ماذا يحدث لذلك الكومبيوتر القديم بعد أن تقتني آخر جديداً؟ الاحتمال كبير أن ينتهي، كلياً أو جزئياً، في مكب النفايات. ولئن تكن أجهزة الكومبيوتر تخدم مدة أطول في البلدان النامية، حيث يتم تجديدها وتقويتها، أو تحويلها لاستعمالات أبسط، أو تقديمها لجهات تعيد استعمالها، فان مدة حياة الكومبيوتر في البلدان الصناعية المتقدمة انخفضت من 5 سنوات الى سنتين أو أقل. لكن أجهزة الكومبيوتر تحتوي على مواد كيميائية خطرة، لذلك منعت بلدان كثيرة رميها في المطامر. فأين تذهب؟
كشفت دراسة أميركية قبل أشهر أن 80% من النفايات الالكترونية في الولايات المتحدة تصدر الى بلدان آسيوية، حيث يتولى عمال فقراء تفكيكها لاستخراج معادن منها، في ظروف بدائية تعرض حياتهم وبيئتهم لأخطار كبيرة.
هل لديك جهاز كومبيوتر قديم؟ غالب الظن أن الغبار يغطيه، وأنت تود التخلص منه، لكنك لا تعرف كيف وأين. كن أكيداً أنك لست الوحيد. فملايين الأطنان من أجهزة الكومبيوتر المهملة وغيرها من النفايات الالكترونية تتكدس في كل مكان، مسببة، في رأي بعض الخبراء، ما قد يصبح أكبر مشكلة نفايات سامة في القرن الحادي والعشرين.
ان وجدت مبالغة في هذا الكلام، اليك بما يأتي: انبوب الاشعة المهبطية (CRT) الزجاجي الموجود في شاشة التلفزيون والكومبيوتر يحتوي على ما معدله 1.8 كيلوغرام من الرصاص. فاذا ضربنا هذا الرقم في 315 مليون جهاز كومبيوتر يتوقع أن تصبح مهملة في الولايات المتحدة وحدها مع حلول سنة 2004، تكون النتيجة أكثر من نصف بليون كيلوغرام من الرصاص. وتحتوي الشاشات الملونة في غالبية أجهزة الكومبيوتر على أنابيب CRT تخالف معايير السمية للرصاص وتصنف بأنها نفايات خطرة. ولوحات الدوائر والبطاريات ممتلئة أيضاً بالرصاص، اضافة الى كميات أقل من الزئبق والكروم.
ويزن البلاستيك المستخدم في صنع جهاز كومبيوتر عادي نحو 6 كيلوغرامات، 25 في المئة منه بوليفينيل كلورايد (PVC) الذي ينتج مركبات الديوكسين السام عند الاحتراق. وتحتوي أجزاء بلاستيكية اخرى وبعض لوحات الدوائر على معوقات لهب معالجة بالبروم، يشتبه أن بعضها يعطل عمل الغدد الصم، ويتجمع في أنسجة الحيوانات والأسماك مما يشكل خطراً على صحة الناس الذين يستهلكونها.
يعتقد الخبراء ان ادراك الأثر البيئي للنفايات الالكترونية ما زال في البداية. فقدرة أجهزة الكومبيوتر على معالجة المعلومات تتضاعف كل 18 شهراً. والكومبيوتر الجديد الذي يتم شراؤه اليوم قد يصبح من الطراز القديم بمجرد وصله بالتيار الكهربائي في المنزل. وفي سَوْرة الاندفاع الجامح نحو المستقبل التكنولوجي، يعمد المستهلكون الى تحديث أجهزتهم للمرة الثالثة والرابعة، دافعين بالقديمة الى مطامر النفايات. وقد أظهرت دراسات أن أكثر من نصف الأجهزة المهملة تكون صالحة للعمل، لكن يتم التخلص منها رغبة في اقتناء طرازات أحدث. ويقدر، مع حلول سنة 2005، أن جهازاً واحداً سيؤول الى التقاعد مقابل كل جهاز جديد يدخل السوق.
والمشكلة تتعدى أجهزة الكومبيوتر. فالمنتجات الالكترونية الأخرى تساهم في تنامي المشكلة. ومع ظهور الـ"DVD" وشاشات العرض الرقمية المسطحة، بدأت أجهزة التلفزيون والفيديو العادية تتكوم في المطامر، وتلوث لقائم المحارق، وتضيف مكونات خطرة من نوع جديد الى صادرات النفايات المتجهة الى البلدان النامية، حيث مقاييس اعادة تدوير النفايات والتخلص منها تكاد تكون معدومة.
المصير الغامض
النفايات الالكترونية هي الأسرع نمواً بين أنواع النفايات البلدية في البلدان الصناعية، وربما في العالم. وقد أظهرت دراسات أنها تشكل الآن أكثر من 5 في المئة من جميع النفايات البلدية الصلبة في الولايات المتحدة واوروبا، أي ما يفوق كمية الأقمطة وعلب المرطبات مجتمعة، وما يعادل كمية جميع الأغلفة والقوارير البلاستيكية المرمية. والالكترونيات الاستهلاكية مسؤولة عن 70 في المئة من المعادن الثقيلة الموجودة في المطامر الأميركية، بما في ذلك 40 في المئة من الرصاص، مما يجعل إخراج النفايات الالكترونية السامة من مجرى النفايات البلدية أولوية بيئية.
ثمة غموض حول مصير معظم النفايات الالكترونية. ويفترض الخبراء ان الغالبية تطمر أو تحرق أو تصدَّر أو تترك قابعة في المخازن. وحتى الأقلية التي يعاد تدويرها يصعب رصدها. وهذا يعود جزئياً الى ان صناعة اعادة التدوير تضم تشكيلة واسعة من الاختصاصات المتداخلة. فهناك مرافق تتولى تجديد الأجهزة لاعادة بيعها، ومرافق تصلح الأجهزة المعطلة لاعادة استعمالها أو تقديمها كهبات، ومرافق لتفكيك الأجهزة واستخراج مواد أولية منها مثل المعادن والبلاستيك والزجاج.
أظهرت دراسة أجراها المجلس الوطني الأميركي للسلامة أن حوالى 723 ألف شاشة كومبيوتر أعيد تدويرها في الولايات المتحدة عام 1999. ويقدر المجلس أن 41 مليون جهاز كومبيوتر شخصي في البلاد تم التخلص منها عام 2001، وأعيد تدوير 75 ألف شاشة كومبيوتر وتم تصدير 100 ألف، وهناك أكثر من مليون شاشة لا توجد احصاءات حول مصيرها، ويرجح أن الكثير منها ذهب الى تجار يتولون تصديرها الى الخارج. وقدرت أجهزة الكومبيوتر التي ستصبح مهملة سنة 2004 بنحو 315 مليون جهاز، ليصل العدد الى 500 مليون سنة 2007. كما قدرت النفايات الالكترونية بنحو 5 ـ 7 ملايين طن سنوياً.
الأكيد هو أن الكميات التي تصل الى شركات اعادة التدوير هي أقل مما يجب. فالالكترونيات المنزلية، مثلاً، لا يعاد تدويرها في الغالب. والسبب أن برامج جمعها غير متوافرة، في معظم البلدان، والغالبية الساحقة من الناس لا يعرفون ماذا يفعلون بأجهزة الكومبيوتر القديمة التي يقتنونها، والتي يقبع ثلاثة أرباعها في خزائن وأقبية المنازل. يضاف الى ذلك أن قيمة اعادة بيعها ضئيلة. ويقول بيتر بنيسون نائب رئيس شركة ادارة النفايات واعادة تدويرها في نيويورك ان "قيمة المعادن ولوحة الدوائر التي تستخرج من جهاز كومبيوتر قد لا تتجاوز الدولار".
واعادة تدوير الالكترونيات المكتبية ضئيلة أيضاً. وبموجب "قانون المحافظة على الموارد واسترجاعها" في الولايات المتحدة، لا يحق للشركات أن ترمي الأجهزة الالكترونية كنفايات. وفيما تبذل جهود لتحويلها عن المطامر من خلال ما يسمى "اعادة التدوير"، فان هذه العملية باتت في حالات كثيرة تحايلاً تجسده ممارسات مثل التفكيك والتقطيع والحرق. وبعض الشركات التي تجمع الأجهزة كخدمة مدفوعة الأجر، تقوم بشحنها عبر البحار الى بلاد بعيدة، وهذا أرخص من نقلها بالشاحنات الى مرفق متخصص باعادة التدوير.
أخطار صحية
قلة المعلومات تعيق فهم الناس للتأثيرات الصحية المحتملة الناتجة عن التعرض للنفايات الالكترونية. وهذه النفايات تسبب في النهاية أخطاراً صحية مباشرة عندما تتحلل وتتسرب المواد الكيميائية التي بداخلها الى البيئة.
وتحتوي الالكترونيات على أكثر من 1000 مادة مختلفة، منها مواد سامة تسبب تلوثاً خطراً عند التخلص منها بطرق غير سليمة. فالرصاص والزئبق من السموم الفتاكة المتلفة للجهاز العصبي، خصوصاً لدى الأطفال الذين قد يعانون نواقص في حاصل الذكاء وعيوباً في النمو عند التعرض للمادتين حتى بمستويات منخفضة. ويقدر ان 22 في المئة من الاستهلاك العالمي للزئبق يستخدم في صنع الأجهزة الكهربائية والالكترونية. وهو يمكن أن يسبب تلفاً لأعضاء مختلفة مثل الدماغ والكلى. والجنين النامي يكون أكثر عرضة للزئبق من خلال تعرض أمه له. وعندما يصل الزئبق الى الماء يتراكم في الكائنات الحية ويتكثف من خلال السلسلة الغذائية، وخصوصاً عن طريق أكل الأسماك.
والكادميوم مادة سامة في لوحات الدوائر، وقد صنف كمسبب محتمل للسرطان عند الانسان، كما أنه يحدث تلفاً رئوياً عند حرقه واستنشاقه. والكروم، الذي يستخدم أيضاً في لوحات الدوائر، يسبب أوراماً في الرئتين والجيوب الأنفية لدى استنشاقه بجرعات عالية.
واضافة الى المعادن الموجودة في الأجهزة الالكترونية، تنطوي معوقات اللهب المعالجة بالبروم في الأجزاء البلاستيكية على أخطار صحية. فهي من مجموعة المركبات الكيميائية الضارة المعروفة بالملوثات العضوية الدائمة الأثر (POPs) التي تجوب العالم وتتجمع في أنسجة الانسان والحيوان والأسماك. وقد أظهرت التجارب التي اجريت على الحيوانات أن عدداً من هذه المركبات يؤثر على وظيفة الغدة الدرقية، وله تأثيرات استروجينية ومضار أخرى.
أما الباريوم، الموجود في الشاشة لحماية المستخدم من الاشعاع، فالتعرض له على المدى القصير يسبب انتفاخاً في الدماغ وضعفاً في العضلات وتلفاً في القلب والكبد والطحال.
ويمتاز البريليوم بخصائص تجعله مناسباً للاستعمالات الالكترونية. فهو معدن رمادي بلون الفولاذ، خفيف الوزن للغاية، صلب، وموصل جيد للكهرباء والحرارة، ولا يتمغنط. وقد تم تصنيفه مؤخراً بأنه مادة مسببة لسرطان الرئة لدى الانسان. والخطر الرئيسي هو في استنشاق غبار البريليوم بصورة مستمرة، ولو بكميات صغيرة، فتنشأ لدى المرء حساسية له، ويمكن أن يصاب بمرض البريليوم المزمن الذي يؤثر بشكل خاص على الرئتين. كما أنه يسبب مرضاً جلدياً يتميز بضعف التئام الجروح وظهور ما يشبه الثآليل. وقد تظهر الاصابة بمرض البريليوم حتى بعد سنوات عدة من آخر تعرض له.
وتشكل الخرطوشة البلاستيكية التي تحتوي على حبر متعدد الألوان في طابعة الكومبيوتر إحدى مصادر النفايات الخطرة. فالمكون الرئيسي للحبر الأسود صباغ يعرف بالكربون الأسود، واستنشاقه قد يسبب تهيج مجرى التنفس. وقد صنفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان الكربون الأسود بأنه مادة مسببة للسرطان. وتشير بعض الدراسات الى ان الحبر الازرق والاصفر والأحمر يحتوي على معادن ثقيلة.
ويستخدم الفوسفور طلاء للجزء الداخلي من اللوحة الامامية لانبوب الأشعة المهبطية. وهو عنصر مساعد على سطوع الصور المعروضة على الشاشة. ويحتوي طلاء الفوسفور على معادن ثقيلة مثل الكادميوم، ومعادن ترابية نزرة مثل الزنك والفناديوم. وهذه المعادن ومركباتها سامة جداً.
وتختلف ردات الفعل تجاه مشكلات النفايات الالكترونية، مما أسفر عن أنظمة متناقضة تستدعي وضع استراتيجية موحدة. فقد أقرت ولاية نبراسكا الأميركية، مثلاً، قانوناً يفرض رسماً مسبقاً على التخلص من أنابيب الأشعة المهبطية في الشاشات، بينما حظرت ولايتا مساتشوستس وكاليفورنيا رميها كلياً. وفي غضون سنتين، ستتبنى بلدان الاتحاد الاوروبي نظام النفايات الكهربائية والالكترونية، وهو جزء مثير للجدل من تشريع يحمّل صانعي الالكترونيات مسؤولية مالية للتخلص من منتجاتهم. وهناك إجراء مرافق يدعى "تقييد المواد الخطرة" يحظر استعمال مواد كيميائية معينة في انتاج الالكترونيات. وقد حدد البرلمان الاوروبي بعض معوقات اللهب المعالجة بالبروم لكي يتم التوقف عن استعمالها تدريجياً بين سنتي 2003 و2006.
الوضع في الصين
منذ سنوات والهيئات البيئية، مثل غرينبيس، تحذر من أن نفايات الكترونية يجري حرقها بالجملة في الهواء الطلق في بلدان آسيوية كالصين وباكستان والهند. ولاستطلاع الأمر، قام مندوبون من شبكة عمل بازل (BAN)، التي تعنى بقضايا الاتجار بالمواد السامة ومقرها في مدينة سياتل الأميركية، برحلة الى بلدة غوييو الصينية في اقليم غوانغدونغ على بعد أربع ساعات بالسيارة من هونغ كونغ، في أوائل كانون الثاني (يناير) 2002. وما شاهدوه هناك أذهلهم.
يقول جيم بوكيت، منسق الشبكة، ان غوييو والقرى المجاورة هي منذ سبع سنوات خط أمامي لتجارة عالمية بالنفايات الالكترونية، حيث يعمل نحو 100 ألف شخص في قطاع "اعادة تدويرها". وتنقل غالبية هذه النفايات بالشاحنات الى هناك من ميناء نانهاي بالقرب من هونغ كونغ، حيث ترسو سفن الحاويات القادمة يومياً من الولايات المتحدة وكندا واليابان: "حجم الأعمال مذهل، فهناك عدد ضخم من الشاحنات، وعدد كبير من الأشخاص المنغمسين في هذا العمل، ودفق مستمر من أجهزة الكومبيوتر المهشمة. ولا يجري اصلاح أي منها. فالهدف استخراج كل ما أمكن من فولاذ وبلاستيك ونحاس وذهب وفضة ومواد ثمينة اخرى، مستخدمين أدوات بدائية كالمطارق والأزاميل ومفكات البراغي بأيديهم العارية، ومن دون أقنعة وملابس واقية. أنابيب الأشعة المهبطية، ذات الزجاج المرصص، ترمى ببساطة بعد سحب اللولب النحاسي منها.
كانت هذه المنطقة تنتج الأرز في السابق، فتحولت قنوات الري الى مكبات ترمى فيها كميات ضخمة من نفايات الكومبيوتر. وهي تزخر بأخطار صحية بيئية تهدد السكان المحليين. وبحسب مشاهدات الفريق، يمضي العمال، وغالبيتهم من الأطفال، أياماً وهم يسخنون لوحات الدوائر، من دون أجهزة واقية، لتذويب اللحام الرصاصي بحيث يستطيعون سحب رقاقات الكومبيوتر لاعادة بيعها أو لسكب الحمض (الأسيد) عليها من أجل استخراج الذهب منها. ولدى حرق الرصاص والبلاستيك، تنبعث منهما أبخرة سامة يمكن استنشاقها أو ابتلاعها أو امتصاصها من خلال الجلد. وتنسكب بقايا الرصاص الذائب على الأرض. وأظهرت تحاليل أجريت لعينات من التربة والرسوبيات والماء في نهر مجاور أن مستويات التلوث تزيد مئات الأضعاف عن تلك التي تعتبر مأمونة في البلدان المتقدمة.
ومن الممارسات الأخرى الشائعة في المنطقة اذابة رقاقات الكومبيوتر في حفر مملوءة بمزيج بدائي يدعى "الماء الملكي"، وهو مكون من حمض الهيدروكلوريك بنسبة 75 في المئة وحمض النتريك بنسبة 25 في المئة. ويمكن رؤية الدخان والأبخرة السامة المتصاعدة من هذه الحفر عن بعد عدة كيلومترات. وبعد الانتهاء من العملية ترمى الأحماض والوحول المتخلفة عنها في النهر المجاور.
وثمة أنشطة تمارس في قرية أخرى قريبة من غوييو مكرسة لحرق غلافات الأسلاك البلاستيكية في حفر مكشوفة. ويجرى ذلك غالباً خلال الليل، لأن السلطات المحلية تعارض هذه الممارسات، بسبب الانبعاثات الدخانية السوداء الكثيفة التي تنتج عن عمليات الحرق. وهذه المواد تحتوي على البوليفينيل كلورايد ومعوقات اللهب المعالجة بالبروم، التي تنتج مركبات الديوكسين لدى احتراقها على درجات حرارة منخفضة. ووصف بوكيت القرية بأنها "مسودَّة تماماً" بهذا السخام السام.
ومن أسباب ازدياد تدفق النفايات الالكترونية على بلدان آسيوية انخفاض أجور الأيدي العاملة، خصوصاً في الصين حيث لا يتجاوز أجر العامل 1.5 دولار في اليوم، والتهاون في تطبيق الأنظمة البيئية والمهنية، ومشروعية تصدير النفايات الالكترونية الخطرة من دون ضوابط في الولايات المتحدة رغم أن القانون الدولي لا يسمح بذلك.
وقد تم نشر مكتشفات فريق الاستطلاع في تقرير مشترك بعنوان "تصدير الأذى: إغراق آسيا بنفايات التكنولوجيا المتقدمة" أصدرته في شباط (فبراير) الماضي شبكة عمل بازل بالاشتراك مع التحالف ضــد السموم فــي سيليكون فالي (SVTC) وهو منظمة بيئية في سان هوزيه بكاليفورنيا. والتقرير زاخر بالمعلومات المثيرة حول تصدير النفايات الالكترونية الى البلدان الفقيرة، والأخطار التي يتعرض لها سكان هذه البلدان والعمال الذين يزاولون تفكيك الأجهزة. ووصف ما يحصل بأنه "كابوس العصر المعلوماتي".
تحالف الصناعات الالكترونية (EIA)، وهو مجموعة تجارية مقرها في مدينة النغتون بولاية فرجينيا وتمثل أكثر من 80 في المئة من صناعة الالكترونيات الأميركية التي يبلغ حجم أعمالها 550 بليون دولار، رد على التقرير قائلاً انه يعمل مع الحكومات من خلال منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لوضع خطوط توجيهية معترف بها دولياً من أجل ادارة نفايات الكومبيوتر ادارة سليمة بيئياً. وأضاف: "نأمل ان تساعد هذه المبادرة الحكومات لتضمن أن مرافق اعادة التدوير العاملة ضمن حدودها تحكمها أنظمة مناسبة وتُجرى وفق مقاييس بيئية وصحية وأمنية رفيعة".
لكن التقرير أكد أن الاعمال التي تنفذ في غوييو لا تمثل إلا "أذن الجمل"، أو قمة الجبل الجليدي، من حيث التعامل الخطر بالنفايات الالكترونية في البلدان النامية. وأشار الى أن 80 في المئة من الالكترونيات التي تجمع في الولايات المتحدة وتسجل على أنها "أعيد تدويرها" توضب على وجه السرعة في حاويات تشحن بحراً الى بلدان آسيوية، حيث تفكك وتستخرج منها قطع ومواد خطرة، في أوضاع لا تحكمها أنظمة وقوانين ضابطة، فتنتج منها ملوثات خطرة تضر بالانسان والبيئة.
وعلى رغم ان "قانون المحافظة على الموارد واستعادتها" في الولايات المتحدة يمنع الشركات الاميركية من رمي الكترونياتها القديمة، فان مرافق "اعادة التدوير" التي تجمع الأجهزة المستعملة ليست ملزمة بأي برنامج مرخص. وهذا يعني أن الشركة "المانحة" يمكن ان تُحل نفسها من المسؤولية بمجرد تقديم أجهزتها الى أي مؤسسة تدعي اعادة الدوير. وأحياناً تحصل الشركة المانحة على "شهادة اعادة تدوير" من الشركة الجامعة، لكن هذه الشهادات لا تخضع لاي موافقة ملزمة قانونياً.
يقول روبرت تونيتي من وكالة حماية البيئة ان اسواق تصدير الالكترونيات المستعملة ضرورة كبرى، ليس للصناعة الأميركية فقط وانما أيضاً للبلدان الفقيرة حيث يتم تجديد أجهزة الكومبيوتر القديمة لاستعمالها مجدداً. ويضيف أن أحد العوامل التي تسهم في نمو هذه الصادرات هو الميل الى اقفال مصاهر النفايات المعدنية في الولايات المتحدة بسبب الأنظمة البيئية.
القوانين الأميركية تجيز تصدير جميع أشكال النفايات الالكترونية، حتى تلك التي أدرجتها وكالة حماية البيئة على قائمة النفايات الخطرة، ما دام الهدف المعلن من التصدير هو اعادة تدوير هذه النفايات لا التخلص منها. وقانونية تصدير هذه النفايات لا تخلو من ضبابية في سياق اتفاقية بازل (1989) لضبط تجارة النفايات الخطرة عبر الحدود، خصوصاً الى العالم النامي. ومن جميع البلدان التي وقعتها أصلاً، فقط الولايات المتحدة وهايتي وأفغانستان لم تصدق عليها بعد. وقد وافقت الدول الأطراف في الاتفاقية على ادارة النفايات الخطرة والتي تنتقل في ما بينها باستخدام مجموعة من المعايير المستحدثة التي تشكل "ادارة سليمة بيئياً". أما الدول غير الأعضاء فليست معنية بهذا التعهد الملزم قانونياً. وهذا يعني أن الولايات المتحدة حرة في تصدير الأجزاء الالكترونية الحظرة الى الصين، التي حظرت مستوردات مثل هذه الأصناف، من دون أن تتحمل تبعة الادارة البيئية لصادراتها، التي صُورت على أنها اعادة تدوير كما يحدث في غوييو.
أقر الاتحاد الاوروبي مؤخراً القراءة الأولى لقانون يلزم مصنعي الأجهزة الكهربائية والالكترونية تحمل نفقات اعادة تدوير منتجاتهم المستعملة، وزيادة نسبة اعادة التدوير من 50 الى 70 في المئة، وتحميل المصنعين نفقات جمع الأجهزة المستعملة واعادة تدويرها والتخلص منها، وتشديد الشروط الآيلة الى تصميم أجهزة "صديقة للبيئة"، والغاء المواد السامة على مراحل مع استعمال بدائل أسلم. وتدعو المنظمات البيئية الولايات المتحدة الى اتباع المثال الأوروبي، والتصديق على اتفاقية بازل المتعلقة بحظر تصدير النفايات الخطرة الى البلدان النامية، واجبار صناعة الالكترونيات على اتباع برامج الاسترجاع واعادة التدوير.
مع احتدام الجدل حول اعادة تدوير الالكترونيات، خصوصاً بعد صدور تقرير "تصدير الأذى"، تسعى الجهات المعنية لايجاد حلول. ويجري حالياً درس عدد من الخيارات المختلفة، مثل برامج اعادة تدوير تمول محلياً ووطنياً، وبرامج يدعمها المصنِّعون، وضرائب على التخلص من النفايات في نقطة البيع. لكن تبقى حاجة الى استراتيجية متماسكة محلياً ودولياً.
في هذه الاثناء، وما دام العالم يعلق آمالاً عظاماً على تكنولوجيا الالكترونيات، تبقى الدول النامية مسرحاً لنفايات هذه التكنولوجيا.
كادر
استخدام الكومبيوتر والانترنت في المنطقة العربية
عام 2000 كان هناك 1.4 جهاز كومبيوتر لكل مئة مواطن في المنطقة العربية كمعدل عام، أي حوالى خمس المعدل العالمي البالغ 7,7 آنذاك. أما شبكة الانترنت، فمعدل استخدامها رهن بعدد أجهزة الهاتف والكومبيوتر، علماً أن هناك 9 خطوط هاتف لكل مئة شخص في المنطقة العربية، بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي بلغ 15.2 عام 2000. لكن السياسات الحكومية تؤدي دوراً هاماً في تسهيل عمليات الاتصال. واستعمال الانترنت في سورية، مثلاً، ما زال في بدايته، حيث بلغت الكثافة 1.3 استعمال لكل ألف شخص في مقابل 167 استعمالاً في الامارات العربية المتحدة. ويبلغ معدل الاستعمالات في المنطقة العربية حالياً حوالى 7.5 لكل ألف شخص، وفي بلدان مجلس التعاون الخليجي 32، بينما المعدل العالمي حوالى 55.
شهد استخدام أجهزة الكومبيوتر في الخدمات الحكومية تصاعداً في العقود الثلاثة المنصرمة. لكن هناك فوارق بين بلد وآخر، سواء من حيث انتشار تكنولوجيات المعلومات والاتصال أو اختيار الخدمات التي توفرها. ففي الاردن أدخلت 92 في المئة من المؤسسات الحكومية عام 2000 تكنولوجيات المعلومات والاتصال في أعمالها اليومية، واستفادت خدمات حكومية كثيرة في السعودية من تطورات مماثلة، بما فيها السجلات الوطنية. وفي سورية، كانت وزارة المال والقطاع المصرفي الحكومي الأكثر نشاطاً في ادخال تكنولوجيات المعلومات في أعمالهما. وبذلت جهود كبيرة في الامارات العربية المتحدة، وأعلنت خطة طموحة في دبي عام 2000 لاقامة شبكة مراكز تسهل الوصول الى الخدمات الحكومية عن طريق الانترنت.
وحقق عدد لا يستهان به من المؤسسات التجارية تواجداً على الانترنت. وباستثناء عدد محدود من المؤسسات التجارية التي تتولى بيع منتجاتها بالتجزئة (المفرق) من خلال مواقعها على الشبكة العالمية، فالمعلومات محدودة حول حجم الصفقات التجارية التي أبرمها رجال أعمال على الانترنت في المنطقة العربية. وتشير الارقام المتاحة الى أن الحجم الاجمالي للتجارة الالكترونية في البلدان العربية بلغ نحو 100 مليون دولار عام 1999 ونحو 400 مليون دولار عام 2001، ويتوقع أن يرتفع الى 3 بلايين دولار سنة 2003.
وتشهد تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في القطاعات التعليمية درجات متفاوتة من الانتشار. وكان تركيز واضح على استخدام أجهزة الكومبيوتر الشخصي، وبنسبة أقل شبكة الانترنت، في المدارس الثانوية والجامعات. فقد أدخل الاردن ورشاً للتدريب على أجهزة الكومبيوتر في جميع المدارس الثانوية، بينما تقام في سورية دورات تدريب على هذه الأجهزة على عدة مستويات. وفي لبنان، حيث ينشط التعليم الخاص، تكبر الفوارق بين المدارس، ولا سيما بين الرسمية والخاصة.
والتعليم "عن بعد" يوفر فرصاً تتخطى العقبات المعروفة والمتوقعة، ومنها الوصول الى جمهور أوسع من الطلاب، وتلبية حاجات غير القادرين على حضور الصفوف، وتأمين وسائل اتصال بين طلاب من خلفيات اجتماعية وثقافية واقتصادية متفاوتة. وتوفر الانترنت امكانات تعليمية مختلفة، منها استعمال البريد الالكتروني والوصول الى مراجع ومعلومات لا تحصى عن طريق الشبكة العالمية.
وفي مجال الرعاية الصحية، فان تأمين البنية التحتية المناسبة شرط للافادة من تكنولوجيات المعلومات والاتصال. وقد استفادت مصر من احدى قنوات قمر الاتصالات التابع لها لاقامة نظام لامركزي للمعلومات الصحية يربط بين عدد من المراكز، وأطلقت مبادرات حول الطب التلفزيوني في المنطقة العربية. ومثل هذه المبادرات تجريبية في بلدان مثل قطر وسورية، ومتطورة في بلدان أخرى مثل مصر والسعودية. وفي الاردن تدعم سجلات الصحة والتأمين وعمليات مراقبة الأمراض نظم وطنية مبنية على تكنولوجيات المعلومات والاتصال.
كادر
النفايات الالكترونية في الولايات المتحدة
يقتني الأميكيون أجهزة كومبيوتر أكثر من مواطني أي بلد آخر، فهي موجودة حالياً في أكثر من نصف المنازل.
نظراً لتقدم تكنولوجيا الرقائق (chips) انخفضت مدة حياة الكومبيوتر من 5 سنوات الى سنتين أو أقل.
في ولاية كاليفورنيا، يباع أكثر من 2.2 مليون جهاز كومبيوتر سنوياً، معظمها يحال على "التقاعد" في غضون سنتين، ويتحول أكثر من 6000 كومبيوتر يومياً الى نفايات، يخزن معظمها في خزائن المنازل والمكاتب لأن مقتنيها لا يريدون رميها.
تشكل النفايات الالكترونية 2 ـ 5% من النفايات البلدية الأميركية.
يقدر أن 300 ألف طن من النفايات الالكترونية انتهت الى المطامر في الولايات المتحدة عام 2000، وأن يزيد العدد السنوي أربعة أضعاف في السنوات الخمس المقبلة.
تحتوي النفايات الالكترونية على كميات لا يستهان بها من المواد الخطرة. فكل شاشة كومبيوتر أو تلفزيون تحتوي على 1.8 ـ 3.6 كيلوغرام من الرصاص. ويحتوي زجاج الشاشة على رصاص بنسبة حوالى 20% من وزنه.
حوالى 70% من المعادن الثقيلة الموجودة في المطامر، بما في ذلك الزئبق والكادميوم، تأتي من أجهزة الكترونية. وهذه المعادن الثقيلة، والمواد الخطرة الأخرى الموجودة في الالكترونيات، تلوث المياه الجوفية وتشكل أخطاراً على البيئة والصحة العامة.
أقرّت ادارة السموم في ولاية كاليفورنيا عدم قانونية ارسال أنابيب الأشعة المهبطية (في الشاشات) الى المطامر.
أرخص خيار حالياً لاعادة تدوير النفايات الالكترونية في الولايات المتحدة هو ارسالها الى الخارج. أما كيف تستخدم هذه النفايات أو يتم التخلص منها هناك فغير معروف الى حد كبير.
تجار الأدوات المستعملة ومسؤولو الجمعيات الخيرية ليسوا متأكدين من كيفية التعامل بالتجهيزات الالكترونية التي يحصلون عليها وخيارات التخلص المتاحة لهم بموجب القانون.
تكون لأجهزة الكومبيوتر المهملة قيمة نسبية لدى تسليمها الى جهة تتولى اعادة استعمالها أو تدويرها، لكن ارتفاع كلفة نقلها واصلاحها أو تفكيكها يجعلها غير مجدية اقتصادياً.
البنية التحتية غير كافية لدعم اعادة تدوير أجهزة الكومبيوتر والالكترونيات المهملة، والحوافز الاقتصادية لايجاد هذه البنية قليلة.