Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
رسنه وراه عودة كابول الى العالم  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2002 / عدد 52-53
 مدن البلاد مدمرة، وريفها الخلاب مزروع ألغاماً، والأمية مستشرية، والأمل معقود على جهود المجتمع الدولي لاعادة الاعمار. رسنه وراه محررة نشرة "هابيتات" التي تصدر عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية كتبت هذا التحقيق من كابول لـ"البيئة والتنمية"
تصور! انت في طائرة شحن تنقل الركاب حطَّت على مهبط طُعن عليه وزير حتى الموت قبل يومين. الحقول المحيطة بالمدرج تنتشر فيها قذائف الطائرات المقاتلة. التدابير الأمنية مشددة. الجنود المسلحون بالبنادق يرشدونك الى رواق مظلم تكسرت نوافذه وانفتحت في سقفه فجوات ضخمة. لا وجود لأي مسؤول عن معاملات الدخول. يدنو منك موظف يبدو أن لا صفة رسمية له ويطلب جواز سفرك. وبعد أن تناوله إياه، يخبرك بأنك لن تستعيده إلا عند مغادرتك البلاد. ولدى اقترابك من المكان المخصص للأمتعة، تدرك أن لا وجود لكهرباء، والأمتعة تُرمى الى المسافرين من خلال ثقب في الجدار، وعليك أن تميز حقائبك في الظلام. وتنتقل الى قاعة الوصول، وهي رواق مظلم مكتظ يبدو منذراً بسوء، فتخرج منه الى المكان الذي تقصده. أهلاً بكم في كابول، عاصمة أفغانستان.
وصلت الى كابول في أصيل يوم شتوي من شباط (فبراير) الماضي، بعد انقضاء ثلاثة أشهر على قيام التحالف الذي قادته الولايات المتحدة بتحرير المدينة من الطالبان، الذين بسطوا سيطرتهم على 90 في المئة من البلاد منذ العام 1996. لقد قدم الى كابول كل المجتمع الدولي تقريباً. فمنذ كانون الثاني (يناير) 2002 قامت نحو عشرين وكالة تابعة للأمم المتحدة وأكثر من 60 منظمة دولية غير حكومية وعدد كبير من وكالات الغوث المتعددة الأطراف، بارسال مندوبين عنها الى المدينة لوضع استراتيجيات قصيرة الأجل وطويلة الأجل لهذا البلد الذي مزقته الحرب. ففي فترة حكم الطالبان، لم تعترف وكالات الغوث بشرعية السلطات، كما كانت هناك خشية من أن تستخدم أموال المساعدات لتغذية الحرب. أما الآن فقد تحول الجفاف الى مطر غامر.
مكان الاقامة الوحيد الذي ينصح موظفو الأمم المتحدة باستخدامه هو بيت الضيافة التابع للأمم المتحدة في وسط المدينة. ولما كانت جميع غرفه محجوزة، كان على معظم الضيوف أن يتشاركوا مع موظفين آخرين في الأمم المتحدة بغرف النوم والحمامات. وكانت رفيقتي في الغرفة أميركية من أصل أفغاني عادت الى بلادها بعدما أمضت 28 عاماً في المنفى. وكانت لبيت الضيافة حسنات عدة، منها أنه من الأماكن القليلة في المدينة التي توافرت فيها الكهرباء والماء الجاري، كما أن فيه مقهى. وكانت كابول خاضعة لنظام حظر تجول صارم، يبدأ في التاسعة ليلاً وينتهي في السادسة صباحاً. وهذا جعلني أؤخر جولتي في المدينة حتى صباح اليوم التالي.
صباحات الشتاء في كابول باردة ولكن منعشة. وفي يوم صاف، تبدو جبال هندوكوش المهيبة المكللة بالثلوج شامخة فوق المدينة وكأنها ستارة بهية خلف ما كان يوماً مدينة جميلة. ومع تقدم النهار، تملأ الهواء روائح تتفاوت بين الشذى العذب للخبز الهندي الطازج ونتانة مياه المجارير.
حياة وسط الانقاض
لم يشهد بلد آخر هذا العدد الكبير من الجيوش الذين عبروا حدوده. الاسكندر الكبير عبر المنطقة في القرن الرابع قبل الميلاد. والبريطانيون غزوها (من دون أن يحالفهم النجاح) في القرن التاسع عشر. ووسمت الامبريالية الآسيوية المنطقة بصفات خاصة في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث تحارب الصفويون الفرس والمغول الهنود للسيطرة عليها. وكما كتب جايسون اليوث في كتابه "ضوء غير متوقع"، فان الدماء السلافية والهندية والفارسية والتركية والعربية والوسط ـ آسيوية والأوروبية أهرقت وامتزجت على التراب الأفغاني حيث "تركت حضارات متمدنة وبربرية آثارها".
تاريخياً، لم تكن هناك دولة تدعى أفغانستان، فهي نشأت نتيجة تدخلات مصطنعة أحدث عهداً. فالناس الذين يعيشون في هذه المنطقة المغلقة التي ليس لها منفذ على البحر في قلب جنوب وسط آسيا، اعتادوا التعريف عن هويتهم وفق المنطقة المحلية التي يقيمون فيها. وقبل تأسيس دولة أفغانستان عام 1880، كان الأفغان يشيرون الى مناطقهم بأسماء مختلفة مثل كابولستان وزابولستان وتركستان.
في العقدين الأخيرين، أدت المشاعر الدينية والايديولوجية والمصالح الأجنبية المكتسبة الى جعل أفغانستان مسرحاً لحروب متواصلة خاضتها جيوش نظامية أو عصابات مسلحة. وفي 22 عاماً من الحروب، ابتداء بالغزو الروسي عام 1979، مروراً بتمرد المجاهدين بدعم أميركي في الثمانينات (الذي تحول في ما بعد الى حركة الطالبان)، وصولاً الى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة مؤخراً ضد الارهاب، أضحت البنية التحتية المادية والاجتماعية والاقتصادية في كابول مجرد خرائب. وفي العام 1992، عندما قام المجاهدون بطرد الروس من البلاد، تحولت فصائل مسلحة مختلفة الى محاربة بعضها بعضاً. وفي وقت ما انهال على كابول نحو 200 صاروخ يومياً. وتحولت أحياء بكاملها الى أنقاض. ولم يعد أحد يتذكر أياً من الجيوش دمر أياً من المباني. والأبنية التي ما زالت قائمة هي المساجد والمجمعات السكنية التي بناها السوفيات لايواء الموظفين الحكوميين. وتقدر بلدية كابول أن حوالى 40 في المئة من منازل المدينة دمرت في السنوات الخمس عشرة الأخيرة. ويكاد التخلص من النفايات الصلبة لا يستوفي الحد الأدنى من المقاييس. وبات تواجد الماء الجاري والكهرباء من الكماليات في معظم المنازل.
لكن من وسط الانقاض تبرز ملامح الحياة. فالأسواق المكشوفة في كابول تعج بالنشاط، حيث القصابون يبيعون أي شيء، من حوافر الأبقار الى رؤوس الماعز، وكلاهما يعتبران من الاطعمة المترفة. والنساء، ببراقعهن الزرقاء الفضفاضة يساومن على سعر القنبيط. والأصوات المدوية لموسيقى فيلم هندي شعبي تملأ الشوارع (كانت الأفلام والموسيقى الهندية محظورة أيام الطالبان، ويتهاف الأفغان عليها حالياً). وفي كابول، كما وصفها إليوت وصفاً مؤثراً في أواخر التسعينات، "جلّ ما يسعى اليه الانسان هو الكفاح لتأكيد استمراره المحق، حتى عندما كانت النوافذ تتهشم تحت وطأة القنابل".
ثورة صامتة
لكن هذه كانت بعض الدلائل المرئية لتحرير أفغانستان. فما لا يعرفه معظم الناس هو أنه، أثناء أيام الطالبان، كانت تدور ثورة صامتة في المدن والقرى عبر هذه البلاد المعزولة. ومنذ 1995، كان مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، كجزء من مبادرة السلام التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الانمائي، يدعم أكثر من 80 منظمة أهلية في أحياء سكنية، تدير النساء كثيراً منها، في ست مدن، بما فيها كابول. وكانت هذه المنظمات تشرف على مدارس ومستوصفات ومشاريع تجارية، فتؤمّن نظاماً فريداً من الحكم الذاتي المحلي في محيط صعب ومعقد للغاية.
المهمة لم تكن سهلة. فالسلطات أبدت اهتماماً قليلاً بقطاعات الرعاية والتنمية، وهذا جعل من الصعب على منظمات الأمم المتحدة أن تضمن الموافقة على المشاريع، خصوصاً تلك التي تعنى بالنساء والفتيات. ففرص النساء لكسب رزقهن خارج المنزل كانت معدومة، وكانت الأمية مرتفعة بشكل حاد بين الفتيات. ونتيجة لذلك تزايد اعتماد النساء على العائلة خلال هذه الفترة. والنساء اللواتي كن يعلن عائلاتهن بعد مقتل أزواجهن أو اختفائهم أو سجنهم كنّ الأكثر تأثراً.
تدير برفين أحمد زاي منظمة في حي سكني في دائرة كابول الثامنة. ومثل كثيرات من نساء المدينة، ما زالت برفين ترتدي البرقع في الأماكن العامة. وذلك ليس لأسباب دينية فقط (دخل الاسلام الى أفغانستان في منتصف القرن السابع)، ولكن أيضاً لأنها لا تثق تماماً بالسلام، وتخشى أن يكون في الجوار مئات من المتعاطفين مع الطالبان، الذين قد "يعاقبونها" عندما تغادر قوات التحالف البلاد. وأثناء حكم الطالبان، كان العمل والتعليم محظورين على النساء. والجمعيات الأهلية، كتلك التي تديرها برفين، كانت تدار من المنزل. وكثيراً ما تعرضت برفين للضرب من قبل السلطات لأن جمعيتها أدارت مدرسة للبنات من المنزل. الآن، ولأول مرة، تستطيع برفين مغادرة منزلها والذهاب الى العمل. والبنات في الحي يستطعن الذهاب الى المدرسة.
وليست برفين وحيدة في كفاحها. فقد قابلت على مدى خمسة أيام عدداً من الأفغان، رجالاً ونساء، أظهرت رواياتهم وطناً مكلوماً وإنما سريع التغير: المعلمة التي تستخدم مهاراتها لتعليم الأهالي مبادئ ادارة الأعمال الصغيرة، والموظفون الحكوميون الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ شهور لأن الحكومة لا تملك الأموال اللازمة، والأطفال بعيونهم الواسعة الجميلة الذين يلعبون في أبنية حولتها القنابل الى خرائب، غافلين عن الألغام البرية التي ظلت حتى وقت قريب تزرع في جميع أنحاء كابول. هؤلاء الناس تتكشف عيونهم عن أسرار وجراحات قديمة وحديثة.
ريف جميل ... ومخيف
بعد خمسة أيام في كابول غادرتها بطريق البر، لأن جميع الرحلات الجوية من المدينة ألغيت بسبب سوء أحوال الطقس. رحلة الـ12 ساعة الى اسلام أباد، مروراً بجلال أباد وبيشاور قرب الحدود الباكستانية، حافلة بالمناظر الطبيعية الخلابة، لكنها شاقة. أجزاء قليلة من هذه الطريق السريعة الرئيسية مزفتة، وسيارة الأمم المتحدة التي كنت فيها أقلَّت أربع نساء لا يرتدين البرقع، بما فيهن أنا، وسائقاً. والأفغان الريفيون لم يعتادوا رؤية نساء يسافرن وحدهن، لذلك أثار وجودنا نوعاً من الحشرية على طول الطريق.
الريف الأفغاني هو صورة الجمال والصفاء. فالجداول النقية كالبلور تجتاز الأراضي الجبلية الرائعة. والنسوة في أثواب السلواركميز البراقة يحضرن طعام الغداء خارج منازلهن. والاولاد يرعون قطعان الأغنام على التلال المنتشرة حول القرى. لعل التمدن في أفغانستان كان له أثر سلبي على حرية النساء وحركتهن. ويبدو أن الريفيات هن أكثر "حرية" وأكثر حركة من نساء المدن. قليلات جداً من الريفيات اللواتي شاهدتهن كن يرتدين البرقع، وكثيرات كن سائرات وحدهن من دون مرافق.
لكن ما يشهده الريف من هدوء وحرية نسبيين يبدو مخادعاً. فسكان أفغانستان، الذين تشكل النساء الريفيات القسم الأكبر منهم، هم من أكثر الناس حرماناً في العالم. ففي العام 1996، كانت نسبة النساء المتعلمات 13 في المئة فقط، في مقابل 44 في المئة للرجال. ونسبة الوفيات أثناء الولادة في أفغانستان هي ثانية أعلى نسبة في العالم. وفي المناطق الريفية تهديد آخر أكثر غدراً. فبحسب مصادر أمنية في الأمم المتحدة، يحوي كثير منها آلاف الألغام البرية، وحقل الزهور الذي يبدو "بريئاً" قد يكون مصيدة قاتلة.
من الواضح أن أفغانستان تحتاج الى علاج مادي وعاطفي. والمجموعة الدولية، التي يقودها الاتحاد الاوروبي واليابان والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، تعهدت بدفع 4.5 بلايين دولار لاعادة إعمارها. ولئن أمكن اصلاح الطرق وإنشاء شبكات المياه والمجاري والصرف الصحي والكهرباء واعادة بناء المنازل، فكيف السبيل الى شفاء الجراحات العاطفية والنفوس الكليمة في بلد بأسره؟ هذا سؤال يتعين على المجتمع الدولي أن يجد له جواباً عملياً اذا كان لشفاء أفغانستان أن يكتمل.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.