منطقة متميزة على ساحل المتوسط، شملها مشروع لحماية الأنواع المهددة براً وبحراً وإقامة سياحة ايكولوجية وبرامج تنمية ريفية لدعم سكانها. لكن المشروع ما زال حبراً على ورق. وقد أعدت جمعية AZIR لحماية البيئة في الحسيمة هذا المقال للنشر في "البيئة والتنمية"، مناشدة الجهات المعنية عدم تأخير الإعلان الرسمي لمنتزه الحسيمة الوطني.
الأندلسي محمد
أجراف صخرية وعرة ترتفع الى 747 متراً وتمتد عشرات الكيلومترات على ساحل المتوسط المغربي. هناك يقع مشروع المنتزه الوطني للحسيمة في ايبقوين، على بعد 150 متراً شرق مضيق جبل طارق. وهو يغطي مساحة حوالى 320 كيلومتراً مربعاً، من شاطئ ثارايوسف شرقاً الى جزيرة يلش غرباً.
يستقر في المنطقة نحو 14.800 نسمة، أجبرتهم الموارد المائية القليلة على العيش قرب المنابع والآبار. والأراضي المنبسطة الصالحة للزراعة نادرة في ذلك الوعر، لذا يعتمد السكان على تربية الماشية من غنم وماعز. ويزرع القمح في بقع صغيرة، وغالباً على المنحدرات، مما يساهم في انجراف التربة.
الطبيعة المتميزة للمنطقة أضفت عليها بعض من أجمل المناظر الطبيعية للمتوسط المغربي، كما أغنتها بمجموعة كبيرة من الانساق البيئية ذات القيمة البيولوجية العالمية. ففيها أكثر من 60 نوعاً من الطيور، بينها عقاب البحر الصياد النادر الذي أحصي أكثر من 16 زوجاً منه، ما يعتبر أكبر تجمع لهذا الطائر في حوض البحر المتوسط. وفي الوسط المائي تستقر أنواع كثيرة من الكائنات البحرية، بينها بقايا "فقمة الراهب"، و86 نوعاً من الأسماك، وثلاث فصائل من الدلافين. كما يمكن مشاهدة تجمعات للمرجان الأحمر.
النباتات نادرة، ما عدا بقعاً من الزراعة الغابية الاصطناعية لأشجار الصنوبر الحلبي. أما الغابات الأصلية فانها على وشك الانقراض بفعل الاستغلال المفرط الذي عرفته منذ زمن بعيد. ويمكن مشاهدة الأصناف المحلية في مواقع بعض المقابر، التي تعتبر متحفاً حياً يعطي صورة حقيقية لما كان عليه الغطاء النباتي في الماضي. وأهم هذه الأصناف العرعار (امتزي) والدروة (فاضيس) والدوم (ثكزضنت) والزيتون البري (ازمور).
على رغم الأهمية البالغة للمنطقة من النواحي البيئية والاقتصادية والاجتماعية، فانها تعاني إهمالاً وتخريباً يهددان توازنها البيئي وتنوعها الايكولوجي بالضياع. وأهم وجوه هذه التهديدات الصيد الجائر والرعي المكثف وحرائق الغابات والرمي العشوائي للنفايات والتعمير غير المنتظم.
أعلن... ولم يعلن!
قررت الحكومة المغربية إنشاء منتزه وطني بري وبحري في إقليم الحسيمة. فأعدت وزارة الفلاحة والاصلاح الزراعي مشروع المنتزه عام 1992. وأرسل بعد ذلك الى وزارة الداخلية والاعلام لعرضه على الوزارات المعنية والجماعات القروية من أجل التشاور. وأعدّ تصميمه عام 1993 في إطار برنامج المتوسط للمساعدة الفنية البيئية (METAP) بتمويل مشترك من لجنة الاتحاد الاوروبي والبنك الأوروبي للاستثمار وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي والبنك الدولي. لكن التشريع الذي يسمح بانشاء المنتزهات في المغرب يفرض فتح مشاورات عمومية مع الأطراف المعنية لمدة سنتين، وان لم يصدر مرسوم في نهاية هذه المدة يلغى المشروع. وهكذا فان المنتزه الوطني للحسيمة لم يتم إعلانه بصفة قانونية.
في المغرب حالياً ثلاثة منتزهات وطنية: توبقال في جبال الأطلس الكبير الذي أنشئ عام 1942، وثازقا في اقليم تازة الذي أنشئ عام 1950، وسوس ماسة الذي أنشئ مؤخراً في أغادير. وقد قدم البنك الدولي عام 2001 مشروعاً لتأسيس شبكة من المناطق المحمية، مع الدعم المؤسساتي للجهات العاملة في حماية البيئة، ودعم المغرب لتطبيق اتفاقية التنوع البيولوجي. واختيرت لتطبيق المشروع عشر محميات طبيعية في الريف، والأطلس المتوسط، والأطلس الكبير، والمنبسطات الصحراوية، والشواطئ الصحراوية على المحيط الأطلسي، وثلاثة منتزهات وطنية (توبقال، الحسيمة، الجهة الشرقية للأطلس الكبير) لم يعلن منها نهائياً إلا المنتزه الأول. وستتولى تطبيق المشروع السكرتارية المكلفة بالبيئة في وزارة شؤون المياه والغابات.
يتوخى مشروع المنتزه الوطني للحسيمة تحسين الأنظمة الايكولوجية التي تزخر بها المنطقة واعادة تأهيل الأماكن المدمرة بالأصناف الأصلية المحلية. ولهذا الغرض سيتم تطبيق برنامجين، الأول يشمل الغابات والغطاء النباتي، والثاني يشمل الحيوانات البرية. وسيركز برنامج الغابات والنباتات بشكل خاص على حماية غابات البلوط الأخضر وتحديد الأماكن التي ما زال يتواجد فيها، وعلى حماية غابات العرعار (thuya de Barbarie) مع إعادة تشجير 150 هكتاراً كل سنة. وسيعمل على صياغة برنامج خاص لاعادة التشجير بالأصناف المحلية، وتشجيع السكان القاطنين في المنتزه على تشجير الأماكن القريبة من "الدواوير" و"المداشر" (قرى صغيرة) في مساحة تقدر بـ60 هكتاراً.
أما برنامج الحيوانات فيشمل من الطيور البحرية عقاب البحر الصياد ونوعين من النورس، مع الاحصاء المسبق لأعدادها، وتحديد الأماكن التي تعشش فيها ومراقبتها باستمرار. كما يتضمن إنشاء خريطة مدققة لجميع الأحياء في الوسط البحري من أجل اتخاذ إجراءات لحماية بعض الكائنات المهددة بالانقراض. وبهدف حماية الطيور الكاسرة والثدييات اللاحمة، يقضي البرنامج بإعداد لائحة بها، مع التتبع اليومي لمجالها الحيوي، والمنع الكلي لأنواع السموم التي تهددها، وضبط الكلاب الشاردة، وتحسين مراقبة قطعان الماشية التي ترعى في المنتزه مع تعويض أصحابها الخسائر الناجمة عن افتراسات الحيوانات اللاحمة، وإنقاص أعداد الخنازير البرية الضارة بالمحاصيل الزراعية.
سياحة وتنمية قروية
ستكون السياحة الايكولوجية نشاطاً رئيسياً في المنتزه الوطني للحسيمة. وفي هذا المجال، يتم تدريب ستة مرشدين سياحيين من أبناء المنطقة، وتجرى دراسة لامكانات التنمية السياحية. وتتضمن الخطة بناء وحدات استقبال ومخيم للزوار، واقتناء باخرة تتسع لنحو 25 شخصاً تكون مهمتها المراقبة والبحث العلمي.
أما برنامج التنمية القروية التشاركية في مشروع المنتزه، فالمرجو منه تنمية المنطقة اقتصادياً واجتماعياً عبر إنجاز مشاريع تنموية في عشرة دواوير. فيتم إصلاح قنوات الري، وبناء مدرجات وأسوار على ضفاف الأودية لحماية الدواوير من خطر الفيضانات. ويترافق ذلك مع تأهيل طاقم بشري يتولى المراقبة والحماية العلمية وادارة المنتزه.
ولكن، حتى الآن، لا إعلان رسمياً للمنتزه الوطني للحسيمة، الذي يبقى منصوصاً عليه في الأوراق وغائباً في الواقع. وترتفع أصوات البيئيين، محلياً ومتوسطياً، مطالبة بانجاز هذا المشروع لما له من أهمية بالغة على مستوى المتوسط الغربي.
كادر
أخطار تهدد بيئة الحسيمة
تواجه منطقة الحسيمة تشكيلة من التجاوزات التي تنذر بضياع تفرّدها الايكولوجي، وأهمها:
- الصيد المكثف الذي يقضي على المخزون السمكي.
- الصيد بالجر في المياه القليلة العمق.
- الصيد بالمتفجرات.
- الصيد المفرط للأخطبوط.
- الاستغلال غير العقلاني الذي تمارسه بعض الشركات لآخر حقول المرجان الأحمر في البحر المتوسط المغربي (جهة أكروس).
- التلوث بفعل رمي النفايات المنزلية الصلبة في الوسط المائي (مزبلة سيدي عابد).
- القنص غير القانوني.
- توسيع الأراضي الفلاحية.
- قطع الغابة لصنع الفحم.
- الرعي المكثف.
- الحرائق الطبيعية والمتعمدة.
- البناء والتعمير "المتوحش" وغير المتناغم مع طبيعة المنطقة ولا مع الاسلوب الهندسي الأصلي للريف.
- البرنامج الحكومي لتعمير الساحل.
جمعية AZIR لحماية البيئة (المغرب)