بعد أقل من شهرين على قرار مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية، قبل سنة، أن يكون الاقتصاد الأخضر موضوع تقريره لسنة 2011، انطلقت الانتفاضات في المنطقة في ما اصطُلح على تسميته «الربيع العربي». عندئذٍ، قررنا أن يركز التقرير على كيف يمكن للاقتصاد الأخضر أن يساعد في نقل العالم العربي الى اتجاه جديد في التنمية يؤمن الاستدامة والاستقرار، في البيئة كما في الاقتصاد، حيث التوقعات في المجالين ما زالت قاتمة.
من المأمول أن تؤدي الاصلاحات السياسية الى وضع حد للفساد الاداري كما لسوء إدارة الموارد الطبيعية. فلا بد للحكومات الأكثر تمثيلاً لشعوبها أن تعمل بإرادة سياسية أقوى لادارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة، بحيث يكون للناس الأكثر تأثراً صوت مسموع في تكوين القرارات السياسية. لهذا من الطبيعي أن ينعكس تحسين أنظمة الحكم عامة بشكل إيجابي على إدارة البيئة والموارد الطبيعية.
على رغم ارتفاع دخل البترول، تعاني الاقتصادات العربية مشاكل بنيوية، مصحوبة بأنظمة سياسية هشة، تمنعها من الانتقال الفعّال الى الاقتصاد الأخضر. فهذه الاقتصادات ما زالت تفتقر الى التنوع، وهي تعتمد بقوة على البترول وبعض السلع الأساسية التي تفتقر الى القيمة المضافة. كما أن أنماط التنمية الراهنة تحد من قدرة الحكومات العربية على خلق مزيد من الوظائف المجزية، في منطقة تتجاوز فيها نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب ضعفي المعدل العالمي.
وتمثل التحولات السكانية تحدياً كبيراً في المنطقة، حيث ارتفع عدد السكان من مئة مليون عام 1960 الى نحو 400 مليون اليوم، ستّون في المئة منهم تحت سن الخامسة والعشرين. لذا من المحتم أن يزداد الطلب على الغذاء والمياه والسكن والتربية والنقل والكهرباء وغيرها من الخدمات البلدية، عدا عن أن المنطقة العربية تتجه الى كارثة مائية خلال سنوات معدودة، وتغيّر المناخ سيضاعف مخاطر ندرة المياه والغذاء. كما أن على الدول العربية أن تؤدي دورها في تخفيض الانبعاثات الكربونية، من خلال كفاءة أفضل للطاقة واستخدام أنظف للنفط والغاز واعتماد أوسع على الطاقات المتجددة.
الحقيقة أن التحول الى الاقتصاد الأخضر، في مواجهة هذه التحديات، لا يقتصر على كونه خياراً للمنطقة العربية، بل يغدو حاجة لتأمين عبور مأمون الى التنمية المستدامة.
التقرير الشامل حول خيارات الاقتصاد الأخضر في البلدان العربية يمثل المرحلة الأولى من مبادرة المنتدى العربي للبيئة والتنمية في هذا المجال. عمل على هذا التقرير أكثر من مئة خبير، وتمت مناقشة مسوداته في اجتماعات استشارية حول العالم العربي، وصولاً الى نشر التقرير بصيغته النهائية وتقديمه الى المؤتمر السنوي للمنتدى في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011. ويتوخى التقرير حث الحكومات وقطاعات الأعمال ومساعدتها على التحول الى الاقتصاد الأخضر. وهو يقترح سياسات حكومية ونماذج اقتصادية وفرصاً استثمارية خضراء وحلولاً مبتكرة. وتشمل المرحلة الثانية من المبادرة نقل التوصيات الى حيز التطبيق، من خلال تنفيذ مشاريع خضراء نموذجية بمشاركة مؤسسات وطنية.
يأمل المنتدى أن يساهم التقرير في إدخال مفاهيم الاقتصاد الأخضر الى المنطقة العربية ووضعها موضع التنفيذ، بما فيه الحث على تطوير إصلاحات ملائمة في المؤسسات والسياسات. وإذا نجح في إيصال المعلومات وإحداث بعض التغييرات في السياسات الحكومية وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الاقتصاد الأخضر لدفع عملية التنمية المستدامة في العالم العربي، فهو يكون قد حقق هدفه.
هذا الشهر، وعلى وقع الانتفاضات، يلتقي العرب في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية في بيروت، لبحث مستقبل يقوم على سياسات خضراء تحقق التنمية المستدامة جنباً الى جنب مع الحرية والاستقرار.
|