ازداد عدد الناس المتضررين نتيجة للكوارث الطبيعية من 147 مليون نسمة سنوياً خلال الثمانينات الى 211 مليوناً خلال التسعينات. وبلغت الخسائر العالمية الناجمة عن الكوارث الطبيعية 100 بليون دولار عام 1999. وقد ارتفع حجم الكوارث المرتبطة بتقلبات الطقس. ويربط بعض الخبراء هذه الظاهرة بتغير المناخ نتيجة نفث الغازات الناجمة عن صناعة البشر وسلوكياتهم.
وراء معظم التقييمات والتوقعات الواردة في تقرير "توقعات البيئة العالمية" (GEO3) تكمن ظاهرة الاحترار العالمي، بما تنذر به من أضرار بالغة تمثلها تغيرات في الأنماط البيئية والمناخية خلال العقود المقبلة. ويستعرض التقرير، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، السياسات والآثار البيئية التي حدثت على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ويحدد أربعة اتجاهات يمكن اتباعها خلال العقود الثلاثة المقبلة، ويقارن بين نتائجها المحتملة على مستقبل كوكب الأرض وعلى مستقبل الانسان. وقد شارك أكثر من ألف شخص من أنحاء العالم في إعداد التقرير.
الدكتور كلاوس توبفر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، اعتبر التقرير "أكثر عمليات التقييم مرجعية لوضعنا السابق وموقعنا الحالي والاتجاه الذي سنسلكه". وأضاف: " أمامنا الآن مئات الاعلانات والقرارات والاتفاقيات والخطوط التوجيهية والمعاهدات الملزمة قانونياً والخاصة بمعالجة المشاكل البيئية والتهديدات التي تواجه الحياة البرية والصحية الانسانية. وعلينا الآن أن نتمتع بالشجاعة السياسية والتمويل اللازم لتنفيذ هذه الاتفاقيات وتحديد مسلك أصحّ وأكثر ازدهاراً للكرة الأرضية".
في ما يأتي عرض لأبرز ما جاء في التقرير.
الموارد الأرضية
القوة المحركة الرئيسية التي تتسبب في الضغط على الموارد الأرضية هي ظاهرة الانفجار السكاني في العالم. فقد ازداد عدد الأفواه التي تحتاج الى إطعام بنحو 2.22 بليون شخص عما كان عام 1972.
وفي منطقة آسيا والباسيفكي (المحيط الهادئ) ارتفعت مساحة الأراضي المروية من 125 مليون هكتار عام 1972 الى أكثر من 175 مليون هكتار في الوقت الحاضر. ويمكن أي يؤدي الري المفرط أو السيئ الى تدهور التربة من خلال ازدياد ملوحة المياه فيها. وهناك أكثر من 10%، أو ما يتراوح بين 25 و30 مليون هكتار، من الأراضي المروية في العالم مصنفة على أنها متدهورة بدرجة خطيرة نتيجة لذلك.
وتعتبر تعرية التربة عاملاً أساسياً وراء تدهور الأراضي. فهناك حوالى بليوني هكتار من الأراضي المصنفة الآن على أنها متدهورة نتيجة للنشاطات الانسانية، وهذا يعادل 15% من مساحة اليابسة، أو مساحة الولايات المتحدة والمكسيك معاً. وسدس هذه المساحة، أو ما مجموعه 305 ملايين هكتار من التربة، في حالة "تدهور خطير جداً" لدرجة أنه لا يمكن إصلاحها.
والأشكال الرئيسية لتدهور التربـة هــي تعريتها بفعـل المياه (تمثل 56%) وتعريتها بفعل الرياح (28%) والتدهور الكيميائي (12%) والأضرار الفيزيائية أو البنيوية (4%). ويسبب الرعي الجائر 35% من تدهور التربة، بينما يمثل قطع الأحراج 30%، والزراعة 27%، والاستغلال المفرط 7%، والأنشطة الصناعية 1%.
ومن المظاهر الأساسية التي سادت خلال الثلاثين عاماً الماضية توسع المساحة الزراعية في المناطق الحضرية. فهذه الزراعة تمارسها معظم العائلات في منطقة جنوب شرق آسيا وجزر الباسيفيكي. ويأتي نحو 30% من الغذاء في الاتحاد الروسي من 3% من الأراضي الحضرية. ويمارس 65% من سكان مدينة موسكو الزراعة الحضرية، مقارنة مع 20% في أوائل السبعينات.
المياه العذبة
تعاني نصف أنهار العالم من نضوب وتلوث خطيرين. وقد تعرّض 60% من أكبر 227 نهراً للتجزئة بدرجة كبيرة أو متوسطة نتيجة بناء السدود عليها أو تنفيذ أعمال هندسية أخرى. وشملت فوائد ذلك زيادة إنتاج الغذاء والطاقة الكهربائية المائية، ولكن أضراراً لا يمكن إصلاحها حدثت للأراضي الرطبة والأنظمة البيئية الأخرى. ومنذ الخمسينات اضطر ما بين 40 و80 مليون شخص من سكان العالم الى النزوح عن مناطقهم.
ويعتمد بليونا شخص، أي نحو ثلث سكان العالم، على المياه الجوفية. وفي بعض البلدان، مثل الهند والصين ودول غرب آسيا (بما في ذلك شبه الجزيرة العربية) والاتحاد السوفياتي السابق والمناطق الغربية من الولايات المتحدة، بدأ منسوب المياه الجوفية بالانحسار نتيجة الافراط في عمليات استخراجها.
ويؤدي الافراط في ضخ المياه الى تسرب الأملاح الى الموارد المائية في المناطق الساحلية. فعلى سبيل المثال، توغل تلوث المياه بالأملاح في مدينة مدراس بالهند مسافة 10 كيلومترات داخل اليابسة خلال السنوات الأخيرة.
وبحلول منتصف التسعينات، كان هناك نحو 80 بلداً، تمثل 40% من سكان العالم، تعاني من حالات شح كبير في المياه. ولا يزال 1.1 بليون شخص لا يحصلون على مياه الشرب المأمونة، بينما يفتقر 2.4 بليون شخص الى الشروط والمرافق الصحية، ولا سيما في افريقيا وآسيا. ومع ذلك فان نسبة الناس الذين يحصلون على إمدادات المياه العذبة المحسنة ازداد من 4.1 بليون نسمة (79%) عام 1990 الى 4.9 بليون نسمة (82%) عام 2000.
وفي ما يتعلق بالأمراض المنقولة بالمياه، يواجه بليونا شخص خطر الملاريا، حيث يعاني 100 مليون من هذا المرض في أي وقت بينما يحصل نحو مليوني حالة وفاة سنوياً. ويحصل نحو أربعة بلايين حالة إسهال و2.2 مليون حالة وفاة من الاسهال كل سنة، أي ما يعادل ضحايا 20 حادث تحطم طائرة "جامبو" كل يوم.
وتؤثر عدوى الديدان المعوية على 10% من سكان العالم. وهناك نحو ستة ملايين شخص من مكفوفي البصر بسبب التراخوما، وهو مرض عيون معدٍ، في حين يعاني 200 مليون شخص من الشيستوسوميا (داء المنشقات) الذي يتسبب في البلهارسيا.
الغابات والتنوع البيولوجي
تقدر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن الغابات التي تغطي ثلث اليابسة (3.86 بليون هكتار) قلت مساحتها بنسبة 2.4% منذ العام 1990. وقد حدثت أكبر خسارة في أفريقيا، حيث تعرّت مساحة 52.6 مليون هكتار أو ما يمثل 0.7% من غطاء الغابات خلال العقد الماضي.
وقد وصل الانتاج العالمي من الأخشاب الدائرية الى 3.4 بليون متر مكعب، استخدم نصفها وقوداً، خصوصاً في البلدان النامية. وللأساليب التجارية في قطع الأخشاب آثار تدميرية غالباً. ففي غرب أفريقيا يقطع متران مكعبان من الأشجار لانتاج متر مكعب واحد من الأخشاب. وفي نهاية 2000، تمت إجازة نحو 2% من الغابات لأغراض الادارة المستديمة، بموجب برامج مثل تلك التي يشرف عليها مجلس العناية بالغابات Forest Stewardship Council. وتقع معظم هذه الغابات في كندا وفنلندا وألمانيا والنروج وبولندا والسويد والولايات المتحدة، وهناك المزيد منها في طريق الاجازة.
وتتعرض غابات المنغروف لتهديدات مختلفة، وهي خطوط دفاع طبيعية للبحار ومنابت للأسماك ومواقع مهمة لتعشيش واستراحة الطيور المهاجرة. ومن الأخطار التي تتهددها قطع الأشجار بأسلوب جائر لاستعمالها وقوداً، والنشاطات السياحية، ومشاريع التطوير الساحلية. وقد حدث 50% من تدمير غابات المنغروف نتيجة قطع الأشجار لانشاء مزارع الروبيان (الجمبري).
وزاد فقدان وتبعثر الموائل (مثل الغابات والأراضي الرطبة ومستنقعات المنغروف) من الضغوط على الحياة البرية. ويعتبر 12% أو 1183 نوعاً من الطيور، وربع الثدييات أو 1130 نوعاً منها، مهدداً بالانقراض عالمياً.
وتبين أن نقل أنواع غريبة من مكان ما في العالم الى مكان آخر أسلوب خاطئ للادارة البيئية ويشكل خطراً كبيراً على البيئات الطبيعية. فالأنواع الغريبة في بعض الأحيان تكون بمثابة أنواع مفترسة في موائلها الجديدة، وهي تنافس الأنواع المستوطنة على مواقع التزاوج والطعام. ويقدر أن 497 نوعاً من كائنات المياه العذبة والكائنات البحرية تم نقلها الى بيئات مائية جديدة حول العالم قبل العام 1939. وفي الفترة 1980 ـ 1998 ارتفع هذا العدد الى 2214 نوعاً دخيلاً.
وازدادت مساحة الأراضي المحمية، مثل المنتزهات الوطنية والمحميات، من 2.78 مليون كيلومتر مربع عام 1970 الى 12.18 مليوناً عام 2000. وخلال هذه الفترة، ازداد عدد المواقع المحمية من 3392 موقعاً الى 11496 موقعاً. وقد أظهر مسح شمل 93 موقعاً محمياً أن معظمها نجحت في وقف ازالة الغابات، والى حد أقل في مواجهة قضايا مثل قطع الأشجار والصيد والحرائق والرعي.
ويبدو أن حظر صيد الحيتان لأغراض تجارية، الذي تم فرضه في أواسط الثمانينات، حقق نجاحاً ملحوظاً.
المناطق الساحلية والبحرية
بحلول عام 1994 كان 37% من سكان العالم يعيشون في مناطق تبعد حوالى 60 كيلومتراً من الساحل. ويزيد هذا العدد عن مجمل سكان الأرض عام 1950.
وتعتبر مياه الصرف الصحي أكبر مصدر للتلوث الساحلي والبحري من حيث الحجم، خصوصاً في البلدان النامية نتيجة لاستمرار التوسع الحضري والنمو السكاني وعدم التخطيط والتمويل لمشاريع الصرف الصحي وإنشاء محطات لمعالجة المياه. وعليه، فان تناول المحار والأسماك القشرية الملوثة كطعام يتسبب في نحو 2.5 مليون حالة من التهاب الكبد الوبائي المعدي سنوياً، وهو ما يؤدي الى 25.000 حالة وفاة و25.000 حالة إعاقة دائمة. وتقدر الآثار الاقتصادية العالمية للتلوث البحري، من حيث الأمراض البشرية واعتلال الصحة، بنحو 13 بليون دولار.
وتؤدي مياه الصرف الصحي، بالاضافة الى انجراف الأسمدة الى البحار وانبعاث الغازات من السيارات والشاحنات وأنواع المركبات الاخرى، الى زيادة عناصر المواد المغذية النيتروجينية في البحار. وبين 1991 و1992 عانى المزارعون في كوريا من خسائر اقتصادية بلغت قيمتها 133 مليون دولار نتيجة الكتل الطحلبية السامة التي تعرف باسم "المد الأحمر"، بسبب وجود هذه المغذيات في البحر. وتزداد كمية الأسمدة المستخدمة في البلدان النامية، مع استقرار الكميات المستخدمة في البلدان المتقدمة.
وتشمل التهديدات الأخرى التي تتعرض لها البحار التغيرات المناخية والتسربات النفطية وتصريف المواد المعدنية الثقيلة والملوثات العضوية الدائمة الأثر والنفايات. وأصبح الترسب نتيجة عمليات التطوير الساحلية والزراعة وقطع الأحراج يمثل تهديداً عالمياً خطيراً للشعب المرجانية، وخصوصاً في مناطق الكاريبي والمحيط الهندي وجنوب شرق أسيا.
وقد تبنت الدول اتفاقية استوكهولم للملوثات العضوية الدائمة الأثر (الدزينة الوسخة) في أوائل 2001.
ويعتبر أقل من ثلث مخزون العالم من الأسماك مستنزفاً أو مستغلاً بشكل مفرط أو هو في طريق الاستعادة، نتيجة الصيد الجائر الذي تشجع عليه المساعدات المالية التي تقدر بنحو 20 بليون دولار سنوياً.
الغلاف الجوي
وصل استنزاف طبقة الاوزون، التي تحمي الحياة من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، الى مستويات قياسية. وخلال شهر أيلول (سبتمبر) 2000 بلغت مساحة ثقب الاوزون فوق منطقة المحيط المتجمد الجنوبي أكثر من 28 مليون كيلومتر مربع. وقد تم إبرام بروتوكول مونتريال لحماية طبقة الاوزون عام 1987. ووصل إنتاج المركبات الكلوفلوروكربونية الرئيسية، التي تبين أنها تدمر طبقة الاوزون، الى ذروته عام 1988، ولكنه الآن في مستويات متدنية. وتم تقديم أكثر من 1.1 بليون دولار لمساعدة 114 دولة نامية على التخلص التدريجي من المواد المستنزفة لطبقة الاوزون. وبحلول عام 2000 انخفض إجمالي استهلاك هذه المواد بنسبة 85%. ومن المتوقع أن تعود طبقة الاوزون الى حالتها السابقة للعام 1980 بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين.
أما تركيزات ثاني أوكسيد الكربون في الهواء، وهو الغاز المرتبط بازدياد درجة الحرارة العالمية أو ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري، فتبلغ في الوقت الحاضر 370 جزءاً في المليون، بزيادة 30% عما كانت في العام 1750. وازدادت تركيزات غازات الدفيئة الأخرى مثل الميثان والهالوكربون.
وقد أطلقت منطقة آسيا والباسيفيكي ما مجموعه 2167 مليون طن من غاز ثاني اوكسيد الكربون خلال 1998، تبعتها أوروبا التي أطلقت 1677 مليون طن، وأميركا الشمالية التي أطلقت 1614 مليون طن، وأميركا اللاتينية والكاريبي باطلاق 365 مليون طن، وأفريقيا التي أطلقت 223 مليون طن، وغرب آسيا التي أطلقت 187 مليون طن.
وفي العام 1997 تبنت الدول الصناعية بروتوكول كيوتو الذي اشترط عليها تخفيض كمية غازات الدفيئة بنحو خمسة في المئة الى ما دون مستويات عام 1990، وذلك بين عام 2008 و2012. ويتضمن البروتوكول ما يعرف بالآليات المرنة، التي تسمح للدول بالتعويض عن بعض الكميات التي تنفثها في الجو أراضيها من خلال نشاطات تقوم بها في الخارج. فعلى سبيل المثال، تسمح لها آلية "التنمية النظيفة" بزراعة الأشجار أو بدعم مشاريع الطاقة الخضراء في البلدان النامية. وتقدر الهيئة الحكومية المشتركة لتغير المناخ تكاليف تطبيق البروتوكول بالنسبة للبلدان الصناعية بين 0.1% و2% من ناتجها المحلي الاجمالي.
التدهور البيئي يكلف البلدان خسائر باهظة. فعلى سبيل المثال، تخسر الهند بسببه أكثر من 10 بلايين دولار سنوياً (4.5% من ناتجها المحلي الاجمالي). ومن بين القوى الأساسية المحركة للتدهور البيئي الفجوة المتسعة بين المناطق الفقيرة والمناطق الغنية من الكرة الأرضية. ففي الوقت الحاضر، يستمتع خُمس سكان الأرض بمستويات عالية من الترف ويمثلون 90% من إجمالي الاستهلاك الشخصي العالمي، في حين يعيش أربعة بلايين شخص على أقل من دولار الى دولارين في اليوم.