التي تقتل قناديل البحر التي بات تكاثرها يهدد النظام البيئي في البحر المتوسط.
وساهم وجود المحمية على طرف المنطقة المحتلة سابقاً، التي انسحبت منها اسرائيل في أيار (مايو) 2000، في تجنيب الخليج نمواً عمرانياً وسكانياً كان لا بد ان يؤدي الى هروب السلاحف. ونجت رمال هذه المنطقة، التي كانت منطقة معارك، من عمليات الجرف التي شاعت بشكل غير قانوني.
وتقول تيمة مجدلاني، السينمائية والصحافية المتطوعة من "ميداست"، ان العناية الالهية هي التي أنقذت المكان الذي كان يطلق عليه قبل اندلاع الأحداث الاهلية اللبنانية عام 1975 اسم "خليج السلاحف". وتضيف أن "السلحفاة البحرية الخضراء المعمرة تصبح قادرة على الاباضة عندما تبلغ 30 عاماً، وتعود لتضع بيضها في المكان الذي ولدت فيه. ولحسن الحظ ان المدافع سكتت عندما حان الوقت لسلاحف المنصوري كي تعود لوضع بيوضها".
ولا تزال تيمة متأثرة بمشهد وضع البيض الذي شهدته في أيار (مايو). وتقول متذكرة: "تخرج السلاحف المبيضة من المياه مع هبوط الليل في مجموعات من أربع أو خمس. وتتقدم ورؤوسها مرفوعة ومنتصبة، كأنها تشتمّ الهواء خشية أي خطر. ثم تحفر سبع حفر بعمق 30 سنتيمتراً في الرمال الجافة، وتضع بيوضها في واحدة منها للتمويه".
وبعد أن تضع نحو ستين بيضة، كل منها في حجم كرة الغولف، تتوجه الى المياه لتواصل هجرتها. وتهرب السلاحف من الضجيج والضوء، ولا تبيض أبداً عندما يكون القمر بدراً. وبعد وضع البيض، تبدأ عملية الحماية. ولمنع وصول الحيوانات المفترسة، ولا سيما سرطان البحر، توضع شباك من حديد حول الاعشاش. لكن المتطوعين اضطروا أيضاً للتدخل لدى القوة الموقتة للامم المتحدة في المنطقة لمنع الأطفال من سرقة البيض وبيعه الى جنود القوة الفيدجيين.
ورغم حماسة سكان المنطقة للمشروع أملاً في ان يشجع السياحة البيئية، لم تعلن وزارة البيئة الموقع بعد محمياً. وبدأت منظمات غير حكومية لبنانية حملة لحمل الحكومة على اعلان المنطقة غير مرخصة للبناء، فيما يسعى مستثمرون من العاصمة لبناء منتجع سياحي قريب. ولكن وزارة البيئة ترد حتى الآن بأن الأمر لم يدرج بعد ضمن الاولويات.
|