Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
كتاب الطبيعة
 
فاكهة البراري  
أيلول (سبتمبر) 2002 / عدد 54
 وفاء خوري
يتميز غرب آسيا، وخاصة المنطقة المعروفة بالهلال الخصيب، بتنوع جغرافي ومناخي جعل منه أحد أهم مراكز التنوع الحيوي في العالم. وقد أصبحت المنطقة الأكثر جذباً للإنسان الأول، ليستقر فيها ويبدأ تاريخه الزراعي. فكانت ولادة الزراعة، وكان هنا أول تدجين للنباتات، من خلال تطوير واختيار الأنواع البرية المتلائمة مع حاجات الانسان وبيئته.
أمّنت النباتات البرية المواد الأولية للزراعات المتنوعة، مما أتاح للانسان الانتقال الى مرحلة أرقى من أنماط العيش. وكانت هذه المنطقة منشأ وموطن العديد من الأنواع النباتية الزراعية ذات الأهمية المحلية والإقليمية والعالمية مثل القمح والشعير والعدس، والنباتات العلفية كالباقية والجلبان والفصة، بالإضافة الى الأشجار المثمرة مثل اللوز والإجاص والخوخ والزيتون والفستق والكرز.
ولا تقتصر أهمية الأصناف البرية على كونها حجر الأساس الأول للزراعة، الذي نشأت منه جميع النباتات المزروعة التي تشكل مصادرنا الغذائية حالياً. فهي تتعدى ذلك لتكون مصدراً يؤمن لعلماء تحسين النباتات أصولاً وراثية لعملية تطوير الأنواع والأصناف لتتماشى مع تغيرات البيئة المستمرة، وتحسين الانتاج وبالتالي تأمين استمرارية الجنس البشري من خلال تأمين استمرارية مصدر غذائه.
عرفت المجتمعات المحلية استخدامات شتى للكثير من الأشجار البرية المثمرة المنتشرة في المناطق الحرجية، بالرغم من تهميشها وكونها غير مدجنة. فهي تستخدم  في الغذاء، ولخصائصها الطبية، وفي تربية النحل، وكأصول برية تطعّم عليها الأصناف المزروعة، وللبناء والأثاث، علاوة على أهميتها كغطاء نباتي يساعد في الحفاظ على الموارد الطبيعية من تربة ومياه. الا أن الاستعمالات الجائرة وغير المنظمة لهذه الأشجار، وخاصة القطع الكثيف، أدت الى تدهور سريع في انتشارها، مما يستدعي اهتماماً خاصاً لحفظها واستخدامها بطرق مستدامة، ولاسيما من قبل المجتمعات المحلية.
مع الخسارة العالمية للتنوع البيولوجي، برزت عدة اتفاقيات صادقت عليها معظم بلدان العالم للحفاظ على هذا التنوع، كونه الركيزة الأساسية لاستدامة التطور الزراعي وتأمين الأمن الغذائي للأجيال الحاضرة والمستقبلية. لكن معظم الجهود انصبت على حماية الأنواع المزروعة والمدجنة، متناسية أهمية أصولها البرية والأنواع المهمشة التي حققت عبر العقود تأقلماً مميزاً مع العوامل الطبيعية، خاصة القاسية مثل الجفاف والحرارة والأمراض.
الأشجار البرية المثمرة، كالإجاص واللوز البري والبطم (الفستق البري)، يستخدمها المزارعون كأصول في عملية التطعيم للأنواع والأصناف المستحدثة، بفضل مقاومتها الآفات وتأقلمها مع البيئة والتربة في ظروف يصعب فيها عادة اعطاء مردود مجدٍ اقتصاديا. فالأنواع البرية للوز والفستق والزعرور والزيتون في منطقتنا متأقلمة مع التربة الكلسية، كما أنها مقاومة لعدة آفات حشرية مثل حفار الساق الذي أدى الى تدهور زراعة الأشجار المثمرة عند العديد من المزارعين. غير أن تطعيم الأشجار البرية المتناثرة في الحقول أدى في بعض الأحيان الى تقلص عددها وتدهور أنواعها. ولذا يتوجب على المزارعين، في اطار الاستصلاح الزراعي، حفظ هذه الأنواع البرية على جوانب الحقول لاستخدامها كمصادر للبذار للحفاظ عليها في المستقبل.
وكثيراً ما تتأثر المناطق الحرجية، حيث تنتشر الأنواع البرية للأشجار المثمرة، بعمليات التحطيب (قطع الأشجار جزئياً أو كلياً) والرعي الجائر الذي يمنع الشجيرات الصغيرة من النمو. كما تتأثر هذه الأنواع البرية والتنوع الحيوي فيها بالحرائق و"استصلاح" الأراضي للزراعة والتوسع العمراني. ومن جهة أخرى، يعتمد التشجير الحرجي في كثير من المناطق على الأنواع المدخلة غير المتوطنة التي، بالاضافة الى كونها عادة غير متأقلمة، تؤثر على التكوين المجتمعي للنباتات الحولية والأعشاب، وعلى الكائنات الحية في التربة، وعلىالآفات وأعدائها الطبيعية في الأحراج، مؤدية الى تغير أساسي في البيئة الحرجية. لذلك يتوجب على المؤسسات الحرجية استعمال الأنواع المتوطنة، لما لها من تأقلم كبير مع البيئة المحلية مما يساعد على حفظ التوازن الطبيعي.
معارف محلية
للأنواع البرية أهمية كبيرة كمصادر وراثية في برامج التحسين النباتي لإنتاجية أفضل. ويهتم بهذه الميزة مربّو النباتات و"مؤصّلوها" بصورة خاصة. أما عند المجتمعات المحلية، فكانت للأشجار البرية بتنوعها الكبير استخدامات متعددة. غير أنها بدأت تزول تدريجياً مع اندثار المعرفة المحلية لهذه الاستخدامات والتي تكونت عبر مئات السنين من الخبرة المحلية. ومن أهم أسباب اندثار هذه المعرفة نزوح الشباب الى المدن وتطور دورة الحياة الاقتصادية-الاجتماعية المؤدي الى ابتعاد الإنسان عن بيئته.
الزعرور، مثلاً، يستخدم زهره لتربية النحل، ولفاكهته فوائد غذائية وطبية لا سيما لمقاومة أمراض القلب، وذلك لغناها بالفيتامينات والحديد والزنك وغيرها. والخوخ البري يستخدم كبديل من الحامض في تحضير الطعام، كما تصنع منه المربّيات. واللوز البري يستخدم عند المحليين لمحاربة أعراض التسمم لشدة مرورته، كما يستخدم في الطعام، وكشراب في بعض الأحيان، ويمكن استخراج الزيوت منه. والبربريس البري يستخدم في صنع الدبس وبعض الكحول، ولعلاج بعض أمراض المواشي. أما زهر الإجاص البري فيغلى ويشرب كالشاي، وتؤكل فاكهته وتباع في الأسواق لنكهتها المميزة. وللفستق البري (البطم) عدة استخدامات، فمن خشبه يصنع المهباج، والأصماغ في حبوبه تستخدم للصق، والحبوب تدق وتمزج مع القهوة أو الصعتر أو خبز الصاج لزيادة النكهة. والأمثلة عديدة على هذه الاستخدامات عبر المعرفة المحلية للمجتمعات الريفية والتي يجب احياؤها.
ان تشجيع الحفاظ على التنوع الحيوي للأصناف البرية للأشجار المثمرة أمر ممكن، عبر زيادة وعي المجتمعات الأهلية ومراكز القرار لأهميتها ولتعدد استعمالاتها المتاحة. كما يبقى المجال مفتوحا لزيادة المردود الاقتصادي لهذه الاستخدامات، عبر تصنيع غذائي بطرق حديثة، واظهار الخصائص الغذائية أو العلاجية، وابرازها كمنتجات عضوية (organic) خالية من المواد الكيميائية. فزيادة المردود الاقتصادي يبقى العامل الأساسي المشجع للمجتمعات الريفية كي تحافظ على هذا التنوع النباتي.
وغني عن القول انه يمكن تشجيع استخدام الأصناف البرية للأشجار المثمرة في التحريج وتشجير الطرق والحدائق العامة.
كادر
ينشط "مشروع التنوع الحيوي الزراعي في المناطق الجافة"  في كل من الأردن ولبنان وفلسطين وسورية، حيث يعمل على خلق ديناميكية تشجيع المجتمعات المحلية وجميع شرائح المجتمع على حفظ الأصناف المحلية وأنواعها البرية في حقول المزارعين ومواطنها الأصلية.
ويهدف المشروع الإقليمي للحفظ والاستخدام المستدام للتنوع الحيوي الزراعي في منطقة غرب آسيا الى تفعيل دور المزارعين والمجتمعات المحلية في حفظ الأصناف المحلية في حقول المزارعين وحفظ أنواعها البرية في مواطنها الأصلية. ويقوم مرفق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتمويل في كل من بلدان عمل المشروع. ويتولى المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) التنسيق الإقليمي وتأمين الخبرات والتدريب اللازم، بالتعاون مع المعهد الدولي للمصادر الوراثية النباتية (إبغري) والمركز العربي للدراسات في المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد).
في لبنان، تقوم مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية بتنفيذ المشروع في قرى عرسال ونبحا وحام ومعربون. وخلال المرحلة الأولى تم تأسيس شراكة مع المجتمع المحلي في المناطق المستهدفة، والتعاون مع السكان للوصول إلى فهم مشترك لموارد مناطقهم الطبيعية البيئية والإقتصادية والعوامل المؤثرة عليها سلباً وإيجاباً. وأنشىء مشتل لإكثار الأصناف البرية والبلدية للأشجار المثمرة في عرسال. وتم تدريب المزارعين على تقنيات انشاء المشاتل، والمحافظة على التربة، وحصاد المياه، وتربية النحل، وغير ذلك. ويعمل المشروع على دعم نشاطاته التقنية مع المزارعين بنشاطات تزيد الوعي العام لدى المواطن حول أهمية المحافظة على التنوع الحيوي، خاصة للأنواع النباتية المتوطنة. وبتقديم خيارات لتحديث السياسات والقوانين الوطنية لدعم الحفاظ على هذا التنوع.
الدكتورة وفاء خوري هي مديرة مشروع التنوع الحيوي الزراعي في لبنان.
الصور خاصة بمشروع التنوع الحيوي الزراعي في لبنان
أجاص بري
زعرور
بربريس
أجاص بري
بربريس
بطم ـ فستق بري
بطم ـ فستق بري
خوخ الدب
خوخ الدب
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.